رسامات الكاريكاتير في مصر يقتحمن المهنة تبديداً للنمطية السلبية

نافسن الرجل وعبرن عن القضايا النسوية بواقعية

من أعمال رسامة الكاريكاتير المصرية دعاء العدل
من أعمال رسامة الكاريكاتير المصرية دعاء العدل
TT

رسامات الكاريكاتير في مصر يقتحمن المهنة تبديداً للنمطية السلبية

من أعمال رسامة الكاريكاتير المصرية دعاء العدل
من أعمال رسامة الكاريكاتير المصرية دعاء العدل

في عام 2008، كشفت دراسة أجرتها الباحثة أسماء فؤاد حافظ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، حول «صورة المرأة في الكاريكاتير بالصحف المصرية»، إلى غلبة الاتجاه السلبي نحو المرأة بنسبة 62.7 في المائة، في حين بلغت نسبة ظهور الاتجاه الإيجابي نحو المرأة 14.3 في المائة. درست فؤاد مضمون 746 رسماً كاريكاتيرياً بصحف «أخبار اليوم»، و«الأهالي»، و«الأسبوع» بين عامي 2004 و2008 ليتضح لها أن الصورة الغالبة للمرأة في رسوم الكاريكاتير بالصحف المصرية هي الصورة السلبية التقليدية النمطية، وكانت أبرز السمات السلبية للمرأة التي أوضحتها عينة الصحف المدروسة سمة غياب العقلانية بنسبة 20 في المائة، تلتها سمة السلبية بنسبة 17 في المائة، ثم الاستهتار بنسبة 9.3 في المائة، ثم الأنانية بنسبة 8.1 في المائة.
إلى ذلك، قررت رسامات الكاريكاتير خوض مجال العمل الصحافي في مصر، بحثاً عن المتاعب والمتعة معاً في أمل محاربة النمطية الذكورية. واستطعن تحقيق نجاحات لافتة من خلال تعبيرهن عن قضايا المرأة بواقعية، وتصديهن لمختلف المشكلات والموضوعات بشكل ساخر على صفحات الصحف المصرية. لم تكتفِ الرسامات بذلك، بل قمن بإنشاء رابطة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لحماية حقوقهن وتقديم سبل الدعم لفنانات الكاريكاتير وتشجيعهن على خوض المغامرة، ودفعها إلى الأقوى والأجمل.
«الشرق الأوسط» التقت مجموعة من رسامات الكاريكاتير، وتعرفت على حكاياتهن مع الفن الساخر ودوره في المجتمع.
تقول رسامة الكاريكاتير دعاء العدل: «تخرجتُ في كلية الفنون الجميلة قسم ديكور ومسرح وسينما، وعملت بمجال الكاريكاتير في عدة مطبوعات صحافية مثل مجلة (روزاليوسف)، و(باسم)، ثم عملت بصحيفة (المصري اليوم) حتى اليوم».
وأضافت: «أفادتني المدارس الصحافية في صقل مهارتي الأمر الذي انعكس بدوره على إجادتي لفن الكاريكاتير الاجتماعي والسياسي في أعمالي».
وفيما يتعلق بأبرز الفوارق بين رسامي الكاريكاتير (الذكور والإناث) في تجسيد قضايا المرأة، أشارت العدل إلى أن هناك بعض رسامات الكاريكاتير قمن بتجسيد قضايا المرأة من وجهة نظر ذكورية بحتة، وذلك نظراً لتأثرهن برسوم الكاريكاتير التي تعكس الصورة النمطية السلبية للمرأة، إلى جانب تصوير قضايا الفساد، وغلاء الأسعار في صورة امرأة.
يشار إلى أن العدل اشتركت في عدة معارض في مصر والعالم في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبلجيكا والدنمارك وتونس، وحازت على كثير من الجوائز المحلية والعالمية مثل جائزة «التفوق الصحافي» في مجال الكاريكاتير لعام 2009، وجائزة «مصطفى وعلي أمين» عام 2015، وعدد من الجوائز العالمية من إيطاليا، وفرنسا، و«نادي الصحافة» بجنيف... كما رشحتها هيئة الإذاعة البريطانية ضمن قائمة النساء الأكثر تأثيراً وإلهاماً لعام 2016 لأنها من الرواد في مجال الكاريكاتير، ولاهتمامها بقضايا المرأة والمجتمع في رسوماتها، كما فازت بجائزة التميز العالمية من «مؤسسة كارتون من أجل السلام»، في عام 2014.
