دعوة أفريقية إلى إحياء عملية السلام في جنوب السودان

TT

دعوة أفريقية إلى إحياء عملية السلام في جنوب السودان

وصفت الأمم المتحدة محاولة إحياء عملية السلام بأنها «فرصة أخيرة» لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة في جنوب السودان منذ 4 أعوام. ويتوقع أن تجري جولة ثانية من المحادثات في الخامس من فبراير (شباط) المقبل. وفي هذا السياق، دعا رئيس لجنة مراقبة وتقييم اتفاق السلام في جنوب السودان فيستوس موغاي، الدول الأفريقية المنخرطة في جهود الوساطة، إلى عدم «هدر» فرصة وجود مساعٍ جديدة لإنهاء الحرب. وقال موغاي على هامش قمة للاتحاد الأفريقي في إثيوبيا، إن العملية «مفصلية وتقدم فرصة يجب عدم هدرها»، وفقاً لبيان صادر عن لجنته. وحض الرئيس البوتسواني السابق، الأعضاء الثمانية للهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيقاد) على العمل معاً. وقال موغاي إن على جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا وكينيا والصومال والسودان وأوغندا العمل على «المحافظة على نهج موحد وإظهار موقف واحد وتحدى أولئك الذين يروجون لمصالحهم الخاصة». وأثمرت الجولة الأولى من المحادثات لإحياء اتفاق سلام أُبرم عام 2015 عن وقف لإطلاق النار في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استمر لساعات فقط قبل أن تتبادل الأطراف المتحاربة الاتهامات بخرق الهدنة.
وعقد كل من الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية «إيقاد»، والأمم المتحدة، أمس (السبت)، في أديس أبابا، اجتماعاً تشاورياً مشتركاً بشأن جنوب السودان، ورحبوا بنتائج المنتدى رفيع المستوى لإعادة التأهيل الذي عُقد في 21 ديسمبر الماضي، في أديس أبابا، معتبرين ذلك نقطة انطلاق مهمة لتحقيق السلام في جنوب السودان.
وقال رئيس الوزراء الإثيوبي هايل مريام ديسالين، رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد)، إنه ينبغي التقيد التام بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي، وأن عدم القيام بذلك أمر غير مقبول. وشدد على القول: «لا نستطيع أن نجلس مكتوفي الأيدي، ونشاهد خرق الاتفاق مستمراً بلا هوادة». وطالب الاتحاد الأفريقي، وهيئة «إيقاد»، والأمم المتحدة، جميعَ الأطراف المعنية بالاحترام والامتثال الكامل لاتفاقية وقف الأعمال العدائية، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية، معبّرين عن استعدادهم لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد الأفراد والجماعات التي تفسد عملية السلام في المنطقة.
كما التقى الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، أمس، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على هامش القمة، لمناقشة النزاع في جنوب السودان، وفقاً لبيان أصدرته الرئاسة. وأفاد البيان بأن غوتيريش حضّ كينيا على العودة إلى قيادة الوساطة.
ويشير محللون إلى أن مصالح أعضاء «إيقاد» في المنطقة متباينة بشكل كبير. ويشهد جنوب السودان حرباً منذ يناير (كانون الثاني) 2013 عندما اتهم الرئيس سلفا كير نائبه السابق رياك مشار بالتخطيط للانقلاب عليه. وتم توقيع اتفاق سلام بعد عامين إلا أنه انهار في يوليو (تموز) 2016 عندما أجبر تجددُ القتال في العاصمة جوبا مشار على الفرار. واتسعت رقعة القتال لاحقاً في أنحاء البلاد، حيث تشكلت مجموعات مسلحة متحاربة. والأسبوع الماضي، دعا موغاي إلى «معاقبة» الأشخاص الذي يرفضون وقف القتال. وقال لمجلس الأمن الدولي في اتصال عبر الفيديو من جوباك «لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي في وقت يوقّع قادة جنوب السودان اتفاقاً في يوم ويسمحون بانتهاكه من دون عقاب في اليوم التالي».
وحضّت مندوبة واشنطن لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، القادة الأفارقة المجتمعين، على «محاسبة الأشخاص الذين يرفضون السعي نحو السلام». ودعت هايلي رئيسي أوغندا وكينيا إلى الضغط على كير، قائلة: «إنهما الفريقان الرئيسيان القادران على إنجاح عملية سلام فعلية».
بموازاة ذلك، عقد رؤساء دول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا، مساء أمس، في أديس أبابا اجتماعاً تنسيقياً، قبيل انطلاق القمة الأفريقية. وتُعرف جمهورية توغو، التي يرأسها فور أياديما، اضطرابات خطيرة منذ عدة أشهر. وتجري دول غرب أفريقيا وساطة لإيجاد حل سياسي بين السلطة والمعارضة. وتطالب المعارضة بإنهاء حكم عائلة أياديما الذي استمر نصف قرن.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