ارتباك فكري وشرذمة تنظيمية ينهكان فصائل الشمال السوري

وسط الاقتتال الداخلي والشائعات عن عودة «القاعدة»

ارتباك فكري وشرذمة تنظيمية ينهكان فصائل الشمال السوري
TT

ارتباك فكري وشرذمة تنظيمية ينهكان فصائل الشمال السوري

ارتباك فكري وشرذمة تنظيمية ينهكان فصائل الشمال السوري

يزداد وضع القوة المحسوبة على تيار الإسلام السياسي الراديكالي المسلح في شمال غربي سوريا تعقيداً. وتشهد مناطق في محافظة إدلب تأجج حدة التوترات، عوضاً عن توحّد الساحة العسكرية بعد هزيمة تنظيم داعش والهجوم الذي تشنه قوات بشار الأسد والميليشيات الداعمة لها على المحافظة ومدينة إدلب عاصمتها الإدارية. إذ اندلعت المواجهات من جديد بين مختلف التنظيمات مع انقسام «هيئة تحرير الشام» إلى فصائل متناحرة لكل منها جدول أعمالها الخاص.
بدأت في الأيام الأخيرة «جبهة تحرير سوريا» هجماتها الواسعة على مقار ومعسكرات «هيئة تحرير الشام»، التي تضم ضمن مَن تضم «جبهة النصرة» سابقاً - المرتبطة بدورها بتنظيم «القاعدة» - إلى الغرب من مدينة حلب، كبرى مدن شمال سوريا. وجاء هذا التطوّر في أعقاب إعلان التشكيل العسكري الجديد المؤلف من «حركة نور الدين زنكي» و«حركة أحرار الشام». وأفاد ناشطون بأن الهجوم سبقته موجة اتهامات متبادلة بشأن عمليات قتل وتصفية.
الشيخ حسن دغيم، الخبير في شؤون الحركات الراديكالية السورية، ذكر أن الحرب بين «حركة نور الدين زنكي» و«هيئة تحرير الشام» كانت قد اندلعت منذ ثلاثة أشهر. وتجدّدت أخيراً الاشتباكات بين «جبهة تحرير سوريا» - التي بات تضم حركتي «زنكي» و«أحرار الشام» - ويقاتل معهم تنظيم «صقور الشام»، ولقد وصلت الاشتباكات حتى إدلب.
ومن ناحية ثانية، يشير الشيخ رامي الدالاتي، وهو أيضاً متخصص في الحركات الراديكالية السورية، إلى «أن الوضع الحالي يشهد صراعاً فصائلياً في محاولة لمناكفة هيئة تحرير الشام من قبل الفصائل التي تعتبر أقل درجة إن صح القول، مثل أحرار الشام. وهذه الأخيرة تسعى للتواصل مع الفصيل المتمرد من الهيئة، ونعني نور الدين زنكي، ولقد شكل الفريقان معا جبهة تحرير سوريا». ويتابع الدالاتي: «الحقيقة أن جبهة تحرير سوريا ليست جبهة مندمجة فعلياً بل هي عبارة عن اتفاقية دفاع مشترك بين الفريقين. فهي شُكلت بدافع التصدي، أو انطلاقاً من شعور خوف متصاعد تجاه هجوم قد تشنه عليها هيئة تحرير الشام».

مخاوف و«مناكفة»؟
ويضيف الدالاتي «أن هيئة تحرير الشام تشعر بخوف حقيقي من تنظيم زنكي الذي يملك بالإضافة إلى القوة العسكرية، ولو المتواضعة، ثقلاً اجتماعياً خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرته مثل غرب حلب، وهي مناطق منظمة بشكل دقيق. وهذا ما يشكل تحديا لهيئة تحرير الشام. وبالتالي، يحاول الزنكي أن يتسبب بمناكفة لهيئة تحرير الشام بغية تفعيل موقعه في العلاقة مع الأتراك، ولكي تتم استشارته في إدخال القوات التركية التي لا تزال حتى الآن تدخل سوريا فقط عن طريق هيئة تحرير الشام».
هذا، وفي سياق الاتهامات المتبادلة، تدّعي «هيئة تحرير الشام» أنها اعتقلت بعض العناصر من «حركة نور الدين زنكي» نفذوا عمليات اغتيال، وهو أمر تنفيه الحركة. كذلك تدعي «الهيئة» أن «زنكي» أدخلت إلى إدلب مجموعة تتألف من 120 شاباً من جيش الثوار الموالي للأكراد في مناطق «جيب» عفرين بهدف اغتيال شخصيات من «الهيئة». وعلى الرغم من أن «حركة نور الدين زنكي» تنكر هذه الادعاءات، «فإن من الصعوبة بمكان أن تتمكن هكذا مجموعة من العبور من عفرين إلى حلب أو إدلب من دون المرور بأراضي زنكي»، كما يقول الشيخ الدالاتي.

