الثأر بـ«الإعدامات المتبادلة» على طريقة «داعش» يُخيف الليبيين

تنظيم متشدد في درنة يصفي 3 من الموالين للجيش

TT

الثأر بـ«الإعدامات المتبادلة» على طريقة «داعش» يُخيف الليبيين

سادت حالة من الغضب والخوف، الأوساط الليبية، عقب تصاعد «وتيرة الانتقام من معتقلين ومدنيين»، بعد تصفية ثلاثة شباب في مدينة درنة، رمياً بالرصاص، رداً على ما وصف بقيام محمود الورفلي الرائد في قوات الصاعقة التابعة للقوات المسلحة الليبية بقتل 10 أشخاص أمام مسجد بيعة الرضوان بمنطقة السلماني بمدينة بنغازي، في وقتٍ قال مواطنون إنهم عثروا على 5 جثث ملقاة في مكب للنفايات على أحد جانبي الطريق في بنغازي، دون صدور تأكيد أو نفي رسمي.
وأعرب سكان من درنة (شمال شرقي ليبيا) عن استيائهم من إقدام ما يعرف بـ«مجلس شورى درنة وضواحيها» الموالي لتنظيم القاعدة، على تصفية ثلاثة شبان من المدينة في منطقة باب طبرق، مساء أول من أمس، بعد اقتيادهم من منازلهم، والتخلص منهم بتهمة «التعاون مع القوات المسلحة الليبية».
ودعا عضو المجلس الأعلى للدولة منصور الحصادي بـ«وقف الإعدام خارج القانون». وقال: «ندين ونستنكر تصفية وقتل ثلاثة شباب بدرنة، دون إخضاعهم لمحاكمة عادلة أمام القضاء». وأضاف: «القتل (من دون محاكمة) مُحرم ومُجرم ومخالف لأبسط حقوق الإنسان ومرفوض مهما كانت المبررات والأسباب»، مشيراً إلى أن «الإرهاب كل لا يتجزأ، ويجب ملاحقة الجناة وعدم الإفلات من العقاب».
وتابع الحصادي، الذي ينتمي إلى مدينة درنة، لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الجرائم من شأنها ضرب النسيج الاجتماعي، وزيادة وتيرة الفوضى، ما يؤثر على أي فرصة لاستقرار البلاد». وقال: «سبق وأدنّا تفجير السلماني، وقتل 10 مواطنين في بنغازي، على أيدي المدعو الورفلي... وإذا كنا نريد تأسيس دولة ديمقراطية قائمة على المؤسسات فلا بد من التصدي لمثل هذه الجرائم بعيداً عن التجاذبات السياسية».
وتحاصر قوات تابعة للجيش الوطني الليبي، مدينة درنة، التي يسيطر عليها «مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها». وقال مسؤول محلي لـ«الشرق الأوسط» إن «(مجلس مجاهدي درنة) قتل 3 مواطنين، وألقى بجثثهم أمام مستشفى الهريش»، مرجحاً أن تكون «هذه الجريمة رداً على إعدام الورفلي لـ10 شباب ينتمون إلى مجلس شورى بنغازي (اعتُقلوا) خلال حرب الجيش في سيدي إخربيش». وأبدي المسؤول رفضه لمثل هذه الممارسات، وقال: «جرائم القتل الانتقامي، على طريقة تنظيم داعش باتت تعاني منها البلاد، وتمثل خطراً علينا»، لافتاً إلى أن «ممارسات القتل العشوائي، وطريقة التخلص من المواطنين، تنتهج أسلوب التنظيم الإرهابي الذي كان يقصف الرؤوس حيناً ويقطفها أحياناً».
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للشباب الذين عثروا على جثثهم، وهم محمد القناشي وحسين البرعصي وعز الدين إبريك، وجميعهم صغار السن.
وفي سياق قريب، أفادت فضائيات ليبية بأن مواطنين في مدينة بنغازي عثروا أيضاً على 5 جثث مجهولة الهوية في مكب للنفايات، في منطقة الليثي، صباح أمس. وبدا على الجثث آثار تعذيب وبجوارها ما يشبه بطاقات تعريف بأسماء القتلى، وأنهم من «أنصار الشريعة» ويحملون «فكر داعش».
وأدرج مجلس الأمن الدولي في عام 2014 تنظيم «أنصار الشريعة» الليبي على قائمته السوداء للمنظمات الإرهابية على خلفية «ارتباطه الوثيق بتنظيم القاعدة»، وفي نهاية مايو (أيار) الماضي أعلن التنظيم حل نفسه.
وفي الإطار ذاته، اعتبرت «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» في ليبيا، في بيان أمس، أن «عمليات الإعدام الميداني الجماعي لسجناء ومعتقلين مشتبه بانتمائهم لتنظيمات إرهابية دونما الكشف عن هوياتهم وأسباب اعتقالهم ونتائج التحقيقات معهم جريمة أشبه ما تكون بجرائم تنظيم داعش في حق ضحاياه».
وفي نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عثر على 36 جثة مجهولة الهوية على جانبي طريق في بلدة الأبيار (شرق البلاد)، وعليها آثار طلقات رصاص في أنحاء متفرقة من الجسد. وكلّف القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، حينها، المدعي العام العسكري بالتحقيق في الواقعة، ووجه بـ«عدم ممارسة أي إجراءات عقابية خارج إطار القانون»، ومعاقبة كل من شارك في هذه الجريمة، لكن إلى الآن لم يكشف عن الجناة.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».