واشنطن مستعدة لمحادثات مباشرة مع بيونغ يانغ

بنس: سنستمر في فرض عقوبات على كوريا الشمالية

مايك بنس نائب الرئيس الأميركي (يسار) مع رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن (إ.ب.أ)
مايك بنس نائب الرئيس الأميركي (يسار) مع رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن (إ.ب.أ)
TT

واشنطن مستعدة لمحادثات مباشرة مع بيونغ يانغ

مايك بنس نائب الرئيس الأميركي (يسار) مع رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن (إ.ب.أ)
مايك بنس نائب الرئيس الأميركي (يسار) مع رئيس كوريا الجنوبية مون جيه-إن (إ.ب.أ)

قال مايك بنس نائب الرئيس الأميركي بأن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء محادثات مباشرة مع القيادة في كوريا الشمالية لكنها ستستمر في فرض عقوبات وضغوط على الاقتصاد الكوري الشمالي. وأوضح بنس في حوار لصحيفة واشنطن بوست بعد رحلة آسيوية استغرقت خمسة أيام وصف بنس الاستراتيجية التي يتبعها الرئيس الأميركي ترمب بأنها تنتهج نهج «ممارسة أقصى ضغط والانخراط مع الشركاء». وأشار بنس أن الولايات المتحدة اتفقت مع كوريا الجنوبية على شروط لمزيد من المشاركة الدبلوماسية بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية تؤدي إلى محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة. وأشارت الجريدة أن الاستعداد الأميركي للتحاور مع كوريا الشمالية جاء بعد زيارة نائب الرئيس الأميركي لكوريا الجنوبية الأسبوع الماضي ومشاركته في افتتاح الألعاب الأوليمبية والتي أجرى خلالها بنس محادثات جوهرية مع رئيس كوريا الجنوبية مون جيه - إن واتفقا على أن تبدأ محادثات أولية ما بين سيول مع فريق يرسله زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون وقد بدأت بالفعل محادثات ما بين الكوريتين، وقد تدخل الولايات المتحدة على خط المحادثات. وتأتي تصريحات بنس حول استعداد أميركي لمحادثات مع كوريا الشمالية دون أن تبدي بيونغ يانغ أية علامة على تغييرات في برنامجها لتطوير الأسلحة النووية أو برنامج الصواريخ. وبينما أبدى بنس استعداد الإدارة لحوار، أشار إلى توقعات بجولة جديدة من العقوبات ضد نظام كيم يونغ أون. وقال «القضية هنا هي أننا لن نرفع أي ضغوط حتى نرى أنهم يقومون فعلا بشيء يعتقد الحلفاء أنه يمثل خطوة في اتجاه نزع السلاح النووي، وبالتالي فإن حملة الضغط سوف تستمر وتتكثف»، وموجها كلامه إلى زعيم كوريا الشمالية «لكن إذا كنت تريد التحدث فإننا سنتحدث».
في المقابل، لم يبد النظام في كوريا الشمالية أي تفاعل مع تصريحات نائب الرئيس الأميركي وقال بيان صادر عن تشويونغ سام مدير القسم الخارجي بوزارة الخارجية لكوريا الشمالية «إننا لم نتوسل أبدا للحوار مع الولايات المتحدة لا في الوقت الحالي ولا في المستقبل أيضا ولم نبدِ أي رغبة في الاجتماع مع الجانب الأميركي خلال فترة إقامته في كوريا الجنوبية».
وتمثل تصريحات بنس تغييرا كبيرا في توجهات الإدارة الأميركي بعد شهور من التصريحات العدائية المباشرة ما بين الرئيس الأميركي وزعيم كوريا الشمالية وبعد محاولات عقابية من قبل إدارة ترمب لمواجهة برنامج بيونغ يانغ النووي وبرنامجه الصاروخي. وقد اتخذت الإدارات الأميركية السابقة أيضا نهج العقاب الاقتصادي وفرضت الكثير من العقوبات على بيونغ يانغ. وخلال زيارته لمصر، قال وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أمس الاثنين بأنه من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كانت التطورات الأخيرة (المحادثات بين سيول وبيونغ يانغ) تمثل بداية للعملية الدبلوماسية، مضيفا «قلنا لفترة من الوقت بأن الأمر يعود إلى الكوريين الشماليين لكي يقرروا متى يكونوا مستعدين للانخراط معنا بطريقة مخلصة وبطريقة مجدية. وأضاف تيلرسون «إنهم يعرفون ما يجب أن يكون على الطاولة لإجراء محادثات».
