عملية انتحارية في بنغازي.. وبعثة الأمم المتحدة تؤجل دعوتها للحوار الليبي

أزمة وقود في طرابلس تدفع وزارة الداخلية إلى تأمين المحطات

رجال أمن في موقع انفجار عند نقطة تفتيش تابعة للجيش الليبي عند بوابة برسس شرق مدينة بنغازي أمس (رويترز)
رجال أمن في موقع انفجار عند نقطة تفتيش تابعة للجيش الليبي عند بوابة برسس شرق مدينة بنغازي أمس (رويترز)
TT

عملية انتحارية في بنغازي.. وبعثة الأمم المتحدة تؤجل دعوتها للحوار الليبي

رجال أمن في موقع انفجار عند نقطة تفتيش تابعة للجيش الليبي عند بوابة برسس شرق مدينة بنغازي أمس (رويترز)
رجال أمن في موقع انفجار عند نقطة تفتيش تابعة للجيش الليبي عند بوابة برسس شرق مدينة بنغازي أمس (رويترز)

في أحدث عملية من نوعها في ليبيا، شهدت بوابة برسس شرق مدينة بنغازي (شرق البلاد)، مساء أول من أمس، عملية انتحارية بسيارة مفخخة، أسفرت عن مقتل منفذ العملية وإصابة خمسة جنود من عناصر البوابة. في حين قالت مصادر أمنية وعسكرية إن «الهجوم وقع على البوابة الأمنية لمنطقة برسس التي تبعد نحو 50 كيلومترا شرق بنغازي بواسطة شاحنة تحمل على متنها ثلاجة نقل مواد غذائية».
وأوضحت المصادر أن منفذ العملية، الذي لم تُعرف بعد هويته، أقدم على تفجير سيارته قبل نقطة استيقاف نصبت قبل البوابة بعشرات الأمتار مسببا حفرة كبيرة في الطريق الساحلي، في ثاني هجوم انتحاري يستهدف البوابة، والرابع في سلسلة الهجمات الانتحارية النادرة في ليبيا. وكان انتحاري قد استهدف نقطة التفتيش التابعة للجيش نفسها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مما أسفر عن مقتل 13 جنديا، وذلك في أول هجوم انتحاري منذ الإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي عام 2011.
من جهتها، قال مصادر ليبية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «من المتوقع خروج مظاهرات شعبية اليوم (الجمعة) في عدة مدن ليبية لدعم عملية الكرامة العسكرية التي أطلقها قبل أشهر اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد المتطرفين، حيث قتل منذ ذلك الحين أكثر من مائة شخص في القتال الذي تركز في بنغازي».
واتهم حفتر الحكومة المركزية الضعيفة في طرابلس بالفشل في التصدي للمتشددين الإسلاميين، مثل جماعة أنصار الشريعة التي تنشط في بنغازي.
من جهة أخرى، كشفت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني عن تفاصيل اجتماع موسع ترأسه الثني أول من أمس بحضور رئيس الأركان العامة وعدد من قيادات الجيش، مشيرة في بيان مقتضب إلى أن الاجتماع تناول الأوضاع في المنطقة الشرقية وكذلك الكتائب الموجودة بالمنطقة الغربية والتابعة لرئاسة الأركان ولا تمتثل لأوامرها.
في سياق آخر، طالبت حكومة الثني بضرورة إرجاع «الأموال المجنبة» إلى مكانها الطبيعي، موضحة أنها إيرادات سيادية للدولة، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تعاني منها البلاد. وقالت الحكومة في بيان منفصل عقب اجتماعها بطرابلس، إنه «ليس من المنطقي أن تضطر إلى الاقتراض مع وجود هذه الأموال»، وطالبت في المقابل بسرعة اعتماد الميزانية، وإلغاء رسالة نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان) بالخصوص، وتحويل رصيد الحساب المجنب إلى حساب الإيراد العام للدولة، حتى يمكن الإنفاق منه على مؤسسات الدولة كافة، وتسيير مرافقها.
وأعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تأجيل حوار دعت إليه يومي 18 و19 من الشهر الحالي بين ممثلي القوى السياسية والفعاليات الليبية، إلى أجل غير مسمى، إثر الانتقادات العنيفة التي تعرضت لها مقترحات البعثة بشأن إجراء حوار وطني يضم 50 شخصية ليبية للخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي تمر بها البلاد.
ودافعت البعثة في بيان لها، أمس، عن دعوتها لهذا الحوار، ونفت انحيازها إلى أي جهة سياسية، معترفة بأن دعوتها أثارت تساؤلات واعتراضات اختلطت دوافعها واعتباراتها وتصاعدت حدتها.
وقال البيان: «في حين تبدي البعثة تفهمها لبعض الهواجس وتشدد على احترامها الآراء المختلفة، مهما جنحت إليه من افتراضات واتهامات تفتقر إلى الموضوعية والإنصاف، تسجل ملاحظتها أن هذه المواقف لا تساعد على الحوار بظل الأوضاع الحاضرة».
وحثت البعثة مجددا الفرقاء الليبيين إلى المساهمة في توفير أجواء سياسية وأمنية وإعلامية مناسبة لإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها المقرر في 25 يونيو (حزيران) الحالي.
وفي هذا الإطار ناقش اجتماع عسكري، برئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، إعادة تنظيم هيكلة الوحدات والتشكيلات المسلحة التابعة للمناطق العسكرية، وكيفية تأمين الانتخابات المقبلة، بالتعاون مع الجهات الأمنية، والتواصل مع اللجنة الأمنية العليا للانتخابات.
من جهة أخرى، أعلنت قوة الردع والتدخل المشتركة التابعة لوزارة الداخلية الليبية، أمس، البدء في تأمين محطات الوقود بالعاصمة طرابلس، حيث أوضح المتحدث الرسمي باسمها أن القوة باشرت، بداية من صباح أمس، في تأمين محطات الوقود بالعاصمة التي تشهد ازدحاما كبيرا.
وقالت وكالة الأنباء المحلية إن المؤسسة الوطنية للنفط طالبت وزارة الداخلية بتأمين وحماية محطات الوقود التي شهد بعضها تزاحما أدى إلى إغلاقها، مشيرة إلى أن العاصمة طرابلس تعاني منذ أسبوع مما وصفته بنقص كبير في الوقود بسبب إغلاق كثير من المحطات.
وكان عمر الشكماك وزير النفط والغاز قد كشف النقاب أول من أمس عن أن ليبيا بدأت تحويل إنتاجها النفطي البحري إلى مصفاة الزاوية، للحفاظ على إمداد العاصمة باحتياجاتها من البنزين.
وقال الشكماك على هامش مؤتمر منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) في فيينا، إن «هذا الإجراء مؤقت، وربما تعود الصادرات إلى طبيعتها، فور استئناف العمليات في حقل الشرارة».
وجددت ديبورا جونز السفيرة الأميركية في طرابلس مساندة بلادها ودعمها للحكومة الليبية لتحقيق الاستقرار والأمن، وعودة إنتاج النفط إلى مستوياته الطبيعية.
وناقشت جونز أمس مع مصطفى صنع الله الرئيس الجديد للمؤسسة الوطنية للنفط، نشاط الشركات الأميركية في ليبيا، بالإضافة إلى الاجتماعات التي عقدتها المؤسسة سابقا مع الشركات النفطية.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم