لجنة المتابعة العربية تطلب وساطة أوروبية مع واشنطن قبل طرح خطتها للسلام

مصادر دبلوماسية كشفت لـ {الشرق الأوسط} الملامح الكبرى للخطة الأميركية

TT
20

لجنة المتابعة العربية تطلب وساطة أوروبية مع واشنطن قبل طرح خطتها للسلام

كشفت مصادر دبلوماسية عربية واسعة الاطلاع بعض تفاصيل ما دار في اللقاء الذي جمع يوم الاثنين الماضي في بروكسل، وزراء لجنة المتابعة العربية والأمين العام للجامعة العربية بنظرائهم الأوروبيين في حضور ممثلة الشؤون الخارجية الأوروبية، لبحث الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، وطلب مساعدة الاتحاد الأوروبي، والترويج للرؤية العربية للحل في مواجهة ما تعرضه الإدارة الأميركية وما قامت به حتى اليوم من اعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرار نقل سفارتها إليها في مايو (أيار) القادم.
جاء اجتماع اللجنة (المشكَّلة من مصر والأردن والإمارات والسعودية والمغرب وفلسطين إضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية) بعد شهر من لقاء رئيس السلطة الفلسطينية مع الوزراء الأوروبيين وبعد أسبوع على خطاب أبو مازن أمام مجلس الأمن الدولي، حيث طالب بمؤتمر دولي منتصف العام الجاري وبآلية متعددة الأطراف تكسر الاحتكار الأميركي للوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي لم تعد السلطة قابلة بها. وتتبنى اللجنة توسيع اللجنة الرباعية وفق ما يريده الطرف الفلسطيني، وهو ما لا يرفضه الوزراء الأوروبيون.
بيد أن أهمية لقاء بروكسل الأخير، أنه حمل رسالة إلى الطرف الأوروبي مفادها أنه «يتعين عليه التحرك قبل أن تعلن الإدارة الأميركية عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط، لأن ما تسرب من هذه الخطة يبين بوضوح أن الطرف الفلسطيني لن يقبلها بأي شكل من الأشكال». ولذا، فإن الوفد العربي شدد على الحاجة إلى «العمل الفوري» مع الجانب الأميركي انطلاقاً من اعتبار أنه إذا كشفت واشنطن عن خطتها، فإنه سيكون من الصعب عليها لاحقاً التراجع عنها أو تعديل بعض بنودها. وقناعة لجنة المتابعة العربية أن الخلية التي أناط بها الرئيس ترمب الاهتمام بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي والمشكّلة من صهره جاريد كوشنير، ورجل القانون جايسون غرينبلات، والسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد ميليش فرديمان «مكسوبة الولاء تماماً لإسرائيل، وبالتالي لا يمكن توقع أي خير يمكن أن يصدر عنها». لكن اللجنة العربية سارعت إلى القول إنها «لا تريد استبعاد الدور الأميركي الذي يبقى أساسياً، لكن تتعين موازنته إنْ على صعيد الأطراف المطلوب منها الإشراف على العملية السلمية وإنْ على صعيد المحددات التي يجب أن يقوم الحل السلمي على أساسها» وتحديداً مبادرة السلام العربية.
وعندما تحدث أبو مازن إلى الوزراء العرب الشهر الماضي طالباً منهم الاعتراف سريعاً بالدولة الفلسطينية، لم يلقَ منهم تجاوباً، لا بل إن سلوفاكيا التي أعلنت عن عزمها على ذلك، تراجعت لاحقاً بفعل ضغوط أميركية - غربية عليها. وحجة الأوروبيين الذين يغتنمون كل فرصة لإظهار تمايزهم عن الموقف الأميركي ورفضهم الخطوتين الأميركيتين (الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرئيل، ونقل السفارة إليها) وتمسكهم بحل الدولتين وبالقدس عاصمة لهما، أن الاعتراف «لم يحن وقته بعد». لكن أحد الأهداف العربية - الفلسطينية أوروبياً هو أن تبقى أوروبا «كتلة موحدة رافضة السير وراء مبادرات واشنطن» التي تراها خاطئة.
