معابر كردستان مع تركيا وإيران في انتظار «الاتفاق السياسي» بين بغداد وأربيل

مسؤولو جمارك لـ {الشرق الأوسط}: الحركة عادت إلى مستواها قبل استفتاء سبتمبر

شاحنات تنتظر العبور إلى إيران من منفذ حاج عمران بمحافظة أربيل («الشرق الأوسط»)
شاحنات تنتظر العبور إلى إيران من منفذ حاج عمران بمحافظة أربيل («الشرق الأوسط»)
TT

معابر كردستان مع تركيا وإيران في انتظار «الاتفاق السياسي» بين بغداد وأربيل

شاحنات تنتظر العبور إلى إيران من منفذ حاج عمران بمحافظة أربيل («الشرق الأوسط»)
شاحنات تنتظر العبور إلى إيران من منفذ حاج عمران بمحافظة أربيل («الشرق الأوسط»)

المنافذ الحدودية التي تربط إقليم كردستان العراق، بجارتيه إيران وتركيا، كانت محور الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل قبل الاستفتاء على مصير الإقليم في 25 سبتمبر الماضي، ولا تزال كذلك، بل أصبحت العقبة الكأداء أمام تطبيع الأوضاع والعلاقات السياسية والإدارية بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم.
وبعد عملية «إعادة الانتشار» للقوات العراقية و«الحشد الشعبي» في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين، في 16 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، لا تزال بغداد تطالب حكومة الإقليم، بتسليم المعابر الحدودية الرسمية الخمسة التي تربط الإقليم والعراق بكل من تركيا وإيران، إلى السلطات الاتحادية كشرط للبدء بالحوار والتفاوض السياسي مع الإقليم، بل إن الحكومة الاتحادية سعت إلى الاستيلاء على تلك المعابر بالقوة العسكرية، عبر التنسيق العسكري والمخابراتي مع أنقرة وطهران، وخصوصاً معبر «إبراهيم الخليل» الاستراتيجي مع تركيا، ومعبر «بيشخابور» مع سوريا، اللذين تصر بغداد، وبإلحاح، على إدارتهما مباشرة من قبلها حصراً. وتدعم إيران الحكومة الاتحادية في إصرارها على إدارة معبر «بيشخابور» على اعتبار أن السيطرة العراقية على هذا المعبر ستوفر ممراً سلساً وآمناً لإيران، لتحريك قوافلها بانسيابية من أراضيها إلى داخل الأراضي السورية، دونما عراقيل.
بيد أن هذا المشروع تعطل على ما يبدو، إثر ضغوط الدول العظمى التي دفعت الحكومة الاتحادية للجنوح إلى الخيار السلمي والحوار السياسي، الذي لا يزال متعثراً مع الإقليم، لحسم مشكلة المعابر الحدودية، التي هددت إيران وتركيا، على لسان رئيسها رجب طيب إردوغان، بإغلاقها في حال مضي الإقليم قدماً في إجراء الاستفتاء، وبالتالي إحكام الحصار عليه، خصوصاً اقتصادياً.
ورغم الاتفاق المسبق بين إيران وتركيا بهذا الشأن، إلا أن الأولى وحدها هي التي أغلقت منافذها الحدودية الثلاثة مع الإقليم لأربعين يوماً، ثم عادت وفتحتها طواعية، بعد تيقنها من مماطلة أنقرة في إغلاق منفذ «إبراهيم الخليل» الحيوي، في محاولة للاستئثار بأسواق إقليم كردستان، وهو ما حصل بالفعل.
وللإقليم خمسة معابر حدودية رسمية ورئيسية مع دول الجوار الثلاث، هي «إبراهيم الخليل» قرب بلدة زاخو في أقصى الشمال العراقي، ويربط البلاد بتركيا ويعتبر الشريان الرئيس الذي يغذي إقليم كردستان بأغلبية احتياجاته، ومعبر «بيشخابور» الواقع غرب محافظة دهوك، ويربط العراق بسوريا، ومعبر «حاج عمران» مع إيران ويقع شمال شرقي محافظة أربيل، ومعبر «باشماخ» مع إيران ويقع قرب بلدة بنجوين شرق محافظة السليمانية، بالإضافة إلى معبر «برويزخان» مع إيران أيضاً بالقرب من بلدة كلار الواقعة جنوب محافظة السليمانية.
ويؤكد سامال عبد الرحمن، المدير العام للجمارك في إقليم كردستان، أن المعابر الخمسة الرسمية المذكورة لا تزال تحت إدارة حكومة الإقليم حصراً، وأن السلطات العراقية لم ترسل مراقبين أو مشرفين للمشاركة في إدارتها، كما كان مقرراً. ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن عائدات هذه المنافذ الحدودية «لا تزال تذهب إلى خزينة حكومة الإقليم، وأن المفاوضات المشتركة مع هيئة الجمارك العراقية، قطعت شوطاً طويلاً وإيجابياً، وتم التوقيع على النقاط المتفق بشأنها بين الجانبين، التي تنص على إدارة شؤون هذه المعابر بصفة مشتركة، وفقاً لمقررات الدستور والقانون العراقيين، لكن الاتفاق لم يدخل حيز التطبيق حتى الآن في انتظار تحقيق الاتفاق السياسي بين بغداد والإقليم».

وكانت الحكومة الاتحادية قد أصدرت قراراً مطلع العام الحالي يقضي بإغلاق المعابر غير الرسمية بين الإقليم ودول الجوار، وعددها أكثر من 10 معابر تم إغلاقها بالفعل منذ نحو شهر، وبهذا الصدد يقول عبد الرحمن، «حكومة الإقليم تعتبر كل المعابر التي تربط الإقليم بدول الجوار رسمية ومعتمدة بحسب اللوائح المعمول بها في كردستان، بيد أن بغداد تعترف رسمياً بـ5 معابر فقط، وهي: إبراهيم الخليل وبيشخابور وحاج عمران وباشماخ وبرويزخان.
أما المعابر غير الرسمية، والمغلقة حالياً من جانب السلطات العراقية، فهي معبر «سرزير» قرب زاخو بمحافظة دهوك، و«برميزة» في محافظة أربيل، و«كيلي» و«سيران بن» و«طويلة» في محافظة السليمانية، بالإضافة إلى معبر «سرتك» التابع لمنطقة كرميان جنوب الإقليم، مع مجموعة كبيرة من المنافذ الثانوية والهامشية. ويؤكد مدير الجمارك في الإقليم أن عدداً من تلك المعابر ما زالت مفتوحة، وأن جهوداً مضنية تبذل الآن مع الجانب العراقي لإعادة فتح بقية المعابر، من خلال لجنة مشتركة ومختصة ستتفقد لاحقاً كل تلك المنافذ لتقييم أهميتها وجدواها التجارية والاقتصادية، مشيراً إلى أن إغلاقها يلحق أضراراً مادية جسيمة بالاقتصاد الوطني.
ويؤكد عبد الرحمن أن حجم التبادل التجاري بين الإقليم مع كل من إيران وتركيا، عاد تقريباً إلى ما كان عليه قبل أزمة الاستفتاء، إذ بلغ خلال العام المنصرم، نحو 10 مليارات دولار مع الجانب التركي، ونحو 6 مليارات دولار مع الجانب الإيراني.
من جانبه، يؤكد مسعود باكيلي، مدير معبر حاج عمران، الذي أغلقته السلطات الإيرانية بعد استفتاء الإقليم مباشرة، بطلب من السلطات العراقية، ثم أعادت فتحه قبل شهرين، أن الحركة التجارية مع الجانب الإيراني، بدأت تعود إلى حالتها الطبيعية تدريجياً، لا سيما بعد زوال الثلوج الكثيفة التي عادة ما تتسبب في تراجع التبادل التجاري أثناء فصل الشتاء، ويضيف لـ«الشرق الأوسط» أن «إدارة المعبر بكل موظفيها وطواقمها، لا تزال تابعة لوزارة المالية في حكومة الإقليم، ولم يصلها أي موظفين أو مراقبين أو حتى تعليمات إدارية من الحكومة العراقية».
ونفى باكيلي، أن يكون الجانب الإيراني قد فرض شروطاً محددة على إدارة المعبر، نظير السماح باستئناف الحركة التجارية فيه، وقال: «إيران أغلقت المعبر بقرار أحادي، وعادت وفتحته بقرار أحادي أيضاً، ولم نعرف حتى الآن الدوافع الكامنة وراء قرارها»، منوهاً إلى أن مئات الشاحنات التجارية تعبر المنفذ يومياً من وإلى الإقليم على نحو طبيعي، نافياً تصدير النفط الخام إلى الجانب الإيراني، لكنه أشار إلى أن عدداً قليلاً جداً من الصهاريج تنقل النفط الأسود إلى الجانب الآخر، ولكن وفق ضوابط وتصاريح رسمية من الحكومة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم