حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

عندما تستخدم الديمقراطية والحرية طريقاً نحو تعزيز التيارات الأصولية

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا
TT

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

حالة «الإخوان المسلمين» في أوروبا

هل بدأت أوروبا تراجع مواقفها من جماعة «الإخوان المسلمين»، بعد أن تبين كثرة ازدواجيتها الأخلاقية، وكيف أنها تستغل أجواء الديمقراطية الأوروبية المتاحة للجميع لتنفيذ أجندتها داخل أوروبا وخارجها دفعة واحدة؟
الشاهد أن الفترة الماضية شهدت أحداثاً ومراجعات عديدة تؤكد ما نقول به. فقد أثبتت الأحداث، وبخاصة في ضوء موقف الجماعة في أوروبا من الانتخابات الرئاسية المصرية، أن الإخوان لم يرتدعوا رغم كل ما لحق بهم من هزائم على الأرض، ومن رفض شعبوي ونخبوي لمشروعهم، بدا ذلك في صورة الملايين التي خرجت إلى الميادين مطالبة بعزلهم وإقصائهم، ولاحقاً تصنيف الجماعة كونها «فصيلاً إرهابياً». على أن السؤال الجوهري في هذه القراءة: هل كان موقف «إخوان أوروبا» من مصر وما يجري فيها هو السبب الرئيسي في إعادة قراءة الأجهزة الاستخبارية في بعض الدول الأوروبية حقيقة جماعة الإخوان المسلمين، المعين الأول والأكبر الذي خرج من جوفه كل التيارات الأصولية والجهادية حول العالم العربي، عطفاً على انتشارها وما تسببه من كوارث في أوروبا وأميركا؟
في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، وبينما كان المرشحون للانتخابات الرئاسية المصرية يجهزون أوراقهم للترشح، طُرح على المائدة اسم رئيس أركان الجيش المصري الأسبق الفريق سامي عنان، والذي أثيرت حوله شائعات كثيرة حول علاقته بجماعة الإخوان. لم تكن قصة ترشيح الرجل هي القضية أو الإشكالية بل موقف الإخوان المسلمين منه، لا سيما القيادات الهاربة إلى أوروبا، والتي أعطتها دول القارة العجوز حقوقاً تستحق المراجعة اليوم، وبعضها يراجع بالفعل وبدأ في اتخاذ مواقف بعينها. في هذا السياق كان المفوض السابق لـ«الإخوان» المسلمين والمكلف بإدارة ملف العلاقات الدولية للجماعة «يوسف ندا» يوجه رسالة إلى الفريق عنان، أقل ما توصف به أنها «لعب على المتناقضات» و«حلم بالعودة إلى الماضي»، غير أن اللعب والحلم مرتبطان بشروط ستة إخوانية إن أراد «عنان قبل إبطال ترشحه» أن يحصد أصوات الإسلامويين من إخوان وسلفيين وجهاديين وبقية الدائرة المعروفة. في رسالة «ندا» لـ«عنان» قوله: «أقول لك بلا مواربة إن الإخوان المسلمين سيظلون مع التوافق الوطني، وقد يقبلون بانتخابات للرئاسة مراعاةً لعدة أمور». يستوقفنا هنا بداية الحديث الزائف عن فكرة «التوافق الوطني»، ذلك أن الإخوان لم يكونوا يوماً في سياق الفصيل الوطني البنّاء، وإنما جماعة فوقية دوجمائية، تصنف ضمن مَن يُعرفون بـ«ملاّك» الحقيقة المطلقة، وإن كانت حقيقتهم دائماً ملتصقة بالعنف والإرهاب، وموصومة بالكذب والرياء والخداع.
ويبدو السيد «ندا» في حديثه كأن له الباع الطويل في الموافقة على الانتخابات الرئاسية، ولهذا قد يقبل، وربما لا يقبل هو وجماعته بها، إلا مراعاة لتقديراته هو وجماعته. مهما يكن من أمر، فإن «ندا» وضع 6 محددات حتى تقبل جماعة الإخوان بترشح عنان وهي: عودة الجيش لخدمة الشعب وحمايته وحماية الدولة- إعادة الاعتبار لنتائج الانتخابات والطلب من رئيسها المنتخب محمد مرسي التنازل لصالح الأمة- «تطهير القضاء» وإلغاء الأحكام المسيسة التي حكمت في عهده- الإفراج عن المعتقلين وتعويضهم- تطهير الشرطة- إعادة النظر في القرارات المتعلقة بثروة مصر وحدودها.
تحتاج مناقشة هذه المحددات إلى أكثر من قراءة قائمة بذاتها، غير أنه وباختصار غير مخلٍّ نحن أمام طرح انقلابي إخواني يعكس نياتها الحقيقية لا تجاه مصر الكنانة فحسب، بل لجهة مخططهم الأكبر للسيطرة على مقدرات العالم بأسره وأوروبا في البداية، بعد أن تسلقوا هناك سلم الديمقراطية مرة واحدة، ومن ثم يحاولون –إنْ قدّر لهم– إزاحته بعيداً إلى الأبد، كي يتم لهم تنفيذ مخططهم الأوسع.

من حلم البنا إلى حاضرات أيامنا
قبل أن يحلم الخميني في نهاية سبعينات القرن الماضي، بأن يرفرف علم الثورة الإيرانية على العواصم العربية، مصدِّراً ثورته، سبقه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، في حلم يخص أوروبا الجار الأقرب جغرافياً، والأكثر تشابكاً ديموغرافياً، والأوثق علاقة تاريخياً مع العرب والمسلمين، حلم أن يرى علم جماعة الإخوان يرفرف على كل أنحاء العالم بدءاً من أوروبا.
ولعل مساقات الأحداث وما جرى من خلافات عميقة بين عبد الناصر والإخوان، قد فتح الباب واسعاً لهجرة هؤلاء في خمسينات وستينات القرن الماضي إلى أوروبا، كان في مقدمهم زوج ابنته «سعيد رمضان» والد «طارق رمضان» الذي تم توقيفه الأيام الماضية بتهمة مخلة بالأخلاق، ما يؤكد الازدواجية الروحية والأدبية التي تحكم الجماعة ونظرتها إلى أوروبا والأوروبيين.
عبر 7 عقود وفي مناخات أوروبية توفر مظلة واسعة للحريات الدينية استغل الإخوان تلك الأجواء في تأسيس مئات الجماعات والجمعيات تحت عناوين المؤسسات الشبابية والخيرية والإرشادية، ناهيك بالأنشطة المرافقة لها، الأمر الذي وفّر لـ«الإخوان» عبر 3 أجيال، جيشاً من «الاحتياطيين» المستعدين للمضي قدماً في تنفيذ سيناريوهات البنا لتحويل الحلم إلى حقيقة.
وفي هذا الإطار كذلك كانت تلك الجماعات ولا تزال -وأغلب الظن أنها ستظل طويلاً- منصة للانطلاق في مسارين:
المسار الأول، يتصل بالدول العربية سواء في منطقة الخليج العربي أو المشاطئة للبحر الأبيض المتوسط، ومحاولة استنساخ سيناريوهات الربيع المغشوش قبل 7 سنوات.
بينما يتصل المسار الثاني بتلك الجمعيات والمؤسسات التي أضحت حاضنات للفكر المتشدد والأصولي، ومن هنا عرف العديد من شباب تلك المجتمعات الأوروبية طريقه إلى التطرف، ما تم ترجمته في الانضمام إلى «داعش»، وباتت عودة هؤلاء إلى بلادهم بعد القضاء على «داعش» لوجيستياً في سوريا والعراق، خطراً جسيماً ماثلاً أمام أعين الأوروبيين، وباتوا غير قادرين على مداراة أو مواراة مخاوفهم من تعاظم مدهم، فيما الكارثة الكبرى لا تتمثل في الحوادث الإرهابية التي يمكن أن يقوموا بها على فداحتها، بل في تصاعد الفكر الداعشي، وتوالده ضمن صفوف جماعات أوروبية في طول البلاد وعرضها، ما يعرض أوروبا ومن جديد لمخاطر التوتاليتاريات التي عرفتها في النصف الثاني من القرن العشرين عبر النازية والفاشية.

{إخوان} أوروبا... شهادة من القلب
عادةً ما نعلم أدق أسرار جماعة الإخوان المسلمين من الأعضاء المنشقين عنها، هؤلاء غالباً وعند نقطة معينة يكتشفون كارثية المشهد الذي ينتمون إليه، وعليه يغادر بعضهم السفينة لسبب أو لآخر، والشهادات هنا عن «إخوان أوروبا» أكثر من أن نضمّنها المسطح المتاح للكتابة.
خذ إليك على سبيل المثال ما اختطّه الكاتب والباحث المغربي «محمد لويزي» الناشط السابق في حركات إسلامية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين، عبر كتابه المعنون «لهذه الأسباب غادرت الإخوان المسلمين».
في حوار له مع محطة «دويتشه فيلله» الألمانية حول استغلال الإخوان أجواء الحرية، يعود بنا إلى مايو (أيار) من عام 2001، حين اجتمعت قيادات الإخوان المسلمين الأوروبيين في جنيف بسويسرا لتدارس موضوع «كيف نربي أبناءنا في أوروبا؟»، وكان من بين الحاضرين القيادي الإخواني «أحمد جاب الله» وهو رئيس سابق للتنظيم الإخواني في فرنسا، ويومها قال: «إن حرية التعبير مكفولة في أوروبا في حدود واسعة، ولو أن هذا الأمر يُستخدم كذلك لترويج الأفكار الإباحية، لكنه يتيح فرصاً للتعبير عن الرأي، وهذا يمنح الفرد مجالاً للإفصاح عن آرائه، فيخلصه من عقدة الكبت والخوف»... ماذا يعني هذا الرأي؟
بلا شك هذا مثال واحد فقط للتدليل على استغلال فضاء الحرية والديمقراطية للدعوة والتوسع والانتشار مع الحرص الدائم على سلوك «التقية» والالتواء وعدم الإفصاح عن حقيقة تصوراتهم ونياتهم لكل ما يعتبرونه مخالفاً للدين كما يتصورونه، وهم لا يعدون ذلك تناقضاً بل يرونه تكتيكاً ذكياً يقع في شباكه بعض «السذج» من أنصارهم من غير المسلمين.

