حدائق برلين العامة... متاحف تعبق برائحة التاريخ

زوارها يعيشون ذكريات مدينة لا تريد أن تنسى ماضيها

تتحول حديقة الجدار في الصيف إلى مكان يرتاده الفنانون من رسامين وموسيقيين ورياضيين
تتحول حديقة الجدار في الصيف إلى مكان يرتاده الفنانون من رسامين وموسيقيين ورياضيين
TT

حدائق برلين العامة... متاحف تعبق برائحة التاريخ

تتحول حديقة الجدار في الصيف إلى مكان يرتاده الفنانون من رسامين وموسيقيين ورياضيين
تتحول حديقة الجدار في الصيف إلى مكان يرتاده الفنانون من رسامين وموسيقيين ورياضيين

عادةً تكون الحدائق العامة في أوروبا أماكن للاسترخاء والتمتع بشيء من جمال الطبيعة. ولكن في برلين هي أكثر من ذلك بكثير. ففي العاصمة الألمانية لا تشبه الحدائق العامة غيرها. هي أقرب إلى المتاحف، تحكي تاريخ برلين، وليست مجرد مساحات خضراء للاستجمام والهرب من ضجيج المدينة وتلوثها.
تبدو حديقة «تريبتاور» الواقعة جنوب العاصمة برلين، للوهلة الأولى، كأي حديقة عامة أخرى: مساحات خضراء للتمدد في الشمس، وممارسة الرياضة، ولعب الطابة؛ ونافورة كبيرة في وسطها. حولها يتحلق الأطفال يركضون ويقهقهون؛ وعلى أطرافها نهر شبري الذي يقسم المدينة وبُني جدار برلين في محاذاته؛ مقاهٍ صغيرة وأكشاك لبيع المثلجات تتوزع على طول النهر وعلى أطراف الحديقة. وفي النهر قوارب تحولت إلى مطاعم مكتظة بالزبائن.

نصب تذكاري روسي
لكن هذا ليس كل ما في «تريبتاور بارك». فأبعد قليلاً، خلف المساحات الخضراء، ترى من بين الأشجار الكثيفة والمصطفة بعناية فائقة تمثالاً عملاقاً. تقترب قليلاً وتكتشف أن التمثال رجل، أو جندي، طوله 11 متراً، يقف على تلة اصطناعية مرتفعة. يحمل بذراعٍ فتاةً صغيرة، وبالأخرى سيفاً يقطع به السواستيكا (شعار النازية) وهو يدهسها ويحطمها. هذا التمثال هو لجندي روسي شيّده السوفيات بعد دخولهم المدينة وهزيمتهم النازيين في الحرب العالمية الثانية.
يقول أستاذ التاريخ في جامعة «بوستدام»، هانو هوشموث، لـ«الشرق الأوسط»: «تعود هذه الحديقة إلى القرن التاسع عشر وكان في وسطها بحيرة كبيرة، تم افتتاحها عندما بدأت المدينة تتوسع وبات السكان بحاجة إلى متنفس. وعندما قدم السوفيات في الحرب العالمية الثانية وهزموا النازيين، أصيبوا بخسائر كبيرة. الآلاف من جنودهم قُتلوا في معركة برلين. وقرروا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية نقل نحو 5 آلاف جندي ودفنهم في حديقة تريبتاور تحت تلة شُيد فوقها الجندي الروسي».
يروي هوشموث أن هذا الجندي قصته مقتبسة من حادثة وقعت بالفعل عندما أنقذ جندي روسي فتاةً ألمانية من تحت الركام، مخاطراً بحياته.

جدل حول التمثال
جدل كبير يحيط وجود هذا التمثال الذي شُيِّد عام 1946 في وسط برلين. وأيضاً بالمجسمات المحيطة به. فأمامه ترى مجسمات رخامية ضخمة منحوت عليها صور لستالين ومقتطفات من كلامه محفورة بالقرب من صورته. وفي كل عام في ذكرى هزيمة النازيين، تتحول الحديقة إلى مكان مناسبة رسمية للدبلوماسيين الروس الذين يتجمعون لإحياء ذكرى مقتل جنودهم.
لكن لسكان برلين الشرقية تجربة مختلفة مع السوفيات تجعلهم ينظرون إلى هذا التمثال بعين مختلفة. يقول أستاذ التاريخ هوشموث: «الجنود تسببوا بمقتل الكثيرين عند تحرير برلين. وأخضعوا برلين الشرقية لحكم ديكتاتوري».
لكن مع ذلك، فإن هذا النصب لا يمكن تدميره لأن هناك اتفاقيات تحميه. فبعد سقوط جدار برلين، وقّعت اتفاقية أدت إلى وحدة ألمانيا بين الدول الأربع التي فازت بالحرب والألمانيتين، أحد بنودها الحفاظ على نصب السوفيات. ويتحدث أستاذ التاريخ عن سبب آخر، ويقول: «اليوم نحاول أن نأخذ مقاربة مختلفة من هذا النصب، وهي عدم تدميره بل التحدث عنه ومناقشته، وهذه هي المقاربة الصحيحة. علينا الحفاظ على التاريخ وتذكّره».