وساطات «شرعية»
من جهة ثانية، كان لعدد من المشايخ والدعاة البارزين محاولات كثيرة لإنهاء القتال الدائر بين «هيئة تحرير الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» في الشمال السوري المحرَّر. وبحسب «الدرر الشامية»، كتب الداعية عبد الرزاق المهدي في منشور على قناته «تليغرام» تفاصيل ما حدث أثناء لقاء قادة «زنكي» و«الهيئة». ومما جاء في المنشور أنه حضر الجلسات الشيخ عبد الله المحيسني، والشيخ مصلح العلياني، والشيخ أبو محمد الصادق. وأكد المنشور أنه «قياماً بالواجب الشرعي على طلاب العلم والمصلحين، انطلقنا لنستمع للأطراف المتنازعة أي هيئة تحرير الشام وحركة نور الدين الزنكي، وكنا قد اتفقنا أن نسعى لزيارة الطرفين حقناً للدماء وحفظاً للساحة من الضياع».
الجدير بالإشارة، أن الخلاف بين حركة «نور الدين زنكي» و«هيئة تحرير الشام» ليس الخلاف الوحيد الذي تشهده الساحة الراديكالية السورية، وتحديداً في شمال غربي سوريا. ولقد عزا نشطاء ومعارضون الخسائر الملحقة إلى انسحاب مسلحي «الهيئة» من المنطقة وتخليها عنها لصالح نظام الأسد، فوفق الناشط إبراهيم إدلبي: «بدلاً من القتال، سلِّمت هيئة تحرير الشام الأراضي للقوات الموالية لنظام الرئيس (بشار) الأسد». أما الخبير حايد حايد، من مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث، فيرى أن «تراجع الهيئة يصب ضمن استراتيجية أوسع لحماية المناطق الواقعة غربي خطة سكة الحديد (سكة حديد حلب - دمشق)، ومن أجل توطيد السلطة في المناطق الأخرى التي تعتبرها أكثر حساسية».
ومن الواضح، أن الخسائر العسكرية ساهمت في تفاقم المشكلات الداخلية ضمن «هيئة تحرير الشام» بعد انفصالها عن تنظيمها الأم - أي تنظيم القاعدة، الذي أعقبه حلقات متتالية من إعادة التسمية ومن اعتقال طال حركيين بارزين في صفوفها. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) أوقفت «الهيئة» بتوقيف الشيخ الدكتور سامي العريدي و«أبو جليبيب الأردني» اللذين كانا من أبرز الشخصيات الحركية في «الهيئة»، قبل أن يجري إطلاقهما لاحقا. وبالإضافة إلى الدكتور سامي العريدي و«أبو جليبيب»، جرى اعتقال أعضاء بارزين آخرين هم «أبو خديجة الأردني» و«أبو مصعب الليبي»، وفق الشيخ حسن دغيم. وجاءت هذه الاعتقالات بعد حملة طويلة من الاغتيالات الغامضة استهدفت أعضاء «هيئة تحرير الشام».

تحوّل براغماتي؟
وفي هذا الصدد يوثق حايد حايد 35 اغتيالاً ضد أعضاء المنظمة، بينما يقول حسن أبو هنية، الخبير في شؤون «القاعدة» إن «هذه الاغتيالات استهدفت أشد المعارضين الذين تصدّوا للتحوّل البراغماتي الذي سعى إليه أبو محمد الجولاني». وللتذكير، فإن «جبهة النصرة» كانت قد أعلنت في يوليو (تموز) 2016 انفصالها عن تنظيمها الأم، أي تنظيم «القاعدة»، وبدأت العمل تحت مسمى «جبهة فتح الشام»، قبل أن تتخذ تسميتها الجديدة في يناير (كانون الثاني) 2017.
أما جهود الجولاني الساعية لإضفاء صبغة براغماتية على «الهيئة» فلم تتوقف عند الانفصال عن تنظيم القاعدة فحسب، بل أدت أيضا إلى تقارب مع تركيا. ففي أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، عبرت قوات الاستطلاع التركية محافظة إدلب ضمن المرحلة الأولى من عملية «تهدئة» الانتشار مع مرافقة وحراسة مسلحة من «هيئة تحرير الشام». وفي فبراير (شباط) الماضي تناقل مؤيدون لـ«الهيئة» شريط فيديو لأحد رجال الدين وهو يشرح قواعد تعاون «الهيئة» مع تركيا، غير أن هذا الفيديو ما لبث أن حُذف.

