استراتيجية «داعش} في ليبيا... من التمركز إلى الإنهاك

تلقى ضربات عسكرية فككت أوصال دولته المزعومة

أحد أفراد قوات مكافحة الإرهاب بمصراتة ينقل متفجرات مضبوطة داخل سيارة  كان يقودها عنصر مشتبه في انتمائه إلى «داعش» الشهر الماضي (رويترز)
أحد أفراد قوات مكافحة الإرهاب بمصراتة ينقل متفجرات مضبوطة داخل سيارة كان يقودها عنصر مشتبه في انتمائه إلى «داعش» الشهر الماضي (رويترز)
TT

استراتيجية «داعش} في ليبيا... من التمركز إلى الإنهاك

أحد أفراد قوات مكافحة الإرهاب بمصراتة ينقل متفجرات مضبوطة داخل سيارة  كان يقودها عنصر مشتبه في انتمائه إلى «داعش» الشهر الماضي (رويترز)
أحد أفراد قوات مكافحة الإرهاب بمصراتة ينقل متفجرات مضبوطة داخل سيارة كان يقودها عنصر مشتبه في انتمائه إلى «داعش» الشهر الماضي (رويترز)

في الأودية الوعرة، والدروب الصحراوية، فضّلت فلول تنظيم داعش الاختباء بالقرب من مناطق وسط وجنوب ليبيا بعد طردهم من مدينة سرت؛ كي يسهل عليهم الانقضاض، وتنفيذ «هجمات خاطفة»، والفرار ثانية إلى ملاذاتهم الآمنة؛ ما أدى إلى استدعاء بعض المخاوف من احتمالية عودة «داعش» إلى البلد الغني بالنفط، للتمركز كما كان.
فالتنظيم الذي سبق وبسط سيطرته على مدن ليبية، وأقام «دعائم دولته» المزعومة، وقطّع رؤوس مئات المواطنين، ظهرت عناصره، الشهر الماضي، ست مرات على الأقل، في شوارع وبلدات بالمنطقة الغربية، استوقفت خلالها المارة، ولوّحت براياته السوداء، ومارست السرقة في وضح النهار، لكن العميد محمد الغصري، المتحدث باسم وزارة الدفاع في حكومة الوفاق الوطني، بطرابلس (غرب البلاد)، قلل من مخاطر ظهور التنظيم، ووصف الأمر في حديثه إلى «الشرق الأوسط» بأنه «مجرد جيوب إرهابية، وبعض من العناصر التي فرت من سرت، سيتم التخلص منها قريباً». غير أن هبوط عناصر التنظيم من الدروب الصحراوية وصولاً لوسط البلاد، تجاوز المخاوف إلى تحذير جهات دولية، ومراكز بحثية غربية، من أن عناصر التنظيم «شكّلت جيشاً في الصحراء الليبية، وأعادت لمّ شملها وسط وجنوب ليبيا، بما في ذلك مناطق قريبة من أكبر حقول النفط»؛ ما دفع أميركا وإيطاليا إلى الإعلان عن اتفاق، منتصف الأسبوع الماضي، على «منع تحويل ليبيا إلى قاعدة للتنظيم».
وتعد موقعة حقل الظهرة النفطي، على طريق زلة - مرادة، (200 كلم جنوب شرقي مدينة سرت) التي جرت وقائعها في الثالث من الشهر الحالي، وقُتل فيها ثلاثة من مسلحي تنظيم داعش في اشتباكات مسلحة مع قوة عسكرية كبيرة من الجيش الوطني الليبي وقضى فيها ثلاثة جنود، هي الأخطر في دلالاتها، بحسب ما أرجعه خبراء إلى «قدرة عناصر التنظيم على التسرب مجدداً داخل مدن الغرب الليبي، وبخاصة إلى سرت وما حولها، لإحداث ضربات سريعة، قد يحصّل من ورائها بعض المكاسب».
وسعى عضو مجلس النواب، محمد عامر العباني، إلى إيجاد تفسير لعمليات «داعش» المباغتة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «البيئة الحاضنة»، التي تتمثل في «هشاشة الدولة، وضعف المنظومة اﻷمنية في البلاد تساعد على عودته مرة ثانية».
ومضى العباني يقول: إن «تدمير المواطن خلال الأحداث المتلاحقة التي شهدتها البلاد الفترة الماضية، فضلاً عن الفقر والجهل والبطالة وغياب مشروع الدولة يجعل من بعض المناطق داخل البلاد أرضاً خصبة للتنظيم».
وفي حين رأى العباني أنه لا يمكن إغفال تأثيرات «القبلية العائلية، وضعف العقيدة الدينية لدى البعض، والتناحر بين الأطراف السياسية في خلق فرصة ملائمة لـ(داعش) في البلاد»، ذهب عضو المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن الشاطر إلى أن تنظيم داعش «يحظى بدعم دولي واستخباراتي بمليارات الدولارات، ويستهدف الشباب المتهور العاطل عن العمل».
وتضامن الشاطر مع العباني حول طرح «هشاشة الدولة»، كسبب لعودة التنظيم، ورأى أن «الوضع الأمني الضعيف في ليبيا فرصة ثمينة لكافة أنواع المتطرفين»، ومضى يقول: «هم يريدون إفشال ثورة فبراير، وكلما تم إخراجهم من منطقة يعودون لتجميع أنفسهم والبدء في أعمالهم التخريبية من جديد».
وانتهى الشاطر قائلاً: «ما لم يتم توحيد السلطات التنفيذية والتشريعية والمالية والرقابية فسوف تبقى ليبيا مسرحاً واسعاً للإرهاب... وفي حال عدم تواجد حكومة واحدة فإن الشغب هو سيد الموقف والمسيطر على المشهد».