حرصت العدل على تجسيد قصص كل شرائح النساء المصريات والتعبير عن قضاياهن المختلفة مثل: المرأة العاملة، والمرأة المُعيلة، وزواج القاصرات، في كتابها «50 رسمة وأكثر عن المرأة» الذي صدر العام الماضي، وترجمت النصوص العربية في الكتاب إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، وقد اختتمت الكتاب برسمة لأم كلثوم أثناء غنائها في حفل راقص، فتظهر أم كلثوم في الخلفية بجانبها الملحن محمد القصبجي وفرقتها الموسيقية في مشهد راقٍ ومبهج، وذلك لأن أمّ كلثوم تعد رمزاً للسيدة القوية صاحبة الموهبة الفذة، والاختيارات الفريدة من نوعها، وهي النموذج الذي أرادته دعاء العدل لكل امرأة مصرية وعربية، وليس النموذج التقليدي، وقد تعمدت دعاء اختيار حفل راقص في خلفية المشهد لبيان حالة الانسجام وعدم الصراع بين الناس.
وللكاريكاتير سحر ومذاق مختلف لدى مؤسسة «روزاليوسف» بصفتها إحدى أهم المؤسسات الصحافية المصرية الرائدة في فن الكاريكاتير، التي يفوح من جدرانها عبق التاريخ بإبداعات أهم رسامي الكاريكاتير في الوطن العربي مثل صلاح جاهين، ومحيي الدين اللباد وغيرهما، وهو ما انعكس بدوره على جيل الشباب من رسامي ورسامات الكاريكاتير الذين يعملون في المؤسسة، أمثال: أحمد دياب، وعماد عبد المقصود وأسامر الحو، وأماني هاشم وغيرهم.
وتقول رسامة الكاريكاتير أسامر الحو: «تخرجت في كلية الفنون الجميلة قسم فن كتاب ورسوم متحركة، وعملت في مطبوعات (روزاليوسف) المختلفة منذ عام 2011 حتى الآن، وأجسِّد من خلال فن الكاريكاتير والبورتريه النماذج الناجحة في كل المجالات، ويرجع الفضل في نجاحي إلى التشجيع الكبير التي وجدته من والدي».
وأشارت إلى حرصها على تسويق أعمالها من خلال صفحتها على «فيسوك»، بالإضافة إلى توظيف الوسائط المتعددة في رسوم الكاريكاتير التي تنتجها حتى لا يشعر الجمهور بالملل. وفيما يتعلق بالصعاب التي واجهتها فهي صعوبة إقامة معارض فردية أو جماعية.
أما رسامة الكاريكاتير أماني هاشم بمؤسسة «روزاليوسف»، فتقول إنها «تخرجت في كلية التجارة عام 2005، ثم درست دراسات حرة في كلية الفنون الجميلة قسم تصوير، وتعلمت الفن التشكيلي، ثم صقلت مهاراتها من خلال الالتحاق بورش كثيرة لتعلم فن الكاريكاتير». وتقول: «تشرفتُ بالانضمام إلى كتيبة المبدعين بمؤسسة (روزاليوسف)، لأن فن الكاريكاتير له قوة تأثير نافذة تصل إلى القلب والعقل، وبشكل أسرع من القراءة، وهو ما برز من خلال رسوماتي التي تعبر عن جميع القضايا المجتمعية».
ولم تكتفِ رسامات الكاريكاتير بهذا القدر، بل سعت بعضهن لتدشين كيان يجمعهن تحت اسم «رابطة رسامات الكاريكاتير المصرية» على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، التي تستقبل أعمال رسامات الكاريكاتير بشكل يومي أو أسبوعي، وقد وصل عدد رسامات الكاريكاتير بالرابطة إلى 60 فنانة على مستوى جمهورية مصر العربية.
وتقول هويدا إبراهيم، رسامة كاريكاتير ومؤسسة الرابطة، لـ«الشرق الأوسط»: «تم تدشين الرابطة من خلال (فيسبوك)، في مارس (آذار) عام 2014، وهو الشهر الذي شهد أول معرض نسائي لرسامات الكاريكاتير بعنوان (النص الحلو)، بالإضافة إلى معرض (أنا وحماتي)، الذي تم تنظيمه في مركز سعد زغلول الثقافي، مارس 2015، ومعرض (الفستان الأبيض) الذي تم تنظيمه في مكتبة القاهرة الكبرى بحي الزمالك في مارس 2017».
وعن أهداف الرابطة تقول إنها تهدف إلى تغيير الصورة السلبية للمرأة، والتطرق لأحداث وقضايا المجتمع من جميع الزوايا، كما تهتم الرابطة بتقديم كل سُبل الدعم الفني والمعنوي لفنانات الكاريكاتير، وذلك من خلال إقامة الورش والمعارض الفنية لهن من أجل عرض إبداعاتهن التي يتعذر نشرها في الصحف.


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».