التنين الصيني يحدد مستقبل العالم

كتاب فرنسي يطرح أسئلة عن مساراته سياسياً واقتصادياً وثقافياً

التنين الصيني يحدد مستقبل العالم
TT

التنين الصيني يحدد مستقبل العالم

التنين الصيني يحدد مستقبل العالم

فرضت الصين نفسها بقوة على منظومة السباق العالمي، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتكنولوجياً، وأصبح «التنين الصيني» واحداً من الدول الأقوى التي تحكم مؤشرات الصراع فوق ظهر هذا الكوكب.
حول هذا الموضوع، صدر أخيراً بالعاصمة الفرنسية كتاب بعنوان «القدرة الصينية في مائة سؤال» للكاتبة الفرنسية فاليري نيكويت «Valérie Niquet» عن دار النشر الفرنسية «تالاندير Tallandier». يقع الكتاب في 304 صفحات من القطع المتوسط، وعبر هذه الصفحات طرحت الكاتبة مائة سؤال، تشكل فيما بينها لوحة كاملة للصين اليوم بصفتها قوة اقتصادية وثقافية وديموغرافية ونووية وعسكرية، مؤكدة في الوقت ذاته أسباب بلوغ الصين هذه المكانة المهمة دولياً خلال بضعة حقب زمنية لتتبوأ اليوم المرتبة الثانية عالمياً على المسار الاقتصادي والأولى على مسار الصادرات والواردات، وبخاصة فيما يتعلق بواردات النفط والمواد الأولية، وكذلك مكانتها الثانية على المسار العسكري عالمياً بعد الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ تقدر ميزانيتها في مجال الدفاع بـ144 مليار دولار وفقاً لإحصائيات 2017. بل، أصبح يحدد سوقها وتبادلاتها وخياراتها الاستراتيجية مستقبل العالم. ورغم التباطؤ النوعي للنمو الاقتصادي على مستوى العالم في 2015 وما أحدثه من تراجع حاد وواضح في الميزان التجاري، فإنه ما زال ينظر للصين بصفتها رائداً للنمو العالمي ومُنقذاً للاقتصاديات التي تعاني من أزمات اقتصادية.
أضفت الأسئلة المائة المطروحة من قبل المؤلفة على الكتاب طابعاً معلوماتياً شيقاً لما ينطوي عليه من حجم معلومات كبير يساعد على فهم واستيعاب ما توصلت إليه الصين اليوم، فبحسب الكتاب أنتجت واستخدمت الصين خلال الفترة من 2011 إلى 2013 كميات من الإسمنت أكثر من تلك التي أنتجتها واستخدمتها الولايات المتحدة الأميركية طوال القرن العشرين كاملاً.
ويلفت الكتاب إلى أن الصين حققت نجاحات حقيقية مذهلة على أرض الواقع تتمثل في خروج 500 مليون نسمة من مواطنيها من عباءة الفقر منذ 1980 حتى الآن، وهو رقم مذهل في الواقع؛ لأنه يمثل تخفيض معدل الفقر عالمياً بنسبة 75 في المائة عن الفترة نفسها. ولذلك؛ يسعى قادة الصين ليس فقط نحو الحفاظ على ما حققوه من نجاحات ملموسة، لكنهم أيضاً يعملون جاهدين على تطوير هذه النجاحات؛ خشية عليها من تعرضها لأي تهديدات، أو أن يضربها الضعف؛ لأن نموذج انهيار الاتحاد السوفياتي ليس ببعيد عن أعينهم؛ فهو حاضر وبقوة في أذهانهم.
ورغم ذلك، تنتقد المؤلفة الوضع الاقتصادي للمواطن الصيني، مؤكدة أنه على الرغم من قوتها الاقتصادية العاتية، فإن هذا لم ينعكس إيجاباً على المواطن الصيني؛ إذ تشير الأرقام إلى أن الصين تحتل المرتبة الـ74 عالمياً فيما يتعلق بنصيب الفرد من الثروة القومية، وهي مرتبة متواضعة للغاية، حيث تأتي الصين بعد روسيا وفنزويلا والمكسيك، وبالتالي فإن تطلعات الشعب وآماله لا تزال كبيرة وأحلامه في الثراء لا تزال صعبة المنال، وبخاصة لدى الأجيال الجديدة التي لم تعرف الخصخصة. ولذلك؛ فمنذ تعيينه رئيساً للبلاد في 2012، أنعش شي جينبنغ الآمال بتعميق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية من خلال تعزيز التوجهات الوطنية والقومية، وبخاصة أن منطقته تشهد تحولات عميقة وجوهرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

