«إسناد» اليمن... فكرة تتجاوز المساعدات والإغاثة إلى التنمية والاقتصاد

جانب من المساعدات التي وصلت عبر الجسر الجوي الإغاثي إلى مأرب (مركز الملك سلمان للإغاثة)
جانب من المساعدات التي وصلت عبر الجسر الجوي الإغاثي إلى مأرب (مركز الملك سلمان للإغاثة)
TT

«إسناد» اليمن... فكرة تتجاوز المساعدات والإغاثة إلى التنمية والاقتصاد

جانب من المساعدات التي وصلت عبر الجسر الجوي الإغاثي إلى مأرب (مركز الملك سلمان للإغاثة)
جانب من المساعدات التي وصلت عبر الجسر الجوي الإغاثي إلى مأرب (مركز الملك سلمان للإغاثة)

في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي شهدت العاصمة السعودية الرياض، اجتماعين مهمين حول خطة إنسانية عن اليمن.
عرض تحالف دعم الشرعية على المسؤولين القادمين من نيويورك خطة يتسع محتواها وأهدافها إلى آفاق تتجاوز الاقتصار على المساعدات وحسب، وتمتد إلى تحسين المعيشة والمشاريع التنموية والاقتصادية والوصول الفعلي لجميع المناطق من دون تفرقة، فضلا عن توفير الممرات الآمنة بالتوازي مع منافذ جديدة مع تحسين وتطوير الموجودة حاليا.
بعد سلسلة الاجتماعات والدراسات التي سبقتها وأعقبتها، استحدث التحالف مركز «إسناد»، لينفذ خطة العمليات الإنسانية الشاملة لليمن، التي استمر شرحها مرارا عبر مؤتمرات صحافية ومقابلات تلفزيونية وحضور لافت على شبكات التواصل الاجتماعي.
قبل إعلان الخطة، ومنذ بدء الصراع بانقلاب حوثي في شهر سبتمبر (أيلول) 2014، وحتى اليوم، تعمل الأمم المتحدة ضمن برامج اعتبرها ناشطون يمنيون «مؤقتة». يقول جيمي ماكغولدريك ممثل «أوتشا»الذي انتهى عمله حديثا في اليمن: «عملت الأمم المتحدة بلا كلل مع شركائنا لتلبية احتياجات 10 ملايين شخص في العام الماضي بجميع أنحاء البلاد بدعم صحي، بما في ذلك الكوليرا، ودعم المياه والصرف الصحي والمساعدة الغذائية، ونقوم بإجراء تقييم وطني على أساس المنهجية المعتمدة دوليا. واستنادا إلى هذه المعلومات فإننا نستهدف الفئات الأكثر ضعفا. غير أن العاملين في المجال الإنساني يتمتعون بقدر محدود من القدرات والموارد. والطريقة الوحيدة لمعالجة جميع احتياجات السكان هي وقف الحرب، لاستئناف المشاورات السياسية».
يرد الناشط اليمني البراء شيبان على ماكغولدريك بالقول إن هيئات الإغاثة الأممية حاولت تصوير أن حل الأزمة اليمنية يبدأ بتهويل الأزمة الإنسانية، وإذا نجحت في تهويلها فتتوهم بأنها تخنق الأطراف في الصراع، وبمجرد انسحابهم يتم حل الأزمة، لأنهم لا يتصورون أن فشل العملية السياسية هو الذي أدى إلى الحرب، والحل دائما ليس من المدخل الإنساني، لأن الأزمة الإنسانية هي نتيجة فشل العملية السياسية، ولذلك هم لا يعالجون السبب الحقيقي في هذه الحالة، وهو الانقلاب الذي جر البلاد إلى ما هي عليه من أزمة إنسانية.
السبب الآخر، والحديث لشيبان «لا نشعر أن أولويات هيئات الإغاثة الأممية هي نفسها أولويات كثير من اليمنيين، مثلا، تم التركيز بشكل كبير على الموضوع الإنساني وتم تجاهل إعادة مؤسسات الدولة، مؤسسات الدولة عودتها أهم بكثير من البرامج الإغاثية، لأن عودتها حل طويل عكس البرامج الإغاثية التي تعتبر مؤقتة».
بدورها، تقول فايزة السليماني الناشطة الاجتماعية اليمنية: يجب اتخاذ حلول مبتكرة، ودعم مؤسسات الدولة وعودتها، لأن السلطات المحلية هي الضامن الأساسي والقادر الأول على بناء واستدامة النظام التنموي بالكامل. الحالة الإنسانية ظهرت بسبب غياب الدولة في اليمن وانقلاب الحوثيين.
وبين انتقاد الحل الإنساني المؤقت، ومطالبة الدولة بالعودة وإنهاء الانقلاب، جاءت فكرة إسناد هنا لتكون عونا للمساعدات الطارئة، وممهدا لمشروع يعيد الأمل لليمن.
ولذلك، جاءت خطة «إسناد» لتكون فكرة قدمت نفسها على أنها ابتكار أكثر من مجرد المساعدة، فالتحالف يتحدث عن فرص وظيفية لنحو 15 ألف شخص (في مشروع واحد فقط يتعلق بالطرق)، ومساعدات اقتصادية بدأت بملياري دولار للبنك المركزي اليمني، ومليار ونصف المليار دولار للأمم المتحدة، فضلا عن جسر إغاثي استمر لما يربو على أسبوع حمل مساعدات إغاثية وصلت حتى في جزر لم تحلم يوما بأن تصلها الخدمات أو المساعدات من قبل، وفقا لناشطين يمنيين.