أما الحجة الأوروبية الأخرى بشأن الاعتراف بالدولة الفسطينية، فمفادها أنه «يتعين انتظار أن تكشف واشنطن عن خطتها وبعدها يُبنى على الشيء مقتضاه». فضلاً عن ذلك، يتمسك الأوروبيون، رغم كل ما سبق، بالدور الأميركي في العملية السلمية. وحسب مصدر دبلوماسي أوروبي، فإن الأوروبيين «لا يرون أنهم قادرون على الحلول محل واشنطن، وبالتالي فإن دورهم رديف لها وليس بديلاً عنها» لأسباب جوهرها العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، وكون الأولى الطرف الوحيد القادر حقيقةً على الضغط على القيادة الإسرائيلية لتليين مواقفها والقبول بالمحددات المعروفة للحل.
يعترف الأوروبيون بأنهم لا يعرفون تفاصيل الخطة الأميركية، والدليل على ذلك أن كوشنير وغرينبلات اللذين اجتمعا، بناءً على طلبهما، عقب خطاب أبو مازن، بسفراء الدول الـ15 في مجلس الأمن طلباً لدعم دولي، رفضا عرض تفاصيل خطتهما بحجة أنه يتعين أن يوافق الرئيس ترمب عليها بداية قبل طرحها علناً. ومن جانبها، قالت نيكي هايلي، مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة، إن الخطة المذكورة «أصبحت شبه جاهزة» وإنها «تتضمن أموراً مزعجة للطرفين». والحال، أن مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية أماطت اللثام عن بعض ما تتضمنه، ما يبيّن أن «الطرف المنزعج» سيكون بالتأكيد الطرف الفلسطيني.
تفيد معلومات المصادر المشار إليها أن واشنطن تنوي عرض خطتها في إطار «مؤتمر دولي» يُعقد في إحدى العواصم العربية (الأرجح مصر بحضور إسرائيل). واستناداً إلى الخطة المذكورة، يمكن لواشنطن وعواصم أخرى أن تعترف بدولة فلسطين، كما لا تستبعد أن تقبل القدس الشرقية عاصمة لها شرط أن تكون القدس القديمة تحت «ولاية دولية». أما بخصوص ملف اللاجئين، فإن خطة كوشنير - غرينبلات تنص على بقائهم حيث هم مع تقديم تعويضات لهم. لكن ذلك يعني تخلي الفلسطينيين عن حق العودة. واللافت في الخطة أنها تنص على قيام دولة فلسطينية «محدودة السيادة» ومنزوعة السلاح وليس على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967، بحيث سيبقى غور الأردن تحت السيطرة الإسرائيلية، كما أن المستوطنات الكبرى ستبقى مكانها مقابل نقل بعض المستوطنات الصغيرة. والمشكلة التي لم تنص الخطة على تصور حل لها (حتى تاريخه) تتمثل في المستوطنات البعيدة عن حدود الضفة الفاصلة عن إسرائيل، وحول كيفية توفير الحماية الأمنية لها. في المقابل، ستعطى السلطة صلاحيات أمنية وإدارية إضافية في المنطقتين A وB، كما أن واشنطن تخطط لجمع 40 مليار دولار «ليس لشراء قبولها وإنما للمساعدة على بناء الدولة والمؤسسات الفلسطينية». وإذا كان أمن الضفة الخارجي سيبقى في أيدي إسرائيل، فإن أمن غزة سيناط -حسب الخطة- بالجانب المصري. وهكذا، فإن الملامح الكبرى لخطة واشنطن تتبنى إلى حد بعيد الرؤية الإسرائيلية وتبتعد عن «المحددات» المتعارف عليها للحل الدائم والشامل والعادل ووفق القرارات الدولية التي تفسرها واشنطن على هواها.