أما وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس فقد صرح الأحد أن من السابق لأوانه معرفة إن كانت الانفراجة الدبلوماسية بين الكوريتين في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية ستؤدي إلى نتائج، لكن الخطوة لم تدق إسفينا بين واشنطن وسيول، كما يعتقد بعض المعلقين. ووجه زعيم كوريا الشمالية كيم يونج أون دعوة للرئيس الكوري الجنوبي مون جيه - إن لإجراء محادثات في بيونغ يانغ مما يمهد الطريق لأول اجتماع للزعيمين الكوريين منذ ما يزيد على عشر سنوات. وقال ماتيس «من السابق لأوانه قول ما إذا كان استخدام الألعاب الأولمبية بطريقة ما للحد من التوترات سيكون له أي تأثير بمجرد انتهاء دورة الألعاب الأولمبية. لا يمكننا قول ذلك في الوقت الراهن».
وكانت كوريا الشمالية قد أجرت خلال العام الماضي العشرات من عمليات إطلاق الصواريخ وأجرت الاختبار النووي السادس والأكبر في تحد لقرارات مجلس الأمن الدولي، حيث تسعى إلى تحقيق هدفها في تطوير صاروخ مسلح نوويا قادر على عبور القارات والوصول إلى الولايات المتحدة. وتدافع كوريا الشمالية عن برنامجها النووي باعتباره ضرورة لمواجهة العدوان الأميركي قائلة بأن التدريبات العسكرية المنتظمة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تعد استفزازا واستعدادا لغزو الجارة الشمالية. ويوجد في كوريا الجنوبية نحو 28500 جندي أميركي. وفي تصريحات سابقة لمايك بومبيو رئيس الاستخبارات المركزية الأميركية، أشار إلى تقدم كوريا الشمالية بشكل كبير في تطوير قدراتها النووية وقدراتها الصاروخية. وكان بنس هو أعلى مسؤول أميركي يشارك في حفل افتتاح الألعاب الشتوية، الذي أقيم في بيونغ تشانغ يوم الجمعة حيث كان يجلس بجوار مون جيه - إن رئيس كوريا الجنوبية ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي وإلى الجانب الآخر شقيقة زعيم كوريا الشمالية التي مثلت بلادها في افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية. وكان حضور أحد أفراد عائلة كيم لكوريا الجنوبية أمرا غير مسبوق ورحبت به حكومة كوريا الجنوبية كدليل على الرغبة في الحد من التوترات في شبه الجزيرة الكورية.
- عودة شقيقة زعيم كوريا الشمالية بعد زيارة للجنوب
> عرض التلفزيون الحكومي في كوريا الشمالية أمس الاثنين لقطات لشقيقة الزعيم الكوري الشمالي والزعيم الشرفي للبلاد لدى عودتهما إلى بيونغ يانغ. وكانت كيم يو يونغ قد توجهت إلى كوريا الجنوبية على متن طائرة شقيقها الخاصة يوم الجمعة كي تحضر مع مسؤولين كوريين شماليين آخرين مراسم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقامة في مدينة بيونغ تشانغ. وكان أول لقاء مباشر يجمعها بالرئيس الكوري الجنوبي في مراسم الافتتاح، حيث تصافحا ووجها التحية لرياضيي البلدين الذين ساروا معا تحت علم موحد لشبه الجزيرة الكورية لأول مرة منذ عقد. وكيم يو يونغ (28 عاما) هي أول شخصية من عائلة كيم تعبر الحدود إلى كوريا الجنوبية منذ الحرب الكورية التي استمرت من عام 1950 حتى عام 1953، وهي شخصية مهمة في وفد كوريا الشمالية للأولمبياد الذي يقوده الرئيس الشرفي كيم يونغ نام. ورغم أن كيم يو يونغ أقل في المرتبة الدبلوماسية من كيم يونغ نام فإنها تعد شخصية أهم في كوريا الشمالية لكونها شقيقة الزعيم.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