ألبرتو مورافيا: لا أدري لماذا لم أكن رساماً

نصوص مجهولة لصاحب «اللامبالون»

مورافيا بريشة كوتوزو
مورافيا بريشة كوتوزو
TT

ألبرتو مورافيا: لا أدري لماذا لم أكن رساماً

مورافيا بريشة كوتوزو
مورافيا بريشة كوتوزو

ترك مورافيا وراءه أكثر من 40 مؤلفاً وآلاف المقالات متنوعة المواضيع، ترجم كثير منها إلى أكثر من 50 لغة من لغات العالم الرئيسية ومنها اللغة العربية.
وروايات مورافيا التي شكلت تاريخاً اجتماعياً ونفسياً لإيطاليا القرن العشرين، لقيت رواجاً كبيراً داخل إيطاليا وفي العالم، لا تفسره نزعة الكاتب الوجودية المبكرة، ولا التركيز الكبير على الجنس، بل كذلك حرفته الروائية العالية ومقدرته على التقاط دقائق التحولات السياسية والاجتماعية والنفسية لدى أوساط المجتمع الإيطالي المختلفة، وخصوصاً منها أوساط البرجوازية.
ويعتبر مجيء مورافيا إلى عالم الأدب كممهد للواقعية الإيطالية المحدثة، جنباً إلى جنب مالابرتي، وبريمو ليفي، وجوزيبى برتو، وماريو توبينو، وريناتا فيغانو، ودينو بوزاتي روائي القلق الماورائي وكارلو برناي وجوفاني تستوري وايتالو كالفينو وعشرات الأسماء الأخرى التي أنهت مخلفات القرن التاسع عشر لتبدأ بتدشين عصر جديد تجلى في عدة اتجاهات أنهت وإلى الأبد الضجة المثالية والروحانية الجمالية التي اعتلت الألق اللفظي التفخيمي الذي ساد كتابات الأولين.
لقد كان هذا الكاتب الشهير يرفض العمر، لأنه يمثل الماضي، والماضي بالنسبة له مثل مادة الفحم، والفحم كما يقول لا يبقى منه سوى السخام بعد أن يتدفأ المرء بتلك القطع السوداء طيلة عمره.
سئل مورافيا قبل وفاته التي صادفت يوم 28 سبتمبر (أيلول) عن عمر 82 عاماً، فقال: «إنه لا يفكر فيه أبداً»، وعما بعد الموت، أجاب: «لا أفكر فيه أيضاً فنحن مثل الأزهار نولد، ونموت ثم نودع». حتماً كان يفكر في لحظته الأخيرة، ولكنه كان ينظر إليها على أنها حدث خارجي، مثلما كان يرفض كل تصنيف اجتماعي، وكل تبويب في نماذج بسيكولوجية، وكل حكم أخلاقي، فإنه لم يكن يقبل بإدخال أي حتمية إلى الأمور.
وكواحد من أبرز المدافعين عن العالم الثالث، وخصوصاً القضية الفلسطينية، كان يبتعد عن السياسة بدقة ولياقة، ولكنه كان يقترب يوماً بعد آخر من فن الرسم الذي أحبه بعمق.
90 مقالاً للفترة ما بين 1934 و1990، اختارتهم الأديبة الإيطالية ألكساندرا كارمو من بين عشرات من المقالات والدراسات ولقاءات صحافية وحوارات مع الفنانين، التي كتبها مورافيا، لتصدرها بكتاب من 450 صفحة من القطع الكبير، تحت عنوان «لا أدري لماذا لم أكن رساماً».
يتعلق الأمر بنصوص مجهولة، نشرت في صحف يومية ومجلات وكتالوغات وكتيبات يعسر الحصول عليها، طبعتها غاليريات كاستدعاءات إلى معارض فنية، جمعت مع بعضها لتلافي ضياعها، فهي تحيل إلى الرسم والأدب في حوار ذي أهمية بين مختلف التعابير الفنية.
تعرف ألبرتو مورافيا على فن الرسم في أسرته، فقد كان أبوه مهندساً معمارياً يشد رحاله كل سنة إلى مدينة البندقية، موطنه ليرسم مشاهدها ثم يحتفظ بها بمحبة كبيرة في منزله، أما أخته أدريانا مورافيا فهي فنانة تشكيلية ذات صيت لبراعتها في فن الرسم. حسب مورافيا، فإن عمل الفنان يبدو أكثر جذباً، وأكثر حسناً وأكثر أصالة من الأدب، لأن العمل الفني يصنع من الألوان والصور وليس من معارك الكلمات. وللسبب نفسه، فإنه في حياته كلها دأب على إحاطة نفسه بأصدقاء رسامين شغفوه انبهاراً، وذلك لأنهم، على عكس الكتاب، «هم دائماً فنانون»، فأحاط نفسه بلوحات فنية متعددة ومتنوعة الأساليب مثلما يشهد بذلك ذاك الجمع الهائل المحفوظ في شقته السكنية الموجودة على ضفة نهر «التيفر» في روما، والتي هي اليوم «متحف ألبرتو مورافيا».
