«القاعدة» تستغل خسائر «داعش» لتجميع صفوفها في تونس

أحد افراد قوات الامن التونسية خلال مداهمة لأحد أوكار داعش (أ.ف.ب)
أحد افراد قوات الامن التونسية خلال مداهمة لأحد أوكار داعش (أ.ف.ب)
TT

«القاعدة» تستغل خسائر «داعش» لتجميع صفوفها في تونس

أحد افراد قوات الامن التونسية خلال مداهمة لأحد أوكار داعش (أ.ف.ب)
أحد افراد قوات الامن التونسية خلال مداهمة لأحد أوكار داعش (أ.ف.ب)

كشفت مصادر أمنية أن مقتل متشدد جزائري بارز على يد القوات الخاصة بعد قليل من تسلُّلِه إلى تونس أثار مخاوف من سعي تنظيم القاعدة إلى إعادة تجميع صفوفه في تونس، مستغلاً الانتكاسات الكبيرة التي مني بها منافسه تنظيم داعش.
وفي الشهر الماضي، قتلت القوات الخاصة التونسية بلال القبي المساعد الكبير لعبد الملك درودكال، المعروف باسم أبو مصعب عبد الودود، زعيم «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي»، وذلك في منطقة جبلية على الحدود مع الجزائر.
وقال مصدر أمني تونسي كبير لوكالة «رويترز» إنه يبدو أن القبي كان في مهمة لإعادة توحيد مجموعات مقاتلي «القاعدة» المتشرذمين في تونس، وهو ما دفع الجيش إلى التأهب لمزيد من عمليات التسلل المحتملة.
وكانت «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» القوة المتشددة المهيمنة في شمال أفريقيا، إذ شن هجمات مميتة بارزة عدة حتى عام 2013 عندما تمزق مع تحول كثير من عناصره إلى «داعش» الأكثر تشدداً عندما سيطر على أراض في العراق وسوريا وليبيا.
وأصبح «داعش» وجهة رئيسية للشباب الساخطين والعاطلين عادة عن العمل لا سيما من تونس، حيث يتفشى الفقر منذ الانتفاضة التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي في 2011، وأفضت إلى فترة طويلة من الاضطرابات.
غير أن جاذبية التنظيم خَبَت، بعد أن فقد كل معاقله في ليبيا والعراق وسوريا، حيث بدأ المقاتلون يعودون إلى ديارهم أو يبحثون عن قضايا جديدة يقاتلون من أجلها.
وقال مصدران أمنيان تونسيان لـ«رويترز» إن ذلك دفع «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» إلى السعي لجذب عناصر جديدة من بين المقاتلين السابقين في «داعش». وقال أحدهما: «يريد تنظيم القاعدة الاستفادة من تراجع (داعش) في الآونة الأخيرة من أجل تنظيم صفوفه والعودة للظهور مجدداً، مع سعيه لإعادة هيكلة نفسه، خصوصاً في الجزائر وليبيا وتونس من خلال تعيين زعماء جدد في الميدان».
ولم يكن القبي المتشدد البارز الوحيد الذي يتم إرساله لإعادة تجميع تنظيم القاعدة في تونس. وتقول مصادر أمنية تونسية إن حمزة النمر، الجزائري الذي انضم إلى «القاعدة» في 2003، أرسل لقيادة خلية في تونس، لكنه قتل مع القبي في العملية نفسها.
وتمكنت قوات الأمن التونسية التي دعمتها دول غربية من الحيلولة دون وقوع أي هجوم كبير منذ قتل متشدد من «داعش» 39 أجنبياً رمياً بالرصاص على شاطئ البحر المتوسط في يونيو (حزيران) 2015. لكن السلطات ما زالت في حالة تأهب.
ويقول مسؤولون إن مئات التونسيين انضموا إلى جماعات متشددة في الخارج، لكن من غير الواضح عدد مَن عادوا نظراً إلى مقتل عدد كبير منهم في سوريا ومناطق أخرى.
وظلت «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» نشطةً في منطقة الساحل الأفريقي الصحراوية إلى حد بعيد، بما في ذلك في مالي حيث تركزت أنشطتها بعد ظهور «داعش» فعلياً إلى الشمال في ليبيا وتونس. وانقسم الفرع التونسي لـ«القاعدة» الذي يعمل تحت اسم «عقبة ابن نافع» إلى أربع جماعات تتمركز في منطقة القصرين والكاف الجبلية النائية في شمال غربي البلاد قرب الجزائر.
وتقول مصادر أمنية تونسية إن هيكلهم القيادي يهيمن عليه الجزائريون بينما يهيمن تونسيون على قيادة جماعة منافسة على صلة فضفاضة بـ«داعش»، وتتمركز في المنطقة ذاتها.
وأضافوا أن القبي، وآخرين من قبله، أرسلوا من أجل إعادة توحيد جماعات «القاعدة» المنقسمة.
وقال مصدر تونسي إن «جماعة عقبة (ابن نافع) لديها عشرات المقاتلين، كل مجموعة تتألف مما يصل إلى 20 إرهابياً». وذكر أن الجماعة استهدفت قوات الشرطة والجيش على النقيض من تنظيم داعش الذي يركز على قتل المدنيين مثلما حدث في الهجوم على شاطئ سوسة.
وتراقب تونس الحدود في تعاون وثيق مع الجزائر التي تفخر أيضاً بنجاحها في الحيلولة دون وقوع أي هجوم كبير منذ أن أعلن القيادي المخضرم في «القاعدة» مختار بلمختار المسؤولية عن هجوم على محطة للغاز الطبيعي في الصحراء في 2013.
وهناك مؤشرات على أن مقاتلي الفرع المغاربي لـ«القاعدة» يحاولون العبور إلى تونس مع قيام الجيش الجزائري بحملة على التنظيم خلال الأسبوعين الماضيين، حيث قتل ثمانية متشددين إلى الشرق من الجزائر العاصمة، كما قتل المسؤول الإعلامي في الجماعة بعد بضعة أيام من ذلك.
وقال مصدر أمني جزائري إن «(القاعدة) في تراجع (في الجزائر)، لا يمكنه إعادة هيكلة صفوفه أو الانتشار مجدداً هنا». لكن مصدراً أمنياً تونسياً... قال إن قائداً إقليمياً للتنظيم لا يزال في شرق الجزائر عازماً على إعادة ترتيب شؤون التنظيم في أنحاء شمال أفريقيا، وليس في تونس فحسب.
وأعلنت السلطات الجزائرية، أمس، أن إرهابياً سلم نفسه صباح أمس للسلطات العسكرية بولاية تمنراست أقصى جنوب الجزائر «بفضل الجهود النوعية لوحدات الجيش»، بحسب وزارة الدفاع الوطني التي قالت إن «الإرهابي مالك المكنى أبو مالبو، الذي التحق بالجماعات الإرهابية عام 2014» سلم نفيه في العملية «الثالثة من نوعها منذ بداية الشهر الحالي في المنطقة نفسها».
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الوزارة «اعتقال 5 عناصر دعم للجماعات الإرهابية، وتدمير قنبلتين تقليديتي الصنع بولاية البويرة شرقي العاصمة الجزائر». كما «ضبطت مفرزة للجيش 3 رشاشات من نوع كلاشنيكوف، و5 خزانات مملوءة بمنطقة عين قزام على الحدود الجنوبية. كما اعتقل عناصر جهاز الدرك الوطني الذي يتبع وزارة الدفاع، شخصاً بحوزته 6 أسلحة نارية، وكمية من الذخيرة ومنظار بولاية باتنة شرق البلاد».