القرضاوي... دولة «الإخوان الأوروبية»
واحدة من أهم الدراسات التي قدمت عن إخوان أوروبا تلك التي قدمها الدكتور طارق دحروج «عن الجغرافيا السياسية لجماعة الإخوان في أوروبا» والمنشورة في صحيفة «الأهرام» المصرية أغسطس (آب) الماضي، ولعل ما يهمنا بنوع خاص فيها أنه يلفت نظرنا ومن جديد إلى «يوسف القرضاوي» الإخواني الطبع والتطبع عبر عقود طوال، والدور الذي لعبه خلال العقود الثلاثة الماضية في خلق الدولة الإخوانية داخل أوروبا... ماذا عن ذلك؟
أولاً، نذكِّر بأن قطر لا تزال هي المتهم الأول بتمويل كل تلك الجماعات في الداخل الأوروبي، وهو الأمر الذي يدركه كثير جداً من الباحثين والدارسين، فضلاً عن الأمنيين ورجالات الاستخبارات في أوروبا، غير أن «رنين ذهب المعز القطري» لا يزال يعمي كثيراً من عيون الأوروبيين بفضل التبرعات والمنح والهبات الآتية من الدوحة.
يعد القرضاوي «خميني الإخوان» إن جاز التعبير، وكان الرجل قد أصدر عام 1990 كتابه المعروف باسم «أولويات الحركة الإسلامية خلال المرحلة المقبلة»، ويبدو أن دالته على الفكر اليهودي والصهيوني بنوع خاص، قد مهدت له الطريق الفكري لاقتباس طرح «الجيتو اليهودي» التاريخي ليضحى حاضراً إسلامياً في أوروبا، ذلك أنه روّج لفكرة إنشاء مجتمع منفصل لمسلمي الغرب، أطلق عليه مصطلح «الجيتو المسلم في الغرب».
واعتُبر كتاب القرضاوي «الدستور الإخواني الجديد في الغرب»، وقد بلوره الشيخ الإخواني النافذ، للبناء على الرصيد الذي راكمته الأجيال الإخوانية السابقة وبخاصة في بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما مكّن للجميع العمل بشكل أفقي في القارة الأوروبية من خلال إنشاء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا الذي اتخذ من بريطانيا مقراً مؤقتاً له.
ولم يتوقف هذا الاتحاد عند حدود الدول الأوروبية القديمة التي وُجد بها تاريخياً، بل تمدد إلى أكثر من 18 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي، وعند البروفسور «دحروج» النشاط الأكثر خطورة في أداء اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا إقدامه على تأميم فضاء الفتوى في القارة من خلال إنشاء المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء الذي يرأسه القرضاوي وتأسس عام 1996 في العاصمة الآيرلندية دبلن، ويعد إحدى الأذرع الرئيسية للتوسع الأفقي لجماعة الإخوان في أوروبا.
السؤال الفصل: كيف تركت أوروبا مثل هذه القوى تنمو على أراضيها، وخبراؤها يدركون الأبعاد الظلامية الحقيقية لمحتواها الآيديولوجي... وهل حان أوان انكشاف المستور؟
ومع السنوات السبع الماضية وما عاشته دول الشرق الأوسط من اضطرابات وقلاقل من جراء فصيل «الإخوان» ومن لفّ لفهم، ناهيك بالطامة الكبرى التي تمثلت في ظهور «داعش»، بات جلياً أن الأوروبيين يراجعون أوراقهم ويعيدون تقييم أحوال الإخوان على أراضيهم وفي مقدمتهم الألمان والبريطانيون بنوع خاص.
إحدى أهم آليات المراجعة الألمانية وجدنا أخبارها في الفترة الأخيرة لدى مشروع «كلاريون» الأميركي، المتخصص في شؤون مكافحة التطرف، ورغم أنه أميركي، فإنه قد أخضع إخوان أوروبا لدراسة تمحيصية عالية الجدوى، وذلك بالتعاطي مع وكالة الاستخبارات الألمانية، والنتيجة التي توصل إليها الألمان هي أن «الإخوان المسلمين تنظيم مخادع ومتطرف، يُظهر ما لا يبطن، ويقول علناً ما يخالف إيمانه وعقيدته السرية».
لدى الألمان «رجال» من المفكرين المهرة عميقي البحث والتنقيب في تاريخ الإخوان المسلمين منذ البدايات، ولديهم «المرجعيات» المتمثلة في المعاهد البحثية والدراسية المتخصصة، ولذلك كان من اليسير على مكتب حماية الدستور في ألمانيا (الاستخبارات الداخلية) أن يرصد بقلق تزايداً ملحوظاً في نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» داخل ولاية ساكسونيا شرقي ألمانيا، وأن يعلن رئيس الهيئة المحلي بالولاية «جورديان ماير - بلات» أن جماعة «الإخوان المسلمين» استغلت عبر منظمات مثل الجمعية الثقافية (ملتقى ساكسونيا) نقص دور العبارة للمسلمين الذين قدموا إلى ساكسونيا كلاجئين، لتوسيع هياكلها، ونشر تصورها عن الإسلام السياسي.
وتخلْص الاستخبارات الألمانية إلى أن المؤسسات العاملة على أرضيها والتابعة للجماعة الإسلامية ليست إلا واجهة لـ«الإخوان» المسلمين في ألمانيا، وأنها وإن كانت تقوّم نفسها كمنظمات وجمعيات معتدلة تشجع على الحوار، إلا أنها تخفي أهدافها الحقيقية في ألمانيا والغرب، إذ هي ترفض قيماً رئيسية في النظام الديمقراطي الحر مثل الحرية الدينية أو المساواة بين الجنسين.

