غارات جديدة على الغوطة... واتهامات باستخدام الكلور

مقتل تسعة من أسرة واحدة

يتلقى العلاج بعد قصف على بلدة في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
يتلقى العلاج بعد قصف على بلدة في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

غارات جديدة على الغوطة... واتهامات باستخدام الكلور

يتلقى العلاج بعد قصف على بلدة في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)
يتلقى العلاج بعد قصف على بلدة في غوطة دمشق أمس (أ.ف.ب)

جددت قوات النظام السوري أمس غاراتها على الغوطة الشرقية المحاصرة موقعة المزيد من القتلى المدنيين، رغم طلب مجلس الأمن قبل يومين هدنة «من دون تأخير» حثت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الاثنين على وجوب تطبيقها «فوراً».
وتراجعت وتيرة الغارات على المنطقة المحاصرة غداة صدور قرار مجلس الأمن ليل السبت من دون أن تتوقف كلياً، في وقت تخطت حصيلة القتلى منذ بدء الهجوم 550 مدنياً، بحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان». وقتل أمس 17 مدنياً بينهم أربعة أطفال وفق المرصد جراء غارات وقصف مدفعي لقوات النظام طال تحديداً مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية.
وبين القتلى في دوما تسعة أشخاص من عائلة واحدة تم سحب جثثهم من تحت أنقاض مبنى طاله القصف بعد منتصف الليل.
وبحسب مراسل وكالة الصحافة الفرنسية، لازم سكان مدينة دوما الاثنين الأقبية خشية من تجدد الغارات فيما خلت الشوارع إلا من حركة مدنيين خرجوا مسرعين بحثاً عن الطعام أو للاطمئنان على أقاربهم. وقال «المرصد» إن «وتيرة الغارات والقصف تراجعت منذ التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار، من دون أن تتوقف الهجمات كلياً، والدليل استمرار سقوط ضحايا مدنيين وإن بدرجة أقل من الأسبوع الماضي».
ومنذ بدء حملة التصعيد، استهدفت قوات النظام الغوطة الشرقية التي تحاصرها بشكل محكم منذ العام 2013. بالغارات والقصف المدفعي والصاروخي الكثيف. وتزامن التصعيد مع تعزيزات عسكرية تنذر بشن هجوم بري وشيك. ودارت منذ صباح الأحد معارك ميدانية في منطقة المرج التي تتقاسم قوات النظام و«جيش الإسلام» السيطرة عليها. وتتركز الغارات على نقاط الاشتباك. وجددت الأمم المتحدة الاثنين المطالبة بالتطبيق الفوري لقرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في سوريا لمدة 30 يوماً، خصوصاً في الغوطة الشرقية. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الاثنين في جنيف إن «قرارات مجلس الأمن يكون لها معنى فقط إذا طبقت بشكل فعلي، ولهذا السبب أتوقع أن يطبق القرار فورا».

وشدد على أنه آن الأوان «لإنهاء هذا الجحيم على الأرض» في إشارة إلى الغوطة الشرقية.
وفي السياق ذاته، شددت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني الاثنين عند بدء اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل على أن «هذه الهدنة يجب أن تطبق على الفور».
وتبنى مجلس الأمن مساء السبت بالإجماع قرارا تم تعديل صياغته أكثر من مرة. ويتضمن أن تلتزم «كل الأطراف بوقف الأعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوما متتالية على الأقل في سوريا من أجل هدنة إنسانية دائمة» لإفساح المجال أمام «إيصال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم وإجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة».
وانتقد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في جنيف الاثنين عدم التحرك حيال النزاعات في دول عدة بينها سوريا، معتبراً أنها «أصبحت مثل بعض المسالخ للبشر في العصر الحديث لأنه لم يتم التحرك بشكل كاف لمنع هذه الأهوال».
وأبدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الاثنين «مخاوف شديدة» حيال استمرار الضربات على الغوطة الشرقية. وشدد خلال اتصال أجراه بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان على أن «الهدنة الإنسانية تشمل مجمل الأراضي السورية بما فيها عفرين» غداة إعلان تركيا عزمها مواصلة هجومها في المنطقة ذات الغالبية الكردية.
ومع استمرار القصف على الغوطة الشرقية الأحد، أصيب 14 مدنياً على الأقل بعوارض اختناق أدت إلى مقتل أحدهم وهو طفل عمره ثلاث سنوات، بعد قصف لقوات النظام وفق «المرصد» الذي لم يتمكن من تأكيد ما إذا كانت العوارض ناجمة عن تنشق غازات سامة.
وقال مراسل لوكالة الصحافة الفرنسية إن المصابين وبينهم نساء وأطفال نقلوا إلى مستشفى ميداني في الغوطة الشرقية. وشاهد امرأة تتناوب مع طفليها على وضع قناع أكسجين لمساعدتهما في التنفس.
واتهم القيادي البارز في جيش الإسلام محمد علوش في تغريدة على «تويتر» قوات النظام باستخدام غاز الكلور في القصف، في حين اتهمت وزارة الخارجية الروسية في بيان الفصائل «بالتخطيط لهجوم بمواد سامة بهدف اتهام القوات الحكومية باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين».
وتكرر منذ مطلع العام ظهور عوارض اختناق وضيق تنفس تحديداً في الغوطة الشرقية. وهددت دول غربية بينها الولايات المتحدة وفرنسا في وقت سابق هذا الشهر بشن ضربات في حال توافر «أدلة دامغة» على استخدم السلاح الكيماوي.
إلى ذلك، تواصلت الاشتباكات بين كبرى الفصائل العاملة في الشمال السوري، وبالتحديد بين «هيئة تحرير الشام» التي تشكل «جبهة النصرة» عمودها الفقري وبين «جبهة تحرير الشام» التي تشكلت مؤخرا باندماج «حركة أحرار الشام» وحركة «نور الدين الزنكي» في ريفي إدلب وحلب الغربي. وأشار المرصد إلى «هجمات متعاكسة من كلا الطرفين»، حيث تمكنت «هيئة تحرير الشام» من التقدم والسيطرة على خربة باتنتة الواقع بمحيط حزانو، فيما سيطر عناصر «الزنكي» على قرية باتبو وقلعة سمعان، بعد أن سيطروا على بلدة دارة عز وكفر ناصح وجبل الشيخ بركات. وترافق القتال يوم أمس بين المجموعات المسلحة مع مظاهرة شعبية في معرشورين طالب خلالها الأهالي الفصائل بإخلاء البلدة على خلفية القصف العشوائي الذي تتعرض له. ووثق المرصد السوري منذ اندلاع الاقتتال بين الفصائل في الـ20 من الشهر الحالي مصرع 156 مقاتلاً على الأقل من الأطراف المتنازعة في إدلب وحلب بينهم 94 من «هيئة تحرير الشام» و62 من حركة «أحرار الشام» و«حركة نور الدين الزنكي» و«صقور الشام».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم