تحديات وفرص الاستثمار في الشرق الأوسط بمؤتمر كلية لندن للأعمال

مدير صندوق التنمية السعودي: المملكة في طريقها لتكون رائدة الصناعة بالمنطقة

TT

تحديات وفرص الاستثمار في الشرق الأوسط بمؤتمر كلية لندن للأعمال

تحت عنوان «دروب غير مطروقة»، استكمل مؤتمر الشرق الأوسط أعمال دورته السادسة عشرة يوم أول من أمس في العاصمة البريطانية لندن، بإشراف وتنظيم كلية لندن للأعمال. وشارك بالمؤتمر الذي دارت جلساته من الصباح وحتى المساء نخبة من الشخصيات الرائدة والمؤثرة في عالم المال والأعمال والاستثمار في الشرق الأوسط من القطاعين العام والخاص من مختلف الدول، وذلك بهدف مناقشة التحديات والفرص الاقتصادية التي تواجهها المنطقة في ظل التغييرات الهيكلية التي تعيشها اقتصاديات دولها.
وشملت جلسات المؤتمر حوارا هادفا حول الاستثمار في رأس المال الجريء والاستثمار في الأسهم الخاصة والتحديات التي تواجه رواد الأعمال. وطرح أمام الحضور فرص الاستثمار والنمو في المجال الصناعي بالمنطقة، والتركيز على التقنيات الحديثة الذكية في بناء المدن الجديدة.
وحظي المؤتمر هذه السنة بمشاركة نخبة من المسؤولين في الشرق الأوسط بالقطاعات الحكومية والخاصة، على غرار غسان حاصباني نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني، ومحمد القويز رئيس هيئة السوق المالية السعودية، وعائشة بطي بنت بشر المدير العام لمدينة دبي الذكية، والدكتور غسان السليمان رئيس مجلس إدارة مجموعة السليمان، والدكتور إبراهيم بن سعد المعجل المدير العام لصندوق التنمية الصناعي السعودي، والبيرتو فيرمي الرئيس لعملاء المؤسسات في مصرف «سيتي»، وجورج صرّاف عضو الشرق الأوسط المنتدب لشركة «استراتيجي»، وعدد من القيادات ومديري الصناديق المؤثرين في منطقة الشرق الأوسط.
إلى ذلك، أوضح المدير العام لصندوق التنمية الصناعي الدكتور إبراهيم بن سعد المعجل في جلسة المؤتمر الأولى تحت عنوان «بناء المستقبل: البيئة الحضارية الجديدة»، أن المملكة العربية السعودية من خلال «رؤية 2030» في طريقها لتكون المنصة الرئيسية للصناعة والخدمات اللوجيستية في المنطقة. وقال إن دور الصندوق الصناعي رائد في تنمية المناطق الواعدة، حيث إنه في عام 2011 أقر الصندوق استراتيجية القروض للمناطق الواعدة لتصل إلى 75 في المائة من قيمة المشروع على فترة 20 عاما. وبعد هذا القرار تضاعف عدد المشاريع في المناطق الواعدة. وكشف المعجل إلى جانب عائشة بطي بنت بشر المدير العام لمدينة دبي الذكية المبادرات التي تقوم بها السعودية والإمارات لمواكبة التطور التكنولوجي، والمتمثلة بمشاريع ضخمة مثل «نيوم» و«سمارت دبي».
وناقشت الجلسة الثانية فرص استراتيجيات الاستثمارات المستدامة في ظل ازدياد طاقات الريادة خلال العقد الأخير في منطقة الشرق الأوسط. وأكد المتحدثون أن التحدي الأكبر اليوم يكمن في خوص مشاريع استثمارية مستدامة. واستعرضت الجلسة الثالثة مستقبل الاقتصادات المبنية على المشاريع المتوارثة بين أجيال العائلات في ظل زيادة المنافسة القادمة من الشركات الأجنبية. ولفتت إلى أهمية المؤسساتية حتى في المشاريع المتوارثة لضمان نظام حوكمة يتحدى المنافسة ويضمن الاستمرارية والنمو للأجيال القادمة.
ووفرت الجلسة الرابعة والأخيرة صورة للمبادرات التي تبذلها دول المنطقة لإشراك المرأة العربية في سوق العمل وتقليص الفجوة في الأجور ما بين الجنسين.
يذكر أن مؤتمر الشرق الأوسط السنوي من المؤتمرات البارزة التي تقيمها كلية لندن للأعمال، حيث تجذب من خلاله رؤساء الشركات التنفيذيين القيادية والأكاديميين والمهنيين والطلاب.
وسبق أن استضاف في دوراته المنصرمة نخب اقتصادية وصناع قرار، من أمثال الأمير تركي الفيصل، ورئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة، ووزير الخارجية الكويتي السابق الشيخ محمد صباح السالم، والملكة رانيا العبد الله، وسيدة الأعمال لبنى العليان.



الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
TT

الانتخاب الرئاسي... خطوة أولى لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية

الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)
الكرسي الرئاسي الشاغر في «قصر بعبدا» بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون (رويترز)

منذ عام 2019، يشهد لبنان واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية في تاريخه الحديث... أزمة تجاوزت نطاق الاقتصاد لتؤثر بشكل حاد في جميع جوانب الحياة، فقد أثقلت هذه الأزمة كاهل المواطن اللبناني، وأغرقت البلاد في دوامة من انهيار شامل للنظامين المالي والاقتصادي، بعد أن فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المائة من قيمتها. ونتيجة لذلك، تفشى التضخم بشكل غير مسبوق مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى مستويات قياسية، في حين قفزت معدلات الفقر والبطالة بشكل دراماتيكي.

وفي خضم هذا الواقع المأساوي، شلّت الصراعات السياسية الحادة مؤسسات الدولة، فقد تعمقت الانقسامات إلى حد أن الحكومة أصبحت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة جذرياً. ومع تفاقم الأوضاع، أضافت الحرب الأخيرة مع إسرائيل عبئاً جديداً على لبنان، مخلّفة خسائر بشرية ومادية هائلة قدّرها «البنك الدولي» بنحو 8.5 مليار دولار، وزادت من تعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، فقد بات من الصعب تصور أي إمكانية لاحتواء أعبائها في غياب انتخاب رئيس للجمهورية.

المنصب الرئاسي والمأزق الاقتصادي

المنصب الرئاسي، الذي لا يزال شاغراً منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، يحمل للفائز به قائمة طويلة من التحديات الاقتصادية والمالية المتراكمة، التي باتت تهدد بنية الدولة وكيانها. فقد أدى غياب هذا المنصب إلى تعطيل عملية تشكيل الحكومة، مما جعل الدولة غير قادرة على التفاوض بجدية مع الجهات الدولية المانحة التي يحتاج إليها لبنان بقوة لإعادة إحياء اقتصاده، مثل «صندوق النقد الدولي» الذي يشترط إصلاحات اقتصادية ومالية جذرية مقابل أي دعم مالي يمكن أن يوفره.

وعليه؛ فإن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يمثل أولوية ملحة ليس فقط لاستعادة الثقة المحلية والدولية، بل أيضاً ليكون مدخلاً أساسياً لبدء مسار الإصلاحات التي طال انتظارها.

ومن بين أبرز هذه التحديات، ملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 6 مليارات دولار، وفق موقع «الدولية للمعلومات»، وهو عبء مالي ضخم يتطلب موارد هائلة وجهوداً استثنائية لتأمين التمويل اللازم.

لكن عملية إعادة الإعمار ليست مجرد عملية تقنية لإصلاح البنية التحتية أو ترميم الأضرار، بل هي اختبار حقيقي لقدرة الدولة على استعادة مكانتها وتفعيل دورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة الملحة إلى رئيس يتمتع برؤية استراتيجية وشبكة واسعة من العلاقات الدولية، وقادر على استخدام مفاتيح التواصل الفعّال مع الدول المانحة والمؤسسات المالية الكبرى. فمن دون قيادة سياسية موحدة تتمتع بالصدقية، فستبقى فرص استقطاب الدعم الخارجي محدودة، خصوصاً أن الثقة الدولية بالسلطات اللبنانية تعرضت لاهتزاز كبير في السنوات الأخيرة بسبب سوء الإدارة وغياب الإصلاحات الهيكلية.

مواطنون وسط جانب من الدمار الناجم عن الغارات الجوية الإسرائيلية بمنطقة الشويفات (رويترز)

فرصة محورية لإحداث التغيير

كما يأتي انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس بوصفه فرصة محورية لإحداث تغيير في مسار الأزمات المتراكمة التي يعاني منها لبنان، والتي تفاقمت بشكل حاد خلال عام 2024؛ بسبب الصراعات المتصاعدة والأزمة الاقتصادية الممتدة.

