أزمة مالية ممنهجة تأكل من صفحات جريدة «المدى» العراقية

رئيس تحريرها التنفيذي لـ «الشرق الأوسط»: بعض مافيات الإعلان الحكومي سعت لاستحواذ حصتنا

شهد عام 2003 ولادة 30 مطبوعة عراقية  تمثل توجهات سياسية مختلفة (غيتي)
شهد عام 2003 ولادة 30 مطبوعة عراقية تمثل توجهات سياسية مختلفة (غيتي)
TT

أزمة مالية ممنهجة تأكل من صفحات جريدة «المدى» العراقية

شهد عام 2003 ولادة 30 مطبوعة عراقية  تمثل توجهات سياسية مختلفة (غيتي)
شهد عام 2003 ولادة 30 مطبوعة عراقية تمثل توجهات سياسية مختلفة (غيتي)

يبدو أن القائمين على صحيفة «المدى» البغدادية، أدركوا أن إعلاناً واحداً لا يكفي للإجابة على أسئلة قرائها وتبديد مخاوفهم المتأتية من تخفيض عدد صفحاتها الورقية والاكتفاء بثمانية فقط، تمهيداً للصدور بنسخة إلكترونية.
في يوم الثالث من شهر فبراير (شباط) الجاري، أصدرت هيئة التحرير عموداً افتتاحياً في صفحتها الأولى، أعلنت فيه عزمها تخفيض عدد صفحاتها الورقية مع الإبقاء على ملاحقها الرئيسية، وكشفت عن الرغبة في التحول إلى صحيفة إلكترونية مستقبلاً.
تلقي أزمة صحيفة «المدى» الأخيرة الضوء بقوة على واقع الصحافة الورقية العراقية عموماً، والصحف المستقلة بوجه خاص. فإلى جانب «المدى»، قررت هيئة تحرير صحيفة «الزمان» مطلع الشهر الجاري أيضاً، تقليل عدد صفحاتها الورقية والاكتفاء بـ12 صفحة فقط بدلا عن الـ24 صفحة التي كانت تطبعها سابقاً.
تحدث إعلان أسرة تحرير «المدى» عن الأسباب التي دفعتها إلى الإقدام على هذه الخطوة، ومن بين تلك الأسباب، «تخلف الدولة وعدم رعايتها لمصالح الناس»، وتالياً استبعاد أسرة التحرير أن «يحظى الإعلام الوطني والثقافة الوطنية بأدنى اهتمام»، كما ذكر إعلان هيئة التحرير.
واشتكت الهيئة في إعلانها الأول من تراجع مداخيل الإعلان الخاص والحكومي، الأمر الذي وضعها تحت الضغط والمعاناة لسنوات طويلة و«أرغمها على اتخاذ قرارات مؤلمة بإغلاق قناة المدى الفضائية، وهي لم تزل وليدة، وتقليص خدمة الإذاعة، وأخيراً خفض عدد صفحات صحيفة (المدى) وكادرها التحريري والفني».
وعزت تراجع الإعلان الأهلي إلى الأزمة المالية الحادة التي تعرضت لها البلاد بعد انخفاض أسعار النفط، إلى جانب حرمان «المدى» من الإعلان الحكومي الذي «كان دوماً يُستثمر من جانب المتنفّذين في السلطة التنفيذية للابتزاز ومعاقبة الذين لا يصفقون للسلطان ولا يسبّحون بحمده». بحسب أسرة التحرير.
بيد أن «المدى»، عادت في يوم 10 فبراير الجاري، وأصدرت توضيحاً آخر حول قرارها، الأمر الذي يظهر أن «الإعلان» الأول لم يكن كافياً لمطمئنة جمهور القراء.
وقالت أسرة التحرير في «الإعلان» الثاني: «لم يفاجئنا هذا الدفق الجميل من العاطفة الوطنية والمهنية الذي قوبل به إعلان هيئة التحرير عن الاضطرار لتقليص عدد الصفحات». مضيفة: «كما قلنا في هذا الموقع أيضاً، فإننا مصممون على الكفاح من أجل البقاء بصيغة الصحيفة الورقية المدعومة بالوسائط الحديثة».
يقول رئيس التحرير التنفيذي لـ«المدى» عدنان حسين، إن «أسرة التحرير اضطرت إلى إصدار توضيح آخر، لأن بعض جمهور القراء لم يفهم ما كتبناه في الإعلان الأول، حتى إننا تلقينا أسئلة واستفسارات كثيرة حول الموضوع. كثيرون فهموا الأمر على أنه إغلاق تام للصحيفة، لذلك قمنا بإصدار توضيح آخر».
ويلفت عدنان حسين في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى سبب آخر «أكثر خطورة» من السبب الأول دفعهم للتوضيح الثاني، وهو أن «بعض مافيات الإعلان الحكومي سعوا للاستحواذ على حصة المدى من تلك الإعلانات الضئيلة أصلاً، حيث قاموا بالذهاب إلى مؤسسات الدولة وطلبوا منها حصتنا من الإعلان بحجة أن الصحيفة أغلقت».