خطوط التماس الحوثية في مأرب تحت القصف الأميركي

مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
TT
20

خطوط التماس الحوثية في مأرب تحت القصف الأميركي

مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تنطلق من على متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

ركّزت الضربات الأميركية على الحوثيين في اليمن، ليل الاثنين وفجر الثلاثاء، على خطوط تماس الجماعة مع القوات الحكومية في جبهات محافظة مأرب، كما امتدت إلى جزيرة كمران في البحر الأحمر، والمخابئ المحصنة في محيط صنعاء.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أمر ببدء حملة ضد الحوثيين في 15 مارس (آذار)، متوعداً إياهم بـ«القوة المميتة»، و«القضاء عليهم تماماً»، في سياق سعي واشنطن لإرغام الجماعة على الكف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، ووقف الهجمات باتجاه إسرائيل.

وفي تطور لافت لمسار الحملة الأميركية التي طالت حتى الآن أغلب المحافظات اليمنية الخاضعة للجماعة، استهدفت نحو 14 غارة ليل الاثنين وفجر الثلاثاء قدرات الحوثيين في مناطق التماس مع القوات الحكومية، في محافظة مأرب.

ويتكهن مراقبون أن تكون هذه الضربات الأميركية مؤشراً لإسناد قوات الجيش اليمني للبدء في عملية برية باتجاه صنعاء، بالتوازي مع عمليات متزامنة في الساحل الغربي باتجاه الحديدة، بخاصة في ظل الحديث عن عدم فاعلية الضربات وحدها لإنهاء خطر الحوثيين على الملاحة.

آثار قصف أميركي استهدف الحوثيين في صنعاء (أ.ب)
آثار قصف أميركي استهدف الحوثيين في صنعاء (أ.ب)

وحسبما أقر به إعلام الحوثيين، استهدفت غارتان منطقة كوفل بمديرية صرواح غرب مأرب، وغارتان مديرية الجوبة في جنوبها، بينما استهدفت 5 غارات مديرية مجزر في الشمال الغربي، وذلك بعد ساعات فقط من استهداف منطقة الجفرة في مديرية حريب في الجنوب الشرقي لمأرب.

ولم يتطرق الإعلام الحوثي إلى الخسائر الناجمة عن هذه الضربات؛ سواء في العتاد أو العناصر، ولكن مراقبين يمنيين يعتقدون أن الضربات استهدفت مخازن الأسلحة والذخائر، بما تشمله من صواريخ وطائرات مُسيَّرة ومدفعية.

11 غارة في صنعاء

وفي الأطراف الشرقية لمدينة صنعاء؛ حيث مديرية بني حشيش، قال الإعلام الحوثي إن 5 غارات ضربت منطقة الجميمة، وهي مواقع جبلية محصنة تضم مستودعات للأسلحة والذخيرة، وسبق أن استهدفت أكثر من مرة في الأسابيع الماضية.

إلى ذلك، أفادت وسائل الإعلام الحوثية بأن 6 ضربات أميركية استهدفت منطقة جربان في مديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وهي كذلك منطقة تم قصفها مراراً وتكراراً، لأنها تضم مخابئ محصنة للأسلحة في مواقع جبلية.

مبنى خاضع للحوثيين في صعدة تعرَّض للقصف الأميركي (رويترز)
مبنى خاضع للحوثيين في صعدة تعرَّض للقصف الأميركي (رويترز)

وللمرة الثالثة منذ بدء حملة ترمب ضد الحوثيين، استهدفت غارتان جزيرة كمران قبالة مدينة الحديدة في البحر الأحمر؛ حيث تتخذ منها الجماعة قاعدة متقدمة في البحر لمهاجمة السفن وتهديد الملاحة.

ومع هذه الضربات تكون الجماعة قد تلقت نحو 365 غارة جوية وضربة بحرية للأسبوع الرابع على التوالي، تركزت بدرجة أساسية على المخابئ المحصنة؛ خصوصاً في صعدة وصنعاء وعمران والحديدة.

وطالت الضربات -بدرجة أقل- مواقع وتحصينات ومستودعات وقدرات عسكرية متنوعة في محافظات مأرب والجوف، وحجة، والبيضاء، وذمار، وإب، وسط تكتم من الجماعة المدعومة من إيران على حجم خسائرها، مكتفية بذكر أرقام لضحايا تزعم أنهم من المدنيين.

ولم يصدر تعليق من الجيش الأميركي بشأن تفاصيل عملياته، واكتفت القيادة المركزية في أحدث تصريحاتها بالقول إن «أفراد مجموعة حاملة الطائرات (هاري إس ترومان) موجودون في مواقعهم، ويقومون بعمليات مستمرة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ضد الحوثيين المدعومين من إيران».

