مسلسل تلفزيوني أميركي بنكهة عربية

«مستبد» خيالي واجه مشاكل ومقبل على أخرى

أشرف برهوم وآدام راينر على أرض المطار.. لقطة من «مستبد»
أشرف برهوم وآدام راينر على أرض المطار.. لقطة من «مستبد»
TT

مسلسل تلفزيوني أميركي بنكهة عربية

أشرف برهوم وآدام راينر على أرض المطار.. لقطة من «مستبد»
أشرف برهوم وآدام راينر على أرض المطار.. لقطة من «مستبد»

في الثالث والعشرين من هذا الشهر تطلق محطة «فوكس» مسلسلا دراميا جديدا بعنوان «مستبد» (Tyrant)، من إخراج ديفيد ياتس وإنتاج هوارد غوردون (وسيحمل أسماء أخرى بعضهم عملوا في مطلع المشروع ثم انسحبوا منه)، ومن بطولة لفيف كبير من بينهم آن ونترز وأشرف برهوم وفارس فارس وسامي شيخ وجوستن كيرك وموران أتياس.
لا شيء مميزا، من الظاهر على الأقل، باستثناء أنه فيلم عن عائلة ملكية في بلد عربي اختير اسمه من الخيال، تعيش في الغرب. وتبعا للأحداث بات من المهم لدى أحد أبنائها أن يحزم حقائبه ويعود إلى وطنه المهدد بمتغيّرات داخلية قد تمزّق وحدة وسلامة العائلة.
المسلسل القصير المصنوع خصيصا للتلفزيون لم يولد سريعا، بل تعود فكرته إلى بضعة أعوام كابد فيها الإنتاج مصاعب عدة، معظمها فني وإداري ومالي. في العام الماضي وبينما كان المخرج الأميركي آنغ لي مشغولا بمتابعة أخبار فيلمه المرشح للأوسكار «حياة باي» قام المنتج هوارد غوردون بالاتصال به عارضا عليه فكرة إخراجه. على الرغم من مشاغله وعد المخرج بدراسة المشروع وذلك في اجتماع ضمّه والمنتج، تباحثا خلاله كيفية تحقيق هذا العمل. آنغ لي في الاجتماع سأل المنتج غوردون عن السبب في اللجوء إليه، وكان من بين ما ذكره المنتج من أسباب أن المسلسل يحتاج إلى لمسة من مخرج معروف بأعماله الفنية الخاصّة.
ما هي إلا بضعة أيام من بعد هذا اللقاء قبل أن يوقع آنغ على العقد مقررا القيام بنقلة تلفزيونية معتقدا أنها ستتلاءم مع تاريخه السينمائي.

* آنغ لي يعتذر
* المحطة المقبلة لآنغ لي كانت في حاضرة مهرجان «كان» مشاركا في لجنة التحكيم في العام الماضي التي ترأسها ستيفن سبيلبرغ. ذات يوم اتصل المخرج بغوردون هاتفيا وقال له «لا أشعر بأنني أصلح للعمل. لقد بحثت في عمقي الروحي ولم أجد استجابة، كما أنني بدنيا مجهد». استمع غوردون إلى آنغ وقد أدرك أن قرار المخرج نهائي. قال لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر»: «كنت حزين القلب. المشكلة في ذلك الحين أن آنغ لي كان معك، والآن لم يعد موجودا».
خلال ذلك، لم تتوقف محاولة وضع اليد على سيناريو يعني شيئا مفيدا ويقترح منافذ آمنة لموضوع حسّاس. فالعمل مبني على تخيّل عائلة عربية تعيش حياة القصور أينما حلّت وقادمة من بلد مختلق (اسمه أبودين)، وهناك منحيان لعمل كهذا: أن يأتي بمضمون سياسي أو أن يأتي بلا مضمون سياسي، وفي هذه الحالة سيجول في عالم «السوب أوبرا»، على طريقة «دالاس» الشهير، ناقلا خلافات عائلية حول شؤون عاطفية ناتجة عن صراع خفي بين أخيار المسلسل وأشراره.
هذا الاختيار تسبب في كتابة العديد من السيناريوهات. الكتّاب كانوا يتوافدون. كل يمضي بضعة أسابيع ليأتي سواه بحثا عن توازن صحيح يرضي الجمهور الأميركي ويدفع بعمل يدور حول أزمة عائلية شرق أوسطية إلى البروز كل ليلة في حاضر السهرات التلفزيونية العائلية.
لكن الخلاف انتقل بعد ذلك إلى حلقة المنتجين أنفسهم، ففي حين اعتقد هوارد غوردون، وهو أميركي عمل في حقل الإنتاج التلفزيوني منذ عدّة سنوات، أن الأفضل للمسلسل أن يتمتع بإثارة سياسية وبملامح حادة، رغب شريكه، المنتج الإسرائيلي جديون راف، في الابتعاد عن السياسة والتعويض برسم ملامح تتضمن شؤونا داخلية وعلاقات وفضائح يراها أفضل منوال لهذا العمل. الخلاف وصل إلى حد تخلي راف عن العمل، وبما أن المشروع هو ابن المنتج غوردون، فإن هذا احتفظ به وانطلق يبحث عن مخرج جديد بعد استقالة آنغ لي منه.