وبشأن ما يتردد عن أن أزمة «المدى» ناجمة عن انقطاع الدعم الذي كانت تتلقاه الصحيفة من بعض القيادات الكردية، نفى حسين علمه بذلك، مضيفا: «شخصياً لا أعرف أن تلقت الصحيفة دعماً من أي جهة، لكن ما أنا متأكد منه هو أن لديها مشاريع، ومنها مؤسسة (زاموا) للإعلان، كانت تدرّ أموالاً كبيرة تكفي لتغطية نفقات الصحيفة المالية».
كانت صحيفة «المدى»، صدرت في بغداد بعد أشهر قليلة من سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، حيث رأى عددها الأول النور في 5 أغسطس (آب) 2003، أي بعد نحو 4 أشهر من الاحتلال الأميركي لبغداد في أبريل (نيسان) من العام نفسه. والصحيفة مستقلة ومملوكة للسياسي والصحافي المخضرم فخري كريم، ونجحت منذ الأيام الأولى لانطلاقها في استقطاب الوجوه البارزة في المجال الصحافي العراقي.
وفي شأن آخر يتعلق بأزمة الصحف العراقية المتفاقمة، ينفي رئيس تحرير الطبعة العراقية من صحيفة «الزمان» الدولية أحمد عبد المجيد، نيّة أسرة التحرير التحّول إلى المجال الإلكتروني، شأن صحيفة «المدى» بعد اضطرار «الزمان» لخفض عدد صفحاتها إلى النصف. يقول عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط»: «اضطررنا إلى خفض عدد الصفحات الورقية بسبب تراجع مداخيل الإعلان بشكل كبير، وعدم وجود الدعم من الدولة، إلى جانب ضعف عملية التوزيع».
ويشير عبد المجيد، إلى أن «المبيعات لم تتراجع، لكن الإعلان تراجع بشكل خطير. إعلانات القطاع الخاص انتهت تقريباً، كما لم تعد أموال أغلب الإعلانات الشحيحة أصلاً تغطي نفقات الطباعة، لذلك اضطررنا إلى خفض الصفحات إلى النصف».
ويشتكي رئيس تحرير جريدة «الزمان»، شأن أغلب المسؤولين أو رؤساء التحرير في بقية الصحف المستقلة من «التوزيع غير العادل للإعلان الحكومي، حيث يعطى لبعض الصحف وتحرم منه الصحف الأخرى، وخاصة المستقلة منها».
وعن مصير الصحافيين العاملين بالصحيفة قال عبد المجيد: «اضطررنا إلى خفض أجورهم إلى النصف، لكننا قمنا بتوزيعهم إلى وجبتي عمل، بحيث يعمل الصحافي بنصف الوقت الذي كان مطلوب منه سابقاً».
بدوره، يرى عميد كلية الإعلام في جامعة بغداد الدكتور هاشم حسن، أن أزمة الصحافة الورقية العراقية، هي امتداد لأزمة عالمية واسعة النطاق.
ويقول حسن لـ«الشرق الأوسط» إن «ظهور الصحافة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، غيّرت اتجاهات الناس وأضرّت بالعادات والتقاليد الراسخة للقراءة الورقية المكتوبة، الأجيال الجديدة، أجيال تكنولوجية ومنخرطة بقوة في العالم الافتراضي».
لكن حسن لا يقلل من أهمية المشاكل الموجود في العراق وانعكاسها بشكل عام على واقع الصحف الورقية، وفي رأيه أن «دخول عامل الارتزاق في العمل الصحافي أحد جوانب هذه المشكلة».
وعن الأزمة التي تتعرض لها صحيفة «المدى» وإلى حد ما «الزمان» يرى هاشم حسن، أن هاتين الصحيفتين «أسستا منذ البداية على يد شخص ممول، هو فخري كريم في الأولى وسعد البزاز في الثانية، وسعت إلى تدشين نظام مؤسسي راسخ، لكن عملية التوزيع الفاشلة، إلى جانب التوزيع غير العادل للإعلان تسببا لهما بالمشاكل الحالية».
ويشير هاشم حسن إلى أن «أغلب عمليات توزيع الإعلان الحكومي تتم على أساس مدى تقرّب الصحيفة من الوزير أو المسؤول وكتلته، وليس على أساس رصانة الصحفية ومساحة انتشارها».
ويلفت إلى وجود «فقرات محددة في قانوني شبكة الإعلام وهيئة الاتصالات العراقيتين تشير إلى ضرورة دعم الصحف المستقلة من قبل هاتين المؤسستين».

