حمزة بن لادن... «القاعدة» بحلّتها الجديدة

في ضوء التطورات الإقليمية والدولية

حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
TT

حمزة بن لادن... «القاعدة» بحلّتها الجديدة

حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)
حمزة بن لادن في حفل زواجه بإيران («الشرق الأوسط»)

في مطلع عام 2018 تستمرّ الحلقة المفرغة للتنظيمات المتطرفة التي يصعب اجتثاثها بشكلٍ تام، يتقدّم تنظيم إرهابي فيما يتراجع آخر وهكذا دواليك. ففي الحين الذي تدهورت فيه قدرات «داعش» التنظيمية والعسكرية بشكلٍ كبير نتيجة انكباب الجهود الدولية للتخلص من وجوده الفعلي في العراق وسوريا، يسعى تنظيم القاعدة للنهوض من جديد واستقطاب المتطرفين من مختلف أنحاء العالم من أجل ضمّهم للتنظيم بقالبه الجديد.
تظهر مساعٍ نحو استرداد نفوذ تنظيم القاعدة من خلال الترويج لنجل مؤسس التنظيم حمزة بن لادن الذي يمتلك جاذبية ونفوذاً وشعبية قد تفوق تلك التي يمتلكها زعيم القاعدة أيمن الظواهري الذي خفت وهج التنظيم أثناء زعامته ليصبح أشبه بالجعجعةٍ دون تأثير عمليّ، وقد كانت خطابات الظواهري أكثر تأثيرا كرجلٍ ثانٍ في التنظيم في فترة قيادة أسامة بن لادن لـ«القاعدة»، وذلك يعود إلى قوة سيطرة التنظيم في ذلك الوقت قبل أن يحصل «داعش» على اهتمام العالم، سواء من خلال تهافت المنضمين أو محاربة السلطات الدولية له على اعتبار أنه العدو الأبرز.
ويتأرجح مستقبل هيمنة التنظيمات المتطرفة ما بين «القاعدة» و«داعش»، ففي الوقت الذي انهمك فيه التحالف الدولي بمهاجمة تنظيم داعش سعت القاعدة جاهدةً إلى استنهاض قواها وإعادة بريقها من جديد. تلك المؤشرات بدأت في السنوات الأخيرة للتنظيم إذ بذل جهوداً مضنية من أجل التسويق لحمزة بن لادن، وقد أدرجت السلطات الدولية اسمه بوصفه «إرهابياً دولياً»، ليصبح هناك احتمال جعله الوجه الجديد للتنظيم متبعاً خطى والده كشخص مؤهل للقيادة بتشبعه بمبادئ «القاعدة» وطموحه منذ صغره الانضمام لمعاركها، إذ أكد ذلك مراراً لوالده، وقد أثار حمزة موت ابنه «أسامة» أخيراً ليؤكد على سعيه إعادة مجد «القاعدة»، وإن أكدت هذه الحادثة أفول وتلاشي التنظيم بموت حفيد أسامة المسمى باسمه. في عام 2015 قدّم الظواهري حمزة بن لادن في تسجيل مرئي على اعتبار أنه بمثابة «ولادة أسد من عرين (القاعدة)»، وذلك ما يؤكد التوقعات حول وجود مخططات لـ«القاعدة» لاستغلال ذلك من أجل إبراز المظهر الجديد للتنظيم عبر وجه يافع طموح متحدث بإمكانه استقطاب مجندين من جيل الشباب ممن سمعوا بتاريخ أسامة بن لادن الأسطوري في عالم التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي يتيح الفرصة لابنه كوريث للتنظيم أو كمتحدث باسمه ينهض به، ويعيد قولبته بما قد يتناسب مع متطلبات العصر الحديث، من أجل التمكن من التغلب على تنظيم داعش الذي طغى وجوده على الساحة بالأخص في بداياته، واتخاذ نهجه، من حيث الوصول إلى المستقطبين من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والقدرة على التغلغل للآخرين، وإن تشددت السيطرة على العالم الإلكتروني وأصبح من الصعب تكثيف الوجود الإلكتروني للتنظيمات. وقد ظهر حمزة بن لادن في تسجيل صوتي بثته مؤسسة «السحاب» التابعة للتنظيم في 13 مايو (أيار) 2017، محاكياً والده في نبرة صوته وأسلوب حديثه مما قد يعزز من قدرته على التأثير على الآخرين.
