«العملات الافتراضية»... مخاوف وآمال وانقسام عالمي

أوروبا تضعها تحت المجهر... والبنوك التقليدية تخشى على مستقبلها

العملات الافتراضية تشكل أحد أكبر مؤرقات ومصادر الخلاف بين صناع السياسات المالية حول العالم (رويترز)
العملات الافتراضية تشكل أحد أكبر مؤرقات ومصادر الخلاف بين صناع السياسات المالية حول العالم (رويترز)
TT

«العملات الافتراضية»... مخاوف وآمال وانقسام عالمي

العملات الافتراضية تشكل أحد أكبر مؤرقات ومصادر الخلاف بين صناع السياسات المالية حول العالم (رويترز)
العملات الافتراضية تشكل أحد أكبر مؤرقات ومصادر الخلاف بين صناع السياسات المالية حول العالم (رويترز)

بينما انطلقت أمس في بروكسل قمة أوروبية لمناقشة مستقبل العملات الرقمية، يبدو الخلاف العالمي بين صانعي القرارات وأبرز المؤسسات المالية حول العالم على أشده بشأن تلك العملات... وبينما يشير خبراء إلى أن تلك العملات «أكذوبة» كبيرة، يرى آخرون أنها «مستقبل التعامل المالي» عالميا، فيما ترى الأغلبية «الوسطية» أنها تحتاج إلى قواعد تنظيمية أكثر، وتروٍ بالغ قبل الإسراع لاعتمادها بشكل كلي.
وفي سوق تدور قيمتها الإجمالية حول 500 مليار دولار، فإن المخاطر تبدو جمة على الاقتصاد العالمي في حال انهيار العملات الرقمية الكامل.. كما أن الغموض المحيط بتلك العملات، وتذبذباتها العنيفة نتيجة المضاربات، تدفع الكثير من الحكومات إلى الحذر منها.
وفي ضوء التذبذبات المتسارعة وعوامل عدم الأمان التي تتعرض لها العملات الرقمية، استضافت بروكسل أمس مؤتمرا رفيع المستوى يشارك فيه ممثلون عن الهيئات الرقابية والبنوك المركزية والأطراف الفاعلة في سوق العملات المشفرة، حسبما أعلن المفوض الأوروبي للشؤون المالية فالديس دومبروفسكيس الأسبوع الماضي، موضحا أن هدف المؤتمر هو «التركيز على التوجهات بعيدة المدى للعملات المشفرة، ومعرفة ما إذا كان الإطار القانوني الحالي كافيا».
وكانت العملات المشفرة، وعلى رأسها «بيتكوين» قد شهدت ذروة تألقها حتى شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين تخطى سعر وحدة «بيتكوين» حاجز 19 ألف دولار، صعودا من مستوى ألف دولار في مطلع العام الماضي.. لكن انحدارها السريع خلال الشهرين الماضيين نتيجة ما يدور حول اتجاهات لحظرها أو «تهذيب تعاملاتها»، تسبب في موجة خوف كبيرة بين المتعاملين بها.
ومنذ منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، يتذبذب سعر «بيتكوين» حول سعر 10 آلاف دولار، وهو السعر الذي يدور حوله هذه الأيام صعودا من أدنى مستوياته خلال الأشهر الأخيرة عند 6800 دولار التي هبط إليها في 5 فبراير (شباط) الحالي.
ذات التوجه المتردد وغير الحاسم حيال العملات المشفرة الذي تعبر عنه أوروبا يبدو جليا في أميركا، إذ قالت أدينا فريدمان، رئيسة بورصة ناسداك الأميركية، إن العملات الافتراضية التي باتت محط اهتمام كثيرين حول العالم «لا تخضع لأي قانون أو منطق طبيعي في ارتفاعها أو تراجع أسعارها». مشيرة في كلمة لها خلال مشاركتها بالقمة العالمية للحكومات في دبي منتصف الشهر الحالي، إلى أن العرض والطلب اللذين يحددان سعر عملة «بيتكوين» الافتراضية، لا يمكن المراهنة عليهما، محذرة من «الاستمرار في حالة اللامبالاة والمراقبة عن بعد تجاه هذه العملات».
وكشفت فريدمان أن الموقف العام في الأسواق الأميركية لا يزال حذراً تجاه «بيتكوين»، مشيرة إلى احتمال أن تأخذ هذه الأسواق موقفاً معارضاً، وأن تبدأ بالضغط على المشرعين لتشديد الرقابة على تداول العملات الافتراضية كما حصل في الصين وكثير من دول أوروبا.