بريطانيا و{الإخوان}... فراق أم اتفاق؟
وأخيراً، تبقى العلاقة بين بريطانيا والإخوان المسلمين واحدة من أكثر العلاقات غموضاً بين دولة كبرى كانت إمبراطورية وبين جماعة سرية، وليس سراً أن البريطانيين دعموا الإخوان في نشأتهم وربما كانوا هم المنشئ الأصلي، وهذا حديث يطول... لكن ماذا عن اللحظة الآنيّة، وهل تغير موقف بريطانيا من الإخوان أم أن الأمر يدخل في باب المناورة والمداورة؟ ومع الوحشية التي اتسم بها «داعش» بنوع خاص، والتي هي وليدة «القاعدة» التي بدورها نتاج لفكر الإخوان، أمر رئيس الوزراء البريطاني وقتها (2014) «ديفيد كاميرون» بإجراء تحقيق حول علاقة جماعة الإخوان المسلمين بحركات الإرهاب حول العالم عامة، وفي أوروبا بنوع خاص، وبعد نحو 20 شهراً من البحث والتحري والمتابعة المحققة والمدققة خلص القائمون على التحقيق إلى أن «الانتماء إلى الإخوان المسلمين بداية الطريق نحو التطرف». لكن العمليات الإرهابية التي شهدتها بريطانيا منذ ذلك الوقت و4 منها جرت عام 2017، وراح ضحيتها نحو 40 مواطناً ومقيماً، جعلت العيون والعقول تنفتح من جديد على حقيقة المشهد الإخواني في الداخل البريطاني.
وفي الأسبوع الأول من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي كان وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، «أليستر بيرت»، يكتب عن نية الحكومة البريطانية تغيير سياستها في مكافحة الإرهاب والتضييق على الجماعات المتطرفة ومنها «الإخوان المسلمين».
ولاحقاً رأينا أصواتاً بريطانية نافذة توجه نصالاً حادة إلى قلب الإخوان في بريطانيا، أصوات مثل «الكولونيل تيم كولنز» مؤسس منظمة «نيوسينشرى» لمكافحة الإرهاب، والذي أشار إلى أن أفراد الإخوان في بلاده «يستخدمون جمعيات ومؤسسات تعطيهم نفوذاً وحجماً أكبر من حقيقتهم، وأنهم تنظيم يستغل الدين لأغراض سياسية ويسعى لإقامة دولتهم دون احترام للمكونات الأخرى»، كما فجر «كولنز» الحقائق الخطيرة بالنسبة إلى الأوروبيين، والمتمثلة في أن تنظيم الإخوان يستطيع أن يلعب بعقول بعض المواطنين المسلمين المقيمين في الغرب، ويقوم بتحويلهم إلى أشخاص خطيرين ومستعدين للقيام بأعمال خطيرة ضد أوطانهم الجديدة في الغرب.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».