وقد شدد بن لادن في ذلك المقطع على أهمية تكثيف العمليات التي تستهدف الغرب على اعتبارها من أعظم القربات وأجلّ العبادات، وذلك على نسق العهد الأولي للتنظيم، كما دعا أعضاء التنظيم بالثأر للمسلمين في العالم من خلال تحريضه على مهاجمة اليهود والأميركيين والغربيين وحتى الروس. وفي ذلك استدلال على أن يسعى حمزة بن لادن لأن يتخذ نهج والده وتنظيم القاعدة بشكل عام في تكثيف رسائله الإعلامية وخطاباته الموجهة للجمهور وإحاطة نفسه بهالة إعلامية قوية يتم عبرها استغلال قدرته على الإقناع والتأثير. وإن كانت المفارقة في نهج حمزة بن لادن في حثّ «الذئاب المنفردة» على تولي مهام الهجمات الإرهابية، وهو النسق ذاته الذي ينهجه تنظيم داعش، أو ما يشبه «حرب الوكالات للتنظيمات المتطرفة»، من خلال التحريض على القيام بهجمات عن بُعد، دون الحاجة إلى الوجود الجسدي في المكان ذاته. مما يختلف عن سبل والده في التخطيط التفصيلي من أجل تحقيق أهداف استراتيجية، إذ يركز حمزة هنا على مهاجمة «الآخر» الغربي الكافر دون اكتراث لماهية الطرق أو الأسلحة أو عدد المستهدفين، الأمر الذي يؤكد ما ذاع عن وجود خلاف ما بينه وبين القياديين الآخرين في التنظيم بمن فيهم الظواهري، سواء كان هذا الخلاف في استراتيجياته وأهدافه بالأخص، وأن العمليات العشوائية التي ينتهجها الأفراد تقلِّل من مدى أهمية الهجمات وتجعلها متخبطة عشوائية، بغض النظر عن مدى سهولتها واعتبارها أفضل طريقة براغماتية لتحقيق الأهداف في ظل التركيز العالمي على الإرهاب السيبراني والشبكات المتطرفة. فيما يتمحور الخلاف الآخر في مدى أهلية حمزة بن لادن لأن يتسلَّم زمام قيادة «القاعدة»، لا سيما أنه لم يعش التجربة الفعلية للتنظيم. يظل استغلال وجود حمزة بن لادن مجرد احتمال إن لم يُستغَلّ كقالب جديد للتنظيم فمن الممكن أن يظل مجرد رمز تاريخي للتنظيمات المتطرفة دون وجود فعلي على الساحة بمعنى أن يستمر على الوضع الراهن الرتيب.
وإن تمت مقارنة التنظيمات المتطرفة في مدى متانة آيديولوجيتها وقدرتها على التأثير على الآخرين، فإن التهديد المستقبلي يأتي لا محالة من قبل التنظيم الأم بمعنى «القاعدة» وليس من تنظيم داعش، لا سيما أنه ينطلق من مبادئ أكثر رسوخاً من تخبُّط «داعش». فأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وحدها تُعدّ بداية عهد جديد انقسم فيه العالم إلى قطبين؛ قطب يدعم التطرف وآخر يناوئه. فيما انحسرت رمزية تنظيم داعش من بعد قضاء دول التحالف على خلافته المزعومة في الموصل والرقة، وإن استمرّ في قدرته على استقطاب المتطرفين من كل حدب عبر شبكاته القوية. فيما عرف تنظيم القاعدة بسعيه لكسب «أفئدة وعقول» المحيطين بهم ومعرفة ما ينقصهم من احتياجات، والسعي في تحقيقها، بما في ذلك إعادة بناء البنى التحتية للمدن التي تقع تحت سيطرته، ويختلف تنظيم داعش عن ذلك باعتباره أكثر شراسة في إلغائه للآخر ليمتد ذلك للمسلمين، ويستهدف أماكن التعبد بشكلٍ عام لمجرد وجود مناسبة دينية في أماكن للتجمع يسهل استهدافها من أجل حصد أكبر عدد من الضحايا، ونشر الذعر من خلال البطش بالآخرين.