الصفحة الأولى للعدد الأول من صحيفة «المدى»  الصادر في 5 أغسطس من عام 2003


مقالات ذات صلة

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)
يوميات الشرق «SRMG Labs» أكثر الوكالات تتويجاً في مهرجان «أثر» للإبداع بالرياض (SRMG)

«الأبحاث والإعلام» تتصدّر مهرجان «أثر» للإبداع بـ6 جوائز مرموقة

حصدت «SRMG Labs»، ذراع الابتكار في المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام (SRMG)، 6 جوائز مرموقة عن جميع الفئات التي رُشّحت لها في مهرجان «أثر» للإبداع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي صحافيون من مختلف وسائل إعلام يتشاركون موقعاً لتغطية الغارات الإسرائيلية على مدينة صور (أ.ب)

حرب لبنان تشعل معركة إعلامية داخلية واتهامات بـ«التخوين»

أشعلت التغطية الإعلامية للحرب بلبنان سجالات طالت وسائل الإعلام وتطورت إلى انتقادات للإعلام واتهامات لا تخلو من التخوين، نالت فيها قناة «إم تي في» الحصة الأكبر.

حنان مرهج (بيروت)

انطلاق المنتدى السعودي للإعلام 19 فبراير المقبل

المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
TT

انطلاق المنتدى السعودي للإعلام 19 فبراير المقبل

المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)
المنتدى يُشكِّل فرصةً للشركات والأفراد للاطلاع على أحدث تطورات الإعلام (تصوير: بشير صالح)

تنطلق النسخة المقبلة من «المنتدى السعودي للإعلام» في الرياض بتاريخ 19 وتستمر حتى 21 فبراير (شباط) 2025، حسبما أعلن رئيسه محمد الحارثي خلال لقاء استضافه معرض «ميبكوم» العالمي بمدينة كان الفرنسية، بحضور مسؤولي كبرى شركات الإنتاج الدولية، والمتخصصين.

وعدّ الحارثي البُعد الدولي للمنتدى أحد أهم مسببات إعلانه في «مبيكوم»، بجانب المشاركة في معرض «IBC» للإنتاج الإعلامي والبث الرقمي، بمدينة أمستردام الهولندية، مشيراً إلى أن اللجنة المنظمة «تبذل جهوداً مضاعفة هذا العام لتقديم نسخة أفضل مما سبق، باعتبار كل نجاح تحدياً لنجاح أكبر».

وأكد أهمية تعزيز وصول المنتدى ومعرضه المصاحب «مستقبل الإعلام» (فومكس) لأكبر قدر من الجماهير مع جذب الشركات الدولية، لافتاً إلى أن المعرض الذي يعد الأكبر من نوعه في المنطقة، يجمع نحو 200 شركة من 30 دولة، ليكون منصة تفاعلية تستعرض أحدث التقنيات والابتكارات بالمجال.

وأضاف أن السعودية تشهد حراكاً مستمراً على الأصعدة كافة وبمختلف المجالات ضمن «رؤية 2030»، و«هو ما يعطي فرصاً أكبر للنمو الإعلامي، ونمو السوق الاستثماري في جوانب التقنية الإعلامية التي يركز عليها الحدث»، لافتاً إلى أن المنتدى يُشكِّل فرصة للشركات والأفراد لتطوير إمكاناتهم، والاطلاع على أحدث التطورات، والوجود بسوق نشط «يعدّ القلب النابض للمنطقة».

وأشار الحارثي إلى أن المنتدى سيشهد مبادرات يتم خلالها تفعيل الشراكات المحلية والدولية عبر مسارات عدة، منها «تمويلي» للمشاريع الناشئة، وأخرى وظيفية وتطويرية للمواهب الشابة والعاملين بالمجال الإعلامي؛ انطلاقاً من أدواره في دعم رأس المال البشري وتمكينه، منوّهاً بأهمية التعاون مع الشركاء الفاعلين لتحقيق الأهداف المشتركة.

وأبان أن «جائزة المنتدى» تهدف إلى تحفيز الكفاءات من الأفراد والشركات لتقديم أعمال متميزة تسهم في تعزيز صورة السعودية كمنصة إعلامية عالمية، مضيفاً أنها تتضمن 15 مساراً تخدم تعزيز روح المنافسة بين صناع المحتوى والمؤسسات للارتقاء بالقطاع، وتكريم المميزين.

وكشف أن الجائزة تتضمن هذا العام مساراً جديداً للتسامح بالتعاون مع مركز الحوار العالمي (كايسيد)؛ لدعم القيم الإنسانية، وتعزيز التفاهم والانفتاح على الثقافات المختلفة.

وأوضح الحارثي أن مراحل التطوير التي يشهدها المنتدى وفعالياته المصاحبة تأتي مع «عام التحول الإعلامي»، والحراك الذي يشهده القطاع، ليكون عبر مؤسساته ومخرجاته كافة مواكباً لمسار التنمية الوطنية، ورؤية المملكة الطموحة.