حديقة الجدار
«مواربارك» أو حديقة الجدار، مثال آخر على ما تحدث به أستاذ التاريخ. أول ما تلحظه عندما تدخل الحديقة جدار بطول 300 متر على حدودها، مليء بالغرافيتي. هذا الجدار هو جزء مما تبقى من جدار برلين الشهير بعد سقوطه عام 1989.
اليوم تشتهر هذه الحديقة بسوق النحآسيات الذي يفتح كل يوم أحد حتى في فصل الشتاء القارس. ترى الباعة متجمعين تحت خيم بيضاء تحميهم من الشتاء والثلج، بينما مرتادو السوق يتبضعون نحاساً وأدوات مختلفة. في الصيف، تتحول الحديقة مكاناً يرتاده الفنانون من رسامين وموسيقيين، ورياضيين لممارسة الجري ولعب كرة السلة. وغالباً ما تنظَّم في «حديقة الجدار» هذه حفلات ونشاطات ثقافية وفنية.

«خندق الموت»
الانشراح الذي يطبع هذه الحديقة يتناقض بصورة كبيرة مع تاريخها، على الأقل تاريخها الأقرب. فهي في السابق كانت محطة قطارات ومستودعات، ثم تحولت عام 1961 عندما شيِّد الحائط وقسم المدينة نصفين، إلى ما يشبه «خندق الموت».
يروي أستاذ التاريخ هوشموث أنه بين عامَي 1961 و1989، تاريخ سقوط الجدار، كانت المنطقة التي تحولت إلى حديقة اليوم، منطقة محظورة. ويقول: «من الجيد التذكر أنه كان هناك جداران وليس واحداً، أحدهما باتجاه غرب برلين والآخر باتجاه الشرق. ووسط الجدارين، حيث هذه الحديقة، كان هناك حراس وأبراج مراقبة وكلاب، وكل من يحاول عبورها يتم إطلاق النار عليه».
نحو 1400 شخص قُتلوا في هذه المنطقة المحظورة، بينهم حراس وأشخاص كانوا يحاولون العبور أو الهرب من رجال الأمن. يقول هوشموث: «بعد سقوط الجدار عام 1989 تحول هذا الخندق إلى حديقة عامة وهذا مثال على التحول الذي شهدته برلين».
والحائط الذي بقي جزءٌ منه في الحديقة بات لوحةً فنية تعجّ به الألوان المختلفة بعد كان لونه رمادياً أو أبيض أيام الحكم الشيوعي في برلين الشرقية، وممنوع على أحد لمسه.

«السجن الحديقة»
حديقة أخرى قد يكون تاريخها هو الأكثر سوداوية بين هذه الحدائق، هي حديقة «موابيت» الواقعة في وسط العاصمة بالقرب من محطة القطارات المركزية. عندما تغادر المحطة وتتمشى قليلاً في محيطها، تلحظ جداراً عالياً نحاسيَّ اللون. تقترب قليلاً وترى أن الجدار يدور في شبه مربع. لا يتبادر إلى ذهنك أبداً أن داخل هذه الجدران حديقة. بل تعتقد أنها أقرب إلى جدران سجن. وفي الحقيقة، هي كذلك.
مكان هذه الحديقة كان سجناً ذائع الصيت أيام النازيين، بسبب البشاعات التي كانت تدور داخله. تعذيب وقتل وجثث مدفونة في بقعة مقابلة، قلائل يعرفون حتى اليوم أنها تحوي عشرات الجثث رماها حراس السجن في الحرب العالمية الثانية.

جنود «فاليكري»
لعل أشهر المساجين الذين قبعوا هنا، هم الجنود الذين تورطوا في عملية «فاليكري» وحاولوا اغتيال هتلر عام 1944. هؤلاء أُعدموا، هم ومعظم سجناء «موابيت» أيضاً. لكن اللافت أنه بعد إغلاق هذا السجن إثر هزيمة النازيين، وتدمير مبناه، قررت بلدية برلين الحفاظ على جدرانه، وفتحت باب المناقصات لتلقي اقتراحات لمشاريع يمكن إقامتها والاحتفاظ بالحائط الذي يبلغ طوله 320 متراً وعلوه نحو 5 أمتار.
وفازت شركة هندسة «غلاسر وداغنباش» بمشروع تحويل السجن إلى حديقة عامة. يقول أودو داغنباش، أحد مهندسي المشروع، لـ«الشرق الأوسط»: «كان بإمكاننا أن نهدم الجدران بسهولة وننسى أنه كان هناك سجن ولكن اعتقدنا أنه جزء مهم من تاريخ ألمانيا. ولذلك قررنا أنه مكان مهم ويجب الحفاظ عليه، ولكن تحويله إلى شيء آخر».
ويشرح داغنباش كيف تمت هندسة الحديقة لتعكس هندسة مبنى السجن. وفي داخل الحديقة مجسم زنزانة يعكس حجم الزنازين التي كانت في السجن. عندما تدخل الزنزانة، أو تقترب منها تسمع أصوات سلاسل وأبواب حديدية تُفتح وتُغلق ثم صوتاً يقرأ أشعاراً بالألمانية. يتبين أن هذه الأشعار كتبها شاعر مشهور يدعى ألبريت هوشوفير قبع في هذا السجن بين عامي 1944 و1945، وكان من المعتقلين السياسيين أيام النازية.
حدائق كثيرة أخرى في أنحاء العاصمة الألمانية تُشعرك بثقل التاريخ هنا. فالتنزه في حدائق برلين لن يجلب لك فقط الاسترخاء والتمتع بجمال الطبيعة، بل سيجعلك تعيش الذكريات المرة التي عاشتها برلين وجعلت منها مدينة ستأسرك دون شك.



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.