المناطق المحررة تخشى عودة «أشباح داعش»

تعاليم التنظيم تمكنت من عقول أطفال... وثاراته تهدد بفتنة عشائرية

TT

المناطق المحررة تخشى عودة «أشباح داعش»

في وقت لا يزال فيه أبناء المناطق المحررة والمدمرة في المحافظات الغربية والشمالية من العراق يعولون على ما سيرصد من أموال اليوم في مؤتمر الكويت للمانحين، من أجل التخلص من آثار سيطرة تنظيم داعش على مناطقهم، فإن عودة فلول التنظيم من أبناء هذه المناطق لا تزال تثير مخاوفهم.
ويقول الشيخ أركان العبيدي، من محافظة صلاح الدين لـ«الشرق الأوسط»، إن «(داعش) خلق لنا عشائر مشكلات كثيرة يصعب إيجاد حلول لها من دون أن ترتبط بإجراءات على الأرض، أهمها إعادة ولو جزء من الخدمات الأساسية، بالإضافة إلى إنجاز بعض متطلبات المصالحة المجتمعية التي باتت تحتاج إلى آليات عمل جديدة لتحقيقها، تختلف عن مرحلة ما قبل احتلال تنظيم داعش لمناطقنا ومحافظاتنا».
وأضاف أن «(داعش) لم يكن احتلالا عسكريا فقط، بل نجح إلى حد ما في زرع أفكاره الظلامية في نفوس الفئات الأكثر عرضة للتأثير في المجتمع، وهم الأطفال وكبار السن والنساء، بينما لا تزال إجراءاتنا بصفتنا عشائر تقوم على سنن يمكن أن تصلح للنزاعات التقليدية بين العشائر وهي معروفة، لكنها لا تصلح لما خلفه هذا التنظيم، مما يجعلنا نحتاج إلى تدخل حكومي وأممي للمعالجة».
ما يقوله العبيدي تؤيده وقائع كثيرة على الأرض، منها ما يمكن تسميته «الحياة السرية» لهذا التنظيم في العديد من تلك المناطق، خصوصا الأكثر تدميرا منها، التي لم تتمكن الجهات الرسمية حتى الآن من تقديم خدمات فيها تسهل إعادة النازحين الذين تجاوز عددهم المليونين ونصف المليون، حسب إحصاءات وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، ونحو 3 ملايين وربما أكثر، حسب التقديرات الأميركية.
ففي العديد من تلك المناطق «لا يزال شبح (داعش) يتجول ويثير المخاوف»، مثلما يقول الناشط المدني من أهالي الموصل توفيق الطائي لـ«الشرق الأوسط». ويضيف الطائي أن «النصر العسكري على التنظيم، وإن كان مهما لجهة أنه طرد التنظيم الذي كان يسيطر على الحياة اليومية للمواطن... إلا أنه دفع كثيرين من عناصر (داعش) المنبوذين في مناطقهم إلى الانتقال إلى الحياة السرية، مما جعلهم أشبه بالأشباح التي يخشى المواطنون ظهورها في أي لحظة».
ويرى الطائي أنه «في حال تدفقت أموال كبيرة من مؤتمر المانحين، وبدأت عملية إعادة إعمار البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والكهرباء والمياه، فإن من شأن ذلك محاصرة هؤلاء وتحجيم دورهم بالكامل».
ويرى الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية الدكتور هشام الهاشمي، أن «إعلان النصر العسكري على تنظيم داعش يعني من الناحية العملية أنه لم تعد توجد راية سوداء من رايات هذا التنظيم على أي بناية من البنايات والدوائر الحكومية الرسمية العراقية في كل المدن والمناطق من المحافظات التي كان احتلها في 2014». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الانتصار العسكري، وإن تحقق بلا شك، لكن التطهير الأمني والفكري و(مواجهة) لوثات السلوك، وكل ما يمكن أن يكون خلفه الإرهاب لم يكتمل بعد، وهو ما يضاعف مسؤولية المجتمع الدولي في هذا المجال».
وأشار إلى أن «وزراء الخارجية في مؤتمر الكويت يناقشون كيفية تمكين المجتمع المحلي في تلك المناطق كي يأخذ دوره في معالجة الآثار الجانبية، وهذه لا تزال في غاية الخطورة والأهمية». وأوضح أن «الاستراتيجية الأميركية تقوم على تمكين الاستقرار وإعادة تأهيل الناس من خلال مبدأ الشراكة مع الحكومة العراقية، لكن في إطار منح الجهات العاملة في تلك المناطق من منظمات وقيادات أدوارا مهمة في هذا السياق، وهو ما يعني أن الأموال التي ستخصص كمنح من مؤتمر المانحين لن يُسلم منها فلس واحد إلى الحكومة العراقية، بل تذهب إلى جهات ومنظمات بإشراف أميركي وبتنسيق مع الجانب العراقي».
وترصد مديرة إدارة ذوي الاحتياجات الخاصة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الدكتورة عبير الجلبي جانبا مما خلفه تنظيم داعش على الأطفال، قائلة إن «المفاجأة التي لم نكن نتوقعها هي ما خلفه هذا التنظيم على سلوك أطفال صغار لا تتعدى أعمارهم خمس أو سبع سنوات».
وأضافت لـ«الشرق الأوسط»، أن «طفلا عمره ست سنوات رفض مصافحتي من منطلق تحريم مصافحة المرأة، كما أن طفلة لا يتعدى عمرها السنوات السبع جاءتنا منقبة وترفض التخلي عن النقاب، مما يعطي مؤشرا على طبيعة ما خلفه هذا التنظيم خلال السنوات الثلاث التي احتل فيها المحافظات الغربية، وهو أمر يمكن القياس عليه في قضايا أخرى كثيرة في السلوك الاجتماعي والنفسي وغيره».
وفي محافظة الأنبار المترامية الأطراف التي كانت أولى المحافظات التي انتعش فيها تنظيم القاعدة بعد الغزو الأميركي في 2003، ومن ثم «داعش» بعد 2012، تواجه السلطات مشكلة في التعامل مع العائلات النازحة من أهالي المحافظة وعشائرها.
واعتبر رئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة نعيم الكعود، وهو من شيوخ عشيرة البونمر التي تعرضت لمجزرة كبيرة ارتكبها تنظيم داعش بحقها عند احتلاله قضاء هيت في 2015 بقتل أكثر من 500 فرد منها، أن «أي قرار يتم اتخاذه في شأن عودة عوائل (داعش) إلى المحافظة يعتبر من الأخطاء الفادحة والكارثية».
وأضاف أن «المعمول به في المناطق العشائرية أن أي شخص يقوم بعملية قتل يتم إجلاء عائلته إلى خارج المدينة إلى أن تتم عملية المصالحة... حتى اللحظة لا يوجد برنامج عمل من أجل إجراء المصالحة بين العشائر، وعلى الحكومة أن ترعى هذا الأمر بين العشائر كافة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.