ارتباك وشرذمة تنظيميين
في أي حال، يمكن القول إن تحوّل «هيئة تحرير الشام» من تنظيم راديكالي متشدّد إلى منظمة براغماتية بعيدة عن «القاعدة»، وتفاوضها مع قوى إقليمية مثل تركيا، أديا إلى شرذمة المشهد في إدلب. ذلك أن عدداً من المجموعات مثل «جند الملاحم» و«جيش البادية» انفصل عن «الهيئة»، ولو أنه «ليس لهذه التنظيمات أي ثقل حقيقي أو قبول اجتماعي، وهي في الحقيقة أقرب لمجموعات القاعدة، من دون أن تكون فعليا من «القاعدة» وفق الشيخ الدالاتي. وحول هذه النقطة، يشرح الشيخ دغيم فيقول إن العريدي و«أبو جليبيب» جدّدا بيعتهم لـ«القاعدة» وسميا جماعتهما بـ«أنصار الفرقان»، أما «شباب جند الأقصى» فسموا أنفسهم «جند الملاحم»، في حين اختار فريق ثالث لا يريد لا الجولاني ولا العريدي أن يسموا أنفسهم «جيش البادية». ومن جانبه، يفيد إدلبي أن جميع هذه المشكلات «أدت إلى تقليص إلى حد كبير قوى هيئة تحرير الشام إلى نحو 5 آلاف مقاتل»، و«هذه المجموعات المنشقة تدين كلها بولائها لتنظيم القاعدة» وفق أبو هنية.

خطر عودة «القاعدة»
عودة إلى الدالاتي، فإنه يقول إن مجموعة «أبو جليبيب الأردني» وسامي العريدي و«أبو القسام الأردني» انشقت وحاولت أن تعيد إنشاء «القاعدة» الأصلي بقيادة «أبو همام السوري» إلا أنها لم توفق بذلك. وكانت «الهيئة» حادة في منع قيام مشروع «القاعدة» مرة أخرى على الأراضي السورية، ولذا اعتقلت «أبو جليبيب» والعريدي وأفهمتهما رسالة حازمة قبل أن تطلق سراحهما. وبالتالي، منع نشوء تنظيم لـ«القاعدة» في الشمال السوري، وأتباع هذين الحركيين رغم أنهم موجدون في الشمال السوري فهم لا يحظون بقبول شعبي كبير، ولا سيما أن أفراد هذه المجموعات انقسموا على أنفسهم بنتيجة تباين مواقف «أبو همام» والعريدي.
إلا أنه ووفقاً لمصادر مطلعة في إدلب، ما زال بإمكان «القاعدة» الاستفادة من الارتباك والشرذمة ومحاولة توحيد هذه الجماعات تحت راية واحدة. ويُعتقَد أن التنظيم الأساسي لـ«القاعدة» أرسل بالفعل أن حمزة، أحد أبناء زعيم «القاعدة» السابق الراحل أسامة بن لادن، إلى سوريا. وثمة من يزعم أنه موجود الآن في درعا، بيد أن أبو هنية وحايد لم يتمكنا من تأكيد الخبر. وفي هذا الصدد، اعتبر أبو هنية «أن حمزة بن لادن مرتبط بإيران والقاعدة في سوريا، ويمكن أن يصبح في نهاية المطاف أداة في يد طهران، وأن يلعب ضد المصالح الأميركية في شمال سوريا». ويعتقد أن حمزة بن لادن عاش وتزوج في إيران قبل أن ينضم إلى والده في أفغانستان ومن ثم يعبر إلى الأراضي السورية مع سيف العدل.
وتعليقا على ذلك، ينفي الشيخ دالاتي تماماً وجود ابن لادن في سوريا، ويعتبر الأمر مجرد شائعة لا أساس لها من الصحة. ومن ثم يشرح «أن المجموعة القاعدية التي انتشرت في سوريا لها علاقة بسيف العدل الموجود في إيران وهي على تواصل واضح معه. أما وجود حمزة بن لادن في سوريا فغير دقيق إطلاقاً».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.