مخاوف من ارتفاع تكلفة السندات الأميركية

TT

مخاوف من ارتفاع تكلفة السندات الأميركية

وسط توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الحمائية، والتي توّجها مؤخراً بإعلان بحث فرض رسوم جمركية على عدد من الدول التي يميل الميزان التجاري نحوها بشكل كبير، تبرز مخاوف من ارتفاع تكلفة السندات الأميركية جراء تلك «الإجراءات العقابية».
ويتجه ترمب لفرض مزيد من الضرائب التجارية والجمركية على بعض الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وبخاصة الدول التي يعاني الميزان التجاري الأميركي معها عجزاً تجارياً كبيراً. وتأتي الصين على رأس تلك الدول باعتبارها أكبر مصدر للولايات المتحدة.
ويعتبر قرار ترمب بزيادة الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية إلى أميركا بمثابة «عقوبة» للعملاق الصيني، ومحاولة من الرئيس الأميركي لتقليل حجم العجز التجاري مع بكين والذي ارتفع بشدة وبصورة مستمرة خلال السنوات الماضية.
على الجانب الآخر، يرى الكثير من المحللين الاقتصاديين أن معاقبة الصين اقتصادياً في الوقت الحالي قد يكون له تداعيات سلبية كبيرة على سوق السندات الأميركية، وبخاصة أن الصين تعتبر أكبر المقرضين للولايات المتحدة من خلال شراء السندات الأميركية.
وبلغت قيمة السندات الأميركية في خزينة البنك المركزي الصيني نحو 1.18 تريليون دولار العام الماضي، بزيادة نسبتها 13 في المائة. وطبقاً لخطة التوسع الاقتصادي التي يتبناها الرئيس الأميركي لتطوير البنية التحتية لخلق مزيد من فرص العمل، فضلاً عن نظام إصلاح الضرائب الذي أقره الكونغرس ووافق عليه ترمب قبل أسابيع، فمن المتوقع أن يرتفع حجم العجز الكلي بالموازنة الأميركية خلال السنوات المقبلة بقيمة تزيد على تريليون دولار.
وحتى تقوم الولايات المتحدة بسد هذا العجز، فسوف تضطر إلى طرح مزيد من أذون الخزانة والسندات الحكومية للبيع في كلٍ من السوق المحلية والأسواق الدولية. وباعتبار الصين أكبر مشترٍ للسندات الحكومية الأميركية، فإن فرض رسوم جمركية على الصادرات الصينية لأميركا سيؤدي إلى نقص الأرباح الدولارية التي كانت تذهب إلى الخزانة الصينية من عوائد الصادرات إلى الولايات المتحدة، وذلك يعني انخفاض قوة الصين لشراء سندات أميركية جديدة. وهو ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على السندات الأميركية، وفِي هذه الحالة ستضطر الحكومة الأميركية إلى تقديم مزيد من المغريات الاقتصادية لجذب من المشترين من الأسواق الدولية. وأحد أهم هذه المغريات هو رفع سعر العائد على السندات لجعله أكثر تنافسية، لكنه في الوقت نفسه سيؤدي إلى رفع تكلفة بيع السندات؛ وهو ما يتحمله دافعو الضرائب الأميركيون.
ويجب الإشارة هنا إلى أن استمرار الفجوة التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تكون في صالح أميركا إذا كانت في حاجة إلى مزيد من الاقتراض خلال السنوات المقبلة، وفي هذه الحالة سيكون شراء السندات الأميركية هو السبيل الأفضل والأكثر ربحية للصين. وستكون العلاقة التجارية بين البلدين بمثابة بائع للسلع (الصين) وبائع للدولارات (أميركا).
من جانبه، قال جاب ليباس، رئيس قسم الدخول الثابتة بإدارة كابيتال جيورني: إن زيادة صادرات الصين إلى الولايات المتحدة لا تدع لبكين بديلاً آخر سوى الإقبال على شراء السندات الأميركية، وهو ما يساهم بشكل كبير في تخفيض تكلفة السندات أو على الأقل المحافظة عليها دون زيادة.