مقتل قيادي ميداني
لم تكن مواجهات طريق زلة - مرادة، هي الأولى من نوعها، التي تشير إلى تغوّل التنظيم قرب حقل نفطي، خلال الأشهر الماضية، أو تجوّل عناصره على أطراف العاصمة طرابلس، فقد سبق وأجرى عمليات عدة، إلا أن ما يميز هذه العملية سقوط أحد قادته الميدانيين، وسعيهم لتفجير محطة القطار التابعة لشركة الواحة النفطية – ثاني أكبر منتج للنفط الليبي - .
وهنا أوضح المكتب الإعلامي لـ«سرية مرادة المقاتلة»، تفاصيل العملية، وقال: إن «دورية استطلاع تابعة لكل من سرية (مرادة المقاتلة) و(سرية شهداء الظهرة) اشتبكت صباح الثالث من الشهر الحالي، مع مجموعة مسلحة تنتمي لـ(داعش) الإرهابي بعد محاولتها تفجير محطة القطار».
وأضافت «سرية مرادة» عبر حسابها على «فيسبوك» أنه «تم تجهيز قوة عسكرية كبيرة وعند اقترابها من حقل الظهرة، وقعت اشتباك مع عناصر من (داعش) أدت إلى سقوط 3 أفراد من القوات المسلحة وجرح آخرين، بالإضافة إلى مقتل ثلاثة من التنظيم، بينهم قيادة ميدانية، ومطاردة باقي المجموعة في الطرق الصحراوية».
واختلفت وسائل إعلام محلية حول هوية أحد القتلى، ففي حين ذهب البعض إلى أن «أبو بكر الشيشاني» الذي يعتقد بأنه أحد أبرز قيادي التنظيم في ليبيا، قال مصدر عسكري لموقع «الوسط» الإلكتروني: إن «الجثة الوحيدة التي تم التعرف عليها تعود إلى أحمد بن ناصر، وهو قائد ميداني كبير في التنظيم».
وأضاف المصدر العسكري: إن القتيل «بن ناصر» كان منخرطاً في صفوف تنظيم أنصار الشريعة قبل أن ينضم إلى «داعش»، غير أن العباني، أرجع فلسفة هذا الانخراط إلى أن «التنظيمات الإرهابية الخبيثة مثل اﻷوبئة تظهر وتنمو متى توفرت لها الظروف المناسبة»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ولعل غرب ليبيا الذي لم يتم تطهيره بعد من الإرهاب، مليء بالخلايا النائمة الداعمة لـ(داعش) والمستعدة لاحتضانه والتفاعل معه».
لكن التنظيم، الذي سعى في الماضي إلى «تأسيس دولة» مزعومة في سرت، واعتبرها معقلاً له، بات يمارس عمليات قطع الطرق، والسطو المسلح، أو سرقة سيارات المواطنين كما حدث مطلع الشهر الحالي في براك الشاطئ أقصى الجنوب الليبي.
وترجع الواقعة، عندما تمكنت الوحدات الأمنية والعسكرية في منطقة براك الشاطئ، من القضاء على مسلحين اثنين من تنظيم داعش، في مطاردة قُتل فيها أحد جنود اللواء 12 مجحفل، محمد إبراهيم المقرحي.
ونقلت وكالة «الأنباء الليبية»، أن العنصرين الإرهابيين تسللا إلى منطقة براك الشاطئ بسيارة بهدف التزود ببعض الاحتياجات الأساسية من أحد المحال التجارية، وبعد الاشتباه بهم تمت مطاردتهم والاشتباك معهم في حي العافية، وتمكنا من الفرار بعد سرقة سيارة لأحد المواطنين فتم تعقبهما وقتلهما واسترداد السيارة المسروقة. غير أنه في مع نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي وقعت ثلاث عمليات للتنظيم، دفعت مسؤولاً أمنياً رفيعاً بالجيش الوطني الليبي إلى تحذير المواطنين ومنتسبي القوات المسلحة، والشرطة المارين بين مدينتي سرت والجفرة إلى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر؛ بسبب رصد تحركات لمسلحي تنظيم داعش بالمنطقة.
