ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»

الوزيرة الإماراتية خريجة هارفارد.. طموح لا يعرف الحدود

ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»
TT

ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»

ريم الهاشمي.. نجمة «إكسبو 2020»

تعتقد الإماراتية ريم إبراهيم الهاشمي، أن معرض «إكسبو 2020» الذي فازت باستضافته مدينتها دبي، في معركة عالمية حامية الوطيس، فرصة للترويج لقيم التسامح واحترام الحضارات والثقافات الأخرى، حيث إن دبي هي مدينة تعددية بامتياز، إذ تتعايش فيها «200 جنسية»، ويفترض بحسب الهاشمي، أن «تستقطب نحو 25 مليون زائر بينهم 70% من الأشخاص الذين سيأتون من الخارج».
ريم الهاشمي التي كانت تشغل منصب المدير التنفيذي للجنة الخاصة بملف الترشيح للمعرض العالمي الكبير، وتعد إحدى نجماته اللامعة، كانت أصغر وزيرة عربية، حيث تسلمت أول حقيبة وزارية عندما أصدر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مرسوما يقضي بتعيينها بالسلك الدبلوماسي والقنصلي بدرجة وزير مفوض من الدرجة الأولى، وذلك في عام 2007، عندما كان عمرها آنذاك 29 عاما، كما وافق مجلس الوزراء بعد فترة قصيرة على تعيينها مساعدة لوزير الخارجية للشؤون الاقتصادية بلقب سفيرة، وهي أول امرأة تنال هذا اللقب في تاريخ الإمارات.
ولدت ريم الهاشمي في مدينة دبي وذلك في عام 1978، وأكملت دراستها الجامعية بجامعتي تافس وهارفارد في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأميركية، حيث تخرجت بشهادة بكالوريوس في العلاقات الدولية وشهادة أخرى في اللغة الفرنسية.
عملت موظفة في المكتب التنفيذي للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في دبي، ثم شغلت منصب نائبة سفير الإمارات في واشنطن.
تتولى الهاشمي منصب رئيسة مجلس إدارة مؤسسة دبي العطاء، وهي مؤسسة خيرية مقرها دولة الإمارات العربية المتحدة، كان قد جرى إطلاقها في سبتمبر (أيلول) 2007 كمبادرة من الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بهدف تأمين فرص لأطفال الدول النامية للحصول على التعليم الأساسي.
كما تتولى منصب رئيسة مجلس الإمارات للتنافسية الذي يعمل بالتعاون مع مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، لوضع السياسات وتنفيذ الإجراءات التي تعزز وتدعم الخطط التنافسية لدولة الإمارات العربية المتحدة وتحقيق الازدهار والنمو المستديم، وشغلت أخيرا العضو المنتدب في اللجنة العليا لاستضافة معرض «إكسبو الدولي 2020».
شاركت بشكل فعال في الكثير من القضايا التي كان لها تأثير واسع النطاق على العلاقات الثنائية بين الإمارات والولايات المتحدة، بما في ذلك قضايا الأمن والتجارة، إلى جانب القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
شغلت منصب رئيسة المركز الوطني للإحصاء، الجهاز الحكومي الخاص بتوفير بيانات ومعلومات إحصائية حديثة ذات جودة عالية، تساهم في صنع القرارات ورسم السياسات وتقييم الأداء.
وتحاول أن تسير على خطوات وطنها الإمارات، حيث قالت في العيد الأربعين في للدولة 2011، إن الإمارات كانت دولة صغيرة محدودة الموارد، ولكنها ملكت أحلاما وطموحات لا تحدها حدود، حينها كانت دبي تلك القرية الوادعة المعتمدة على صيد الأسماك تضج بالنشاط بطريقتها الخاصة، حيث مثلت ملتقى للتجار ولطرق التجارة من دول بعيدة في قارة أفريقيا والهند.
قالت عنها الدكتورة فاطمة المزروعي الكاتبة الإماراتية في أحد مقالاتها: «لقد وقفت الوزيرة ريم الهاشمي فوقفت معها على المنصة المرأة العربية من المحيط إلى الخليج، ونجاحها في ذلك هو نجاح يضاف لرصيد المرأة العربية وليس المرأة الإماراتية فحسب، لقد كانت الوزيرة ذكية في طرحها وفي مناقشاتها، وفي تأكيدها الدائم على الاحترام والمساواة وحقوق العمال هي ريم فخر للمرأة الإماراتية، وللطموح الذي لا يعرف حدا، وهو يمضي للعلا».
