«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

شباب «الإخوان» هدف لدعوات الظواهري والبغدادي «المتطرفة»

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
TT

«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)

ما بين دعوة أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي لشباب الأحزاب الإسلامية في مصر بالتخلي عن السلمية، ومبايعة نجل أحد قيادات جماعة «الإخوان» لـ«داعش»
وبث فيديو مصور يوثق ذلك، بات هناك توافق نادر بين التنظيمين على تسليح العمل الحزبي والتنافس للفوز بشباب الأحزاب الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
خبراء في الحركات المتطرفة بمصر أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يسعيان الآن لضخ دماء جديدة، حيث يتصور كل من التنظيمين أن جماعة «الإخوان» ما زال لديها قواعد لضخ شباب جدد. وقال الخبراء إن «حالة المتطرفين تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات»، لكن توجه «القاعدة» و«داعش» لشباب الأحزاب الإسلامية يشير إلى هزائم داخل التنظيمين، بعد انسحاب أعداد كبيرة منهما.
لقد حاول أيمن الظواهري في كلمة مسجلة بعنوان: «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، استمالة شباب «الإخوان» والأحزاب الأصولية لتشجيعهم على الانضمام إلى التنظيم المتطرف والتظاهر والتخلي عن السلمية. ودعا الجميع إلى «بداية جديدة تتخلص من أخطاء الماضي، وإقامة حكم إسلامي يحكم بالشريعة»، على حد تعبيره.
وسبق هذه الكلمة فيديو مصور بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة»، هاجم فيه كل من شارك في العملية السياسية بمصر وشن هجوماً على الأحزاب الإسلامية، لكنه داعب شباب «الإخوان» ونشر مقطعا يُظهر انضمام عمر ابن القيادي الإخواني إبراهيم الديب، إلى التنظيم. وظهر عمر، الذي ادعى أعضاء بجماعة «الإخوان» المعتبرة في مصر تنظيماً إرهابياً اختفاءه قسراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو يرتدي زياً مموهاً يشبه زى الجنود ويبايع أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش المزعوم، واعترف في التسجيل بأنه يقوم بتنفيذ عمليات ضد القوات المسلحة.
من جهته، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، إن «حالة التشدد تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات، بدءاً من (الإخوان) وعدم إيمانهم بتداول السلطة. وكان يحركهم خطاب مراوغ، وكان هناك شكل لتوزيع الأدوار، ونجحت الجماعة في الوصول إلى حكم مصر عام 2012، وحصلت على 70 في المائة من مقاعد الإسلاميين في البرلمان، وكُنا أمام توافق نادر بين تيار الإسلام السياسي والجماعة و(المتطرفين)، وتمثل ذلك في (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح)، وكان هذا الكيان كاشفا لطبيعة العلاقة بين أطرافه» وأضاف: «لكن بدأت حالة من التصادم، والهجرة العكسية، وخروج مجموعات من (القاعدة) لـ(داعش) أو (الإخوان) والعكس»، لافتاً إلى أن «(القاعدة) و(داعش) يسعيان الآن لضخ دماء جديد، حيث يتصور كل من التنظيمين أن (الإخوان) ما زال لديها قواعد لضخ الشباب… وهما لا يدركان أن (الإخوان) لم تعد بناء قوياً؛ لا تنظيمياً ولا فكرياً، حتى لو نجحت (الجماعة) في ضم عناصر جديدة».
وأكد بأن قد توجد شراذم قليلة قد تنضم لـ«القاعدة» أو «داعش» من عناصر «الإخوان» التي تتوجه للعنف، مثل أعضاء حركتي «حسم» و«لواء الثورة»، اللتين نجحت السلطات المصرية في توجيه كثير من الضربات لهما. وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم داعش إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينته إلى سفينة (القاعدة)، وهناك مساع لنقل العناصر الإرهابية إلى ليبيا ومن آسيا إلى أفريقيا».
وقال أحمد بان، إن من طبيعة التيارات والجماعات المتشددة أن يحدث تشظٍ وخلافات وصراعات داخلية فيها تحت لافتات التكفير المتبادل، فـ«داعش» كان تطوراً طبيعياً لـ«القاعدة»، وحاول التهامه في مرحلة من المراحل، و«داعش» بدأت فكرة التكفير داخله بين «الحازمين».