* مخرج آخر
* البديل، بعد تمحيص، رسا على المخرج البريطاني ديفيد ياتس الذي نال شهرة متأخرة بإخراجه الأجزاء الأخيرة من المسلسل السينمائي «هاري بوتر». غوردون يقول لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر» إن مشكلة ياتس أنه لم يتأقلم تماما في النقلة من السينما إلى التلفزيون، لكن المعلوم أن ديفيد ياتس (وهو غير المخرج السينمائي المبهر بيتر ياتس) بدأ العمل تلفزيونيا، مما يثير التساؤل حول معنى ذلك التصريح.
لكن يبدو أن ياتس واجه فعلا بعض المشاكل في التعامل مع الشروط التلفزيونية حيث ساد التصوير الانتقال بين المشاهد البعيدة المتوسّطة، في حين يعتمد الإخراج التلفزيوني أكثر على اللقطات المتوسطة والمتوسطة القريبة. ومع أن هذه المشاكل تم حل بعضها بإعادة التصوير هنا وبتدخل تقنيات العصر هناك، فإنها تبدو كما لو كانت لا تزال قائمة.
أمر واحد لم يشأ ديفيد ياتس التدخل فيه هو النواحي السياسية للحكاية. أراد تنفيذ السيناريو بصرف النظر عما يتضمّنه، وهذا ساعد المنتج لأن آخر ما كان يود بعد ما مر به من أزمات هو أن يقترح عليه المخرج بدائل أو أفكارا تعيد الموضوع إلى مرحلة الكتابة والتحضير.
لكن هذا لا يعني أن المشاكل توقفت. هناك مسائل حساسة تتعلّق بكيف سيتصرّف العالم العربي والإسلامي مع حكاية لا نعرف الكثير من تفاصيلها بعد، لكنها تقترح دخول الكاميرا إلى حياة عائلة مسلمة وعربية ملكية. الإنتاج أرسل نسخا من السيناريو لبعض الهيئات الإسلامية التي لم تر ما يشين، حسب قول الجهة المنتجة.
على أن المنتج هوارد غوردون يؤكد في تصريحاته أن المسلسل لا يتّبع مثالا جاهزا، وأن البلد الخيالي الذي تم ابتكاره كان بهدف النأي عن الإيحاء بأي بلد آخر، وهو لا يتوقع أي رد فعل سلبي على الرغم من أنه يدرك أن مثل هذا الرد هو احتمال وارد.

* مواقع
* على أن ما يزيد المسألة تعقيدا هو التالي: إذا ما كان الموضوع إسلاميا وعربيا ماذا لو تم اختيار إسرائيل كبلد لتصويره؟
السؤال صعب لأن العلاقات العربية - الإسرائيلية جامدة، ولأن الموضوع بدوره حساس للغاية. المنتج غوردون يقول إن عدّة اختيارات كانت متوفّرة لكن اختيار إسرائيل بدا الأكثر منطقية. من هذه الاختيارات الأردن، لكن المنتج يقول إنه لم يشعر بأن الأردن مستعد لاستقبال عمل كهذا. النظر تحوّل إلى المغرب كونها اعتادت مشاريع سينمائية، وهي بلد عربي جاهز بمقوماته وعناصره وثقافته، لكن ما جعل الإنتاج يتحوّل عن المغرب هو الافتقار إلى استوديوهات داخلية مجهّزة على نحو يرضي ويناسب المشروع المنشود.
بعد ذلك فكّر الجميع في مصر وتركيا وحتى في العودة إلى كاليفورنيا، لكن في النهاية، وكان جديون راف ما زال مرتبطا بالعمل، تم الاتفاق على أن يتم التصوير في إسرائيل. رغم ذلك، لم يكن الأمر سهلا، فالإنتاج التلفزيوني والسينمائي في ذلك الكيان لم يستوعب مجاميع كثيرة (نحو 300 ممثل وفني) من قبل. الإنتاجات الإسرائيلية في الواقع هي محدودة التكلفة والحجم. على ذلك، ونظرا لقلة الاختيارات الأخرى، تم إيداع الفيلم بين أيدي فنيين إسرائيليين قبل أن يصبح جاهزا.
بالنسبة للممثلين، تم اختيار الممثل الفلسطيني أشرف برهوم لدور رئيس. برهوم كان ظهر في عدة إنتاجات فلسطينية («الجنة الآن») وإسرائيلية («لبنان» و«زيتون») وأميركية («المملكة» و«صراع التيتانز» و«300: ثورة إمبراطورية»)، وعلى خبرة كافية بالتعامل مع الإنتاجات الغربية، ولحين كان التفكير متجها إلى ممثل عربي آخر ذي خبرة هو المصري - البريطاني مصطفى متولي. لكن في كل الحالات بقيت البطولة المطلقة لغير عرب وبينهم موران أتياس في دور الأميرة ليلى، وآدام راينر في دور أمير اسمه باري الفايد، وجنيفر فنيغان في دور زوجته البريطانية.
لكن ما سبق من مشاكل توزعت على المشروع منذ أن كان فكرة وحتى تم تنفيذه مرشح للاستمرار من بعد عرض الفيلم على محطة «فوكس» الأميركية التي فازت به بعد منافسة مع محطة «HBO» من بين محطات أخرى فكّرت في استقباله ثم تخلّت عنه إما لارتفاع سعره أو للمخاطر المحيطة به.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».