«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

شباب «الإخوان» هدف لدعوات الظواهري والبغدادي «المتطرفة»

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
TT

«القاعدة» و«داعش»... توافق نادر على تسليح العمل الحزبي

عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)
عمر إبراهيم الديب نجل قيادي إخواني وهو يرتدي زي «داعش» خلال فيديو بثه التنظيم مؤخراً («الشرق الأوسط»)

ما بين دعوة أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» الإرهابي لشباب الأحزاب الإسلامية في مصر بالتخلي عن السلمية، ومبايعة نجل أحد قيادات جماعة «الإخوان» لـ«داعش»
وبث فيديو مصور يوثق ذلك، بات هناك توافق نادر بين التنظيمين على تسليح العمل الحزبي والتنافس للفوز بشباب الأحزاب الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
خبراء في الحركات المتطرفة بمصر أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أن تنظيمي «القاعدة» و«داعش» يسعيان الآن لضخ دماء جديدة، حيث يتصور كل من التنظيمين أن جماعة «الإخوان» ما زال لديها قواعد لضخ شباب جدد. وقال الخبراء إن «حالة المتطرفين تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات»، لكن توجه «القاعدة» و«داعش» لشباب الأحزاب الإسلامية يشير إلى هزائم داخل التنظيمين، بعد انسحاب أعداد كبيرة منهما.
لقد حاول أيمن الظواهري في كلمة مسجلة بعنوان: «بُشرى النصر لأهلنا في مصر»، استمالة شباب «الإخوان» والأحزاب الأصولية لتشجيعهم على الانضمام إلى التنظيم المتطرف والتظاهر والتخلي عن السلمية. ودعا الجميع إلى «بداية جديدة تتخلص من أخطاء الماضي، وإقامة حكم إسلامي يحكم بالشريعة»، على حد تعبيره.
وسبق هذه الكلمة فيديو مصور بثه «داعش» حمل اسم «حماة الشريعة»، هاجم فيه كل من شارك في العملية السياسية بمصر وشن هجوماً على الأحزاب الإسلامية، لكنه داعب شباب «الإخوان» ونشر مقطعا يُظهر انضمام عمر ابن القيادي الإخواني إبراهيم الديب، إلى التنظيم. وظهر عمر، الذي ادعى أعضاء بجماعة «الإخوان» المعتبرة في مصر تنظيماً إرهابياً اختفاءه قسراً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو يرتدي زياً مموهاً يشبه زى الجنود ويبايع أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش المزعوم، واعترف في التسجيل بأنه يقوم بتنفيذ عمليات ضد القوات المسلحة.
من جهته، قال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، إن «حالة التشدد تتسم بقدر كبير من السيولة، وهي نتاج حالة الفشل المحيط بكل التنظيمات، بدءاً من (الإخوان) وعدم إيمانهم بتداول السلطة. وكان يحركهم خطاب مراوغ، وكان هناك شكل لتوزيع الأدوار، ونجحت الجماعة في الوصول إلى حكم مصر عام 2012، وحصلت على 70 في المائة من مقاعد الإسلاميين في البرلمان، وكُنا أمام توافق نادر بين تيار الإسلام السياسي والجماعة و(المتطرفين)، وتمثل ذلك في (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح)، وكان هذا الكيان كاشفا لطبيعة العلاقة بين أطرافه» وأضاف: «لكن بدأت حالة من التصادم، والهجرة العكسية، وخروج مجموعات من (القاعدة) لـ(داعش) أو (الإخوان) والعكس»، لافتاً إلى أن «(القاعدة) و(داعش) يسعيان الآن لضخ دماء جديد، حيث يتصور كل من التنظيمين أن (الإخوان) ما زال لديها قواعد لضخ الشباب… وهما لا يدركان أن (الإخوان) لم تعد بناء قوياً؛ لا تنظيمياً ولا فكرياً، حتى لو نجحت (الجماعة) في ضم عناصر جديدة».
وأكد بأن قد توجد شراذم قليلة قد تنضم لـ«القاعدة» أو «داعش» من عناصر «الإخوان» التي تتوجه للعنف، مثل أعضاء حركتي «حسم» و«لواء الثورة»، اللتين نجحت السلطات المصرية في توجيه كثير من الضربات لهما. وأشار مراقبون إلى أن «هناك انتقالاً الآن من تنظيم داعش إلى (القاعدة)، ومن دخلوا (داعش) يقفزون من سفينته إلى سفينة (القاعدة)، وهناك مساع لنقل العناصر الإرهابية إلى ليبيا ومن آسيا إلى أفريقيا».
وقال أحمد بان، إن من طبيعة التيارات والجماعات المتشددة أن يحدث تشظٍ وخلافات وصراعات داخلية فيها تحت لافتات التكفير المتبادل، فـ«داعش» كان تطوراً طبيعياً لـ«القاعدة»، وحاول التهامه في مرحلة من المراحل، و«داعش» بدأت فكرة التكفير داخله بين «الحازمين».
من جهته، قال عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات المتطرفة، إن «الرسالة الأخيرة للظواهري ما هي إلا إعلان حالة إفلاس بشكل كامل، خصوصا بعد الضربات التي تلقاها من تنظيم داعش. ورسائل التنظيمين لشباب الأحزاب الإسلامية تشير إلى هزائم داخلية بعد انسحاب أعداد كبيرة من (القاعدة) لـ(داعش)»، لافتاً إلى أن الضربات التي تلقاها «داعش» في سوريا والعراق وفي مصر خلال العملية الشاملة «سيناء 2018» جعلت «القاعدة» يحاول أن يغنم الإرث الداعشي والإخواني، خصوصا أن هناك أكثر من إصدار مرئي للظواهري تحدث فيه عن فشل (الإخوان) وانهيار مشروعهم رغم أنه يعد (الإخوان) كبرى الجماعات».
وشن الظواهري في يناير (كانون الثاني) الماضي هجوماً شديداً على حزب «الحرية والعدالة» المنحل، ذراع جماعة «الإخوان» في مصر، واتهمه بأنه سبب فشل الحكم الإسلامي، كما شبه «الإخوان» في أغسطس (آب) عام 2016 بـ«حظيرة الدواجن التي تربي الدجاج لتسعد فقط بما يقدم لها؛ لكنها تتركها غافلة عما يحيط بها من أخطار محدقة».
وأضاف عبد المنعم أنه «بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به فصائل (القاعدة) في (الواحات) الغربية بمصر، أصبح أمام التنظيم الإرهابي توجيه الدعوة إلى شباب حزبي (النور)، و(البناء والتنمية) ذراع (الجماعة الإسلامية)، خصوصا مع دعوات مصرية تطالب بحل الحزبين، فضلاً عن مداعبة باقي شباب الأحزاب السياسية المحب للديمقراطية».
برز تنظيم «القاعدة» خصوصاً في الصحراء الغربية، حيث كشفت أجهزة الأمن المصرية أواخر العام الماضي أخطر خلاياه المُسلحة وهي جماعة «أنصار الإسلام» أو «المرابطون». واتضح أنها تتبع «القاعدة» ويقودها ضابط مفصول هو هشام عشماوي… فضلاً عن ظهور تنظيمات في شمال سيناء أواخر العام الماضي أيضاً تتبع «القاعدة» مثل جماعة «جند الإسلام» التي تبنت أفكارها، وكانت تنشط في سيناء قبل 4 أعوام، وتوعدت تنظيم «ولاية سيناء» الموالي لـ«داعش» مؤخرا في سيناء… كما كشف عبد الرحيم محمد عبد الله المسماري، الإرهابي الليبي المتورط في هجوم «الواحات» في أكتوبر الماضي، أنه ورفاقه في المجموعة الإرهابية التي ينتمي إليها والتي تم ضبطها أخيراً «يعتنقون فكر (القاعدة)». وسبق أن أثنى الظواهري في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في شريط فيديو بعنوان «العملاق الذي لم ينحنِ» على الدكتور عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي لـ«الجماعة الإسلامية» في مصر، الذي توفي داخل محبسه الذي قضي فيه 24 عاماً بالولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2017، في محاولة وصفها خبراء الحركات الإسلامية بأنها مغازلة لشباب الجماعة للانضمام للتنظيم.
لكن عمرو عبد المنعم حذر من الدعوات التي تطالب بحل الأحزاب الإسلامية بمصر، لأن «حلها خطر، ولأن شبابها سوف يشعرون بفشل المشروع وينتقلون بعد ذلك إلى مربع العنف من جديد... وهذا المضمون هو ما يدعو إليه الظواهري»، موضحا «أننا أمام دعوة صريحة بعد فشل الأحزاب الإسلامية، سوف تؤدي لنزوح الباقين لـ(القاعدة)».
وتساءل عبد المنعم: «لماذا ينصت تيار (الجهاد) لما يطرحه الظواهري؟ ألا يُعد ذلك رجوعاً عن العقد الاجتماعي الذي عقده تيار الإسلام السياسي مع الدولة المصرية عبر 20 عاماً ويزيد من وقف العنف؟». ويلفت إلى أن دعوات الظواهري لشباب الأحزاب السياسية وجدت طريقها في الأحزاب السياسية وأثمرت، «بدليل انضمام قيادات من (الجماعة الإسلامية) لـ(القاعدة)، فضلاً عن أن هناك انسحابات من شباب من جماعة (الإخوان)، وانضموا لـ(داعش) مثل عمر إبراهيم الديب».
ويقول عبد المنعم إن «انسحابات شباب (الإخوان) مؤشر على وجود عناصر أخرى لديها قابلية للمزاوجة بين (الجماعة) و(داعش)... لديهم فكر (الإخوان) ويريدون السير على خطى (داعش) في العنف، خصوصا أن شباب (الجماعة) الآن غير راضين عن الأوضاع في مصر بدرجة كبيرة، ويتم شحنهم إلى درجة كبيرة من وسائل الإعلام التابعة لـ(الجماعة)، والظواهري سعى أيضاً إلى استغلال تلك الحالة»، مؤكداً أن «(داعش) و(القاعدة) لديهما اتفاق ضمني على تسليح العمل الحزبي».
من جهته، أكد الدكتور خالد الزعفراني، الخبير في شؤون الحركات المتطرفة، أن «داعش» و«القاعدة» يحاولان إثبات وجودهما «في ظل الفشل الكبير الذي تعرض له (داعش) على يد قوات الجيش والشرطة في سيناء، و(القاعدة) في الصحراء الغربية»، لافتاً إلى أن «التنظيمين يحاولان تعويض ما فقداه من الشباب في العراق وسوريا وليبيا ومصر أخيراً».


