واشنطن واعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية

فرص تصنيفها تتزايد بعد «حسم» و«لواء الثورة»

قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
TT

واشنطن واعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية

قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)
قادة {الإخوان} هددوا من خلف القضبان بإثارة الفوضى في ربوع مصر (غيتي)

إلى أين تمضي العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الولايات المتحدة؟ علامة استفهام مثيرة للجدل، وبخاصة في ضوء العلاقة التاريخية التي باتت معروفة للقاصي والداني بين الطرفين منذ أوائل الخمسينات في القرن الماضي. في تلك الفترة استقبل الرئيس دوايت أيزنهاور في البيت الأبيض سعيد رمضان، صهر حسن البنا، ومن تلك الساعة تحركت أشرعة الأصولية الإسلامية في بحر الحياة السياسية الأميركية، ولا تزال الأشرعة مفرودة في اتجاه الرياح الدولية.
كانت رئاسة باراك أوباما مثالاً واضحاً للتعاطي البراغماتي بين واشنطن وجماعة الإخوان بنوع خاص. وبلغ التنسيق حد السماح للجماعة - للمرة الأولى في تاريخها - بالوصول إلى مقاعد الحكم في مصر، ومحاولات أقرانها الآيديولوجيين تسلق سلم السلطة في مختلف الدول التي شهدت ما عرف بـ«الربيع العربي».
غير أن «ثورة يونيو (حزيران)» في مصر، ونهاية ولاية أوباما، ودخول الرئيس دونالد ترمب البيت الأبيض، وضعت نهايات سريعة لطموحات الجماعة ولو بصورة أولية ومبدئية، وإن بقيت هناك إجراءات قد تقرر واشنطن اتخاذها، وفي مقدمة هذه الإجراءات الاعتراف بأن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.

تصنيف {الإخوان} منظمة إرهابية
في العاشر من يناير (كانون الثاني) الماضي قدم السناتور الجمهوري تيد كروز مشروع قانون جديداً تحت اسم «تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية». ودعا كروز من ثم وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى إجراء تحقيق، وتقديم تقرير للكونغرس حول الأسباب التي قد تحول دون إدراج الجماعة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية.
الجدير بالذكر أنه لا يوجد في الداخل الأميركي تنظيم رسمي يحمل اسم الإخوان المسلمين. ولكن تقريراً نشرته في أوائل فبراير (شباط) الحالي مجلة «فورين آفيرز» الأميركية، أشار إلى الطبيعية السرية لمنظمة الإخوان منذ أسست عام 1928. وذكر أن أعضاءها في الولايات المتحدة يمضون على النهج نفسه، لا سيما وأنهم قدموا إلى البلاد منذ الخمسينات والستينات. وفي هذه الفترة كونوا جماعات لها وجه الجمعيات المدنية، غير أن أهدافها السرية لا تزال قائمة وبنفس الاتفاق الفكري مع «الجماعة الأم» في مصر.
ولعل ما يزعج كثرة من الأميركيين اليوم هو أن هذه الجمعيات والمؤسسات التي أنشأها «الإخوان غير الظاهريين» داخل أميركا خلال ثلاثة أو أربعة عقود خلت، تضطلع حالياً بدور قيادي في صفوف جيل الشباب المسلمين الذين ولدوا في الولايات المتحدة. ومن هنا فإن الاحتمالات قائمة بأن يطلق هؤلاء نوعاً من الحركة الراديكالية الأصولية، لا يلبث في «لحظة التمكين» أن ينقلب إلى المواجهة الدموية. ولعل النموذج الأول لهذا النوع من الحركية الراديكالية، بحسب فرانك غافني، مساعد وزير الدفاع في إدارة الرئيس رونالد ريغان والرئيس الحالي لـ«مركز الدراسات الأمنية»، «يتمثل في إنشاء مؤسسات إسلامية كالمدارس والمراكز الاجتماعية، والقضاء على الحضارة الغربية من الداخل، والتسبب في انهيارها».
ولعل ما يجعل المخاوف تتعاظم لدى بعض الأميركيين من الإخوان المسلمين هو أنه، منذ فشل الإخوان في حكم مصر وثورة المصريين عليهم والإطاحة بمحمد مرسي، يتعزّز ميل الإخوان للعمل السري أكثر من أي وقت مضى. وهذا أمر يجعل المخاوف قائمة داخل أميركا إزاء مستقبل هذه الجماعات السرية.

«حسم» و«لواء الثورة»
من ناحية أخرى، يتفق معظم العاملين في شؤون التاريخ والتحليل والسرد للجماعات الأصولية الإسلاموية على أن الإخوان المسلمين كانوا وما زالوا المعين الأصولي الأكبر الذي تفرعت عنه مختلف الجماعات المسلحة التي انتهجت العنف طريقاً لها. وهذا، بصرف النظر عن أسمائها، سواء كانت «جماعة الجهاد»، أو «الجماعة الإسلامية»، ولاحقاً «القاعدة»، وصولاً إلى التفريخ الأكثر توحشاً المعروف بـ«داعش»، وما انبثق عنه من جماعات متباينة الاتجاهات والتوجهات شكلياً.
في مصر، تحديداً، ظهرت جماعات عنف مسلح من بينها «حسم» و«لواء الثورة». ولقد أعلنتا أكثر من مرة مسؤوليتهما عن أعمال عنف وإرهاب داخل مصر، مما دعا السلطات الأميركية في 31 يناير الماضي لإعلانهما منظمتين إرهابيتين. ويرى الصحافي والكاتب الأميركي إيلي لايك هذا القرار من وزارة الخارجية الأميركية أنه تصرف حكيم من إدارة ترمب، في مواجهة الأذرع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.
القرار المذكور يؤدي بداية إلى منع الجماعتين من التعامل عبر النظام المالي الأميركي، وتالياً وضعهما تحت الرقابة المشددة للأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأميركية. وكان من الطبيعي أن ترحب مصر بقرار واشنطن، معتبرة إياه «تطوراً إيجابياً في إدراك شركاء مصر الدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، أهمية حظر تنظيم الإخوان الإرهابي والجماعات والتنظيمات المنبثقة عنه على أمن واستقرار مصر وشعبها».
كان من الواضح جداً منذ الحملة الانتخابية الرئاسية الأميركية أننا أمام إدارة إن لم تكن تمثل أقصى اليمين الأميركي، فإنها على الأقل تتشكل من جماعات يمينية. وفي الحالتين يمكن القطع بأنهما من الأضداد الطبيعيين للتيارات الإسلاموية، بل وللإسلام والمسلمين دون مواربة، ولقد وعد ترمب بمجابهة تلك التيارات بنوع خاص.
قبل سنة تقريباً كان ترمب قد وعد بتقويض عمل جماعة الإخوان وإدراجها على قوائم المنظمات الإرهابية مثل تنظيم «القاعدة». ولاحقاً قال أكثر من مسؤول بارز في إدارة ترمب إن الرئيس الجمهوري لا يخطط بحال من الأحوال - بعكس سلفه الديمقراطي باراك أوباما - لإيجاد أرضية مشتركة للتعامل مع الإخوان، وبالأخص، بعد تزايد العنف والعدوانية في تعاملاتها مع الداخل المصري بنوع خاص. وفي منتصف يناير الماضي صرح مسؤول في الحزب الجمهوري الأميركي لصحيفة «إزفستيا» الروسية بأن إدارة ترمب قد تدرج الإخوان على قائمة المنظمات الإرهابية، وإن ثمة عدداً كبيراً من أركان الإدارة يدعمون الرئيس في هذا الطرح. وإن واشنطن ترى أن الإخوان جماعة براغماتية تحاول تحقيق أهدافها عبر أجنحتها العسكرية.
أحد أبرز الذين اطلعوا على مشروع قانون السناتور كروز حول الإخوان، المحلل السياسي الأميركي ثيودور كاراسيك في موقع «غلف ستيت آناليتيك» في واشنطن، ولقد أشار حقاً إلى نية وضع الإخوان على لائحة الإرهاب. وعند كاراسيك أن الإخوان «تنظيم لا يحرض على العنف فقط، بل ويشدد على أنه البنية التي أدت إلى نشوء تنظيمي القاعدة وداعش. وإضافة لذلك، يقف تنظيم الإخوان المسلمين وراء الهجمات على ممثلي السلطات في كثير من دول الشرق الأوسط. في الوقت نفسه يوجد لهذا التنظيم مكاتب تمثيلية في كثير من دول الغرب بأميركا وأوروبا، الأمر الذي يثير قلق الإدارة الأميركية الحالية.

ماذا سيخسر الإخوان؟
هناك مآلات قد تقضي على آمال الإخوان في العودة مجدداً للسلطة في العالم العربي والإسلامي، ولكن التصدي لها في الولايات المتحدة سيحرم الجماعة من الملجأ والملاذ الأخير المحتمل.
هذا، بدايةً، سيعني حظر دخول أي مواطن غير أميركي ينتمي للجماعة أو على صلة بها إلى الأراضي الأميركية، الأمر الذي يقطع أوصال الجماعة لوجيستياً، وبصورة غير مسبوقة حول العالم.
والأمر الثاني، الذي لا يقل أهمية عن سابقه، يتصل بالدعم المالي للإخوان، وفي هذه الحالة سيخضع ممولو الإخوان لقانون العقوبات الأميركي إن هم أقدموا على تقديم تبرعات لجماعة إرهابية، سواء كان هذا الدعم في صورة أموال مباشرة أو خدمات لوجيستية أخرى.
أما الأمر الثالث، في حال اتخاذ قرار على هذا النحو فإن كل أصول وموجودات الجماعة على الأراضي الأميركية ستصادر وتؤول إلى الخزانة الأميركية، مما يعني فقدان كل المكتسبات المالية التي عملت الجماعة من أجلها طوال خمسة عقود أو أكثر. ولن يتوقف الضرر عند المؤسسات التابعة للإخوان فحسب، بل سيمتد حكماً إلى جميع المنظمات والهيئات المرتبطة بعلاقات تفاعلية مع منظمات الجماعة، مما يجعلها عرضة بدورها لأن تصبغ بصبغة «غير قانونية». غير أن الكارثة الأكبر التي يمكن أن تحل بالجماعة في أميركا بعد إدراجها على قوائم المنظمات الإرهابية... إمكانية الملاحقات القضائية بأثر رجعي وفتح ملفات كثيرة، ضدها. وهنا فإن كثيرين في اليمين الأميركي متشوقون لمحاسبة إدارة أوباما، بنوع خاص. ولعل إدراج الإخوان منظمة إرهابية سيعطي فرصة ذهبية لإدارة ترمب للمضي قدماً في طريق ترحيل المئات، وربما الآلاف من المسلمين الذين تحوم من حولهم شبهات التعاطي مع الإخوان أو الاتصال والتواصل معهم في أنحاء الولايات الواسعة، بما في ذلك من اللاجئين والمهاجرين الذين لا يود ترمب رؤيتهم في طول البلاد وعرضها مرة ثانية.
يبدو واضحاً أن القرار ليس يسيراً، لا سيما في ضوء علاقات أميركا الخارجية مع دول بعينها، أو في سياق أضابيرها الاستخباراتية السرية، وبخاصة، ما يتعلق بعلاقة الإخوان مع الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» طوال عقود بدأت في الخمسينات ولم تنقطع حتى اليوم.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».