جاء ذلك عقب تلقي لجنة تفعيل الأجهزة الأمنية بسرت بلاغات من مواطنين مروا بـ«كمين» للتنظيم (داعش)، بوادي قريب من طريق أبو قرين - الجفرة جنوب غربي سرت.
وطالبت اللجنة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بـ«ضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة لضرب مواقع العناصر الإرهابية في الأودية الجنوبية للمدينة».
وأوضح المصدر في البيضاء، أن عدداً من مسلحي «داعش» أقاموا، حاجزاً بسيارات دفع رباعي على الطريق بين مدينتي سرت والجفرة.
وسبق لشركة البريقة لتسويق للنفط، القول إن السبب الرئيسي وراء تجدد أزمة الوقود في الجنوب وعدم توفر المنتجات النفطية بمناطق الجفرة، يرجع إلى الوضع الأمني الحالي، الذي أجبر جمعيات وشركات النقل على التوقف عن تزويد المحطات بتلك المناطق: «بسبب ما يتعرض له السائقون من سطو وتهديد على الطرقات وسلب الشاحنات المحملة من العناصر المتطرفة»، لكن نوري الغويزي، مسؤول بالمجلس البلدي سبها، (جنوب البلاد) نفى ذلك، وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «الجنوب آمن تماماً، ولا وجود لتنظيم (داعش) لدينا»!، لكن أعضاء في مجلس النواب عن مدن بالجنوب تحدثوا عن «انتشار واسع للتنظيم هناك، وقيامه بعمليات لترويع وسرقة المواطنين.
غير أن مدير مكتب إعلام الشرطة والسجون العسكرية في بنغازي، المعتصم أحواز، قال: إن «تواجد تنظيم (داعش) في بعض مدن غرب وجنوب ليبيا، وانتشارهم بشكل متفرق ومباغت في الصحراء الكبرى أمر عادي جداً»، وأرجع ذلك في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «كثيراً من تلك المناطق لم تخضع بعد للقوات المسلحة العربية الليبية».
وتابع: «المقاتلات الأميركية حررت سرت جواً، دون هبوط على الأرض للتمشيط... المدينة لم تتحرر بشكل نهائي»؛ الأمر الذي رفضه العميد الغصري، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «قوات عملية (البنيان المرصوص) هي من حررت سرت من تنظيم داعش الإرهابي، ودفعنا دماءً غالية من أبنائنا في سبيل تحقيق ذلك وصلت 720 شهيداً و3000 جريح، كما كبدنا التنظيم خسائر فادحة في الأرواح تجاوزت 2500 عنصر؛ حتى تمكنا من دحره في سرت بعد ثمانية أشهر من قتالهم».
وانتهى الغصري قائلاً: ليبيا «تحارب الإرهاب نيابة عن العالم، منذ نحو ستة أعوام»، و«لن نتراجع عن الدفاع عن بلادنا في مواجهة الإرهابيين».
وسيطر «داعش» على مدينة سرت منذ يونيو (حزيران) 2015؛ لتصبح معقله الرئيسي في شمال أفريقيا، كما سعى إلى التوسع في ليبيا عندما تقدّم في البداية نحو الموانئ النفطية وحاول التمدد بعدها إلى باقي المدن الغربية، لكن تم طرده منها 17 ديسمبر (كانون الأول) 2016.
وأفاد تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي في الثامن من فبراير الماضي، بأن الحرب ضد تنظيم داعش دخلت مرحلة جديدة؛ إذ ما زال التنظيم والموالون له يمثلون تهديداً كبيراً ومتنامياً بأنحاء العالم، مؤكداً على أن التنظيم عازم على إعادة بناء قدراته في ليبيا، كما يواصل شن الهجمات المتفرقة هناك.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».