يعرّف السفير السعودي لدى اليمن المدير التنفيذي لـ«إسناد» محمد آل جابر البرنامج الإنساني بأنه «خطة طويلة المدى، تشمل البنك المركزي والممرات الآمنة الـ17 التي تنطلق من 6 مراكز رئيسية».
ويقول آل جابر لـ«الشرق الأوسط»: بالتنسيق مع الحكومة اليمنية الشرعية، من الممكن أن تفتح لقوافل الأمم المتحدة في أي وقت تريده المنظمات وبشكل مجدول.
أما المنطقة الخاضعة للحوثيين فيقول السفير: يجب أن تنسق فيه الأمم المتحدة مع الحوثيين.
وزاد: «عقدنا ورشتي عمل مع الأمم المتحدة عبر مركز إسناد، ومهمته مساندة كل المنظمات الدولية بما فيها مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية».
ومن شأن الخطة التي أعلنها التحالف توسعة الموانئ وتعبيد الطرق، وتوزيع المنافذ، وتم تسليم خطة الممرات إلى الأمم المتحدة.
يقول السفير: «أبلغنا المنظمات الأممية بإمكانية استخدام طائرات التحالف لإيصال الدعم».
من ناحية أخرى، قال مسؤول غربي في لندن إن السعودية تتفهم الوضع الإنساني في اليمني، وبسؤاله عن الخطة الإنسانية الشاملة التي أعلنها التحالف حديثا قال المسؤول الغربي الذي فضل عدم كشف اسمه: «الخطة الإنسانية جيدة» لكنه شدد على ضرورة أن يكون ميناء الحديدة يعمل كميناء رئيسي، وهو كذلك وفقا للخريطة التي تنشرها «الشرق الأوسط».
ولفت المسؤول الغربي إلى أن ميناء الحديدة الذي تم إغلاقه بعد الصاروخ الباليستي الذي أطلقه الحوثيون على الرياض مؤقتا عاد ليستقبل البضائع، وقال: الميناء يعمل بـ70 في المائة من الكفاءة التي كانت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ولم تنقض أربع وعشرون ساعة على إعلان الأمم المتحدة خطة استجابتها لليمن لعام 2018، حتى أعلن التحالف عن تغطيته لنحو نصف الاحتياجات بواقع 1.5 مليار دولار من أصل 2.9 مليار دولار.
ويتفاءل موظف أممي فضل عدم الكشف عن اسمه لأنه غير مخول له بالتصريح بخطة الممرات الآمنة. ويقول: الخطة ممتازة جدا لو التزم الحوثيين بتأمين القوافل التي تمر عبر مناطق سيطرتهم، وأيضا إذا كانت الجهة المراقبة من الأمم المتحدة دقيقة وتنشر أولا بأول أي انتهاكات.


مقالات ذات صلة

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
تحليل إخباري الجماعة الحوثية استقبلت انتخاب ترمب بوعيد باستمرار الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل (غيتي)

تحليل إخباري ماذا ينتظر اليمن في عهد ترمب؟

ينتظر اليمنيون حدوث تغييرات في السياسات الأميركية تجاه بلادهم في ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك (سبأ)

وعود يمنية بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات الحكومية

وعد رئيس الحكومة اليمنية، أحمد عوض بن مبارك، بإطلاق عملية شاملة لإعادة بناء المؤسسات، ضمن خمسة محاور رئيسة، وفي مقدمها إصلاح نظام التقاعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (إ.ب.أ)

الحوثيون يحولون المنازل المصادرة إلى معتقلات

أفاد معتقلون يمنيون أُفْرج عنهم أخيراً بأن الحوثيين حوَّلوا عدداً من المنازل التي صادروها في صنعاء إلى معتقلات للمعارضين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

تفاقم معاناة القطاع المصرفي تحت سيطرة الحوثيين

يواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية شبح الإفلاس بعد تجريده من وظائفه، وتحولت البنوك إلى مزاولة أنشطة هامشية والاتكال على فروعها في مناطق الحكومة

وضاح الجليل (عدن)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.