بالكاد يتمكن أبو محمد المتطوع في صفوف الخوذ البيضاء من التقاط أنفاسه جراء الغارات الكثيفة التي تستهدف الغوطة الشرقية منذ أيام، إذ يصل وزملاؤه ليلهم بنهارهم بحثاً عن ناجين تحت الأنقاض آملاً بطمأنة قلب أم مفجوعة وأب أنهكه الانتظار.
ويقول أبو محمد عمر (23 عاماً) لوكالة «الصحافة الفرنسية» قبل أن يخرج من مركزه في مدينة دوما أمس (الأربعاء) استجابة لنداء عاجل «لا نقوى على مجاراة الغارات. نحاول قدر الإمكان. نقوم بما يمكننا القيام به لكننا لا نتمكن من تغطية كل شيء».
وصعدت قوات النظام التي تحاصر الغوطة الشرقية بشكل محكم منذ عام 2013. غاراتها على المنطقة منذ الاثنين، ما أوقع نحو 150 قتيلاً مدنياً وعشرات الجرحى، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.
ويواجه عمال الإنقاذ والمسعفون والأطباء صعوبة في إتمام مهماتهم جراء ارتفاع أعداد الضحايا والنقص في الإمكانات والمعدات.
ويوضح عمر: «هناك تصعيد كبير على المدينة والأنقاض في أكثر من مكان والآليات الموجودة بحوزتنا قليلة»، مضيفا: «علينا أن ننهي العمل في هذا المكان حتى ننتقل إلى مكان الغارة الثانية ثم الثالثة».
ويتابع بصوت متقطع «لو كانت لدينا معدات وآليات لكنّا أنقذنا روحاً. الدقيقة تحتسب. الوقت يهمنا كثيراً» في حالات مماثلة.
واضطر عمر إلى العمل لعشر ساعات متواصلة بعد غارة استهدفت دوما وأدت إلى دمار مبنى من خمس طبقات، بحثاً عن أحد المفقودين.
ويقول: «بقينا حتى الواحدة بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء نحاول البحث عنه لكن من دون جدوى» رغم دوي القصف.
ويتابع: «لن نترك هذا الشخص تحت الأنقاض وسنعود للبحث عنه (...) حتى لو كان ميتاً لن ندعه تحت الركام وسنعيده إلى أهله».
أمام مبنى مدمر في مكان ليس ببعيد، وقف رجل يبكي مقتل ابنته الأولى بغارة، فيما عمال الإغاثة يبحثون عن طفلته الثانية من دون أن يجدوها.
ويقول بحرقة وهو على وشك الانهيار «لم أجد ابنتي... ماذا أفعل؟»
في الأحياء التي يستهدفها القصف كما في المستشفيات، يبدو الأهالي في حالة من الغضب والحزن الشديد، فيما توضع الجثث داخل أكياس بيضاء يدون عليها اسم القتيل وتاريخ مقتله.
وتجعل الغارات المتتالية المدنيين في حالة من الضياع والذهول، وكذلك الحال بالنسبة للمسعفين والعاملين اللوجيستيين وبينهم سائق سيارة الإسعاف أبو سامر في مدينة حمورية.
ويسأل الرجل الأربعيني «هل تصدق أنني أصعد أحياناً إلى سيارة الإسعاف وأجدها فارغة من المازوت؟»
ويوضح: «الصعوبات بالنسبة إلينا هي المحروقات. لو كانت متوفرة لكنت قادراً على التوجه إلى مكان يستهدفه القصف»، مشيراً في الوقت ذاته إلى الركام الذي يقطع الطرق ويقطع أوصال المدينة.
ويناضل الأطباء بدورهم في الغوطة الشرقية حيث تسبب الحصار على المنطقة بنقص كبير في الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية.
ويقول الطبيب أسامة في أحد مستشفيات دوما لوكالة الصحافة الفرنسية: «يصلنا كل يوم عدد كبير من المصابين، ويوم الثلاثاء، وصلنا إلى قسم الإسعاف نحو 120 مصاباً في غضون ساعة بعد استهداف مبنى سكني من ستة طوابق».
ويسأل: «إلى متى سنبقى صامدين وقادرين على تحمل هذا الوضع؟ الله أعلم، الوضع كارثي جداً»
وعاشت مدن الغوطة الشرقية يوماً طويلاً أمس (الأربعاء) مع تجدد الغارات والقصف المدفعي من قوات النظام، موقعة نحو 38 قتيلاً مدنياً وعشرات الجرحى الذين نقل عدد منهم إلى مستشفى في مدينة حمورية.
ويقول المشرف الطبي في قسم الإسعاف ربيع الأحمد (25 عاماً) «منذ ثلاثة أيام، التصعيد عنيف والقصف غير طبيعي»، موضحاً أن بين خمسين وستين مصاباً بجروح ينقلون يومياً إلى المستشفى فيما تجاوز العدد السبعين الأربعاء.
وعلى رغم أنه يجد نفسه يومياً أمام مواقف إنسانية صعبة، لكن ما واجهه الأربعاء أمام طفل مرعوب يبلغ من العمر ست سنوات نقل إلى المستشفى بعد سحبه من تحت الأنقاض، جعله عاجزاً عن العمل.
ويروي: «تعرضت لموقف يعتصر القلب. بكيت ولم أتمكن من ضبط أعصابي. لم يكن الأمر بيدي».
ويوضح أن قدم الطفل كانت مبتورة إلى حد كبير، مضيفاً: «كنت أعمل على تثبيتها كإسعاف أولي، وإذ به يقبل يدي وهو يبكي ويقول: (منشان الله عمو لا تقطعلي رجلي) تركته وبدأت أبكي ومشيت. لم أعرف ماذا أفعل. كان أمراً محزناً للغاية. الله يفرج علينا».
ولم يتمكن الطاقم من إنقاذ قدم الطفل واضطر الأطباء إلى بترها بالكامل.
في غوطة دمشق الشرقية ناجون روعتهم الغارات... ومسعفون مذهولون
في غوطة دمشق الشرقية ناجون روعتهم الغارات... ومسعفون مذهولون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة