سجل الأنباء الكاذبة يعيد الإعلام التقليدي إلى «حلقة الثقة»

كثرة الأخبار تقلل تصديقها... خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي

سجل الأنباء الكاذبة يعيد الإعلام التقليدي إلى «حلقة الثقة»
TT

سجل الأنباء الكاذبة يعيد الإعلام التقليدي إلى «حلقة الثقة»

سجل الأنباء الكاذبة يعيد الإعلام التقليدي إلى «حلقة الثقة»

يبدو أن علاقة الحب التي كانت تربط الناس بمواقع التواصل الاجتماعي انتهت. فقد أظهر استطلاع جديد للرأي نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية الأسبوع الماضي، أن 24 في المائة فقط من البريطانيين يثقون في مواقع كـ«فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» فيما يتعلق بالبحث عن الأخبار والمعلومات.
ورجّح مقياس «إيدلمان للثقة» أن الأيام التي نُصّبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي بطلةً لتمكينها الناس من ممارسة مهنة الصحافة شخصياً، ولدورها الكبير الذي لعبته في الربيع العربي، قد انتهت.
والحقيقة، أن سجلّها أصبح مليئاً بالأخبار الكاذبة، وباتت مصدراً للمخاوف من الاعتداءات الإلكترونية ونشر البروباغندا المتطرفة، إلى جانب التأثير السلبي الكبير لـ«سنابشات» و «واتساب» وغيرهما من التطبيقات على الأطفال.
في الوقت نفسه، وجد الاستطلاع ارتفاعاً صاعقاً بلغ 13 نقطة لصالح وسائل الإعلام التقليدية، بنسبة وصلت 61 في المائة لأول مرة منذ عام 2012.

في هذا الإطار، قالت إيمي أوروبين، عالمة نفس متخصصة بمواقع التواصل الاجتماعي ومحاضرة في جامعة أكسفورد: «تعيش شركات التواصل الاجتماعي اليوم التجارب التي مرّت بها وسائل الإعلام التقليدية المنافسة إبان انطلاقها».
وأضافت: «مع ظهور أي تقنية جديدة، يشعر الناس بالحماسة والاهتمام، إلا أن الحديث العام عن مواقع التواصل الاجتماعي تغيّر العام الماضي. فقد ظهرت إحصاءات مخيفة دفعت إلى تبدّل الرأي الجماهير، وهذه الأرقام التي أظهرها الاستطلاع هي دليل على هذا التغيير».
وكانت تقارير كثيرة قد سلّطت الضوء على التأثير السلبي الكبير للتواصل الاجتماعي على الأولاد، والمشكلات الكثيرة التي تسببها، منها القلق النفسي والوحدة والاكتئاب، وحتى أذية النفس.
في سياق متصل، أجرت مؤسسة «غالوب» استطلاعاً مشابهاً الأسبوع الماضي في الولايات المتحدة أوضح أن كثرة الأخبار، وبخاصة بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، وبخاصة موقعا «تويتر» و«فيسبوك» زادت عدم الثقة فيها.
لكن، أهم من ذلك، يظل كل الأميركيين تقريباً يرون الأخبار التي ينقلها الصحافيون ركناً أساسياً لديمقراطيتهم. ويبدو هذا هو الأمل المنشود، وذلك بسبب تطورات سلبية خلال العقود القليلة الماضية. منها التالي: انخفاض الثقة في الإخبار في استطلاعات كثيرة، وعدم القدرة على التفريق بين الأخبار الصادقة والأخبار الكاذبة.
أجرت «غالوب» الاستطلاع وسط 20 ألف أميركي تقريباً، وقال المشاركون إنهم يثقون أكثر في أخبار الصحف وقنوات التلفزيون الرئيسية الوطنية. ويثقون أقل في أخبار مواقع التواصل الاجتماعي.
في الأسبوع الماضي، عقدت صحيفة «واشنطن بوست» مؤتمراً عن هذه الموضوعات، اعتماداً على استطلاع «غالوب». من جانبه، قال فرانك نيوبورت، رئيس تحرير «غالوب»: «يؤمن الأميركيون بأن أخبار الإعلام حجر أساسي في الديمقراطية. أرى أن هذا شيء يدعو للتفاؤل». وقالت جودي وودروف، مذيعة كبيرة في تلفزيون «بي بي سي» (شبه الحكومي): «يسبح الأميركيون في بحر من الأخبار. ومن المفارقات أن تطور التكنولوجيا، وهو تطور إيجابي، جعلنا لا نكاد نعرف الخبر المهم والخبر الصحيح».
كدليل على كثرة أخبار مواقع التواصل الاجتماعي وتفاقم مشكلة الأخبار الكاذبة العام الماضي، كشف استطلاع أجرته مؤسسة «بيو»، عن أن نسبة كبيرة (67 في المائة) من الأميركيين يتلقون أخبارهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
احتل «فيسبوك» الصدارة بصفته مصدراً لهؤلاء. تتلقى نسبة 45 في المائة من الأميركيين أخبارها منه. وجاء بعده موقع «يوتيوب» (18 في المائة)، ثم «تويتر» (11 في المائة)، ثم «إنستغرام» (7 في المائة).
وخلال عام واحد، ارتفعت نسبة الذين يتلقون أخبارهم من الإنترنت من 62 في المائة إلى 67 في المائة. وارتفعت وسطهم نسبة كبار السن (أكثر من 50 عاماً) الذين يفعلون ذلك من 45 في المائة إلى نسبة 55 في المائة في العام الماضي.
طبعاً، يظل السبب الرئيسي لزيادة الاعتماد على أخبار مواقع الإنترنت هو زيادة الاعتماد على الفضاء الإلكتروني.
مع زيادة الاعتماد على مواقع الإنترنت، زاد الاعتماد على أخبارها، ومع زيادة الاعتماد على أخبارها، زادت الأخبار الكاذبة.
لعب الرئيس الأميركي دونالد ترمب دوراً في انخفاض الثقة بأخبار الإعلام، وبخاصة أخبار الإعلام الاجتماعي. طبعاً، ليس ترمب هو المسؤول عن كثرة الأخبار الكاذبة في الإنترنت، وبخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه لا ينتقدها بقدر ما ينتقدها في الصحف والتلفزيونات الرئيسية.
وعن هذا، قالت أنديرا لاكشماني، معلقة صحافية: «لم يخلق ترمب هذه المشكلة. لكنه استغل انعدام الثقة الحالي في الصحافيين بهدف تشويه سمعة المؤسسات الإعلامية كلها. وهو يفعل ذلك ليقول: أنا الوحيد الذي يمكن أن تثقوا به».
وأضافت لاكشماني: إن «هذا موضوع خطر بصورة لا تصدق. ليس خطراً فقط على الديمقراطية الأميركية، بل، أيضاً، خطر على الحكومات في جميع أنحاء العالم. وفعلاً، نرى حكاماً استبداديين حول العالم يسيرون على خطى ترمب».
في الجانب الآخر، قال بريت بايار، مذيع كبير في تلفزيون «فوكس» اليميني (المؤيد لترمب تأييداً قوياً) إن ترمب، نعم، استغل الإعلام الاجتماعي ليخاطب الناس مباشرة، لكنه، في الوقت نفسه، عقد الموضوع (انخفاض الثقة في الإعلام، وزيادة الأخبار الكاذبة).


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».