منذ روايته الأولى «اللامبالون» التي نشرتها دار «بومبياني»، ظل مورافيا يقترح أعمال الفنانين الذين كانوا يعجبونه، كما كان، في الوقت نفسه، يطالب بإلحاح بنشر الأعمال ذات الرسوم المبينة «لغرض العمل»، إذ كان قد أغرته منذ الصبا الرسومات التي كان يلحقها ويضمها الناشر غوستاف دوري إلى كثير من كتب الأدب.
وهناك أمر آخر نجده في كثير من لقاءاته الصحافية، ومؤداه أن مورافيا لا يحصر تأملاته في الفن التشكيلي في مجال ذاتي يسقطه على البعد التاريخي، حتى إن كان من اليقين أن الثقافة الإيطالية كانت «تصويرية رسمية وليست أدبية، ذلك أن تمثيل إيطاليا كان أكثر نجاحاً في أعمال الفنانين منه في أعمال الشعراء».
هذه الملاحظات المساعدة، التي هي ليست فقط من طبيعة بيوغرافية، لها قيمة تعليمية وتمهيدية خالصة لموضوع يقتضي مقاربة تتعدد فيها التنظيرات، فمن الناحية النقدية ما يهمنا هو المعاينة الدقيقة للتأثيرات الفنية، ذات الخاصية المحورية والأسلوبية، على العمل الفني، بدءاً من اللجوء الدائم والمتنوع للاستشهادات الظاهرة أو المضمرة. وإلى حد اليوم لا توجد دراسات ذات نفس طويل عالجت وواجهت المادة، من دون أن ننسى اللوازم النظرية التي يقتضيها التفاعل بين الفن والأدب. بهذه الافتراضات المسبقة ابتدأت جامعة بادوفا الشهيرة في الشمال وجمعية «صندوق ألبرتو مورافيا» في إنجاز مشروع غرضه الاهتمام بمعالجة الموضوع، انطلاقاً من تجميع كل كتابات مورافيا عن الفن، علماً أنه بالفعل لا توجد رابطة عن الفنون البصرية توثق العمل الفني، إذا اعتبرنا أن مورافيا يمتهن الكتابة ويمارس النقد الفني، وخصوصاً الكتابة المتوهجة أولاً في الرسم، لكن ليس حصراً فيه، بل تتوجه أيضاً إلى النحت والتصوير الفوتوغرافي بدرجة يمكن معها أن تعد جزءاً لا يتجزأ.
باسم الأصالة يستجيب مورافيا في كتاباته، إلى نداء الأشياء، شأنه في ذلك شأن رائد الواقعية الإيطالية في الفن التشكيلي الراحل ريناتو كوتوزو، وبعفوية يثمنها في الفن، يشخصها، انطلاقاً من أعمال فنية كثيرة لفنانين امتلكوا ناصية الحداثة. وعلى الرغم من أن معظم هذه الأساليب بعيدة عن الواقعية، فإننا نستحسنها، وهي من وجهة نظر مورافيا لا تكلمنا عن الحياة الخاصة لمنتجيها، بل عن حياة من يبصرونها.
وفعلاً فإن النص الأخير الذي كتبه مورافيا قبل موته بأشهر قليلة، اتخذ فيه الفنان فان غوخ قبلة له وبالأخص 4 من أعماله؛ «المقهى الليلي»، و«الليل والنجوم»، و«بورتريه شخصي»، و«الزرّاع»، فلأربعتها قوة تأثير مختلفة، كشفت عنها الكتابة. إن لوحات الفنان فان غوخ بالنسبة لمورافيا ما زالت تواصل «فعل تأثيرها» بسبب التوليفة بين الواقع والعالم الداخلي (الباطني)، تلك التوليفة التي طالما تشوّق إليها مورافيا، لا سيما أن تلك اللوحات تبسط انقباض جميع أدوات الإحساس وتنشر طي الحواس لتحضنها على البحث الصامت في الوجود، وأنها بالإضافة إلى المعاني المعطاة، فإنها تمتلك قدرة على التواصل بالنسبة لمورافيا، أكثر من غيرها، في خلق التجاوب، أعني أنها تجعلنا نشعر، مثلما يقول أحد النقاد الإيطاليين، بأن ما فيها «يحمل سراً محيّراً وغامضاً، كأنه أزمة لم تحل، كأنه عرض معاناة، أمل في مستقبل أفضل، وكلها أشياء لا يمكن أن يخالجنا شعور بكونها أجنبية عنا أو بعيدة المسافة منّا».
هذه الكتابات الجميلة، التي هي قراءات في عوالم الرسم، تشكل في مجموعها قصة فنية رواها كاتب روائي مرموق، أو هي طاولة عمل يقع فيها سير التماس مع العمل الأدبي، كما أنها إلى جانب ذلك وبمعيته نمط لمواجهة أفق ثقافي نثر في صور لا يجب أن ننفعل بها بل يجب تأويلها، وانتقاؤها أيضاً، بطريقة حرة كحرية بصر مورافيا.



3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.