تغييرات آنية في خطاب النخب الدعوية النسائية

كتاب يُعنى بدراسة تشكيل خطابهن في المشهد السعودي

تغييرات آنية في خطاب النخب الدعوية النسائية
TT

تغييرات آنية في خطاب النخب الدعوية النسائية

تغييرات آنية في خطاب النخب الدعوية النسائية

دخلت المرأة الداعية لاعباً أساسياً في إدارة الأفكار في الحياة اليومية في كثير من المجتمعات، ومنها المجتمعات العربية، والسعودية على وجه التحديد، وأنتج ذلك نمطاً جديداً من النخب المؤثرة في المجتمع، استحوذ على حصة من الهيمنة على أفكار الناس من خلال توجيه المجتمع وفق رؤية هذه النخب للحياة، ووفق مرجعيتها المعرفية، وذلك على مدى عدة عقود. لكن فضاء الحركة الدعوية يشهد حالياً انحساراً كبيراً لتأثير السلفية، مقابل تأهب صعود اتجاهات دينية كانت مغيبة، وهو ما طرح تساؤلات بشأن جوانب التجديد في فضاء الدعوة السلفية، خصوصاً في مسألة دخول النخب النسائية الدعوية في المشهد.
الدكتور عبد الرحمن الشقير، المؤرخ والباحث الاجتماعي السعودي رئيس المرصد الاجتماعي للدراسات المهتم برصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السعودي والخليجي، أنجز أخيراً كتاباً يُعنى بدراسة تشكيل النخب النسائية الإسلامية في بلاده، من خلال المرأة الداعية التي حققت شهرة وجماهيرية، ورصد فيها مدى إسهامها في نشر الوعي الاجتماعي، أو إعادة إنتاج الواقع من خلال رؤيتها للعالم، وفرض تصوراتها الدينية على المجتمع، وعنون بحثه «النخب النسائية الإسلامية في السعودية (1744 – 2017)»، ونشره مركز «المسبار» للدراسات والبحوث في دبي، طارحاً في دراسته عن الموضوع تساؤلاً أساسياً، تمثل في مدى استطاعة الدعوة السلفية إنتاج نخب نسائية إسلامية، في ظل خطاب سلفي يرفض خروج المرأة في الفضاء العام، وأتبع ذلك بتساؤلات فرعية تمحورت في: هل تنتج المرأة الداعية خطاباً نسوياً إسلامياً نقدياً؟ وهل لها قضية ومشروع تثقيفي أو توعوي، أم أنها ظل لواقع الدعوة الذكورية؟ وهل الدعوة النسائية موضة ووجاهة اجتماعية؟
يقول الباحث الشقير، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن «دراسته تسعى للتعرف على مفهوم الداعيات الإسلاميات، والفضاءات التي يعملن بها، وهل يعملن بشكل فردي أم مؤسسي؟ وهل يمكن التنبؤ بفكر الداعيات ومدى إمكان استغلال الجماعات المتشددة لإنتاج جيل جهادي نسائي متشدد دينياً؟ لافتا إلى أن الهدف من هذه الدراسة هو نقل الواقع كما هو، ثم تحليله واستشراف المستقبل، وتقديم صورة وصفيه حيادية للنخب النسائية الإسلامية».
وحدد الباحث ثلاث مراحل تطورية مر بها تاريخ الدعوة النسائية: بدأت المرحلة الأولى بالتجانس التام مع الرجل، والاتفاق الضمني على توزيع الأدوار الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية. وفي المرحلة الثانية، ظهرت تصنيفات الناس الفكرية مع ظهور الصحوة، فانحازت المرأة للرجل، سواء أكان الاتجاه دينياً أم ليبرالياً، فكانت المرأة الدعوية ظلاً للرجل وانعكاساً لفكره. ثم في المرحلة الثالثة، ظهرت النخب النسائية الإسلامية، ولم يلحظ الباحث أن لهن مشروعاً علمياً أو دينياً، إذ بدأت المرأة تستقل بخطابها الدعوي، وظهرت للمجتمع بنفسها، وخاطبت الجماهير باستخدام الإعلام الجديد، المتمثل في التقنية ووسائل الاتصال. وتعد المرحلة الأخيرة معقدة بعض الشيء، إذ لاحظ الباحث أن خطابها لم يتبلور حتى الآن، كما أنها لم تستقل عن الدعوة الذكورية، فهي إما سلفية محافظة أو سلفية سرورية، تبعاً للوضع الذكوري.
