الدول الغنية أبرز الملاذات الضريبية عالمياً... وأكثرها «ازدواجية»

بينها سويسرا وأميركا وألمانيا وسنغافورة وهونغ كونغ وتايوان

TT
20

الدول الغنية أبرز الملاذات الضريبية عالمياً... وأكثرها «ازدواجية»

أصدرت منظمة «تاكس جاستيس نتوورك» الدولية، غير الربحية، والمتخصصة في إصدار تقارير كل سنتين عن التهرب الضريبي، قائمة جديدة للدول التي تعتبرها جنات أو ملاذات ضريبية حول العالم. وتظهر في تلك القائمة دول غنية إلى جانب أخرى أقل أهمية بكثير، مثل جزر صغيرة معزولة في المحيطات.
والمفاجأة في التقرير أن الجنات الضريبية الكبيرة ليست كما يعتقد كثيرون، إذ أتت في المرتبتين الأولى والثانية سويسرا والولايات المتحدة الأميركية، وفي الثالثة جزر الكايمان.
وتصنف المؤسسة الدول وفقاً لمفهوم «الضبابية المالية»، الذي أعدت له منهجية بحث خاصة، واعتمدت أيضاً على بيانات وإحصاءات صادرة عن صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم 34 بلداً صناعياً ومتقدماً.
ووجهت المؤسسة البحثية أسئلة إلى الإدارات الضريبية في الدول محل الدراسة، واستخدمت مؤشرين رئيسيين و20 مؤشراً فرعياً، أبرزها متعلق بالسرية المصرفية، وتبادل المعلومات الضريبية، وقوائم المستفيدين الحقيقيين من مؤسسات وشركات وصناديق، وإجراءات مكافحة التهرب الضريبي. ودرست تلك المعطيات بدقة في مدى سنتين للخروج بنتائج غير تلك التي تظهر في القوائم التقليدية للجنات الضريبية.
وفي تقرير هذه السنة، ظهرت عدة دول أوروبية من بين أبرز 10 «جنات»، مثل لوكسمبورغ في المرتبة السادسة، وألمانيا في السابعة، أما فرنسا فأتت في المرتبة الخامسة والعشرين، وقبلها بريطانيا في الثالثة والعشرين، علماً بأن مقاطعات أو مستعمرات تابعة مباشرة أو غير مباشرة للمملكة المتحدة، مستقلة أو شبه مستقلة، مثل الجزر البريطانية العذراء وجيرسي احتلت مراتب متقدمة في القائمة السوداء.
إلا أن اللافت أكثر هو تقدم الولايات المتحدة إلى المرتبة الثانية بعد سويسرا، وهو الصعود الثاني لها بعدما كانت عام 2013 في المرتبة السادسة، وفي 2015 في الثالثة.
وتعتبر المنظمة أن الولايات المتحدة تجذب المستثمرين والمتمولين الأجانب وتوفر لهم «مناخات آمنة» سرية تسمح لهم بالتهرب الضريبي من بلدانهم.
واحتلال الولايات المتحدة لهذا الترتيب المتقدم جداً في هذه القائمة المثيرة للجدل، تفسره المنظمة بالارتفاع الكبير للحصة الأميركية في سوق الخدمات المالية الدولية (أوفشور). فهذه الحصة قفزت من نسبة 19.3 في المائة، إلى 22.3 في المائة في 3 سنوات.
وثمة مفارقة يشير إليها التقرير، مفادها أن الولايات المتحدة تبذل «جهوداً جبارة» في اتخاذ إجراءات صارمة لمكافحة التهرب الضريبي لمواطنيها خارج البلاد، مقابل تهاونها أو تساهلها مع تهرب الأجانب على أراضيها من ضرائب بلدانهم الأصلية، وذلك لجذب الاستثمارات. فقانون «فاتكا» الذي أقر في عام 2010 وبدأ تنفيذه في 2014 يجبر الأميركيين المقيمين في الخارج على الإفصاح عن أموالهم بغية فرض ضرائب عليها، اعتباراً من أرقام معينة. وتفرض السلطات الأميركية على المؤسسات المالية الأجنبية عقوبات صارمة إذا تخلفت عن التعاون الفوري في الإبلاغ والإفصاح عن أموال الأميركيين فيها.
في المقابل، تلاحظ المنظمة في تقريرها أن الأميركيين لا يتبادلون المعلومات الضريبية كما يجب مع البلدان الأخرى، الساعية أيضاً لمكافحة تهرب مواطنيها من الضرائب. وانتقدت «تاكس جاستيس نتوورك» هذه الممارسة الأميركية المزدوجة المعايير، وحذرت من التساهل مع عمليات غسل أموال ورساميل مشبوهة وجرائم مالية، قد تحدث على أراضي الولايات المتحدة.
وتشير على سبيل المثال إلى ولايات مثل ديلاوير ونيفادا، ترد في قوائم مناطق جاذبة للشركات الوهمية، وتسجل فيها كيانات سرية تخفي الأسماء الحقيقية لملاكها والمستفيدين الحقيقيين منها. وتقول مصادر متابعة إن قائمة «تاكس جاستيس نتوورك» تختلف عن قوائم مماثلة يضعها الاتحاد الأوروبي الذي قد «يتغاضى» عن ممارسات تحصل في عدد من الدول الأعضاء فيه، أو أن الاتحاد يراعي سمعة دول خارجه لاعتبارات اقتصادية وسياسية.
ويذكر أن «تاكس جاستيس نتوورك» تدرس وتقارن 112 قانوناً ضريبياً حول العالم، وتتجاوز التعريف التقليدي للملاذات الضريبية لتتخصص في كشف «الغموض المالي» الذي تمارسه دول غير معروف عنها أنها تجذب الأموال المشبوهة أو أنها وضعت نفسها، ووضعها آخرون، فوق الشبهات لاعتبارات جيوسياسية. وتعتمد المنظمة على مؤشرين رئيسيين يندرج منهما مؤشرات فرعية: الأول متعلق بشفافية القوانين والإجراءات، مثل وجود أو عدم وجود تبادل فوري أو آلي للمعلومات الضريبية مع دول أخرى، ووضع أو عدم وضع قوائم شفافة تظهر الأسماء الحقيقية للأشخاص المستفيدين من الكيانات المالية والاقتصادية. والثاني يعتمد على حجم القطاع المالي للدول، على افتراض أن الحجم الكبير أقدر على إخفاء و- أو - اختفاء ممارسات غير سوية فيه. ففي القوائم التقليدية للملاذات الضريبية تظهر عادة دول وجزر صغيرة مثل البهاماس وقبرص وبرمودا وبربادوس؛ لكن الأحجام المالية لهذه الملاذات صغيرة نسبياً مقارنة مع سويسرا التي فيها أو تمر عبرها 4.5 في المائة من التعاملات المالية الدولية، والولايات المتحدة الأميركية التي تستحوذ وحدها على 22.3 في المائة من تلك التعاملات والتحويلات والتدفقات العابرة للحدود.
وعن سويسرا، تقول المنظمة إنها بدأت تبذل جهوداً؛ لكن ذلك بطيء وطويل في إجراءاته. فقد وقعت سويسرا اتفاق تبادل معلومات فورية مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويبدأ التطبيق هذه السنة، ما يعني على سبيل المثال أن سويسرا معنية بإبلاغ بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا عن حسابات مواطنيها المفتوحة في سويسرا، سواء طلبت تلك الدول ذلك أم لم تطلب. لكن سويسرا اختارت أسلوباً آخر مع الدول النامية، أي أنها لا تزودها بالمعلومات فورياً، علماً بأن تلك الدول بأمس الحاجة للأموال المتهربة من الضرائب، لزوم التنمية فيها، وهي عموماً دول فقيرة. وبذلك تعتمد سويسرا التعاون المنظم مع الدول الغنية، وعدم التعاون أو التعاون غير الفعال مع الدول الأقل غنى.
إلى ذلك، تشير المنظمة أيضاً إلى أن الولايات المتحدة ترفض الانضمام إلى اتفاقية التبادل الفوري للمعلومات مع دول منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية؛ لكنها اعتماداً على قانون «فاتكا» تجبر كل دول العالم على التعاون معها تحت طائلة التهديد بعقوبات تطال مؤسساتها المالية إذا لم تتعاون. وهذا الأسلوب برأي «تاكس جاستيس نتوورك» يشجع الرساميل الأجنبية على التدفق أكثر إلى أميركا، وينجح في زيادة حجم القطاع المالي الأميركي إلى مستويات لا تجاريها فيه أي دولة أخرى في العالم.
كما أن التقرير يشير بالبنان أيضاً إلى دول أخرى مثل ألمانيا التي يظهر موقفها متردداً في المفوضية الأوروبية، فهي لا تستعجل وضع قائمة المستفيدين الحقيقيين من المنتجات المالية المهيكلة، كما تتردد في التوقيع مع الدول الناشئة اتفاقيات تبادل للمعلومات.
أما بريطانيا فيمكن أن تكون بين الأسوأ في هذا المجال، إذا درست حالتها كوحدة كاملة تضم مقاطعات تابعة مثل الجزر العذراء وجيرسي، وغيرها من الملاذات الضريبية المشهورة بأنظمتها المالية والضريبية السرية جداً.
ويجدر التذكير أخيراً بأن المراتب الأولى في قائمة «تاكس جاستيس نتوورك» احتلتها سويسرا والولايات المتحدة وجزر الكايمان وهونغ كونغ وسنغافورة ولوكسمبورغ وألمانيا وتايوان.


مقالات ذات صلة

سوريا تشكر السعودية وقطر على سداد المستحقات المتأخرة للبنك الدولي

الخليج سوريا تشكر السعودية وقطر على سداد المستحقات المتأخرة للبنك الدولي

سوريا تشكر السعودية وقطر على سداد المستحقات المتأخرة للبنك الدولي

عبّرت سوريا عن شكرها وتقديرها العميق لكلٍّ من السعودية وقطر للإعلان عن سداد المتأخرات المالية المستحقة عليها لدى البنك الدولي، والتي بلغت 15 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي امرأة سورية تتحدث مع موظفة في محل صرافة بدمشق (أ.ف.ب)

آمال التعافي السوري معلقة على رفع العقوبات الأميركية

وزير المالية السوري: «الطاولة المستديرة بشأن ⁧‫سوريا‬⁩ على هامش اجتماعات ⁧‫صندوق النقد‬⁩ والبنك الدوليين حدث غير مسبوق، والفضل يعود للمملكة العربية ⁧‫السعودية».

سعاد جروس (دمشق )
خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن (واس)

السعودية وقطر تعلنان سداد 15 مليون دولار متأخرات سوريا لدى البنك الدولي

أعلنت كل من السعودية وقطر، سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، التي تبلغ نحو 15 مليون دولار، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها البلدان في دعم وتسريع…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد حاويات شحن في محطة حاويات بميناء لوس أنجليس في الولايات المتحدة (رويترز)

البنك الدولي يدعو الدول النامية للاتفاق «سريعاً» مع واشنطن بشأن الرسوم

أعلن رئيس البنك الدولي أن من مصلحة الدول النامية التوصل «سريعاً» إلى اتفاق مع الولايات المتحدة للحد من آثار الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد وزير المالية السعودي محمد الجدعان يتحدث مع أليكسي موروزوف المدير التنفيذي المناوب لمجموعة البنك الدولي خلال إحدى جلسات اجتماعات الربيع السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في العاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)

السعودية وصندوق النقد والبنك الدولي يؤكدون دعمهم لتعافي سوريا الاقتصادي

أصدر وزير المالية السعودي محمد الجدعان بياناً مشتركاً مع كريستالينا غورغييفا وأجاي بانغا تناول فيه نتائج اجتماع الطاولة المستديرة رفيعة المستوى بشأن سوريا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الذهب يتراجع بنحو 1 % مع انحسار مخاوف الرسوم الجمركية

سبائك ذهبية مكدّسة بغرفة صناديق الأمانات في بيت الذهب «برو أوروم» بمدينة ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية مكدّسة بغرفة صناديق الأمانات في بيت الذهب «برو أوروم» بمدينة ميونيخ (رويترز)
TT
20

الذهب يتراجع بنحو 1 % مع انحسار مخاوف الرسوم الجمركية

سبائك ذهبية مكدّسة بغرفة صناديق الأمانات في بيت الذهب «برو أوروم» بمدينة ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية مكدّسة بغرفة صناديق الأمانات في بيت الذهب «برو أوروم» بمدينة ميونيخ (رويترز)

انخفضت أسعار الذهب بنحو 1 في المائة يوم الثلاثاء، حيث أدى تراجع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين إلى تراجع جاذبية المعدن الأصفر باعتباره ملاذاً آمناً، بينما يترقب المستثمرون البيانات الاقتصادية الأميركية لتقييم مسار سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وانخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.8 في المائة ليصل إلى 3314.99 دولار للأوقية، اعتباراً من الساعة 04:25 بتوقيت غرينتش. وانخفضت العقود الآجلة للذهب الأميركي بنسبة 0.7 في المائة لتصل إلى 3325.10 دولار.

وقال ييب جون رونغ، استراتيجي السوق في «آي جي»: «تحسنت بيئة المخاطرة بشكل واضح مؤخراً، حيث عزز التفاؤل لدى المشاركين في السوق بأن أسوأ التوترات التجارية قد تكون خلفنا، وسط خطاب مشجع حول الصفقات التجارية».

وصرح وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت يوم الاثنين بأن العديد من كبار الشركاء التجاريين قدموا مقترحات «جيدة جداً» لتجنب الرسوم الجمركية الأميركية، ومن المرجح أن تكون الهند من بين أوائل الدول التي تُبرم اتفاقاً.

وأضاف بيسنت أن خطوات الصين الأخيرة لإعفاء بعض السلع الأميركية من رسومها الجمركية الانتقامية أظهرت استعداداً لتهدئة التوترات التجارية.

وستتحرك إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أيضاً للحد من تأثير رسومه الجمركية على السيارات من خلال تخفيف بعض الرسوم الجمركية المفروضة على الأجزاء الأجنبية في السيارات المصنعة محلياً.

لكن هناك مخاطر كبيرة من انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة ركود هذا العام، وفقاً لغالبية الاقتصاديين في استطلاع أجرته «رويترز»، حيث قال الكثيرون إن رسوم ترمب الجمركية أضرت بمعنويات الأعمال.

وارتفع سعر السبائك، الذي يُنظر إليه تقليدياً على أنه وسيلة تحوط ضد عدم الاستقرار السياسي والمالي، إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3500.05 دولار للأونصة الأسبوع الماضي بسبب تزايد حالة عدم اليقين.

وسيراقب المستثمرون البيانات الاقتصادية هذا الأسبوع، بما في ذلك تقرير فرص العمل في الولايات المتحدة الذي سيصدر لاحقاً يوم الثلاثاء، ونفقات الاستهلاك الشخصي يوم الأربعاء، وتقرير الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة.

وقال رونغ: «من المرجح أن تُبقي العوامل الهيكلية الداعمة لأسعار الذهب على الاتجاه الصعودي الأوسع نطاقاً، مدعومة بفرصة تنويع الاحتياطيات الجارية بين البنوك المركزية في الأسواق الناشئة».

وانخفض سعر الفضة الفوري بنسبة 0.5 في المائة إلى 32.98 دولار للأونصة، وانخفض البلاتين بنسبة 0.2 في المائة إلى 984.56 دولار، وخسر البلاديوم 0.4 في المائة إلى 945.47 دولار.