«الحزب الإسلامي» العراقي لن يشارك في الانتخابات

رجل دين سني بارز يدعو إلى عدم التصويت لنواب ومسؤولين سابقين

ملصق انتخابي للمرشحة حنان الفتلاوي في أحد شوارع بغداد (أ.ب)
ملصق انتخابي للمرشحة حنان الفتلاوي في أحد شوارع بغداد (أ.ب)
TT

«الحزب الإسلامي» العراقي لن يشارك في الانتخابات

ملصق انتخابي للمرشحة حنان الفتلاوي في أحد شوارع بغداد (أ.ب)
ملصق انتخابي للمرشحة حنان الفتلاوي في أحد شوارع بغداد (أ.ب)

فيما دعا رجل الدين السني العراقي البارز، عبد الملك السعدي، الناخبين، خاصة في المحافظات السنية حيث يحظى بتأييد طيف من مواطنيها، إلى عدم التصويت على القوائم التي تضم أسماء مسؤولين وأعضاء سابقين في مجلس النواب في انتخابات 12 مايو (أيار) المقبل، أعلن «الحزب الإسلامي»، أكبر الأحزاب السنية، أنه لن يشارك في الانتخابات.
واتهم الشيخ السعدي في بيان مقتضب أصدره أمس، القائمين والساسة العاملين على الشأن الانتخابي، بأنهم «جعلوا السابقين في مقدمة القائمة، وذيلوها بأسماء جدد لينتفعوا من أصواتهم، ثم بعد ذلك سيهمشون»، في إشارة إلى الساسة الذين شغلوا مناصب في الحكومة العراقية والبرلمان في الدورات السابقة. وأضاف السعدي: «لذا أوضح أن ما دعوت إليه هو انتخاب جدد من بداية القائمة إلى آخرها، ممن يظن بهم الخير للبلاد والعباد، وأي قائمة تحتوي على سابق لا يصوت لها».
وكان السعدي قد طالب ودعا في بيانات سابقة إلى انتخاب وجوه جديدة «لعلهم يأخذون العبرة ممن سبقهم، ليقوموا بالإصلاح وتوفير لقمة العيش».
بدوره، قلل الناطق الرسمي باسم قائمة «تحالف القرار» الانتخابية، النائب ظافر العاني، من حجم وتأثير دعوة الشيخ السعدي، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس لدينا شعور بالقلق من دعوة الشيخ، فالمجتمع السني ليس مجتمع مرجعية دينية، ومن الصعب عليه الاستناد إلى فتوى من رجل دين يعيش خارج البلاد، وغير مطلع على تفاصيل الظروف الداخلية». ونفى العاني ما يتردد عن «تأثير كبير» للشيخ السعدي في الأوساط السنية، وخاصة في محافظة الأنبار، معتبرا أنه «برز خلال فترة ساحات الاعتصام عام 2013، وقد تراجع تأثيره بعد فترة وجيزة جدا».
لكن العاني يرى أن «الجزء الأهم في دعوة السعدي هو حثه الناس على المشاركة في الانتخابات، إنه أمر مهم بالنسبة لنا، ولا مانع لدينا من انتخاب وجوه جديدة، والناس هي المسؤولة عن اختياراتها».
في غضون ذلك، وفي خطوة مماثلة لخطوة حزب «الدعوة» المتمثلة في إعلانه عدم المشاركة في الانتخابات العامة، أعلن «الحزب الإسلامي العراقي» أيضاً عدم خوض الانتخابات، وترك الأمر لأعضائه لخوض الانتخابات بطريقة فردية.
وقال مجلس الشورى المركزي للحزب الإسلامي، في بيان صدر في ختام اجتماعه أمس، إن المجتمعين أكدوا على أن «العراق وهو يعيش اليوم مرحلة الخلاص التام من (داعش) الإرهابي، بحاجة ماسة لعلاج إفرازات تلك المرحلة المظلمة من تاريخه». وأضاف البيان أن المجلس ينظر إلى الانتخابات النيابية المقبلة بـ«عين الاهتمام»؛ لأنها «سترسم صورة الساحة العراقية للمرحلة القادمة، وهي فرصة ممكنة وسانحة لاستدراك الأخطاء التي وقعت سابقا ومعالجة جوانب الخلل». وذكر البيان أن المجلس وجد «الفرصة سانحة لإعلان عدم مشاركة الحزب الإسلامي العراقي في الانتخابات البرلمانية المقبلة باسمه، مع فسح المجال لعناصره للمشاركة بصفتهم الفردية».
ولم يشرح بيان مجلس الشورى المركزي، الأسباب التي دعت الحزب إلى قرار عدم المشاركة في الانتخابات، على غرار القرار الذي اتخذه حزب الدعوة؛ لكن مصدرا مطلعا قال لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحزب الإسلامي يعاني من انقسامات حادة شأن بقية الأحزاب، وإن كثيرا من عناصره القيادية انخرطت أساسا في قوائم انتخابية بعيدة عن الحزب». ويشير المصدر، الذي يفضّل عدم كشف هويته، إلى سببين آخرين دفعا الحزب إلى الانسحاب: «الأول تراجع شعبيته في مناطق سنية كثيرة، وبالتالي هو يخشى من تعرضه لخسارة كبيرة، والثاني هو التكتيك الانتخابي الذي مارسه في الانتخابات السابقة، من خلال إشراك أعضائه في قوائم مختلفة».



اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
TT

اليمن بين إمكانية التعافي واستمرار اقتصاد الحرب

استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)
استئناف تصدير النفط سيسمح بمعالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية في اليمن (رويترز)

تتوالى التأثيرات السلبية على الاقتصاد اليمني، إذ يرجح غالبية المراقبين أن استمرار الصراع سيظل عائقاً أمام إمكانية السماح بالتعافي واستعادة نمو الأنشطة الاقتصادية واستقرار الأسعار وثبات سعر صرف العملة المحلية وتحسين مستوى معيشة السكان.

وتشهد العملة المحلية (الريال اليمني) انهياراً غير مسبوق بعد أن وصل سعر الدولار الواحد خلال الأيام الأخيرة إلى 1890 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، في حين لا تزال أسعار العملات الأجنبية ثابتة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بقرار انقلابي، كما يقول خبراء الاقتصاد الذين يصفون تلك الأسعار بالوهمية.

الانقسام المصرفي في اليمن يفاقم الأعباء الاقتصادية على المجتمع (رويترز)

وتتواصل معاناة اليمنيين في مختلف المناطق من أزمات معيشية متتالية؛ حيث ترتفع أسعار المواد الأساسية، وتهدد التطورات العسكرية والسياسية، وآخرها الضربات الإسرائيلية لميناء الحديدة، بالمزيد من تفاقم الأوضاع، في حين يتم التعويل على أن يؤدي خفض التصعيد الاقتصادي، الذي جرى الاتفاق حوله أخيراً، إلى التخفيف من تلك المعاناة وتحسين المعيشة.

ويعدّد يوسف المقطري، الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب، أربعة أسباب أدت إلى اندلاع الحرب في اليمن من منظور اقتصادي، وهي ضعف مستوى دخل الفرد، وضعف هيكل نمو دخل الفرد، وهشاشة الدولة وعدم احتكارها العنف، وعندما تفقد الدولة القدرة على الردع، تبدأ الأطراف المسلحة بالصعود للحصول على الموارد الاقتصادية.

ويوضح المقطري لـ«الشرق الأوسط» أنه عندما لا يتم تداول السلطة من جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد، تنشأ جهات انقلابية ومتمردة للحصول على السلطة والثروة والحماية، وإذا غابت الدولة المؤسساتية الواضحة، ينشأ الصراع على السلطة والثروة، والحرب تنشأ عادة في الدول الفقيرة.

طلاب يمنيون يتلقون التعليم في مدرسة دمرتها الحرب (البنك الدولي)

ويضيف أن اقتصاد الحرب يتمثل باستمرار الاقتصاد بوسائل بديلة لوسائل الدولة، وهو اقتصاد يتم باستخدام العنف في تسيير الاقتصاد وتعبئة الموارد وتخصيصها لصالح المجهود الحربي الذي يعني غياب التوزيع الذي تستمر الدولة في الحفاظ على استمراريته، بينما يعتاش المتمردون على إيقافه.

إمكانات بلا استقرار

أجمع باحثون اقتصاديون يمنيون في ندوة انعقدت أخيراً على أن استمرار الصراع وعدم التوصل إلى اتفاق سلام أو تحييد المؤسسات والأنشطة الاقتصادية سيجر الاقتصاد إلى مآلات خطيرة على معيشة السكان واستقرار البلاد.

وفي الندوة التي عقدها المركز اليمني المستقل للدراسات الاستراتيجية، عدّت الباحثة الاقتصادية رائدة الذبحاني اليمن بلداً يتمتع بالكثير من الإمكانات والمقدرات الاقتصادية التي تتمثل بالثروات النفطية والغاز والمعادن الثمينة والأحياء البحرية والزراعة وموقعها الاستراتيجي على ممرات طرق الملاحة الدولية، غير أن إمكانية حدوث الاستقرار مرهون بعوامل عدة، على رأسها الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني.

