واشنطن: طالبان تتراجع بعد تصعيد ترمب الحرب ضدها

إثر رفض عرضها التفاوض مع الولايات المتحدة

ضباط من قرغيزستان يضعون باقات من الورود على نصب الجنود القتلى في أفغانستان في بشكيك أمس (أ.ف.ب)
ضباط من قرغيزستان يضعون باقات من الورود على نصب الجنود القتلى في أفغانستان في بشكيك أمس (أ.ف.ب)
TT

واشنطن: طالبان تتراجع بعد تصعيد ترمب الحرب ضدها

ضباط من قرغيزستان يضعون باقات من الورود على نصب الجنود القتلى في أفغانستان في بشكيك أمس (أ.ف.ب)
ضباط من قرغيزستان يضعون باقات من الورود على نصب الجنود القتلى في أفغانستان في بشكيك أمس (أ.ف.ب)

قالت مصادر إخبارية أميركية، أمس، تعليقاً على الخطاب العلني الذي وجهته حركة طالبان، يوم الأربعاء، إلى الشعب الأميركي لإنهاء الحرب في أفغانستان: إن طالبان لم تفعل ذلك في الماضي، حتى أحست بزيادة الهجمات الأميركية عليها حسب أوامر الرئيس دونالد ترمب.
وأضافت المصادر: إن طالبان لم تكن جادة في تنفيذ عروض السلام التي كانت قدمتها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. وإن طالبان تظل ترفض التفاوض مع حكومة أفغانستان. وإنها لم تتحدث في خطابها عن مئات الضحايا المدنيين في الهجمات التي قامت بها في كابول، ومدن أفغانية أخرى، خلال الشهرين الماضيين. وقال تلفزيون «فوكس» اليميني في نشرة إخبارية أمس: إن طالبان «صارت تحس بنيران ترمب تتدفق عليها من السماء، وتزحف نحوها من الأرض»، في حين قال مايكل كوغلمان، خبير كبير في مركز ودرو ويلسون، في واشنطن العاصمة: «يجب ألا نبالغ في أهمية هذه الرسالة. قد يكون الأمر كذلك بالنسبة لحركة طالبان التي تحاول كسب بعض الشرعية، وحسن النية. لهذا؛ تريد أن تلعب دور الرجل الطيب، وتريد تقديم حلول غير عنيفة». وأضاف: «في نهاية المطاف، ليس لدى طالبان حافز للاشتراك في محادثات جادة إلا إذا بدأت تشعر بضغوط كبيرة على ساحة المعركة. الآن، رغم أن القوات الأميركية صعّدت قتالها، أعتقد أنه من السابق لأوانه لطالبان أن تعلن، فجأة، أنها لا تريد مواصلة القتال».
وأوضح كوغلمان، أن عرض طالبان يمكن أن يكون مفيداً للرئيس ترمب. «حتى لو كانت الرسالة مجرد خدعة، يقدر على أن يقول (انظروا، استراتيجيتنا نجحت، ولم تنفذ حقيقة بعد)».
وكانت طالبان أعلنت أول من أمس، أنها ترغب في إنهاء الحرب الدائرة في أفغانستان منذ 17 عاماً. وجهت الحركة حديثها للشعب الأميركي في بيان نقلته وكالة «رويترز»، وجاء فيه «نفضل حل المسألة الأفغانية من خلال حوار سلمي»، وحذرت الحركة أميركا من «اعتبار هذه الرسالة علامة على ضعفنا». ودعت طالبان أميركا إلى إنهاء «الاحتلال». وأشارت إلى نيتها في استمرار القتال ضد القوات الأميركية حتى تخرج من أفغانستان، وطلب من الولايات المتحدة «قبول حقنا في تشكيل حكومة وطنية في أفغانستان». ووصفت «رويترز» خطاب طالبان بأنه «نادر، وجهته للشعب الأميركي، بأنها ترغب في إنهاء الحرب الدائرة في أفغانستان منذ 17 عاماً عبر المحادثات»، وأن طالبان ظلت «تقاتل لطرد القوات الأميركية وهزيمة الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة».
ولاحظت «رويترز» أن خطاب طالبان «لم يشر إلى هجوم على فندق كبير في كابل يوم 27 يناير (كانون الثاني) أسفر عن قتل أكثر من 30 شخصاً. ولم يشر إلى تفجير آخر في شارع مزدحم، بعد الهجوم الأول بأسبوع، أسفر عن سقوط أكثر من 100 قتيل». وكانت الحركة أعلنت مسؤوليتها عن الهجومين. ونقلت «رويترز» قول متحدث باسم حلف شمال الأطلسي في أفغانستان: إن «هجمات طالبان على المدنيين لا تظهر استعداد الحركة لخوض مفاوضات سلام حسنة النية». وأضاف المتحدث: إن الحكومة الأفغانية أعلنت، في وضوح، في مناسبات عدة استعدادها لبدء عملية سلام.
في الشهر الماضي، بعد أن شن ترمب هجوماً عنيفاً على تنظيم طالبان، الذي اعترف بمسؤولية الهجمات خلال ذلك الشهر في كابول، وأدى إلى قتل وجرح مئات الأشخاص، وبعد أن رفض ترمب التفاوض مع طالبان، أعلن البنتاغون فرض حظر على الأخبار العسكرية الأميركية عن الحرب ضد طالبان».
في ذلك الوقت، في حديث مع أعضاء مجلس الأمن في البيت الأبيض، أدان ترمب «الفظائع» التي ارتكبتها طالبان في أفغانستان. وقال: «لسنا مستعدين للحديث معهم، وسننجز ما يجب علينا إنجازه. وسنتمكن من فعل ما لم يستطع الآخرون فعله». وأضاف: «عندما ترون ما يفعلونه، والفظائع التي يرتكبونها، وقتلهم شعبهم، وهؤلاء الأشخاص، نساءً، وأطفالاً... هذا فظيع». وقال: إن التفاوض مع طالبان قد يأتي، لكنه سيأتي «بعد وقت طويل». وأعلن البنتاغون الحظر على الأخبار العسكرية الأميركية في الحرب ضد طالبان في طلب من البنتاغون إلى المفتش العام لعمليات إعادة إعمار أفغانستان. طلب منه قف إصدار واحدة من أهم التقارير الدورية عن الحرب، وعن إعادة الإعمار في أفغانستان. وطلب منه عدم الكشف عن معلومات حول عدد المناطق الأفغانية التي تخضع لسيطرة طالبان. وأيضاً، خسائر القوات الأفغانية، وقوات الشرطة الأفغانية.
في ذلك الوقت، قالت وكالة الصحافة الفرنسية: إن هذه التقارير «كانت واحداً من آخر المؤشرات التي كانت متاحة لعامة الناس لمتابعة الحرب الأميركية، المستمرة منذ 16 عاماً». وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في آخر تقرير للمفتش العام، ورد أن طالبان تسيطر على نسبة 13 في المائة من أراضي أفغانستان، وتسيطر الحكومة على نسبة 57 في المائة، ويتنازع الجانبان على نسبة 30 في المائة.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية: إن طالبان و«داعش» «زادا، بنسبة كبيرة، الضغوط على قوات الحكومة، سواء المسلحة أو قوات الشرطة، وذلك خلال السنوات الثلاث الماضية»، وأن الهجمات على مراكز وقواعد الأمن الأفغانية والحليفة» صارت تحدث بصورة أسبوعية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