انطلاق موسم «الرشاوى الانتخابية» وترقب ارتفاع سعر «الأصوات»

حملات توعية في الشمال وتحذيرات في كسروان

TT

انطلاق موسم «الرشاوى الانتخابية» وترقب ارتفاع سعر «الأصوات»

قبل نحو شهرين من موعد الانتخابات النيابية، تصاعد الحديث عن انطلاق موسم «الرشاوى الانتخابية» التي تتخذ أشكالاً شتى، سواء رسمية وعلنية كـ«العفو العام» المرتقب صدوره قبل السادس من مايو (أيار) المقبل، أو محصورة بالوزارات الخدماتية كوزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة النقل، وصولاً إلى الرشاوى المالية التي تبرز وبشكل خاص قبل أيام من موعد الانتخابات. ورغم المحاولات التي تبذلها وزارة الداخلية والأجهزة والجمعيات المعنية للحد من هذه الظاهرة، إلا أن دورها يبقى إلى حد بعيد محصوراً بتوثيق هذه الرشاوى، نظراً لصعوبة تأمين الإثباتات والأدلة اللازمة.
وكان المرشح عن دائرة كسروان - جبيل العميد المتقاعد شامل روكز أول من فتح هذا الملف بحديثه الشهر الماضي عن «مال سياسي يدفع في منطقة كسروان»، مطالباً هيئة الإشراف على الانتخابات بمراقبة المرشحين. وتلقفت الهيئة سريعاً طلب روكز فأصدرت بياناً حددت فيه أصول المراجعات وتقديم الشكاوى والتساؤلات، مؤكدة أنها «على أتمِّ الاستعداد لتلقِّي المراجعات والتحقيق فيها مباشرة أو عبر المراجع القانونية في إطار الأصول والإجراءات المحدَّدة في قانون الانتخاب أو في القوانين الأخرى».
إلا أن دور الهيئة يبقى، وبحسب المدير التنفيذي للجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات عمر كبول، محصوراً بالإعلام والإعلان الانتخابيين، وبمراقبة الإنفاق الانتخابي، لافتاً إلى أنها لا تمتلك الآليات اللازمة لتوقيف المرتكبين أو محاسبتهم. وأشار كبول في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عمل الهيئة يقتصر على تسجيل الشكاوى والمخالفات على أن تصدر تقارير دورية، كما نفعل نحن في الجمعية، وهي تقارير يمكن أن يستند إليها أي متضرر بعد الانتخابات كي يتقدم بطعن بنيابة مرشح ما قدّم رشاوى انتخابية». وأضاف: «حتى الساعة لم نتلق أي شكاوى في هذا المجال، علماً بأن إثبات عمليات الرشوة هو أصعب مهمة على الإطلاق، باعتبار أنه لا يمكن أن يتم إلا من خلال تسجيل العملية بالصوت والصورة أو من خلال الحصول على وصل ينص صراحة على أن حامله تلقى مبلغاً من المال مقابل أن يصوّت لمرشح معين في الانتخابات».
ويرجح كبول أن يساهم «الصوت التفضيلي» الذي يُعتمد لأول مرة في الانتخابات، والذي نص عليه القانون الجديد، وهو يعطي أفضلية لمرشح على باقي المرشحين في اللائحة نفسها، بتفاقم ظاهرة شراء الأصوات، معتبراً أن «القانون نفسه أتاح مجالاً لاستخدام المال السياسي بكثافة من خلال السماح لكل مرشح بصرف 300 مليون ليرة لبنانية، إضافة إلى 5000 ليرة عن كل ناخب، ما قد يصل لحدود المليون ونصف المليون دولار للمرشح الواحد في الدوائر الكبيرة»، وأضاف: «هذا الرقم ضخم جداً، علماً بأنه في حال كان أحد المرشحين يواظب على تقديم المساعدات الاجتماعية والطبابة والمنح الدراسية وغيرها من التقديمات لأكثر من 3 سنوات، فإن كل ذلك لا يندرج في المبلغ المرصود للإنفاق الانتخابي».
وفي مسعى لاستباق تفاقم «الرشاوى الانتخابية»، نظم تيار «قاوم» الذي بدأ عمله السياسي في أبريل (نيسان) الماضي كـ«قوّة تغييريّة جديدة» ستخوض الانتخابات تحت مظلّة المجتمع المدني في دائرتي عكار وطرابلس - المنية الضنيّة، حملات توعية في شمال لبنان وزع خلالها أوراقاً غير حقيقية من فئة 100 دولار أميركي على المارة للتنبيه من خطر شراء الأصوات مستخدماً شعار: «على ضهر المائة دولار».
ويعتبر محمد شمس الدين، الباحث في «الدولية للمعلومات» أن «تضمين القانون الانتخابي الجديد، اللوائح المعدة سلفاً، كجزء من الإصلاحات التي كان مرصودة، يجعل من الصعب جداً على المرشحين أن يتأكدوا من أن الناخبين الذين دفعوا لهم رشاوى انتخابية التزموا بالتصويت لهم»، وأضاف: «في السابق كان يتم اعتماد طرق متعددة للتأكد من ذلك باعتبار أن الناخب كان يستطيع أن يأتي بورقته من خارج قلم الاقتراع، أما اليوم فقد بات ذلك ممنوعاً، وقد أصبح مضطراً لاعتماد اللائحة التي سيحصل عليها داخل القلم كي يختار منها من يشاء».
ويرى شمس الدين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الصوت التفضيلي لا شك يشجع شراء الأصوات، ما يؤدي لارتفاع ثمنها، لكن لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع إلا قبل أسبوع من موعد الانتخاب، فلا أحد يدفع ثمن أصوات الناخبين إلا مع اقتراب موعد الانتخابات». وقال: «كما أن هذه الظاهرة تتفاقم ما بين الساعة الخامسة والسابعة مساء من يوم الاستحقاق أي قبل ساعتين من إقفال صناديق الاقتراع».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.