ويعكس الصراع على النفوذ الدولي ما بين «داعش» و«القاعدة» السعي نحو استجلاب تحالفات مع تنظيمات وجماعات أخرى سواء في أماكن النزاع أو حتى في مناطق أخرى مثل أفريقيا. وقد انتشرت أقاويل جاءت بعد البث المسموع لحمزة بن لادن حول تمركزه في سوريا لم يتم تأكيدها أو نفيها، وذلك من أجل استغلال فرصة مهاجمة التحالف الدولي لـ«داعش»، وشروع «القاعدة» في السعي نحو كسب المعارضين لنظام بشار الأسد ومحاولة الحصول على تحالفات والتأسيس لـ«قاعدة» للمجاهدين فيها، بعد أن اتضح استحالة تنظيم داعش الاستمرار في تلك المنطقة، والاستفادة من انعدام الأمن والاستقرار السياسي فيها من أجل ملء الفراغ الموجود. وإن كان يصعب إيجاد مكان ثابت للتنظيمات المتطرفة بشكلٍ عام، إذ من السهل إيجادها من خلال الأنشطة الإلكترونية للمتطرفين، واستهداف أماكن وجودهم عسكرياً أو عبر غارات جوية إن أتاحت المنطقة الجغرافية التي تمركز فيها الإرهابيون ذلك. إذ إن معرفة أماكن سيطرة التنظيمات مثل وجود تنظيم القاعدة في اليمن سهّل عملية استهداف عناصره، كما حدث مع قائد تنظيم القاعدة في شبوة مجاهد العدني الذي قتل في غارة جوية مع مرافقيه حذيفة العولقي وأبو ليث الصنعاني عبر غارة جوية بطائرة أميركية دون طيار. فيما ذاع صيت «القاعدة» في المغرب العربي إضافة إلى جماعات أخرى تبنت فكر «القاعدة» في سيناء مثل جماعة «المرابطون» و«جند الإسلام» فيها، إضافة إلى حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، فيما فضلت جماعات أخرى الانضمام لـ«داعش» مثل جماعة بوكو حرام التي كانت من قبل قد أعلنت ولاءها لـ«القاعدة» باسم جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد.
بشكلٍ عام تستدعي المؤشرات الآنية ترجيح استمرارية «داعش»، وإن ضعف واحتمال هيمنة «القاعدة» في حال ظهوره بمظهر جديد أو بزوغ تنظيم آخر جديد مسيطر، لا سيما أن الاضطراب السياسي لا يزال مستمراً في عدة مناطق من الشرق الأوسط، إذ يصعب التخلص من التنظيمات المتطرفة بالطريقة العسكرية التقليدية التي ركَّزت على القضاء على معاقل التنظيم، وإن قلص ذلك من قدراته، إذ بإمكانه إيجاد معاقل أخرى أو تحويل عملياته لتصبح سيطرة على العمليات الإرهابية عن بعد كمساعي تنظيم داعش إنشاء خلافة إلكترونية.
الأمر الذي يعكس مدى صعوبة اجتثاث تنظيم متطرف، كما حدث مع تنظيم القاعدة الذي استمرّ على مر سنوات كثيرة على الرغم من ضعفه وخفوت بريقه، إلا أن التنظيم لم يتلاشَ تماماً وإنما تذبذبت عملياته حتى أصبحت هناك مؤشرات لنهوضه مرة أخرى. فوجود مناطق نزاع واضطراب سياسي من جهة، ووجود أقليات مسلمة تشعر بالاضطهاد من جهة أخرى، كل ذلك يعزز من قدرة مثل هذه التنظيمات على التأثير واستقطاب المؤيدين. إضافة إلى وجود مسببات أخرى أبرزها تعالي صوت اليمين في الغرب، وظهور أصوات وتوجهات تؤيد قرارات تثير غضب الرأي العام مثل قرار الرئيس الأميركي ترمب نقل عاصمة إسرائيل إلى القدس، مما قد يعزز من قدرة المتطرفين استثارة المتعاطفين لأخذ الثأر لذلك. وعلى النسق ذاته، يصعب اختفاء تنظيم داعش، بالأخص مع سهولة القدرة على انضمام أي شخص يحمل فكراً متطرفاً لهم مما يتيح له العمل في الخفاء معهم. فيما من الوارد أن تظهر تنظيمات متطرفة جديدة بقالب آخر يلفت الأنظار بالأخص بعد أن وصلت التنظيمات الأخرى مرحلة الضعف. النقطة الأهم التي تدفع التطرف للاستمرار تكمن في صعوبة قدرة السلطات القضاء على الآيديولوجية المتطرفة بشكلٍ تام بالأخص إن استمرت مسبباتها، ويلزم من أجل ذلك وضع استراتيجيات تسعى لاجتثاث الفكر المتطرف وحيثياته.