ومع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة -5.7 في المائة خلال الربع الرابع من 2024، انعكست التداعيات السلبية بوضوح على الاقتصاد، فقد تراجعت معدلات النمو بشكل كبير منذ عام 2019، ليصل الانخفاض التراكمي إلى أكثر من 38 في المائة عام 2024، مقارنة بـ34 في المائة خلال العام السابق عليه. وتزامن هذا التدهور مع تصعيد الصراع في الربع الأخير من 2024، مما أضاف آثاراً إنسانية مدمرة، مثل النزوح الجماعي والدمار واسع النطاق، وبالتالي أدى إلى خفض إضافي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 6.6 في المائة بحلول منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2024. وكان قطاع السياحة، الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد اللبناني، من بين الأشد تضرراً، فقد تراجعت عائداته لتتحول من فائض إلى عجز بنسبة -1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.

منصب حاكم «المصرف المركزي»

كذلك يمثل هذا الحدث محطة مهمة لإصلاح المؤسسات اللبنانية، بما في ذلك معالجة الشغور في المناصب القيادية التي تُعد ركيزة أساسية لاستقرار البلاد. ومن بين هذه المناصب، حاكم «مصرف لبنان» الذي بقي شاغراً منذ انتهاء ولاية رياض سلامة في 31 يوليو (تموز) 2023، على الرغم من تعيين وسيم منصوري حاكماً بالإنابة. لذا، فإن تعيين خَلَفٍ أصيل لحاكم «المصرف المركزي» يُعدّ خطوة حاسمة لضمان استقرار النظامين المالي والنقدي، خصوصاً أن «مصرف لبنان» يشكل محوراً رئيسياً في استعادة الثقة بالنظامين المصرفي والمالي للبلاد.

مقر «مصرف لبنان المركزي» في بيروت (رويترز)

علاوة على ذلك، سيجد الرئيس الجديد نفسه أمام تحدي إصلاح «القطاع المصرفي» الذي يُعدّ جوهر الأزمة الاقتصادية. فملف المصارف والمودعين يتطلب رؤية شاملة لإعادة هيكلة القطاع بطريقة شفافة وعادلة، تُعيد ثقة المودعين وتوزع الخسائر بشكل منصف بين المصارف والحكومة والمودعين. ومع إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» وتخلفه عن سداد ديونه السيادية، تصبح هذه الإصلاحات ضرورية لاستعادة العلاقات بالمؤسسات المالية الدولية، واستقطاب التمويل اللازم، ومنع إدراج لبنان على «اللائحة السوداء». ناهيك بورشة إصلاح القطاع العام وترشيده وتفعيله، فتكلفة مرتَّبات القطاع العام مرتفعة جداً نسبةً إلى المعايير الدولية. فعلى مرّ السنين، شكّل مجموع رواتب وتعويضات القطاع العام لموظفي الخدمة الفعلية والمتقاعدين (وعددهم نحو 340 ألفاً) نحو 40 في المائة من إجمالي نفقات الموازنة، الأمر الذي شكّل عبئاً فادحاً على مالية الدولة والاقتصاد عموماً.

آمال اللبنانيين في قيادة جديدة

وسط هذه الأزمات المتشابكة، يعوّل اللبنانيون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لفتح نافذة أمل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. فمن المأمول أن يسعى الرئيس المقبل، بدعم من حكومة فاعلة، إلى إعادة بناء الثقة الدولية والمحلية، واستعادة الاستقرار السياسي، وهما شرطان أساسيان لوقف التدهور الاقتصادي وتحفيز النمو. فاستعادة قطاع السياحة؛ الرافعة الأساسية للاقتصاد اللبناني، على سبيل المثال، تتطلب تحسين الأوضاع الأمنية وتعزيز الثقة بلبنان بوصفه وجهة آمنة وجاذبة للاستثمارات. وهذه الأمور لن تتحقق إلا بوجود قيادة سياسية قادرة على تقديم رؤية استراتيجية واضحة لإعادة الإعمار وتحقيق الإصلاحات الضرورية. وبالنظر إلى العجز المستمر في الحساب الجاري والانخفاض الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، يصبح نجاح الرئيس الجديد في معالجة هذه الملفات عاملاً حاسماً لإنقاذ لبنان من أزمته العميقة، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو التعافي والنمو المستدام.