مُسيَّرة أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل من مكان غير معروف (إعلام حوثي)
مُسيَّرة أطلقها الحوثيون باتجاه إسرائيل من مكان غير معروف (إعلام حوثي)

وحسبما أعلنه القطاع الصحي التابع للحوثيين، فإن الضربات التي أمر بها ترمب أسفرت حتى الآن عن مقتل 69 شخصاً، وإصابة نحو 170، بينهم أطفال ونساء، ليُضافوا إلى 250 قتيلاً و714 مصاباً خلال الضربات التي استهدفت الجماعة في عهد الرئيس جو بايدن، وهي أرقام لم تُؤكَّد من مصادر مستقلة.

وكان ترمب قد كشف قبل أيام عن ضربة موثقة بفيديو مصور جوياً، ظهر خلالها استهداف نحو 70 عنصراً خلال تجمع لهم، قالت المصادر اليمنية الرسمية إنه كان في جنوبي الحديدة؛ حيث يتخذ الحوثيون هناك قاعدة لشن الهجمات البحرية قرب خطوط التماس مع القوات الحكومية.

هجمات بلا تأثير

في ظل الضربات الأميركية المستمرة، تحاول الجماعة الحوثية رفع معنويات أتباعها بتبني هجمات متواصلة ضد حاملة الطائرات «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها، إضافة إلى تبنِّي نحو 13 هجوماً صاروخياً وبطائرات مُسيَّرة باتجاه إسرائيل، منذ 17 مارس الماضي.

وفي أحدث هذه الهجمات، زعم المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع، ليل الاثنين، أن جماعته استهدفت هدفاً عسكرياً إسرائيلياً في تل أبيب، وذلك بطائرة مُسيَّرة نوع «يافا». وهي المزاعم التي لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

الحوثيون أطلقوا 10 صواريخ باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الماضي (إعلام حوثي)
الحوثيون أطلقوا 10 صواريخ باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الماضي (إعلام حوثي)

كما ادعى المتحدث الحوثي أن الجماعة استهدفت مدمرتين أميركيتين بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المُسيَّرة.

وفي حين لم يعلِّق الجيش الأميركي على هذه المزاعم، يرى مراقبون يمنيون أن الحملة الجوية وحدها غير كافية لإنهاء التهديد الحوثي، مشيرين إلى ضرورة تحرك ميداني تقوده القوات الحكومية لاستعادة السيطرة على الحديدة وصنعاء، وبقية المناطق الخاضعة للجماعة.

وكان الحوثيون قد دخلوا خط التصعيد الإقليمي بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023؛ حيث أطلقوا نحو مائتي صاروخ وطائرة مُسيَّرة باتجاه إسرائيل، دون تأثير عسكري كبير، باستثناء مقتل شخص واحد في تل أبيب في يونيو (حزيران) الماضي.

كما تبنت الجماعة، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 وحتى بدء هدنة غزة، مهاجمة 211 سفينة، ما أدى إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، ومقتل 4 بحارة.

خلال 10 سنوات تسببت الحرب التي فجرها الحوثيون في مقتل نحو 350 ألف يمني (أ.ف.ب)
خلال 10 سنوات تسببت الحرب التي فجرها الحوثيون في مقتل نحو 350 ألف يمني (أ.ف.ب)

وردَّت إسرائيل بخمس موجات من الضربات الانتقامية ضد الحوثيين، كان آخرها في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي، واستهدفت مواني الحديدة، ومستودعات الوقود، ومحطات الكهرباء في الحديدة وصنعاء، إضافة إلى مطار صنعاء.

وكانت الجماعة قد تعرضت لنحو ألف غارة وضربة بحرية خلال عام من إدارة بايدن، ابتداءً من 12 يناير 2024 وحتى توقيع هدنة غزة بين «حماس» و«إسرائيل» في 19 يناير الماضي.

وتوقفت إدارة بايدن عن ضرب الحوثيين بعد بدء سريان الهدنة، كما توقفت الجماعة عن مهاجمة السفن وإطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، قبل أن تستأنف التهديد بشن هجمات جديدة، بعد تعثر تنفيذ المرحلة الثانية من الهدنة.