ألمانيا أكثر عرضة لعواقب «بريكست»

TT

ألمانيا أكثر عرضة لعواقب «بريكست»

دخلت المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مرحلتها الجدية والحامية فيما يتعلق بخروج الأخيرة من الاتحاد، ويبدو أن أعضاء دول الاتحاد وعددهم 27 توصلوا إلى مرحلة لا رجوع عنها بخصوص إجراءات «الطلاق» مع بريطانيا على أمل أن تتحول هذه الإجراءات إلى اتفاقيات شراكة حيوية مستقبلية لخدمة كل دول القارة الأوروبية العجوز.
لكن الأمر ليس سهلاً أبداً حسب رأي خبراء ألمان أطلقوا حملة توعية واسعة النطاق للتحذير من تأثيرات «بريكسيت» على عدة دول أوروبية.
تقول سوزانا روسترهولز المحللة الاقتصادية في وزارة المالية في برلين، إن القلق الأوروبي حيال «الطلاق» مع بريطانيا يتمحور حول أربعة شرايين جوهرية هي التجارة والسياحة والزراعة والصيد البحري. وهناك أيضاً ملفات ثانوية مثيرة للقلق أبرزها السياسات الأوروبية الموحدة المتعلقة بالاستثمارات العقارية وحتى المالية التي ستتنافس بشراسة مع قرينتها البريطانية التي تعيد حكومة لندن صياغتها لتكون لها حلة مستقلة ومختلفة تماماً عن السابق. وأضافت روسترهولز أن «المباشرة في تفعيل اتفاقيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من شهر مارس (آذار) عام 2019، تحض دول الاتحاد على اعتماد إجراءات سريعة، لها مفعول العقاقير المخفف للآلام للتخفيف من العواقب السلبية بقدر المستطاع».
وترى أن التوقعات بشأن آثار الانفصال بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي لا تزال في مرحلتها الضبابية التي قد تُظهر معها «مفاجآت غير سارة». فتحاليل المعطيات المتعلقة بالاقتصاد الكلي لأوروبا، ومن بينها مسار الناتج القومي المستقبلي والدخل الشهري للموظفين والتدفق المالي التجاري بين الدول الأوروبية، لا تزال غير مكتملة. وتعتبر أيرلندا الأكثر تأثراً بالانفصال لكونها الأقرب جغرافيا من بريطانيا، فضلاً عن العلاقات التاريخية المتينة التي تربط البلدين منذ قرون عدة. وتضيف المحللة الاقتصادية: «في حال قمنا بحسابات دقيقة سنجد أن شعاع الطلاق الأوروبي - البريطاني (بريكسيت) سيغطي منطقة جغرافية واسعة تمر بشمال فرنسا وصولا إلى هولندا وبلجيكا وألمانيا. كما ستتطاير شظايا هذا الشعاع لتصل إلى إيطاليا».
وعلى صعيد هولندا يتخوف الخبراء من تراجع أنشطة الصيد البحري بمعدل 60 في المائة في مقاطعاتي «فليفولاند» و«أوفريسل». وستكون محافظة «بازيليكاتا» في إيطاليا الأكثر تضررا من البريكسيت، فيوجد بها مصنع كبير لشركة السيارات «فيات» والذي يصدر إنتاجه إلى المملكة المتحدة. وفيما يخص ألمانيا فستكون مقاطعة «بادن - فورتنبيرغ» وفيها عدد من الشركات الدولية مثل «دايملر» و«بوش» الأكثر تضرراً، كونها مقاطعة صناعية بامتياز، مهمتها الأولية تصدير المنتجات والخدمات.
من جانبه، يشير المحلل الاقتصادي الألماني «إيريك غوخر» في فرانكفورت، إلى أن حكومات مقاطعات ألمانية أخرى كما «بافاريا» و«تورينغن» أعطت تعليمات صارمة حول كيفية تخفيف تأثير البريكسيت على اقتصادها المحلي.
ويذكر أن معهد الأبحاث الوطني الألماني «بي بي إس آر» أنجز مسحا مؤخرا حول عدد الشركات الأوروبية المتواجدة في بريطانيا والعكس، والذي أظهر أن 38900 شركة، شركتها الأم في بريطانيا، أو أن الجزء الأكبر من حملة أسهمها موجودة في العاصمة المالية لندن. ولا يخشى غوخر من مسار اتفاقيات الانفصال والشراكة التجارية الأوروبية - البريطانية في الشهور القادمة. بل إن خوفه الأكبر يكمن في بروز تشققات بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27 في الأعوام القادمة بدافع من المصالح القومية غير المشتركة التي قد ينجم عنها عمليات انفصال أخرى.