مقالات ذات صلة

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

آسيا جندي باكستاني يقف حارساً على الحدود الباكستانية الأفغانية التي تم تسييجها مؤخراً (وسائل الإعلام الباكستانية)

باكستان: جهود لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين

الجيش الباكستاني يبذل جهوداً كبرى لتطهير المناطق الاستراتيجية على الحدود الأفغانية من المسلحين.

عمر فاروق (إسلام آباد)
أفريقيا وحدة من جيش بوركينا فاسو خلال عملية عسكرية (صحافة محلية)

دول الساحل تكثف عملياتها ضد معاقل الإرهاب

كثفت جيوش دول الساحل الثلاث؛ النيجر وبوركينا فاسو ومالي، خلال اليومين الماضيين من عملياتها العسكرية ضد معاقل الجماعات الإرهابية.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا سيدة في إحدى قرى بوركينا فاسو تراقب آلية عسكرية تابعة للجيش (غيتي)

تنظيم «القاعدة» يقترب من عاصمة بوركينا فاسو

أعلنت «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، الموالية لتنظيم «القاعدة»، أنها سيطرت على موقع عسكري متقدم تابع لجيش بوركينا فاسو.

الشيخ محمد ( نواكشوط)
أفريقيا رئيس تشاد يتحدث مع السكان المحليين (رئاسة تشاد)

الرئيس التشادي: سنلاحق إرهابيي «بوكو حرام» أينما ذهبوا

قال الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي، في مقطع فيديو نشرته الرئاسة التشادية، إنه سيلاحق مقاتلي «بوكو حرام» «أينما ذهبوا، واحداً تلو الآخر، وحتى آخر معاقلهم».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا آثار هجوم إرهابي شنَّته «بوكو حرام» ضد الجيش التشادي (إعلام محلي)

«الإرهاب» يصعّد هجماته في دول الساحل الأفريقي

تصاعدت وتيرة الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، خصوصاً بعد أن أعلنت تشاد أن أربعين جندياً قُتلوا في هجوم إرهابي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.