مقالات ذات صلة

قائد «قسد» يناقش الوضع السوري والعمليات ضد «داعش» مع قائد القيادة المركزية الأميركية

المشرق العربي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي (رويترز)

قائد «قسد» يناقش الوضع السوري والعمليات ضد «داعش» مع قائد القيادة المركزية الأميركية

قال القائد العام لـ«قسد» مظلوم عبدي، الجمعة، إنه عقد اجتماعاً مهماً مع قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا لتقييم الوضع في سوريا والعمليات ضد «داعش».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عبدي لتوحيد الصف الكردي قبل الحوار مع الإدارة السورية

عبدي لتوحيد الصف الكردي قبل الحوار مع الإدارة السورية

عقد مظلوم عبدي، قائد «قسد»، اجتماعاً مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني في أربيل، هو الأول من نوعه فرضته التطورات المتسارعة بسوريا.

كمال شيخو (دمشق)
أفريقيا حاكم ولاية بورنو حذر المزارعين من التعامل مع الإرهابيين (صحافة محلية)

«داعش» يحاصر 500 مزارع في نيجيريا

قالت نيجيريا إن الحرب التي يخوضها جيشها ضد مقاتلي «داعش» وجماعة «بوكو حرام»، أسفرت خلال هذا الأسبوع عن مقتل 76 مسلحاً.

الشيخ محمد (نواكشوط )
خاص معتقلون من تنظيم «داعش» في سجن الغويران بالحسكة شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

خاص «قسد» ترفض تسليم معتقلي «داعش» لدمشق بلا ضمانات أمنية

نفى قيادي من قوات «قسد» التي تسيطر على مساحات واسعة شمال شرقي سوريا، وجود اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة على تسليمها معتقلي تنظيم «داعش».

كمال شيخو (دمشق) حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي امرأة تحمل طفلها تمر من أحد الأنفاق في دمشق ويظهر خلفها بعض الباحثين عن مأوى (أ.ب)

الشيباني يؤكد العمل على دستور شامل لسوريا ويطالب بالضغط على إسرائيل

أكد وزير الخارجية في الإدارة السورية أسعد الشيباني أنه سيتم خلال المرحلة الانتقالية وضع دستور على أساس الحوار الوطني يضمن حقوق جميع السوريين على قدم المساواة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
TT

الحوثيون ينقلون أسلحة إلى صعدة لتحصينها من الاستهداف الأميركي

طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)
طائرة من طراز «إف 16» تحلق في منطقة عمليات القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

كثفت الولايات المتحدة ضرباتها الجوية في الأسابيع الأخيرة على مواقع الجماعة الحوثية بمحافظة عمران، لا سيما مديرية حرف سفيان، في مسعى لتدمير أسلحة الجماعة المخزنة في مواقع محصنة تحت الأرض، ما جعل الجماعة تنقل كميات منها إلى معقلها الرئيسي في صعدة (شمال).

وكشفت مصادر يمنية مطلعة أن الجماعة الحوثية نقلت خلال الأيام الأخيرة مركز الصواريخ والطائرات المسيرة من مناطق عدة بمحافظة عمران إلى محافظة صعدة، وذلك تخوفاً من استهداف ما تبقى منها، خصوصاً بعد تعرض عدد من المستودعات للتدمير نتيجة الضربات الغربية في الأسابيع الماضية.

وكانت المقاتلات الأميركية شنت في الآونة الأخيرة، غارات مُكثفة على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، كان آخرها، الجمعة، حيث تركزت أغلب الضربات على مديرية «حرف سفيان» الواقعة شمال محافظة عمران على حدود صعدة.

وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، نقلت الجماعة الحوثية، تحت إشراف عناصر من «سلاح المهندسين والصيانة العسكرية»، مجموعة صواريخ متنوعة ومسيّرات ومنصات إطلاق متحركة وأسلحة أخرى متنوعة إلى مخازن محصنة في مناطق متفرقة من صعدة.

دخان يتصاعد في صنعاء عقب ضربات أميركية استهدفت موقعاً حوثياً (رويترز)

وتمت عملية نقل الأسلحة - وفق المصادر - بطريقة سرية ومموهة وعلى دفعات، كما استقدمت الجماعة الحوثية شاحنات نقل مختلفة من صنعاء بغية إتمام العملية.

وتزامن نقل الأسلحة مع حملات اختطاف واسعة نفذتها جماعة الحوثيين في أوساط السكان، وتركزت في الأيام الأخيرة بمدينة عمران عاصمة مركز المحافظة، ومديرية حرف سفيان التابعة لها بذريعة «التخابر لصالح دول غربية».

واختطف الانقلابيون خلال الأيام الأخيرة، نحو 42 شخصاً من أهالي قرية «الهجر» في حرف سفيان؛ بعضهم من المشرفين والمقاتلين الموالين لهم، بعد اتهامهم بالتخابر مع أميركا وإسرائيل، وفقاً للمصادر.

وجاءت حملة الاختطافات الحوثية عقب تنفيذ الجيش الأميركي في الأسبوعين الماضيين، عشرات الغارات التي استهدفت منشآت عسكرية وأماكن تجمعات للجماعة في حرف سفيان، أسفر عنها تدمير منشآت استُخدمت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية أميركية بجنوب البحر الأحمر وخليج عدن.

أهمية استراتيجية

نظراً للأهمية الاستراتيجية لمنطقة «حرف سفيان» في عمران، فقد تركزت الغارات على استهداف منشآت ومواقع متفرقة في المديرية ذاتها.

وتُعدّ مديرية «حرف سفيان» كبرى مديريات محافظة عمران من أهم معاقل الجماعة الحوثية بعد محافظة صعدة، وذلك نظراً لمساحتها الكبيرة البالغة نحو 2700 كيلومتر مربع، مضافاً إلى ذلك حدودها المتصلة بـ4 محافظات؛ هي حجة، والجوف، وصعدة، وصنعاء.

أنصار الحوثيين يحملون صاروخاً وهمياً ويهتفون بشعارات خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل (أ.ب)

وكان قد سبق لجماعة الحوثيين تخزين كميات كبيرة من الأسلحة المنهوبة من مستودعات الجيش اليمني في مقرات عسكرية بمحافظة عمران؛ منها معسكر «اللواء التاسع» بضواحي مدينة عمران، و«لواء العمالقة» في منطقة الجبل الأسود بمديرية حرف سفيان، وموقع «الزعلاء» العسكري الاستراتيجي الذي يشرف على الطريق العام الرابط بين صنعاء وصعدة، إضافة إلى مقار ومواقع عسكرية أخرى.

وإلى جانب ما تُشكله هذه المديرية من خط إمداد رئيسي للانقلابيين الحوثيين بالمقاتلين من مختلف الأعمار، أكدت المصادر في عمران لـ«الشرق الاوسط»، أن المديرية لا تزال تُعدّ مركزاً مهماً للتعبئة والتجنيد القسري لليمنيين من خارج المحافظة، لكونها تحتوي على العشرات من معسكرات التدريب التي أسستها الجماعة في أوقات سابقة، وترسل إليها المجندين تباعاً من مناطق عدة لإخضاعهم للتعبئة الفكرية وتلقي تدريبات قتالية.

صورة عامة لحاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» (رويترز)

وتقول المصادر إن الضربات الأميركية الأخيرة على محافظة عمران كانت أكثر إيلاماً للحوثيين من غيرها، كونها استهدفت مباشرةً مواقع عسكرية للجماعة؛ منها معمل للطيران المسير، وكهوف تحوي مخازن أسلحة وأماكن خاصة بالتجمعات، بعكس الغارات الإسرائيلية التي تركزت على استهداف البنى التحتية المدنية، خصوصاً في صنعاء والحديدة.

وترجح المصادر أن الأميركيين كثفوا ضرباتهم في مديرية حرف سفيان بعد أن تلقوا معلومات استخبارية حول قيام الحوثيين بحفر ملاجئ وأنفاق ومقرات سرية لهم تحت الأرض، حيث يستخدمونها لعقد الاجتماعات وإقامة بعض الدورات التعبوية، كما أنها تحميهم من التعرض لأي استهداف مباشر.