مقالات ذات صلة

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

تحليل إخباري رجل يقف أمام الشرطة ويحمل لافتة كُتب عليها: «يون سوك يول... ارحل» في سيول (أ.ف.ب)

«الحرب» الكورية الجديدة تعيد إلى الأذهان ما جرى في 25 يونيو 1950

فجأة اصطخبت مياه البحيرة الكورية الجنوبية وعمّت الفوضى أرجاء سيول وحاصر المتظاهرون البرلمان فيما كان النواب يتصادمون مع قوات الأمن.

شوقي الريّس (بروكسل)
أوروبا روسيا تعتزم تنظيم أكبر احتفال في تاريخها بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية (رويترز)

روسيا تنظم «أكبر احتفال» بالذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية

أعلنت روسيا اليوم (الثلاثاء) أنها تعتزم تنظيم «أكبر احتفال في تاريخها» بمناسبة الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، في سياق تمجيد القيم الوطنية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية «لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية.

شوقي الريّس (هافانا)
أوروبا رجل يلتقط صورة تذكارية مع ملصق يحمل صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقول: «لماذا نريد مثل هذا العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه؟» (رويترز)

«فليحفظ الرب القيصر»... مؤيدون يهنئون بوتين بعيد ميلاده الثاني والسبعين

وصف بعض المؤيدين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«القيصر»، في عيد ميلاده الثاني والسبعين، الاثنين، وقالوا إنه أعاد لروسيا وضعها، وسينتصر على الغرب بحرب أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم جندي أوكراني يجلس داخل دبابة ألمانية الصنع من نوع «ليوبارد 2 إيه 5» بالقرب من خط المواجهة (أ.ف.ب)

هل انتهى عصر الدبابات «ملكة المعارك» لصالح الطائرات المسيّرة؟

رغم أن الدبابات ساعدت أوكرانيا في التقدم داخل روسيا، تعيد الجيوش التفكير في كيفية صنع ونشر هذه الآليات القوية بعد أدائها المتواضع خلال الفترة الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
TT

الاقتصاد الألماني يخشى «ضربة محتملة» من ترمب

ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)
ترام يسير في أحد شوارع مدينة هامبورغ الألمانية (د.ب.أ)

قال رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، يوم الجمعة، إن اقتصاد ألمانيا سينكمش للعام الثاني على التوالي هذا العام، وسيكون تعافيه باهتاً، وربما يتفاقم بسبب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

وتعاني ألمانيا، أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، منذ سنوات، منذ أن فقد قطاعها الصناعي القوي القدرة على الوصول إلى الطاقة الروسية الرخيصة، وأيضاً مع تضاؤل ​​شهية الصين للصادرات الألمانية.

ومن المتوقع الآن أن يشهد الاقتصاد الألماني ركوداً خلال أشهر الشتاء ثم يتعافى بأبطأ وتيرة ممكنة؛ حيث سيكون الارتفاع المتوقع في الاستهلاك الخاص أقل ما كان مرتقباً، وقد يضعف سوق العمل أكثر وتتعافى استثمارات الأعمال ببطء.

وقال ناغل: «الاقتصاد الألماني لا يكافح فقط الرياح الاقتصادية المعاكسة المستمرة، ولكن أيضاً المشاكل البنيوية. كما تستجيب سوق العمل الآن بشكل ملحوظ للضعف المطول للنشاط الاقتصادي».

ويتوقع البنك المركزي الألماني الآن انكماش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.2 في المائة هذا العام، بعد أن توقع في يونيو (حزيران) توسعاً بنسبة 0.3 في المائة، بينما تم خفض توقعات النمو لعام 2025 إلى 0.2 في المائة من 1.1 في المائة سابقاً.

