«على بركة الله» مطعم شعبي يتحول لموقع «ترانزيت» أمام «محطة مصر»

على بعد خطوات من محطة القطارات الرئيسية بالعاصمة المصرية، تحول مطعم شعبي صغير إلى محطة «ترانزيت» وملتقى للمسافرين القادمين والمغادرين من وإلى القاهرة، وبات الحصول على «ساندويتش» الكبدة الإسكندراني، عادة ثابتة لغالبية العابرين فور نزولهم من القطارات والحافلات، بعدما نجحت استراتيجية صاحب المطعم «اكسب قليلاً تبِع كثيراً» مما تجسد في الإقبال والزحام الدائم للرواد.
داخل أروقة المطعم الضيق يتناول معظم الزبائن الساندويتشات وهم واقفون، ومع مرور السنوات أصبح أحد أهم علامات ميدان رمسيس وشارع الجلاء المكتظ بالسيارات المتجهة نحو ميدان عبد المنعم رياض، المجاور لكورنيش نيل القاهرة.
يقع مطعم «على بركة الله» بشارع الجلاء، على بعد خطوات قليلة من ميدان رمسيس «وسط القاهرة»، حيث محطة القطارات المركزية، «محطة مصر»، التي تربط بين العاصمة وكل المحافظات.
ويظن المسافر للوهلة الأولى، أن الموقع الاستثنائي، أحد أهم أسباب شهرة المطعم الواسعة، الذي تخصص في تقديم ساندويتش الكبدة، والسجق، لكن السبب الأبرز هو السعر المنخفض الذي يُعد زهيداً جداً، مقارنة بالمطاعم الشعبية المشابهة، إذ يبلغ سعر الساندويتش الواحد جنيهين ونصف الجنيه (الدولار الأميركي يعادل 17.7 جنيه) وهو بالفعل أرخص سعر في مصر.
في أحد زوايا المطعم الضيقة، كان يقف سلامة محمود (31 سنة)، وبدت على ملامحه علامات التعجل، «في كل مرة أحضر فيها إلى القاهرة، أتوجه إلى هذا المطعم مباشرة عقب خروجي من محطة القطار»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «الطعام جيد ورخيص الثمن، ومعظم زملائي يقصدونه دائماً، بعد رحلة السفر».
يعود تاريخ المطعم الذي تبرز أنوار لافتته ليلاً، في الجهة المقابلة لقسم شرطة الأزبكية، إلى ثمانينات القرن الماضي، فمنذ نشأته اتبع صاحبه نظرية اقتصادية معروفة تقوم على خفض السعر، ليتمكن من تحقيق أكبر قدر من الربح، إضافة إلى تميز منتجه بخلطات يصفها رواده بـ«اللذيذة والشهية».
من جهته، يقول سعيد الدمرداش، صاحب المطعم (70 عاماً)، ويعمل لديه 8 عمال بينهم اثنان من أبنائه، قررا العمل معه عقب تخرجهما من الجامعة، لـ«الشرق الأوسط»: «منذ تأسيس المطعم اتبعت نظرية (اكسب قليل.. تبيع كثير.. تكسب أكثر)، وأحاول الحفاظ على هذا التوجه رغم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع كل الأسعار في مصر، ولتحقيق هذه المعادلة أقوم بشراء الكبدة وباقي المستلزمات، بسعر الجملة من مورّد أتعامل معه».
وأوضح أنه «يحرص على تقديم نكهة مميزة بالساندويتشات التي يبيعها، من خلال التوابل، التي يضيفها على الكبدة، لافتاً إلى أنه «يستمتع كثيراً بإقبال المسافرين والمواطنين المقيمين على المطعم».
لم تتوقف شهرة المطعم عند المسافرين المترددين على محطة القطارات، بل امتدت إلى سكان القاهرة أيضاً، سواء الذين يترددون على بعض المصالح الحكومية الموجودة بالمنطقة، أو الموظفين وعمال الشركات القريبة منه.
مروة عبد النعيم، موظفة بإحدى الشركات الحكومية، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا زبونة دائمة هنا، أخرج من عملي في الثالثة عصراً، وأتناول ساندويتشين كبدة، وواحد سجق بشكل شبه يومي، لأن الأسعار جيدة جداً».
مساحة المطعم الصغيرة، بمناضده الخمس المتواضعة، لم تقف حائلاً أمام تدفق الزبائن، بينما يجلس بعضهم على الرصيف المقابل، فيتحول الزحام إلى حميمية تؤدي في كثير من الأحيان إلى نشأة صداقات جديدة بين الرواد خاصة أبناء المحافظة الواحدة الذي يتعرفون ببعضهم بعضا صدفة، في سياق حوارات عفوية.
يروي كامل عبد الله لـ«الشرق الأوسط» قصة تعرفه بصديق عمره، الذي هو في الوقت نفسه أحد أبناء قريته بمحافظة المنيا (جنوبي القاهرة)، قائلا: «أتردد على المطعم دائماً كلما حضرت إلى القاهرة، وذات مرة دار حوار بيني وبين بعض الزبائن، وفوجئت أن أحدهم من أبناء قريتي، ولم نكن نعرف بعضنا قبل ذلك، لأنه يعمل بالقاهرة منذ سنوات، ولا يتردد على القرية كثيراً، وسريعاً ما تطورت العلاقة بيننا وأعتبره صديق عمري، وأتصل به كلما حضرت إلى القاهرة، ويقابل ذلك بزيارتي كلما حضر إلى القرية».
يحظى «ساندويتش» الكبدة الإسكندراني بشهرة واسعة بين المصريين، ويعد من أكثر الأكلات الشعبية شيوعاً، حيث تنتشر عربات بيع هذا النوع من الطعام في معظم شوارع مصر، وبإجراء مقارنة سريعة بين سعر «ساندويتش» الكبدة في مطعم «على بركة الله» ونظيره الشعبي المشابه، أو عربات الكبدة، نجده أنه الأرخص سعراً.
وأكد محمد سيد، أحد العاملين بالمطعم، لـ«الشرق الأوسط» هذه المعلومة قائلا: «منذ نحو عامين كان سعر الساندويتش لدينا جنيهاً واحداً، سواء كان الرغيف فينو أو خبز بلدي، واضطررنا لرفعه إلى جنيهين ونصف الجنيه، بسبب ارتفاع أسعار كل الخامات والمواد الغذائية، ومع ذلك يظل أقل سعر في مصر، بما فيها عربات الكبدة أيضا، التي يكون متوسط سعر الساندويتشات بها نحو 4 جنيهات».