ويمكن حسب الكتاب تقسيم القضايا العامة التي تطرحها الدعوة النسائية إلى قسمين: قضايا الفكر والثقافة، مثل قيادة المرأة للسيارة، وكشف وجه المرأة والابتعاث. وهنا، ليس للمرأة بصفة عامة رأي مختلف عن خطاب الدعوة الذكوري. أما القسم الثاني، فيتمثل في مسائل الفقه الخاصة بالمرأة، وفيها تظهر شخصية الداعية أكثر استقلالاً وفهماً من فقه الرجل، وذلك لأنها تتميز عن الرجل بعنصري الموثوقية والخوض في التفاصيل.
ولاحظ الباحث الشقير أن اتجاهات الداعيات حملت معها بذور الاتجاهات الذكورية ذاتها، وكانت ظلاً لها، ولم تستقل عنها، إذ تضمن أنماط السلفيات: المحافظات، والسروريات، والجهاديات، ولكن الصعود المنظم كان للسلفيات السروريات، بحكم وعيهن المبكر بأهمية التقنية ووسائل التواصل، ولأن الساحة الدعوية النسوية كانت شبه فارغة، كما يلحظ الباحث التداخل بين شخصية الداعية بوصفه داعية، النسائية أو الذكورية، وبين شخصيته بوصفه مؤلفاً، إذ يسيرون غالباً وفق القوانين الدعوية المتمثلة في التلقين، وليس وفق قواعد البحث العلمي ومناهجه.
ودرس الباحث إمكانية تصنيف الدعوة الإسلامية النسائية في السعودية ضمن إطار التنظيمات النسائية، التي تسعى - وفق دراسة أجرتها الأمم المتحدة عن الحركات النسائية في العالم العربي - إلى إحداث تغييرات وترتيبات آنية في الوضع القائم، من خلال الحد من سلبياته، دون أن يمس نشاطها البنية الذكورية وآلياتها التي تفرض التمييز الجنسي. وينم العمل الجمعي لهذه التنظيمات عن رغبتها في تحسين أوضاع النساء، دون أي إرادة للتغيير الجذري. وتندرج ضمن هذا النطاق جمعيات ومنظمات واتحادات تتبنى العمل الخيري والرعائي، فهي «لا تهدف إلى تحسين أوضاع النساء من خلال معالجة الخلل المرتبط بالسياسات الحكومية في مجالي الاجتماع والاقتصاد، وإنما تسعى إلى تغيير جذري لأوضاع النساء وفقاً لمنظومة فكرية محددة». وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث الشقير أن هذه إشكالية عامة تواجه جميع النسويات الإسلاميات، إذ ترى كثير من الدراسات أنها لا تسعى إلى تقديم أية تصورات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي للدولة، أو حتى على مستوى المجتمع المدني، ويرون أن النسوية الإسلامية لا تزال في كثير من جوانبها آيديولوجية نخبوية.
وفي رؤية استشرافية مستقبلية للنخب النسائية، اعتبر المؤلف أن ظاهرة النخب النسائية الإسلامية (الداعيات) لا تزال في طور التجربة، فهي ظاهرة جديرة بالاهتمام لتمتعها بمقومات الصعود، فرائدات الدعوة من جيل الصحوة، وهن سعوديات، وهذان سببان كافيان لأن يتمتعن بعنصري: الموثوقية والأفضلية في المجتمع النسائي. وإذا كانت تطبيقات التواصل الاجتماعي هي سبب شهرتهن، فإنهن اتجهن لمأسسة الدعوة من خلال تأسيس مراكز دعوية تقدم دورات تدريبية واستشارات تضمن استمرار نشاطهن إذا ما تعثرت التقنية، ومن ثم فأمامهن فرصة للصعود المستقبلي، كما أن أمامهن الخيارات ذاتها المتاحة للدعاة الذكور.
وأوصى المؤلف بأهمية تجديد الخطاب السلفي بكل المؤسسات الدعوية، وأن يراعى حجم التغيرات التي طرأت عليها، وموقف الناس منها، وهذا لا يعني بالطبع أن للحق أسلوباً واحداً وخطاباً واحداً ونصاً لا يقبل إعادة التفسير، لافتاً إلى أنه لاحظ من استقراء التاريخ المحلي أن عوامل التغيير في الخطاب السلفي تكون غالباً رد فعل على استفزاز خارجي.
واقترح المؤلف أن يهتم الخطاب الدعوي بثلاثة أسس، تتمثل في: التركيز على الإصلاح الاجتماعي، ونشر السلام والتسامح والتعاون، بدلاً من افتعال خصوم غير مؤثرين وتحقيرهم اجتماعياً، ونشر قيم الإنجاز والعلم وبذل العطاء التي هي من أصول الدين، لكنها لا تزال مهملة، ولم تلق التركيز الذي يليق بها، خصوصاً في هذا الزمن.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.