ولكن حتى هذه الأرقام قد تكون مفرطة في التفاؤل، كما حذر البنك، نظراً للتهديدات الناجمة عن الحمائية المتزايدة والصراعات الجيوسياسية وتأثير التغيير الهيكلي على الاقتصاد الألماني.

وأضاف البنك المركزي الألماني أن محاكاة الرسوم الجمركية المتزايدة المتوقعة من إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، تظهر أن الولايات المتحدة ستعاني من أكبر ضربة للنمو، ولكن ألمانيا ستخسر أيضاً ما بين 1.3 و1.4 في المائة من الناتج حتى عام 2027، وقد يرتفع التضخم أيضاً بسبب هذه التدابير.

وقال البنك المركزي الألماني إن التضخم سيرتفع بنسبة 0.1 إلى 0.2 في المائة سنوياً حتى عام 2027 بسبب سياسة الحماية التي ينتهجها ترمب، لكن نموذج المعهد الوطني للاقتصاد القياسي العالمي توقع انخفاضاً بنسبة 1.5 في المائة العام المقبل، و0.6 في المائة في عام 2026. وقال البنك المركزي الألماني: «المخاطر التي تهدد النمو الاقتصادي حالياً تميل إلى الجانب السلبي، والمخاطر التي تهدد التضخم تميل إلى الجانب الإيجابي»، مضيفاً أن الانتخابات الفيدرالية الألمانية في الأشهر المقبلة قد تغير التوقعات المالية.

وهذا الضعف المستمر هو أحد الأسباب الرئيسية وراء خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة يوم الخميس، والتلميح إلى المزيد من التيسير في المستقبل، مع تراجع مخاوف التضخم إلى حد كبير وتحول التركيز نحو النمو.

لكن البنك المركزي الألماني ليس مستعداً بعد لإعلان الفوز في معركة التضخم؛ حيث قال يوم الجمعة إن تضخم أسعار المواد الغذائية قد يقفز، وإن تضخم الخدمات سيظل مرتفعاً، مما يبقي الزيادات في الأسعار أعلى من متوسط ​​منطقة اليورو.

وفي غضون ذلك، أظهرت البيانات يوم الجمعة تراجع الصادرات الألمانية على نحو ملحوظ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن أن الصادرات انكمشت في أكتوبر بنسبة 2.8 في المائة مقارنة بسبتمبر (أيلول) السابق عليه، إلى 124.6 مليار يورو. كما انخفضت الصادرات بنفس النسبة على أساس سنوي.

وانخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة، أكبر سوق للصادرات الألمانية، بنسبة 14 في المائة على أساس شهري لتصل إلى 12.2 مليار يورو. وفي الوقت نفسه، انخفضت الصادرات الألمانية إلى الصين بنسبة 3.8 في المائة. وفي التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، انخفضت الصادرات الألمانية بنسبة 0.7 في المائة.

وكتب كبير الاقتصاديين في مصرف «في بي»، توماس جيتسل، أن بداية الربع الأخير من عام 2024 لا تبشر بالخير مع الانخفاض الذي سجلته الصادرات في أكتوبر الماضي، وأضاف: «حتى لو كان الانخفاض الكبير في الصادرات إلى الولايات المتحدة يتعلق على الأرجح بالطلبيات الكبيرة، فإن التراجع يعطي لمحة عما يمكن أن يحدث في حالة حدوث نزاعات جمركية كبيرة مع الولايات المتحدة».

وتسببت المنافسة المتزايدة في الأسواق العالمية من الصين، على سبيل المثال، فضلاً عن مشكلات هيكلية في الصناعة الألمانية، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة والأعباء البيروقراطية الكثيرة، في إنهاك ألمانيا بوصفها دولة تصديرية لفترة طويلة. وكانت الصادرات قد انخفضت بالفعل في سبتمبر الماضي.

وانخفضت الواردات إلى ألمانيا بنسبة 0.1 في المائة في أكتوبر مقارنة بسبتمبر إلى 111.2 مليار يورو. وبالمقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، كانت هناك زيادة بنسبة 1.7 في المائة. وكان الميزان التجاري إيجابياً عند 13.4 مليار يورو.