انهيار «هدنة عمران».. والرئيس اليمني يحذر من «صوملة»

صالح و«المشترك» ينتقدان التعديلات الدستورية

يمنيون يتظاهرون احتجاجا ضد الحكومة في صنعاء أمس (رويترز)
يمنيون يتظاهرون احتجاجا ضد الحكومة في صنعاء أمس (رويترز)
TT

انهيار «هدنة عمران».. والرئيس اليمني يحذر من «صوملة»

يمنيون يتظاهرون احتجاجا ضد الحكومة في صنعاء أمس (رويترز)
يمنيون يتظاهرون احتجاجا ضد الحكومة في صنعاء أمس (رويترز)

دخلت الأزمة السياسية التي يعيشها اليمن، في نفق مظلم، بعد انتقادات الأطراف الموقعة على اتفاق نقل السلطة: «المؤتمر الشعبي العام» الذي يقوده الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وأحزاب اللقاء المشترك، للتعديلات التي أجراها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في حكومة الوفاق الوطني قبل يومين، وسط مخاوف من تحول الصراع إلى «عنف دموي»، في الوقت الذي تجددت فيه المعارك بين الجيش اليمني وميليشيات الحوثيين أمس، وهو ما يمثل انهيارا للهدنة المبرمة بين الطرفين في محافظة عمران.
وحذر الرئيس هادي من «صوملة اليمن»، ووصف ما شهدته العاصمة صنعاء الأربعاء الماضي بأنه «تصرفات فوضوية وهمجية قامت بها بعض العناصر بغرض الإثارة واستغلال حاجيات الناس في أعمال تخريبية»، مشيدا بالأجهزة الأمنية التي «أحبطت المساعي التخريبية للمصالح العامة والخاصة تحت ذرائع كاذبة وواهية». ووجه هادي الجيش والأجهزة الأمنية «برفع اليقظة العالية والحرص لإحباط النوايا التخريبية ومتابعة مرتكبي الجرائم الإرهابية والجنائية».
وعقد هادي أمس سلسلة اجتماعات مع الحكومة، ومع اللجنة الأمنية، ومع الوزراء الجدد في الحكومة، لمناقشة مختلف الأوضاع التي تعيشها البلاد، داعيا إلى الاعتبار من أحداث المنطقة العربية، وقال هادي: «لا نريد اليمن أن يتحول إلى صومال آخر». وأمر هادي «الجهات المعنية والمختصة باستعادة أملاك الدولة والجيش من الذين لم يصفُ عهدهم من الأسلحة والمعدات حتى اليوم»، في إشارة إلى سلفه علي عبد الله صالح، الذي يُتهم بأنه لا يزال يحتفظ بمعسكرات كانت تابعة للجيش، بينها أسلحة ثقيلة، في مسقط رأسه في بلدة سنحان، جنوب صنعاء.
وطالب هادي وزراء الحكومة، في أول اجتماع منذ التعديلات الأخيرة، بتغليب مصلحة العمل والوطن فوق أي مصالح حزبية أو شخصية. ودعا الحكومة إلى «تنفيذ برنامج اقتصادي من أجل خروج اليمن من أزماته الأمنية والسياسية والاقتصادية».
ويواجه اليمن مخاطر رئيسة في المرحلة الانتقالية، التي بدأت منذ نهاية عام 2011 وتتمثل في «معرقلي تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وفي الوضع الاقتصادي، وخطر الجماعات المسلحة من الحوثيين والحراك المسلح، إضافة إلى خطر تنظيم القاعدة».
وانتقدت الأطراف السياسية الموقعة على اتفاق نقل السلطة التعديلات الحكومية الأخيرة، حيث عد جناح صالح في حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي إليه الرئيس هادي، «ما جرى من تعديل حكومي في حقائب المؤتمر في الحكومة، لا يمثل سوى من اتخذ القرار بشكل فردي». وأعلن المؤتمر في بيان صحافي أمس «رفضهم لأي تغييرات أو تعيينات تكون من حصة المؤتمر الشعبي العام وأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي دون الموافقة المسبقة من قيادات المؤتمر الشعبي العام وحلفائه».
فيما طالبت أحزاب اللقاء المشترك التي تتقاسم حقائب الحكومة مع المؤتمر، الرئيس هادي بـ«ضرورة التمسك بمبدأ الشراكة والتوافق الوطني عند اتخاذ أي قرارات وطنية»، داعية في بيان صحافي أمس السبت إلى «أن تلتزم أي قرارات بمبادئ الكفاءة والنزاهة والشراكة الوطنية التي أكدت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات وضمانات الحوار الوطني».
من جهة ثانية حاصرت قوات من الحرس الرئاسي اليمني أمس جامع الصالح في العاصمة صنعاء من أجل تسلم حراسة الجامع من الحرس الخاص التابع للرئيس السابق علي عبد الله صالح. وقامت قوات الحرس الرئاسي بقطع شارعين رئيسين مجاورين لجامع الصالح مما أدى إلى وقوع اختناقات مرورية.