من جهته، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إن «الرسالة الأخيرة للظواهري ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل، خصوصا بعد الضربات التي تلقاها من تنظيم داعش. ورسائل التنظيمين لشباب الأحزاب الإسلامية تشير إلى هزائم داخلية بعد انسحاب أعداد كبيرة من (القاعدة) لـ(داعش)»، لافتاً إلى أن الضربات التي تلقاها «داعش» في سوريا والعراق وفي مصر خلال العملية الشاملة «سيناء 2018» جعلت «القاعدة» يحاول أن يغنم الإرث الداعشي والإخواني، خصوصا أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري تحدث فيه عن فشل (الإخوان) وانهيار مشروعهم رغم أنه يعد (الإخوان) كبرى الجماعات».
وشن الظواهري في يناير (كانون الثاني) الماضي هجوماً شديداً على حزب «الحرية والعدالة» المنحل، ذراع جماعة «الإخوان» في مصر، واتهمه بأنه سبب فشل الحكم الإسلامي، كما شبه «الإخوان» في أغسطس (آب) عام 2016 بـ«حظيرة الدواجن التي تربي الدجاج لتسعد فقط بما يقدم لها؛ لكنها تتركها غافلة عما يحيط بها من أخطار محدقة».
وأضاف عبد المنعم أنه «بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به فصائل (القاعدة) في (الواحات) الغربية بمصر، أصبح أمام التنظيم الإرهابي توجيه الدعوة إلى شباب حزبي (النور)، و(البناء والتنمية) ذراع (الجماعة الإسلامية)، خصوصا مع دعوات مصرية تطالب بحل الحزبين، فضلاً عن مداعبة باقي شباب الأحزاب السياسية المحب للديمقراطية».
برز تنظيم «القاعدة» خصوصاً في الصحراء الغربية، حيث كشفت أجهزة الأمن المصرية أواخر العام الماضي أخطر خلاياه المُسلحة وهي جماعة «أنصار الإسلام» أو «المرابطون». واتضح أنها تتبع «القاعدة» ويقودها ضابط مفصول هو هشام عشماوي… فضلاً عن ظهور تنظيمات في شمال سيناء أواخر العام الماضي أيضاً تتبع «القاعدة» مثل جماعة «جند الإسلام» التي تبنت أفكارها، وكانت تنشط في سيناء قبل 4 أعوام، وتوعدت تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» مؤخرا في سيناء… كما كشف عبد الرحيم محمد عبد الله المسماري، الإرهابي الليبي المتورط في هجوم «الواحات» في أكتوبر الماضي، أنه ورفاقه في المجموعة الإرهابية التي ينتمي إليها والتي تم ضبطها أخيراً «يعتنقون فكر (القاعدة)». وسبق أن أثنى الظواهري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في شريط فيديو بعنوان «العملاق الذي لم ينحنِ» على الدكتور عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي لـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، الذي توفي داخل محبسه الذي قضي فيه 24 عاماً بالولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2017، في محاولة وصفها خبراء الحركات الإسلامية بأنها مغازلة لشباب الجماعة للانضمام للتنظيم.
لكن عمرو عبد المنعم حذر من الدعوات التي تطالب بحل الأحزاب الإسلامية بمصر، لأن «حلها خطر، ولأن شبابها سوف يشعرون بفشل المشروع وينتقلون بعد ذلك إلى مربع العنف من جديد... وهذا المضمون هو ما يدعو إليه الظواهري»، موضحا «أننا أمام دعوة صريحة بعد فشل الأحزاب الإسلامية، سوف تؤدي لنزوح الباقين لـ(القاعدة)».
وتساءل عبد المنعم: «لماذا ينصت تيار (الجهاد) لما يطرحه الظواهري؟ ألا يُعد ذلك رجوعاً عن العقد الاجتماعي الذي عقده تيار الإسلام السياسي مع الدولة المصرية عبر 20 عاماً ويزيد من وقف العنف؟». ويلفت إلى أن دعوات الظواهري لشباب الأحزاب السياسية وجدت طريقها في الأحزاب السياسية وأثمرت، «بدليل انضمام قيادات من (الجماعة الإسلامية) لـ(القاعدة)، فضلاً عن أن هناك انسحابات من شباب من جماعة (الإخوان)، وانضموا لـ(داعش) مثل عمر إبراهيم الديب».
ويقول عبد المنعم إن «انسحابات شباب (الإخوان) مؤشر على وجود عناصر أخرى لديها قابلية للمزاوجة بين (الجماعة) و(داعش)... لديهم فكر (الإخوان) ويريدون السير على خطى (داعش) في العنف، خصوصا أن شباب (الجماعة) الآن غير راضين عن الأوضاع في مصر بدرجة كبيرة، ويتم شحنهم إلى درجة كبيرة من وسائل الإعلام التابعة لـ(الجماعة)، والظواهري سعى أيضاً إلى استغلال تلك الحالة»، مؤكداً أن «(داعش) و(القاعدة) لديهما اتفاق ضمني على تسليح العمل الحزبي».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، أن «داعش» و«القاعدة» يحاولان إثبات وجودهما «في ظل الفشل الكبير الذي تعرض له (داعش) على يد قوات الجيش والشرطة في سيناء، و(القاعدة) في الصحراء الغربية»، لافتاً إلى أن «التنظيمين يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وليبيا ومصر أخيراً».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