دعم الديمقراطية والاقتصاد يهيمن على زيارة ماكرون إلى تونس

توقعات بتوقيع اتفاقيات اقتصادية وأمنية وثقافية وجامعية

السبسي لدى استقباله ماكرون عقب وصوله إلى تونس أمس (رويترز)
السبسي لدى استقباله ماكرون عقب وصوله إلى تونس أمس (رويترز)
TT

دعم الديمقراطية والاقتصاد يهيمن على زيارة ماكرون إلى تونس

السبسي لدى استقباله ماكرون عقب وصوله إلى تونس أمس (رويترز)
السبسي لدى استقباله ماكرون عقب وصوله إلى تونس أمس (رويترز)

بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، زيارة لدولة تونس تهدف إلى دعم «الانتقال الديمقراطي» في هذا البلد الذي يعاني صعوبات اقتصادية واجتماعية بعد سبع سنوات على ثورته.
ووصل ماكرون بعد الظهر إلى العاصمة تونس بعد أسبوعين على احتجاجات ومظاهرات تحوّل بعضها إلى أعمال شغب ليلية في الكثير من مدن البلاد. ومن المقرر أن يوقع خلال الزيارة سلسلة من الاتفاقيات في المجالات الاقتصادية والأمنية والثقافية والجامعية، وذلك في خضم اجتماعات مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد.
وأكد الشاهد في تصريحات لقناة «فرانس - 24»، أنه «على فرنسا أن تدعم الديمقراطية التونسية الفتية»، مضيفاً: «لا تولد ديمقراطية كل سنة على بعد ساعة (طيران) من فرنسا. نحن ديمقراطية حقيقية مع حرية صحافة وحرية تعبير، ولن تجدوا ذلك في كثير من الدول».
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي في مقابلة مع صحيفة «لابراس» الحكومية التونسية، إنه سيعلن خلال زيارته «عن جهد إضافي في ثلاثة مجالات على الأقل، هي تقليص الفوارق الاجتماعية والجهوية وبطالة الشباب (...)، وزيادة الاستثمار في القطاعات الواعدة، ومنها الطاقات المتجددة والتكنولوجيات الجديدة».
ومع إشادته بـ«الإشارات الإيجابية» التي وجهتها الحكومة، اعتبر ماكرون أن «لدى الدولة التونسية إصلاحات يتعين أن تقوم بها حتى تصبح تونس وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية». ويرافق الرئيس الفرنسي في زيارة الدولة لتونس، التي تأتي بعد زيارتين للمغرب في يونيو (حزيران) 2017 والجزائر في ديسمبر (كانون الأول)، علاوة على زوجته بريجيت، الكثير من الوزراء، بينهم وزير الخارجية جان إيف لودريان، والتربية جان ميشال بلانكيه والكثير من رجال الأعمال، ضمنهم ستيفان ريشار (شركة اورنج) وكزافييه نيل (الياد).
وقالت الرئاسة الفرنسية، إنه تم توجيه نداء للشركات الفرنسية «للعودة للاستثمار المكثف في تونس». وأوردت صحيفة «الصباح» اليومية التونسية، أن «الحكومة التونسية تريد الاستفادة من الزيارة للتوصل إلى حل للدَين إزاء فرنسا»، وأعلنت أن قسماً من الدين بقيمة 30 مليون يورو سيتم تحويله إلى مشروعات استثمارية، لكن باريس لم تؤكد هذا المبلغ، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
وتقول تونس: إن قيمة دينها العام إزاء باريس بلغ 2.380 مليار دينار (800 مليون يورو) في 31 ديسمبر 2016، وسيتم توقيع اتفاق من أجل تحسين التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، في حين لا تزال حالة الطوارئ قائمة في تونس منذ عامين، وكانت أعلنت في خضم اعتداءات شهدتها تونس خصوصاً في 2015.
لكن ماكرون يرغب في وضع زيارته تحت شعار التفاؤل.
وقالت الرئاسة الفرنسية: إن الزيارة تهدف إلى «دعم التجربة الديمقراطية التونسية، التجربة الانتقالية الوحيدة التي حققت نجاحاً منذ الربيع العربي» في 2011. وسيعبر ماكرون عن ذلك خصوصاً في كلمة أمام مجلس الشعب التونسي اليوم، ومن خلال لقاء مسؤولين من المجتمع المدني الناشط في البلاد. كما سيشارك مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد في المنتدى الاقتصادي التونسي - الفرنسي، الذي يعد لقاءً مهماً للأعمال تنظمه الغرفة التونسية - الفرنسية للتجارة والصناعة بالتعاون مع مستشاري التجارة الخارجية بفرنسا. إلى ذلك، من المتوقع أن يقوم ماكرون بزيارة إلى المتحف الوطني بباردو (غربي العاصمة التونسية) ويلتقي ممثلين عن المجتمع المدني. وكان ماكرون أكد خلال استقباله نظيره التونسي الباجي قائد السبسي (91 عاماً) في الإليزيه في ديسمبر الماضي، أن «العلاقة مع تونس لها أولوية»؛ لأن الروابط بين البلدين «استثنائية». لكن التونسيين ينتظرون مبادرات ملموسة من القوة الاستعمارية السابقة. وقال المحلل السياسي التونسي سليم خراط: إن التونسيين «لا يأملون بالكثير من وعود الدعم التي يقدمها المسؤولون الأجانب، ولا يصدقونها بالكامل»، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف خراط: إنه «في عام 2011، وعدونا بخطة مارشال وبمساعدات استثنائية لم تصل أبداً. ومؤخراً، تمّ إطلاق الكثير من الوعود في إطار قمة تونس (للاستثمار) 2020، لكن نادراً ما تلي الوعود أشياء ملموسة».
بدوره، دعا رضا الشكندالي، الخبير الاقتصادي التونسي إلى عدم الإفراط في التفاؤل بشأن زيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس، وأشار إلى الوعود الكثيرة التي قطعتها مجموعة من الدول والمنظمات المالية الدولية في منتدى الاستثمار «تونس 2020»، التي بقي الكثير منها حبراً على ورق.
ويشار إلى أن تونس تنتظر من ماكرون تنفيذ مقترحات طرحها خلال حملة الانتخابات الرئاسية، شملت العمل على إعادة جدولة الديون التونسية وتحفيز المؤسّسات الفرنسية على الاستثمار في تونس، إلى جانب تنظيم مؤتمر دولي حول ليبيا تكون فيه تونس شريكاً استراتيجياً؛ نظراً لحدودها ولعلاقاتها التاريخية مع ليبيا.
كما تنتظر تونس دعم ملفها التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي بشأن اتفاقية التبادل الحر الشامل الذي يشمل تحرير قطاعي الزراعة والخدمات، الذي سيمكّن الشركات الأوروبية من منافسة نظيرتها التونسية في مجالات حيوية بالنسبة للاقتصاد التونسي على غرار الإنتاج الفلاحي والقطاع الصحّي ومنظومة البنوك وقطاع الطاقة.
كما تعهد ماكرون بتقديم دعم فرنسي كبير لمبادرة دولية جديدة تسعى إلى إعادة مهاجرين أفارقة مستعبدين في ليبيا إلى بلدانهم، واقترح القيام بمبادرة أفريقية أوروبية مشتركة لمواجهة معضلة الاتجار بالبشر، وهي مبادرة لا تزال محل جدل بين دول الجوار الليبي.
وقبل الزيارة، كان ماكرون قد أكد التزام فرنسا بتوفير دعم مالي بمبلغ 1.2 مليار يورو على مدى خمس سنوات لفائدة مشروعات التنمية في تونس، كما يدعم خطة الاتحاد الأوروبي الذي يمنح تبرعات سنوية لفائدة تونس في حدود 300 مليون يورو. في المقابل، يطالب الحكومة التونسية بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات حتى تصبح البيئة الاقتصادية التونسية جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وتشمل مزيداً من الانفتاح في الاقتصاد التونسي ومكافحة الفساد والتهريب وتنظيم الاستثمار واستعادة التوازن المالي.
من جانبها، قالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، أمس: إنه يتعين «تسريع» الإصلاحات في تونس. وتعاني تونس صعوبات اقتصادية وتراجعاً للنمو سببه خصوصاً تراجع السياحة بعد اعتداءات في 2015، وحصلت في 2016 على خط قروض بقيمة 2.4 مليار يورو على أربع سنوات من صندوق النقد الدولي. وتعهدت سلطاتها في المقابل خفض العجز العام وتنفيذ إصلاحات اقتصادية.
وقالت لاغارد لقناة «فرانس - 24»: إنه «يجب أن نعرف أننا في مرحلة انتقال، حيث يتعين أن تتسارع الإصلاحات (...) لتوفير إطار لاقتصاد مستقر يطمئن المستثمرين، وحيث يكون بإمكان الشركات أن تعود للاستثمار، وحيث تصبح الشركات على استعداد مجدداً لإحداث فرص عمل». وأضافت: «يجب اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لحماية الفئات الأشد فقراً (...) لكن في الوقت ذاته يجب أن نفهم أنه في بعض الميادين لا بد من دفع الضرائب (...)، ويتعين المرور تدريجاً من نظام التعويضات للجميع إلى نظام يهدف إلى دعم الفئات الأشد حاجة».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.