وأضافت: «تمسك بيديها أسرار النجاح ليصير منهج حياة ومتعة دائمة، ومن هذه الأسرار الكثيرة وأهمها الثقة بالذات وبالقدرات، لقد تجلى ذلك في صوتها وهي في العرض الأخير لـ(إكسبو)، فكان صداه يشي بثقة راسخة في الذات والقدرات، فما بالكم بالصوت نفسه، ومن الأسرار أيضا التعليم وإتقان اللغات فهي خريجة جامعة هارفارد، وهذا ليس كافيا، إلا إذا صاحبته العزيمة القوية والصبر والإخلاص في العمل، إضافة إلى أمر مهم هو أنها قد حددت هدفها منذ أن كانت طالبة على مقاعد الثانوية العامة، فهي تعلم ماذا تريد وكيف تحقق أحلامها».
عملت الهاشمي مع الجميع من وزراء وسفراء ومسؤولين خلال توليها ملف «إكسبو 2020»، الذين أسهموا معها في إيصال الصورة الحقيقة لقدرة الدولة على استضافة المعرض، وذلك لما تمتاز به من بنية تحتية واقتصاد قوي ومن انفتاح على الآخر.
وصفها الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي في الإمارات، بالنجمة اللامعة، حيث تحدث عنها في جملة حديثه عن إنجاز «إكسبو 2020» بقوله: «نجاحنا في (إكسبو) جاء نتيجة لتضافر الجهود وجماعية العمل وسلامة التخطيط ويمثل نجاحنا عربيا وخليجيا تحمل رايته الإمارات، ولعبت القيادة من خلال رؤيتها دور محوريا في النجاح وقاد التنفيذ الشيخ عبد الله بن زايد والشيخ أحمد بن زايد ونجمتنا اللامعة ريم الهاشمي».
كانت خير سفيرة للتأثير على المصوتين، حيث قدمت ريم الهاشمي العضو المنتدب للجنة الوطنية العليا لـ«إكسبو 2020» في ربع الساعة الأخير من موعد التصويت للدولة التي تستضيف المعرض الدولي الكبير عرض بلادها، والذي دام 20 دقيقة أشارت فيه إلى آخر الاستعدادات التي جرت في الإمارات ومدينة دبي تحديدا المرشحة لاستضافة هذا الحدث.
وقالت جملتها المشهورة في الخطاب الأخير قبل التصويت: «سيداتي وسادتي، اعلموا أنكم حين تصوتون اليوم، فإن أصواتكم ستغير التاريخ»، وعدت هذه الجملة لافتة في خطاب وزيرة الدولة الإماراتية وممثلتها إلى عرض ملف «إكسبو 2020» في باريس، كما كانت من أكثر اللحظات تأثيرا في خطاب السيدة الإماراتية التي قدمت نفسها كنموذج للمرأة الإماراتية بشكل خاص، والعربية بشكل عام.
وأكدت الهاشمي أن الإمارات قيادة وحكومة وشعبا ومجتمعا باتت مهيأة لاستضافة هذا الحدث وتقديم أفضل ما لديها من خدمات ووسائل للراحة والأمن والأمان للمشاركين في المعرض وزواره، والذي يتوقع أن يزوره نحو 25 مليون زائر من كل أنحاء العالم بما فيها الإمارات على مدى 6 أشهر التي يقام فيها المعرض.
وتعتقد الوزيرة الهاشمي أن العناصر والمقومات التي تمتلكها دولة الإمارات ستساعدها على إنجاح الحدث على أراضيها، مشيرة في السياق إلى التناغم الإنساني والثقافي والحضاري الذي يميز مجتمع الإمارات المكون من 200 جنسية يمثلون السواد الأعظم من دول العالم يعيشون في ظل مجتمع عربي مسلم متسامح وفي ظل كرم الضيافة العربية والاحترام وحفظ حقوق الإنسان.
كما أشارت إلى البنية التحتية المتكاملة والمتميزة من مطارات وشبكات طرق وجسور وموانئ عالمية إلى جانب المواصلات والاتصالات التي تربط دولة الإمارات مع جميع دول العالم دون معوقات أو تعقيدات، هذا إلى جانب موقع المعرض المقترح الذي يقع في منطقة جبل علي في دبي على مساحة أكثر من 20 هكتارا من الأرض والمجاور إلى ميناء جبل علي العملاق ومطار آل مكتوم الدولي الحديث ويحيط به شبكة من الطرق والجسور والأنفاق المتطورة التي تسهل عملية الوصول إلى المعرض من قلب المدينة أو من كل أنحاء الإمارات بكل سلاسة وسهولة.
كانت الهاشمي متفائلة بفوز بلادها منذ وقت مبكر، وأجابت عن توقعاتها عندما سئلت: «إنني متفائلة جدا ونتوقع التصويت لصالح الإمارات». وزادت: «الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، زرع فينا الأمل باستضافة معرض (إكسبو الدولي 2020)، استنادا إلى الإمكانات والقدرات التي تتمتع بها دولة الإمارات وتؤهلها بجدارة للمنافسة على إقامة المعرض الأكبر من نوعه عالميا في دبي».
وكانت دبي توجت مجهوداتها في شرف استضافة معرض «إكسبو 2020» بحصد 116 صوتا من الأصوات المشاركة في الجولة النهائية لاختيار المدينة التي ستنظم الحدث العالمي، حيث صوتت 164 دولة لانتخاب المدينة الفائزة بنسبة 71% مقابل 29 لمدينة إيكاترينبرغ الروسية. واستطاعت دبي أن تكون الأبرز في عملية الترويج لقدرتها على استضافة معرض «إكسبو 2020»، وسخرت جميع إمكانياتها لاستعراض مقومات التنظيم، في الوقت الذي شكلت فيه تلك المقومات قيمة إضافية حقيقية للمعرض العالمي، منح دبي ميزة أكبر من منافسيها في السباق على الترشيح لاستضافة المعرض العالمي.
وستسهم استضافة معرض «إكسبو» بزيادة الناتج المحلي الإجمالي لدبي بما يقرب 141 مليار درهم (38.3 مليار دولار)، إلى جانب توفير 277 ألف فرصة عمل خلال السبع سنوات المقبلة.
وشاركت الهاشمي في عدد من الاجتماعات الدولية، حيث شاركت في الاجتماع الثاني لمجموعة عمل أصدقاء سوريا المعنية ببناء وتأهيل الاقتصاد السوري الذي أقيم ببرلين الألمانية، وترأست الهاشمي وفد بلادها، بهدف مناقشة آخر تطورات عمل المجموعة الاقتصادية التي تهدف إلى دعم وبناء وتأهيل الاقتصاد السوري، واستعرضت في الاجتماع دور الإمارات الداعم للشعب السوري في المجالات الاقتصادية والإنسانية.
كما عقدت الهاشمي في الاجتماع الوزاري للمكتب التنسيقي لحركة دول عدم الانحياز، والذي عقد في العاصمة الكوبية هافانا، سلسلة من اللقاءات الثنائية مع عدد من وزراء الدول المشاركين في الاجتماع.
وبحثت أوجه العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية الثنائية المشتركة بين الإمارات وتلك الدول وسبل تطويرها بما في ذلك تبادل الزيارات والخبرات وتعزيز التعاون في شتى المجالات.
وتحدثت الهاشمي عن رؤيتها للمرأة الإماراتية، وقالت: «أثبتت المرأة الإماراتية نجاحها في القطاعات الحكومية والمالية والصناعية، إضافة إلى وجود سيدات أعمال يمتلكن شركاتهن الخاصة»، مشيرة إلى أن المرأة تمثل حجر الزاوية التي ترتكز عليها عملية النهضة الوطنية في الإمارات، فهي تشارك في جميع مجالات الحياة.
وزادت: «جرى دمج المرأة الإماراتية كليا في الحياة العامة، مع بعض القيود القليلة التي تواجهها المرأة في كل مكان، حتى في الدول المتقدمة، مثل الموازنة بين الأسرة والعمل والمنافسة في مكان العمل على أساس المهارة والقدرة».
وتابعت الهاشمي: «أسهم حرص المرأة الإماراتية على اغتنام فرص التعليم في منحها فرصة المشاركة في نهضة المجتمع إلى جانب الرجل، حيث تعمل في الخدمة المدنية والتعليم والمحاماة والهندسة والطب والإعلام والرياضة والأعمال، كما تولت المرأة منصب السفيرة والقاضية وشغلت مقاعد برلمانية ووظائف في الشرطة والجيش، وتشغل المرأة أربعة مقاعد برلمانية في المجلس الوطني الاتحادي، كما تقوم الإمارات بتدريب المرأة على الإفتاء لتكون أول دولة تشهد ظهور المفتيات في العالم الإسلامي».
وأكدت الهاشمي أن دستور دولة الإمارات نص على أن المرأة تتمتع بكامل الحقوق التي يتمتع بها الرجل من حيث الحصول على الوظائف والخدمات الصحية والرعاية الأسرية، إلى جانب ضمان حقوق المرأة في الإرث.



لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.