مسح «بنك إنجلترا»: الشركات البريطانية تتوقع زيادة الأسعار وتقليص العمالة

نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
TT

مسح «بنك إنجلترا»: الشركات البريطانية تتوقع زيادة الأسعار وتقليص العمالة

نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)
نظرة عامة على الحي المالي في لندن (رويترز)

أظهر مسحٌ أجراه «بنك إنجلترا»، يوم الخميس، على أكثر من ألفَي شركة، أن الشركات البريطانية تتوقَّع رفعَ الأسعار وتقليص أعداد الموظفين رداً على زيادة مساهمات أصحاب العمل في الضمان الاجتماعي التي ستدخل حيز التنفيذ في أبريل (نيسان) المقبل.

وأشارت النتائج إلى أن 61 في المائة من الشركات تتوقَّع انخفاضاً في الأرباح، و54 في المائة تخطِّط لزيادة الأسعار، و53 في المائة تتوقَّع تقليص العمالة، في حين تعتزم 39 في المائة منها تقليص زيادات الأجور؛ نتيجة لزيادة التأمين الوطني، التي تم إعلانها في موازنة 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقد أظهرت استطلاعات أخرى انخفاضاً في معنويات الأعمال وتراجعاً في نوايا التوظيف والاستثمار، منذ إعلان وزيرة المالية، راشيل ريفز، زيادة قدرها 25 مليار جنيه إسترليني (31 مليار دولار) في ضرائب الرواتب. وقد أسهم تباطؤ الاقتصاد في إثارة القلق في الأسواق المالية بشأن مستويات الدين العام في المملكة المتحدة، مما دفع تكاليف الاقتراض إلى الارتفاع بشكل حاد هذا الأسبوع. كما أظهرت أرقام منفصلة، يوم الخميس، من «جمعية وكالات التوظيف» انخفاضاً في الطلب على الموظفين الجدد، وهو الانخفاض الأكبر منذ أغسطس (آب) 2020.

ومن جانبه، يراقب «بنك إنجلترا» - الذي يدرس احتمالية خفض أسعار الفائدة مجدداً - تأثير تكاليف التوظيف المرتفعة على التضخم من خلال زيادة الأسعار أو تقليص الوظائف، وانخفاض الاستثمار، ونمو الأجور، مما قد يبطئ من النشاط الاقتصادي.

وعلق روب وود، كبير خبراء الاقتصاد في المملكة المتحدة في «بانثيون ماكرو إيكونوميكس»، قائلاً إن مسح بنك إنجلترا يشير إلى أن الزيادات الضريبية تؤدي إلى دفع الأسعار للأعلى بشكل أكبر، بينما التأثير في التباطؤ أقل مما أظهرته استطلاعات مؤشر مديري المشتريات.

وأضاف: «لا تزال الأسئلة الأساسية للمسح تشير إلى تضخم مستمر وزيادة في الأجور، مع ضعف أقل حدة في سوق العمل مقارنة بالمسوحات النوعية، وهو ما يستدعي أن تتبنى لجنة السياسة النقدية خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي فقط».

وارتفع تضخم أسعار المستهلكين البريطاني إلى أعلى مستوى له في 8 أشهر ليصل إلى 2.6 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، مع توقعات من «بنك إنجلترا» بأن التضخم سيواصل الارتفاع في 2025، ولن يعود إلى هدفه البالغ 2 في المائة حتى عام 2027، مما يحد من احتمالية خفض أسعار الفائدة عن مستواها الحالي، البالغ 4.75 في المائة.

وأظهر مسح «بنك إنجلترا»، الذي أُجري بين 6 و20 ديسمبر (كانون الأول)، أن الشركات تخطط لرفع الأسعار بنسبة 3.8 في المائة على مدار الأشهر الـ12 المقبلة، بزيادة قدرها 0.1 نقطة مئوية عن التوقعات في الأشهر الثلاثة حتى نوفمبر. وظل نمو الأجور المتوقع للعام المقبل ثابتاً عند 4 في المائة على أساس المتوسط المتحرك لثلاثة أشهر في ديسمبر.

على صعيد آخر، هبطت أسهم شركة «ماركس آند سبنسر» البريطانية وبعض شركات التجزئة الأخرى يوم الخميس، حيث فقد القطاع مليارَي جنيه إسترليني (2.45 مليار دولار) من قيمته، مع تأثر التجارة الجيدة خلال موسم عيد الميلاد بتراجع ثقة المستهلك والضعف الاقتصادي.

ويستعد تجار التجزئة، الذين يواجهون أصلاً ضعفاً في معنويات المستهلكين، لتكاليف أعلى اعتباراً من أبريل المقبل، حيث من المتوقع أن ترتفع ضرائب أرباب العمل والحد الأدنى للأجور. كما ألقت قفزة في تكاليف اقتراض الحكومة البريطانية في الأيام الأخيرة بظلال من القلق على التوقعات الاقتصادية، مما ضاعف الضغوط على المالية العامة، ودفع المحللين إلى التحذير من احتمال الحاجة إلى زيادات ضريبية إضافية. ومع التوقعات بارتفاع التضخم، يتوقَّع تجار التجزئة عاماً صعباً.

وقال ستيوارت ماشين، الرئيس التنفيذي لشركة «ماركس آند سبنسر»، للصحافيين بعد إعلان تحقيق الشركة أعلى مبيعات للأغذية خلال موسم عيد الميلاد: «هناك ثقة حذرة من جانب العملاء». وعلى الرغم من النمو الأعلى من المتوقع بنسبة 8.9 في المائة في مبيعات المواد الغذائية و1.9 في المائة في مبيعات الملابس والمستلزمات المنزلية، فإن أسهم الشركة تراجعت بنسبة 6.5 في المائة. في المقابل، سجَّلت «تيسكو»، أكبر مجموعة سوبر ماركت في البلاد، زيادة في مبيعاتها بنسبة 4.1 في المائة، لكن أسهمها انخفضت بنسبة 1.3 في المائة.

وقال مات بريتزمان، محلل الأسهم في «هارغريفز لانسداون»: «لن يكون العام المقبل سلساً تماماً لشركات التجزئة الكبرى، حيث يستعد القطاع لمواجهة الزيادات الضريبية الوشيكة».

وبينما ساعدت مبيعات المواد الغذائية المزدهرة على دعم أداء «ماركس آند سبنسر» و«تيسكو»، إلا أن فئات أخرى شهدت تراجعاً. فقد تباطأ نمو شركة «غريغز» المتخصصة في الأطعمة السريعة في الأشهر الأخيرة من عام 2024، بينما سجَّلت شركة «بي آند إم» للتخفيضات انخفاضاً في المبيعات بنسبة 2.8 في المائة؛ مما أدى إلى انخفاض أسهمها بنسبتَي 10 في المائة و12 في المائة على التوالي.

وفي الوقت الذي شهدت فيه شركات التجزئة تراجعاً، ارتفع مؤشر الأسهم القيادية البريطانية الذي يركز على الأسواق العالمية بنسبة 0.5 في المائة.

وتستمر التحديات، إذ تقول الرئيسة التنفيذية لشركة «غريغز»، رويسين كوري، إن المستهلكين أصبحوا أكثر حذراً بشأن الإنفاق. وأضافت أن «النصف الثاني من عام 2024 كان مليئاً بالتحديات، وأعتقد أننا يجب أن نفترض أن هذا الأمر سيستمر حتى عام 2025».

وعلى الرغم من أن شركة «غريغز» قد حققت أداءً جيداً في السنوات الأخيرة، فإن نمو مبيعاتها الأساسي انخفض إلى 2.5 في المائة في الرُّبع الأخير من عام 2024، مقارنة بـ5 في المائة في الفترة السابقة.

من جانبها، حذَّرت أكبر شركة لتجارة الملابس في المملكة المتحدة من حيث القيمة السوقية، يوم الثلاثاء، من أن نمو المبيعات سيتباطأ في عام 205 - 2026؛ نتيجة لتأثير زيادة الضرائب الحكومية على مستويات التوظيف ورفع الأسعار.

وفيما يخص «تيسكو»، أظهر كين مورفي، رئيس الشركة، تفاؤلاً ملحوظاً. وأوضح أنه على الرغم من أن المستهلكين الذين «احتفلوا فعلاً بعيد الميلاد» سيكونون أكثر حرصاً على القيمة في يناير (كانون الثاني)، فإن هذه الظاهرة تُعدّ سمة تقليدية دائماً في بداية العام.