مقالات ذات صلة

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

أفريقيا من الانفلات الذي رافق الهجومين في شوارع العاصمة المالية (إ.ب.أ)

عاصمة مالي تستعيد الهدوء بعد الوقوع في قبضة «كوماندوز القاعدة»

«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» أصدرت بيانا قالت فيه إن الهجوم يأتي انتقاماً لمئات المجازر والمذابح التي ارتكبتها هذه الطغمة الحاكمة وحلفاؤها الروس بحق شعبنا»

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا حمزة بن لادن (أرشيفية)

هل حمزة بن لادن على قيد الحياة؟

عاد حمزة بن لادن، نجل الزعيم الراحل لـ«القاعدة»، المقتول في باكستان، إلى الظهور في أفغانستان، حسب ادعاءات الاستخبارات الغربية.

عمر فاروق (إسلام آباد ) «الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري تخريج دفعة جديدة من مقاتلي «داعش خراسان» من «معسكر حقاني» في أفغانستان (متداولة)

تحليل إخباري لماذا يزداد الاعتقاد بأن هجوماً مثل «11 سبتمبر» قد ينطلق من أفغانستان؟

تعتقد المنظمات الدولية التي تراقب أفغانستان والدول المجاورة لها والحكومة الباكستانية وأجهزة الاستخبارات أن أفغانستان أصبحت مرة أخرى مركزاً للإرهاب الدولي.

عمر فاروق (إسلام آباد )
تحقيقات وقضايا فشلت محاولتا التواصل بين نظام صدام وبن لادن لكن اتهامات التعاون طاردت العراق (أ.ف.ب)

11 سبتمبر... ماضٍ أدمى العراق وحاضر يهدد أفغانستان

فقدت ذكرى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 على الولايات المتحدة، أهميتها مع مرور السنين، لكن آثارها لا تزال حية في منطقة الشرق الأوسط وجوارها.

غسان شربل (لندن) كميل الطويل (لندن)
خاص مقاتلون مع حركة «طالبان» في ولاية بادخشان شمال البلاد 1 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

خاص معسكرات أفغانية تثير مخاوف من «عودة القاعدة»

مع حلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر، يبدو تنظيم «القاعدة» عازماً على إعادة بناء صفوفه وإنشاء معسكرات ومدارس دينية في أفغانستان، وهو أمر يثير قلقاً أممياً واضحاً.

كميل الطويل (لندن)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».