«شاعر الطوارق» محمدين خواد يتسلم جائزة الأركانة للشعر في الرباط

في حفل مضمخ بعطر الشعر وإيقاع الموسيقى الأفريقية، تسلّم محمدين خواد، ابن دولة النيجر، المعروف بـ«شاعر الطوارق»، مساء الأربعاء، جائزة الأركانة العالمية للشعر، في دورتها الثانية عشرة التي يمنحها «بيت الشعر» في المغرب، بشراكة مع مؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، وتعاون مع وزارة الثقافة والاتصال، وتبلغ قيمتها المالية 12 ألف دولار.
بدت معالم البهجة والسعادة على ملامحه، وفي نبرات صوته، وهو يتحدث عن تفاعله مع هذه اللحظة، التي تتوج مساره الشعري، حيث شكر الجميع، ووجه التحية للمغرب على احتضانه لهذه التظاهرة الثقافية والإبداعية التي تجسد احتفاءه بالشعر في بعده الإنساني والكوني.
ولم يفته أن يلقي قصائد من رصيده الغني بالعطاء، بطريقته الخاصة في الإلقاء، بنبرات صوته المميزة، وحركات يديه، وقد تبلورت في مضامين شعره رؤيته للكثير من القضايا الإنسانية. ازدحمت جنبات قاعة المكتبة الوطنية بالرباط التي احتضنت الحفل، بوجوه وقامات ثقافية وإعلامية، حرصت على أن تكون في الموعد، لحضور هذه اللحظة المفعمة بطعم التكريم ونكهة الاحتفاء بتجربة شعرية قوامها الترحال والتيه والانتساب إلى فضاءات الصحراء، في شساعتها، وامتداداتها وتفرعاتها في البناء الشعري، وفق تقرير لجنة التحكيم.
وشهد البهو الخارجي للمكتبة الوطنية قبل بدء الحفل رقصات وإيقاعات أفريقية لمجموعة من الشباب الأفارقة المهاجرين الذين عبروا عن اندماجهم في المجتمع المغربي، ضمن المقاربة التي يسلكها المغرب في هذا المجال. وقال الشاعر مراد القادري، رئيس بيت الشعر في المغرب، إنّ منح جائزة الأركانة لسنة 2017 لشاعر الطوارق خواد، يكرس وفاءها للوعد الذي حرصت دوماً على استنباته ورعايتها تحت ظلالها، وهو «الوعد بالشعر المدهش، المنصت للجرح الخاص في معانقته للكوني والإنساني في آن». وأضاف أنّه «على الرغم من كون الشاعر خواد كتب قصيدته بتمجاغت، وعمدها بحرف تيفيناغ، فإنّ هذه القصيدة استطاعت أن تضمن لها امتداداً عالمياً تشهد عليه الترجمات التي عرفتها أعماله الشعرية والدراسات النقدية التي أنجزت حولها».
ونوه القادري بوفاء الشاعر المحتفى به بقضايا مجتمعه وارتباطه بما يجمعه من أواصر بشعبه المشدود لتجربة الترحال والتجوال، وهو ما جعل تجربته الشعرية، كما جاء في حيثيات لجنة التحكيم، «لا تنفصل عن تجربة الترحل والتيه، على نحو جعل كتابته مشدودة إلى الأقاصي، وإلى شسوع فضاء الصحراء، الذي تحول في ممارسته النصية إلى شسوع معنى»، على حد تعبيره. وبدوره، توقف محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، عند دلالات وأبعاد منح جائزة الأركانة العالمية للشعر إلى شاعر في قامة خواد، معتبراً أنّ جائزة الأركانة العالمية للشعر، باختيارها لهذا الشاعر، تكون قد أضافت: «اسماً رصيناً ولافتاً إلى قائمة الأسماء المحترمة التي فازت بها خلال دوراتها السابقة، مما يثري ذخيرتها المكونة من حساسيات وممارسات شعرية منتصرة للقول الجذري، ويمنح الباحثين المعنيين بالإبداع الشعري خريطة اختيارات موفقة لمتون أساسية تتبلور من خلالها أبرز توجهات الشعر على الصعيد الدولي».
وبكلمات يسودها الإحساس بالفخر، عبرت دينة الناصري، المديرة العامة لمؤسسة الرعاية لصندوق الإيداع والتدبير، الراعي الرسمي لجائزة الأركانة، عن اعتزازها باختيار لجنة التحكيم، لشاعر الطوارق الكبير خواد «المتجذرة قصيدته في تربة أفريقيا، التي ينتمي المغرب إلى فضائها، والتي ما فتئ يعزّز ويقوي روابطه وينخرط في أفقه الشاسع يوماً تلو الآخر».
وتحدث الشاعر والإعلامي عيسى مخلوف، رئيس لجنة التحكيم، في كلمة غلب عليها الحس الشعري، عن تجربة «شاعر الطوارق»، من خلال إضاءة لامس فيها بعمق، منطلقات وعوالم قصائد هذا الشاعر «الممسك بالجذور»، و«المشاء الذي لا يتوقف عن المشي».
تجدر الإشارة إلى أنّ الجائزة فاز بها الشاعر الصيني بي ضاو (2003)، والمغربي محمد السرغيني (2005)، والفلسطيني محمود درويش (2008)، والعراقي سعدي يوسف (2009)، والمغربي الطاهر بن جلون (2010)، والأميركية مارلين هاكر (2011)، والإسباني أنطونيو غامونيدا (2012)، والفرنسي إيف بونفوا (2013)، والبرتغالي نونو جوديس (2014)، والألماني فولكر براون (2015)، والمغربي محمد بنطلحة (2016).
يذكر أنّ الشاعر المتوج بجائزة الأركانة العالمية للشعر لسنة 2017 من مواليد سنة 1950 في منطقة إير (النيجر)، ويعيش حالياً في فرنسا، وحظيت قصائده باهتمام نقدي وإعلامي واسع، وترجمت إلى سائر اللغات، وضمنها قصيدة «وصية البدوي» التي نقلها الشاعر العربي أدونيس إلى العربية.
وتكونت لجنة تحكيم الجائزة التي ترأسها الشاعر اللبناني المقيم في باريس، عيسى مخلوف، من الأعضاء: الناقدة سناء غواتي، والناقدين عبد الرحمن طنكول، وخالد بلقاسم، والشعراء نجيب خداري، ومراد القادري، وعبد السلام المساوي، ومنير سرحاني، وحسن نجمي، أمين عام جائزة الأركانة العالمية للشعر.