عباءة الثقافة والاقتصاد سياسياً
وفي حديثها عن البعد الثقافي والمجتمعي، تناولت المؤلفة أوجهاً كثيرة، منها دور الأديان وثقلها في قلب المجتمع الصيني الذي شهد تغيراً كبيراً في تركيبته الديموغرافية جراء سياسة الطفل الواحد، وهي السياسة التي انتهجتها الإدارة الصينية لموجهة زيادتها السكانية، إلا أن مردودها السلبي كان كبيراً على المجتمع الصيني داخلياً وخارجياً؛ إذ تشير الإحصائيات إلى تراجع السكان في سن العمل خلال عام 2015 بمقدار 4.87 مليون نسمة، وهو ما يعد تغيراً جوهرياً في تركيبة المجتمع الصيني الذي ظلت تمثل الأيدي العاملة ولسنوات طويلة إحدى أدواته المميزة وقوته الناعمة المهمة، إضافة إلى ذلك، فإن 1 في المائة فقط من السكان يمتلكون 33 في المائة من إجمالي ثروات البلاد. وتناولت المؤلفة أيضاً مسألة شبكات التواصل الاجتماعي، مؤكدة على أن شبكات التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت لا تزال تخضع لرقابة صارمة من قبل النظام وحزبه، ورغم ذلك، فإن موقع (Alibaba) الاقتصادي الصيني له أكثر من 400 مليون مستخدم. كما أن الحزب الشيوعي الصيني يسيطر على شبكة الإنترنت، وأن 80 في المائة من الـ34 مدينة صينية تعاني من معدل تلوث أعلى بكثير من المعدلات العالمية، حيث شهد عام 2015 انفجاراً غير قانوني لـ700 طن من المواد الكيميائية.
لا ينفصل هذا عن السياسة الصينية التي يناقشها الكتاب في فصله الثالث لمعرفة من يحكم ويدير الصين، مؤكداً أن «التوترات تزداد رويداً رويداً، وبقوة كبيرة بين المبادئ التسلطية»، كما أن حالة التضييق والرقابة الصارمة المفروضة على شبكة الإنترنت جعل منظمة «مراسلون بلا حدود» تصنف الصين في المرتبة الخامسة عالمياً للدول التي لا تحترم حرية الصحافة. كما تناولت المؤلفة كذلك حالات الانشقاق التي طالت المجتمع الصيني، فهناك منشقون عدة لجأوا إلى خيار المنفى في الخارج في مواجهة صرامة النظام الصيني.
خصصت المؤلفة في الكتاب فصلاً كاملاً حول الاقتصاد الصيني لمعرفة ماهيته وتوجهاته، وهل هو اقتصاد سوق أم اقتصاد اشتراكي؟ وتوصلت إلى أنه من الصعب تحديد ذلك الآن؛ فهناك 103 شركات صينية مملوكة للدولة الصينية، وتعد من بين أكبر وأهم 500 شركة عالمياً. كما أن الاستثمارات الأجنبية تمثل أهمية للصين، سواء من وجهة النظر الاقتصادية أو من وجهة نظر صورة الصين خارجياً.
وعلى الرغم من أن العملة الصينية «اليوان» لا تعد عملة دولية إلا بنسبة 2 في المائة فقط من حجم التعاملات، وعلى الرغم كذلك من أن الصين وأميركا يمثلان 40 في المائة من الاقتصاد العالمي، فإن الصين تحتل، منذ 2013، المرتبة الأولى عالمياً في حيازة العملة الأجنبية.
وتؤكد المؤلفة أن الشواهد تشير إلى صعوبات تجابه النظام الصيني اليوم، وتتساءل عما إذا كان ذلك يمثل ضعفاً عابراً أم طويل الأمد؟ وهل يستطيع النظام الصيني الخروج من عباءة الطاغية على المدى القصير؟ وهنا تشير المؤلفة إلى أن هذا الوضع يتطلب إحداث نمو قوي بأي ثمن لحفظ وصيانة شرعية النظام؛ ولذلك فقد وعد الرئيس الصيني بأن تصبح بلاده قوة معتدلة تنموياً في 2020 لإحداث تطور ملحوظ في متوسط دخل الفرد وتقليل الفروق الشاسعة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
- الجغرافيا والاستراتيجية الخارجية
في الفصل الأخير من كتابها، تتناول المؤلفة أوجهاً كثيرة للصين الساعية نحو البناء كقوة عظمى، مشيرة إلى أن الرئيس الصيني يسعى نحو صياغة ما يسمى بـ«الحلم الصيني» لترسيخ مكانة الصين عالمياً من جانب، وأن تصبح الصين مستقلة من كل النواحي من جانب آخر. إلا أن التاريخ لا يزال متوقفاً اليوم عند نقطة غريبة تكمن في أن أكثر من نصف المسلسلات في الصين اليوم تتناول الحرب الصينية اليابانية، هذا رغم العلاقات الجديدة التي ترتسم الآن بين الصين وروسيا والتي تغير من شأنها الكثير من المعطيات الإقليمية والدولية.
كما تناولت المؤلفة خلال هذا الفصل محاور أخرى، مثل التواجد الصيني في آسيا الوسطى والهند وأفريقيا لتخلص في النهاية إلى التأكيد على قوة الصين الناعمة خارج نطاقها الجغرافي، وبخاصة في المناطق سالفة الذكر، حيث فتحت الصين أكثر من 500 معهد في 125 دولة منذ عام 2004.
يشار إلى أن مؤلفة الكتاب متخصصة في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية في آسيا ومسؤولة مهمة في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية بفرنسا؛ ما جعلنا أمام عمل مميز يجمع بين الأبعاد النظرية والحقائق المعلوماتية المأخوذة من الميدان الواقعي.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.