وترى الذبحاني ضرورة تكثيف الاستثمارات الاقتصادية وتشجيع القطاع الخاص بالدعم والتسهيلات لتشجيعه على الاستثمار في مشاريع صديقة للبيئة، مشددة على مشاركة المرأة في السياسات الاقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية، وعدم إهدار طاقاتها الفاعلة في صنع القرار وإيجاد الحلول المبتكرة، وزيادة أعداد القوى العاملة، إذ يمكن أن تضيف المرأة ما نسبته 26 في المائة من الإنتاج المحلي.

سوق شعبية قديمة وبوابة أثرية في مدينة تعز اليمنية المحاصرة من الحوثيين طوال سنوات الحرب (رويترز)

وفي جانب الإصلاح المصرفي يشترط الباحث رشيد الآنسي إعادة هيكلة البنك المركزي ودعم إدارة السياسة النقدية، وتطوير أنظمة المدفوعات وأنظمة البنك المركزي والربط الشبكي بين البنوك باستثمارات بنكية وتحديث القوانين واللوائح والتعليمات المصرفية، وفقاً لمتطلبات المرحلة، وتقليص أعداد منشآت وشركات الصرافة وتشجيع تحويلها إلى بنوك عبر دمجها.

وركز الآنسي، في ورقته حول إعادة ھندسة البیئة المصرفیة الیمنیة بوصفها ركيزة حیویة لبناء اقتصاد حديث، على ضرورة إلزام شركات الصرافة بإيداع كامل أموال المودعين لديها والحوالات غير المطالب بها كوسيلة للتحكم بالعرض النقدي، ورفع الحد الأدنى من رأسمال البنوك إلى مستويات عالية بما لا يقل عن 100 مليون دولار، وعلى فترات قصيرة لتشجيع وإجبار البنوك على الدمج.

كما دعا إلى إلزام البنوك بتخصيص جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإنشاء سوق أوراق مالية خاصة لبيع وشراء أسهم البنوك والحوكمة الحقيقية لها.

انكماش شامل

توقّع البنك الدولي، أواخر الشهر الماضي، انكماش إجمالي الناتج المحلي في اليمن بنسبة واحد في المائة خلال العام الحالي 2024، بعد أن شهد انكماشاً بنسبة 2 في المائة في العام الماضي، ونمواً متواضعاً بواقع 1.5 في المائة في العام الذي يسبقه.

يمنيون ينقلون المياه على ظهور الحمير إذ أدى الصراع إلى تدهور سبل المعيشة (أ.ف.ب)

وبيّن البنك أنه في الفترة ما بين عامي 2015 و2023، شهد اليمن انخفاضاً بنسبة 54 في المائة في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، ما يترك أغلب اليمنيين في دائرة الفقر، بينما يؤثر انعدام الأمن الغذائي على نصف السكان.

ويذهب الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي إلى أن السياسة والفعل السياسي لم يخدما الاقتصاد اليمني أو يعملا على تحييده لتجنيب السكان الكوارث الإنسانية، بل بالعكس من ذلك، سعى الحوثيون إلى ترسيخ نظام اقتصادي قائم على الاختلال في توزيع الثروة وتركزها بيد قلة من قياداتهم، مقابل تجويع القاعدة العريضة من المجتمع.

وأشار المساجدي، في مداخلته خلال الندوة، إلى أن هناك ملفات أخرى تؤكد استغلال الحوثيين الملف الاقتصادي لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، كإنشاء منافذ جمركية مستحدثة، ووقف استيراد الغاز من المناطق المحررة، وإجبار التجار على استيراد بضائعهم عبر ميناء الحديدة، وغير ذلك الكثير.

منشأة نفطية يمنية حيث يعد إنتاج وتصدير النفط أحد أهم موارد الاقتصاد الهش (أرشيفية - غيتي)

وتحدث الباحث الاقتصادي فارس النجار حول القطاع الخدمي الذي يعاني بسبب الحرب وآثارها، مشيراً إلى تضرر شبكة الطرق والنقل، وتراجع إجمالي المسافة التي تنبسط عليها من أكثر من 70 ألف كيلومتر قبل الانقلاب، إلى أقل من 40 ألف كيلومتر حالياً، بعد تعرض الكثير منها للإغلاق والتخريب، وتحولها إلى مواقع عسكرية.

وتعرض النجار إلى ما أصاب قطاع النقل من أضرار كبيرة بفعل الحرب، تضاعفت أخيراً بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وهو ما ألحق أضراراً بالغة بمعيشة السكان، في حين وضعت الجماعة الحوثية يدها، عبر ما يعرف بالحارس القضائي، على شركات الاتصالات، لتتسبب في تراجع أعداد مستخدمي الهواتف المحمولة من 14 مليوناً إلى 8 ملايين، بحسب إحصائيات البنك الدولي.