فشلت كعملة... مهمة كتكنولوجيا

وبين الهجوم والمدح، قال محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) مارك كارني الاثنين الماضي إن «بيتكوين» فشلت كـ«عملة» وفقا للمؤشرات المعيارية، وإنها ليست مخزنا للقيمة أو وسيلة مفيدة لشراء الأشياء. وأوضح: «إنها فشلت بشكل كامل تقريبا حتى الآن في الجوانب التقليدية للأموال. إنها ليست مخزنا للقيمة لأنها شديدة التقلب. لا أحد يستخدمها كوسيلة للتبادل». لكن كارني أقر في الوقت ذاته أن التكنولوجيا التي تستند إليها العملة الرقمية الأشهر في العالم قد تكون مفيدة كوسيلة للتحقق من الصفقات المالية بطريقة غير مركزية.
ونفت الحكومة البريطانية في الساعات الماضية نيتها إطلاق عملة رقمية «بيتكوين» خاصة بها، وذلك على الرغم من استكشاف بنك إنجلترا الآثار المحتملة لطرح عملة رقمية على اقتصاد البلاد.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، أشيع أن البنك المركزي يستكشف إمكانيات العملات الرقمية مثل «بيتكوين» ونظيراتها، وتأثير ذلك على الجنيه الإسترليني والاستقرار المالي. ومع ذلك، أفادت مسؤولة بالحكومة البريطانية بأنه لا توجد أي خطة لاستخدام العملات الرقمية رغم عدم استبعاد دراسة التكنولوجيا التي يجري تداولها عن طريقها «بلوك تشين».
ويأتي «النأي» البريطاني عن العملات الرقمية موازيا لخطوة سويسرية مشابهة، حيث استبعد البنك الوطني السويسري (المركزي) الأسبوع الماضي إصدار عملة رقمية في الوقت الراهن. حيث قال فريتس تسوربروغ، نائب رئيس المركزي السويسري، إن إصدار عملة افتراضية من شأنه أن يُصَعِب أمورا من بينها مهمة مراعاة الاستقرار المالي. معربا عن اعتقاده بأن العملة المشفرة المتداولة لا تزال تتحرك في نطاق ضيق، وقال إنها «غير مقبولة على نطاق واسع كوسيلة دفع، وقلما يمكن أن تخدم كوحدة حساب».
ورأى تسوربروغ أن العملات المشفرة يتم استخدامها بالدرجة الأولى لأغراض المضاربة، لافتا إلى أن هذه العملات لا تمثل حاليا مشكلة بالنسبة للسياسة المالية وتطبيقها ولحركة المدفوعات والاستقرار المالي بسبب استخدامها المحدود للغاية.

خطر قائم على الصناعة المصرفية

لكن بعيدا عن الحذر المؤسسي، وفي تقرير يستشعر خطورتها على المصرفية العالمية، اعترف بنك «أوف أميركا»، الذي يعد واحدا من أكبر المؤسسات المالية في العالم، وللمرة الأولى، أن العملات الرقمية مثل البيتكوين وغيرها تمثل تهديدا كبيرا لأعماله بشكل خاص وللبنوك بشكل عام، وكشف للهيئات التنظيمية بالولايات المتحدة أنه قد يكون «غير قادر» على التنافس مع الاستخدام المتزايد للعملات الرقمية.
وأوضح البنك في تقريره السنوي لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية الذي صدر قبل يومين، أن «عدم قدرتنا على جعل منتجاتنا وخدماتنا تتكيف مع تطور معايير الصناعة وتفضيلات المستهلكين يمكن أن يضر بأعمالنا، وسيؤدي ذلك لتقليل هامش صافى الفائدة والإيرادات من المنتجات والخدمات القائمة على الرسوم لدينا».
ورغم أن البنك سعى للابتكار في مجاله بالحصول على براءة اختراع لنظامه المقترح لبورصة عملات رقمية في ديسمبر الماضي، فإنه تم انتقاده في الآونة الأخيرة بعد منع عملائه من شراء العملات الرقمية باستخدام بطاقات الائتمان.
وتُعتبر هذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها البنك بالعملات الافتراضية كـ«عامل خطر»، ويأتي هذا عقب تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ويليام دادلي نهاية الأسبوع الماضي بأن «هناك حالة هوس بالمضاربة في العملات الرقمية»، والتي وصفها بـ«الخطيرة».

جوانب إيجابية:

لكن مؤسسات كبرى ترى أن هناك جانبا مضيئا، حيث كشف تقرير صادر عن البنك الدولي أن «العملات المشفرة»، يمكن أن تحدث تحولا جوهريا في طرق سداد المدفوعات وممارسة أنشطة الأعمال، موضحاً أنه يمكن استحداثها كوسيلة لمكافحة الفساد.
وأكد تقرير حديث للبنك أن هذا النوع من التعقب المالي سيكون رادعا للرشى في القطاع العام التي تعادل ما بين 1.5 تريليون دولار وتريليوني دولار سنويا أو قرابة 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، موضحاً أن هذا سيؤدي إلى تعزيز آثار التنمية، وكل ما يتطلبه ذلك هو تبني عملة مشفرة، واستخدام برمجية قواعد البيانات المتسلسلة.
ويرى البنك أن العملة المشفرة هي عملة رقمية تقوم على نظام لتشفير البيانات لضمان أن تكون المعاملات آمنة، ويُتيح اعتمادها كطريقة للدفع في مشروع ما تحديد هوية كل مستخدم للأموال، وذلك على النقيض من طرق الدفع التقليدية مثل أوراق النقد والعملات.
ومع أن معظم العملات المشفرة تكون هوية مستخدميها مجهولة، وتستخدم فحسب شفرة لتحديد هوية المستخدم، فإنها من الممكن أن تشتمل على معلومات شخصية مثل رقم الهوية الخاص، وأن تجعل العملة المُشفَّرة غير مجهولة.
ويُتيح استخدام العملات المُشفَّرة أيضا إجراء المعاملات الفورية، ونقل الملكية بلا حدود، وهو ما يُقلِّل الوقت المستغرق في المعاملات وتكلفتها، لأنه لا يتطلَّب وسطاء ماليين.
وحسب تقرير البنك، فإنه يمكن استخدام العملة المشفرة على نحو أوسع، حيث تستطيع الحكومة أو المؤسسة الإنمائية استخدام عملة مُشفَّرة قائمة غير مجهولة الهوية، أو ابتكار عملة خاصة بها وإعطاءها اسماً مثل «العملة النظيفة»، وقد تتحدَّد قيمة العملة المشفرة بعوامل السوق، ومن المستحب أن تكون مربوطة بعملة نقدية لتقليل التقلُّبات.
ويقترح البنك ضرورة أن تشتمل قواعد البيانات المتسلسلة على بيانات إضافية يتم تخزينها بانتظام حتى تتوفر معلومات كافية للأغراض الخاصة بمكافحة الاحتيال والفساد، وأيضا أن التحقُّق من المعاملة يجب أن يشتمل على التأكد من أن البيانات الإضافية تفي بمتطلبات العقد الذكي، الذي يحتوي على بنود منطقية مُبرمجة في الشفرة التي تستحدث إجراءات وفقًا لشروط العقد.

استثمار نعم.. عملة لا

وبين الرأيين، المتفائل بشدة وشديد التشاؤم، يرى الخبير الاقتصادي العالمي محمد العريان، أن الاهتمام سيزيد بالعملات الرقمية من خلال تكنولوجيا «بلوك تشين»، لكنها لن تتعدى ذلك لتصبح عملة مستخدمة على نطاق أوسع.
وذكر العريان يوم الثلاثاء الماضي، أن «بيتكوين» تتسم فعلاً بكونها تبادلاً متساوياً للمعاملات المالية، متوقعاً بأن الأسواق المالية ستقبل على الاستثمار في هذه العملة وغيرها بتقنية «بلوك تشين»، لكنه شدّد على أن «بيتكوين لن تتحول أبداً إلى عملة عالمية»، مشيراً إلى أنه ولكي يحصل ذلك سيتوجب على العملة الرقمية تبنيها من قبل نظام اقتصادي عالمي، مستبعداً احتمالية حصول ذلك.



الأسواق المالية العربية تشهد تحسُّناً... تزامناً مع تنصيب ترمب

متعامل سعودي يراقب سوق الأسهم عبر شاشات في الرياض (رويترز)
متعامل سعودي يراقب سوق الأسهم عبر شاشات في الرياض (رويترز)
TT

الأسواق المالية العربية تشهد تحسُّناً... تزامناً مع تنصيب ترمب

متعامل سعودي يراقب سوق الأسهم عبر شاشات في الرياض (رويترز)
متعامل سعودي يراقب سوق الأسهم عبر شاشات في الرياض (رويترز)

تفاعلت معظم الأسواق المالية العربية إيجاباً مع تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لولاية جديدة، رغم تخوف بعض الدول من التعريفات الجمركية التي ينوي رئيس البيت الأبيض فرضها، والتي يتوقع أن تؤثر على مسار التجارة العالمية والأسعار.

وقد تقاطع تنصيب ترمب مع بدء هدنة بين إسرائيل و«حماس»، والتي يتوقع أن يكون لها وقعها الإيجابي على الأسواق.

وأكد مختصون لـ«الشرق الأوسط» أن هدوء التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في الأسواق العربية. وبناءً على هذه العوامل، يتوقعون تحسناً ملحوظاً بأداء الأسواق في المنطقة، وخاصة الخليجية، خلال الفترة القادمة؛ مما يعزز التفاؤل بالنمو الاقتصادي المستقبلي.

تعزيز سلاسل الإمداد

وقال الرئيس الأول لإدارة الأصول في «أرباح كابيتال»، محمد الفراج، إن التوقعات الدولية تُشير إلى تحسن ملحوظ في الاقتصاد العالمي بعد تنصيب ترمب.

وأرجع الفراج، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، هذا التحسن إلى عدة عوامل رئيسة، أبرزها الاستقرار السياسي المتزايد، وتعزيز سلاسل الإمداد، فضلاً عن السياسات المالية والنقدية الداعمة التي اتبعتها الإدارة الأميركية الجديدة.

ومن المتوقع أن يكون للرفع التدريجي للرسوم على الواردات إلى الولايات المتحدة، تأثيرات كبيرة على سوق العمل والتضخم، وفق الفراج. وهو ما سيخلق بيئة اقتصادية أكثر استقراراً ونمواً في الأسواق العربية، خاصة الخليجية، وعلى رأسها السوق المالية السعودية (تداول).

نمو الشركات

من ناحيته، أكد المختص الاقتصادي والأكاديمي في جامعة الملك عبد العزيز، الدكتور سالم باعجاجة لـ«الشرق الأوسط»، أن تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيؤدي إلى تحقيق الأسواق الأميركية مكاسب كبيرة، بسبب سياساته المحفزة لنمو الشركات. وسيؤثر ذلك إيجاباً على الأسواق المالية بشكل عام، وخاصة الخليجية.

كما ساهم هدوء التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى اتفاق غزة وتبادل الأسرى، في تعزيز الاستقرار الاقتصادي في الأسواق العربية، بحسب باعجاجة.

متداولون يراقبون الشاشات التي تعرض معلومات الأسهم في بورصة قطر بالدوحة (رويترز)

أداء الأسواق العربية

وأغلقت معظم أسواق الأسهم في المنطقة العربية والخليجية على ارتفاع بنسب متفاوتة، يوم الاثنين.

وأنهت سوق الأسهم السعودية الرئيسة (تاسي)، جلسة يوم الاثنين على زيادة بنسبة تقارب 0.40 في المائة، عند 12379 نقطة، لتلامس أعلى مستوياتها منذ 8 مايو (أيار) الماضي، بقيادة سهم «أكوا باور» الذي صعد 4.4 في المائة. وقد ثبت سهم «أرامكو»، الأثقل وزناً على المؤشر، عند 28.15 ريال دون تغيير.

وربح المؤشر القطري 0.40 في المائة ليغلق عند 10508 نقطة، بدعم من سهم شركة «صناعات قطر» للبتروكيميائيات الذي زاد 2.2 في المائة، في حين صعد مؤشر بورصة الكويت بنسبة 0.53 في المائة. وارتفعت سوق أبوظبي للأوراق المالية 0.08 في المائة.

أما مؤشر سوق دبي الرئيسة، فقد تراجع 0.30 في المائة، بعدما انخفض سهم شركة «سالك لرسوم التعرفة المرورية» 2.9 في المائة. كما نزل مؤشر بورصة البحرين 0.08 في المائة.

وخارج منطقة الخليج، خسر مؤشر الأسهم القيادية في مصر 0.37 في المائة، مع هبوط سهم البنك التجاري الدولي 0.9 في المائة. كما انخفض مؤشر بورصة الدار البيضاء 0.33 في المائة. في المقابل، سجل مؤشر بورصة مسقط ارتفاعاً طفيفاً بلغ 0.03 في المائة.