وقال أحد حراس الجامع لوكالة الأنباء الألمانية إنه وصلتهم ظهر أمس توجيهات رئاسية بتسليم الجامع لمكتب الأوقاف حتى يقوم بإدارته ويتبنى كل متطلباته كغيره من الجوامع في البلد. الجدير بالذكر أن جامع الصالح لا يتبع مكتب الأوقاف.
وأشار الحارس إلى أنهم سيقومون بتسليم الجامع، وليست هناك أي مقاومة للحرس الرئاسي ولكنهم ينتظرون توجيهات من المشرف عليهم لتسليم الجامع. من جهته قال مدير مكتب الأوقاف بأمانة العاصمة محمد قائد إن مكتب الأوقاف ليست له أي علاقة بجامع الصالح ولا يعلم شيئا عما يجري في الوقت الراهن.
وأشار محمد قائد إلى أن مكتب الأوقاف لا يملك جنودا يعملون على حراسة الجوامع، وأن جامع الصالح منذ تأسيسه لا يتبع مكتب الأوقاف. ويقول مراقبون إنه من الضروري أن يجري تسليم الجامع لمكتب الأوقاف، وأن يشرف عليه المكتب حتى لا يستخدم الجامع لأغراض سياسية تخدم طرفا بعينه. بينما أشار آخرون إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى «تقليل الحضور السياسي للرئيس السابق علي عبد الله صالح».
وتأتي هذه العملية بعد ثلاثة أيام من قيام قوات الحماية الرئاسية بإغلاق قناة وصحيفة «اليمن اليوم» التابعة لنجل الرئيس السابق علي صالح. ويعد جامع الصالح أكبر جامع في اليمن وجاء اسمه نسبة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبالإضافة إلى الجامع فهو يشمل كلية علوم القرآن والدراسات الإسلامية، ويمتلك مساحات خضراء واسعة تحولت أخيرا إلى متنزه للمواطنين في العاصمة في ظل قلة المتنزهات في العاصمة.
في سياق الوضع الميداني تجددت المعارك العنيفة بين الجيش اليمني وميليشيات الحوثيين أمس، في محافظة عمران (شمال البلاد)، بعد تبادل الاتهامات بخرق الهدنة الموقعة بين الطرفين، منذ عشرة أيام.
وبحسب شهود عيان في قرية بني ميمون ببلدة عيال سريح، لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجيش والحوثيين تبادلا القصف المدفعي والاشتباكات بالأسلحة الرشاشة في مناطق جبل ضين الاستراتيجي، وبيت الحمزي ومنطقة الزبير، وذيفان، والجائف. وناشد سكان من القرية الطرفين وقف إطلاق النار، بسبب وجود مدنيين داخل القرية، التي تتحصن داخلها ميليشيات الحوثي. وقال ناصر علي ناصر من أبناء ذيفان: «إن الحوثيين قتلوا شخصا من القرية وجرحوا ثلاثة بعد مهاجمتهم للقرية صباح أمس». وقال مصدر عسكري في المنطقة العسكرية السادسة لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحوثيين يستفزون الجيش من أجل إلغاء الهدنة التي يخترقونها منذ أول يوم جرى التوقيع عليها برعاية الأمم المتحدة». وذكر المصدر أن «الجيش ملتزم باتفاق الهدنة، وملتزم بتوجيهات وزارة الدفاع التي يتبعها، لكنه في الوقت نفسه سيقوم بواجبه في الدفاع عن أفراده والمواقع العسكرية التي يتمركز فيها». ولفت إلى أن الحوثيين لديهم مخطط للتمدد، في مدن بشمال اليمن، واستغرب المصدر من «صمت لجنة الإشراف على اتفاق الهدنة، إزاء ما يقوم به الحوثيون من حفر الخنادق، ووصول تعزيزات بأسلحة ثقيلة إليهم من معقلهم في صعدة، إضافة إلى قيامهم بإنشاء نقاط تفتيش بجوار نقاط الشرطة العسكرية». وكان الرئيس هادي أقال محافظ عمران محمد حسن دماج، المحسوب على حزب الإصلاح، وتعيين محمد صالح شملان خلفا له، بعد مطالبة الحوثيين بذلك.
في غضون ذلك قال مسؤول محلي ومصدر قبلي لرويترز أمس إن غارة شنتها طائرة من دون طيار قتلت خمسة أشخاص يشتبه بأنهم من متشددي تنظيم القاعدة في اليمن في وقت متأخر الليلة قبل الماضية. وذكرت المصادر أن الغارة استهدفت سيارة كان يستقلها المشتبه بهم في منطقة مفرق الصعيد بمحافظة شبوة في جنوب اليمن. وقال المصدر القبلي إن من بين الخمسة الذين قتلوا سعوديين. وأضاف المصدر أن القتلى دفنوا أمس السبت. وقال مسؤول محلي وسكان لرويترز إن جنديين قتلا في محافظة أبين عندما استهدف مقاتلون من «القاعدة» الشاحنة العسكرية التي كانا يستقلانها بصاروخ. ونفذت «القاعدة» عددا من الهجمات منذ أن طردها الجيش اليمني من معاقلها في محافظتي شبوة وأبين.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.