جثث «الدواعش» المتحللة تؤرق حياة سكان الموصل القديمة

مخاوف من كارثة صحية إذا تلوثت مياه دجلة

رائحة الجثث المتحللة في الموصل القديمة أصبحت لا تطاق (أ.ف.ب)
رائحة الجثث المتحللة في الموصل القديمة أصبحت لا تطاق (أ.ف.ب)
TT

جثث «الدواعش» المتحللة تؤرق حياة سكان الموصل القديمة

رائحة الجثث المتحللة في الموصل القديمة أصبحت لا تطاق (أ.ف.ب)
رائحة الجثث المتحللة في الموصل القديمة أصبحت لا تطاق (أ.ف.ب)

بعد ستة أشهر على استعادة مدينة الموصل في شمال العراق، لا تزال جثث عناصر تنظيم داعش المتفسخة والمتحللة تملأ شوارع المدينة القديمة، ما يؤرق حياة السكان ويعيق عودة كثيرين منهم.
داخل أحياء عدة في الموصل القديمة، يدخل قلائل المغامرين بعد تغطية أنوفهم وأفواههم بأقنعة أو قطع من القماش، بسبب رائحة العفن القوية التي تفوح في المكان. ووسط تلة الدمار الكبيرة المطلة على نهر دجلة، تبدو أشلاء وبقايا أطراف بشرية. تلك الجثث التي تتحلل منذ أشهر برائحة كريهة، لم تدفن بعد. وتبدو على الجدران في كل مكان، عبارة «مقبرة الدواعش»، التي كتبها بعض المقاتلين بالطلاء.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن السكان وعمال الإنقاذ أن تلك الجثث تعود لمقاتلين من تنظيم داعش، ذلك أن ملابسهم وأزياءهم الأفغانية، ولحاهم الطويلة، وأحيانا الأحزمة الناسفة التي لا تزال على أجسادهم، تدل عليهم.
ولأن هذه الجثث لا تزال في مكانها، لا يتخيل عثمان أحمد لثانية واحدة أن يعود للعيش مع زوجته وطفليهما في المدينة القديمة، خصوصا أن ابن حي الميدان لم يتمكن من تحديد مكان منزله بسبب حجم الدمار الهائل في المدينة. ويقول أحمد (35 عاما) العاطل عن العمل: «نخاف العودة إلى المنطقة بسبب كثرة الجثث الموجودة والرائحة الكريهة المنبعثة منها التي لوثت الأجواء». وعلى مقربة من المكان، يحذر أبو شاكر (60 عاما) من «الميكروبات والجراثيم». وعلى غرار أحمد، لا يعرف هو أيضا إلى أين سيعود.
وتؤكد مديرية الدفاع المدني أنها أنهت في العاشر من يناير (كانون الثاني) مهمتها التي كانت تهدف إلى انتشال جثث المدنيين من الأنقاض. ونقلت مئات من جثث رجال ونساء وأطفال من جميع الأعمار يوما بعد يوم في أكياس سوداء كبيرة. ويقول ضابط جهاز الإنقاذ في مديرية الدفاع المدني في نينوى، المقدم ربيع إبراهيم حسن، إن الفرق كانت تواجه صعوبات يومية. ويوضح أن «صعوبة العمل في المنطقة القديمة ترجع إلى صعوبة إدخال الآليات الثقيلة لضيق الأزقة والطرقات، ما يضطرنا إلى استخدام المعدات البسيطة والأيدي في الحفر وإخراج الجثث، وهذا يستلزم وقتا وجهدا كبيرين».
ويؤكد عمال الإنقاذ أنه مع كل إشارة من إحدى العائلات، يبدأون البحث في أطنان الأنقاض التي غطت المدينة وحلت محل المدينة القديمة التي يعود تاريخها إلى قرون عدة. ولتجنب دفن جثث مجهولة الهوية وازدياد الأشخاص في عداد المفقودين، يؤكد الدفاع المدني أنه لا يعمل إلا بحضور أقارب قادرين على التعرف على الجثث.
أما التعامل مع جثث المتطرفين، من عراقيين وأجانب، فيقع على عاتق البلدية. لذا يلفت مدير بلدية الموصل عبد الستار الحبو إلى أنه «تم رفع أكثر من 450 جثة (داعشي) من الأنقاض، ولا يزال المئات منها تحت الركام»، مشيرا إلى أن تنظيم داعش سرق ودمر غالبية آليات ومعدات السلطات المحلية. ويضيف الحبو أن موظفي البلدية يصلون بصعوبة إلى تلك الجثث بسبب وجود عبوات وأحزمة ناسفة وألغام لم تفككها القوات الأمنية بعد.
مع ذلك، يحذر عضو مجلس محافظة نينوى حسام الدين العبار من أن الوقت يضيق. ويقول العبار إنه يجب «رفع الجثث قبل تساقط الأمطار وحدوث فيضانات في النهر وارتفاع منسوبه الذي سيحمل الجثث ويزيد من تعفنها».
وفي حال تلوث النهر بفعل تلك الجثث، فسيكون من المستحيل تنقية المياه، لأن محطات التكرير في المنطقة دمرت بيد المتطرفين وبفعل تسعة أشهر من المعارك الدامية في ثاني أكبر مدن العراق. ويوضح مصدر طبي في مدينة الموصل - طلب عدم كشف هويته - أنه لم يتم الإبلاغ عن شيء حتى الساعة. لكن في حال لم ترفع الجثث المتحللة التي «تلوث الهواء والماء»، وفق المصدر نفسه، فإن «الفترة المقبلة ستشهد تسجيل حالات مرضية». لكن الطبيب الاختصاصي في الأمراض الباطنية أحمد إبراهيم، يؤكد أن «هذه الأمراض قد تظهر أعراضها فورا، أو ربما لاحقا أو بعد سنوات».



تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
TT

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)
وقفة للجماعة الحوثية في وسط العاصمة صنعاء ضد الضربات الأميركية البريطانية على مواقعها (أ.ب)

أفرجت الجماعة الحوثية عن عدد ممن اختطفتهم، على خلفية احتفالاتهم بعيد الثورة اليمنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكنها اختطفت خلال الأيام الماضية المئات من سكان معقلها الرئيسي في صعدة، ووجَّهت اتهامات لهم بالتجسس، بالتزامن مع بث اعترافات خلية مزعومة، واختطاف موظف سابق في السفارة الأميركية.

وذكرت مصادر محلية في محافظة صعدة (242 كيلومتراً شمال صنعاء)، أن الجماعة الحوثية تنفِّذ منذ عدة أيام حملة اختطافات واسعة طالت مئات المدنيين من منازلهم أو مقار أعمالهم وأنشطتهم التجارية، وتقتادهم إلى جهات مجهولة، بتهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل، مع إلزام أقاربهم بالصمت، وعدم التحدُّث عن تلك الإجراءات إلى وسائل الإعلام، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وقدرت المصادر عدد المختطَفين بأكثر من 300 شخص من مديريات مختلفة في المحافظة التي تُعدّ معقل الجماعة، بينهم عشرات النساء، وشملت حملة المداهمات منازل عائلات أقارب وأصدقاء عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عثمان مجلي، الذي ينتمي إلى صعدة.

فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

ورجحت المصادر أن اختطاف النساء يأتي بغرض استخدامهن رهائن لابتزاز أقاربهن الذين لم تتمكن الجماعة من الوصول إليهم، أو لإقامتهم خارج مناطق سيطرتها، ولإجبار من اختُطفنَ من أقاربهم على الاعتراف بما يُطلب منهن. وسبق للجماعة الحوثية اتهام حميد مجلي، شقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي، أواخر الشهر الماضي، بتنفيذ أنشطة تجسسية ضدها، منذ نحو عقدين لصالح دول عربية وغربية.

إلى ذلك، اختطفت الجماعة الحوثية، الاثنين الماضي، موظفاً سابقاً في سفارة الولايات المتحدة في صنعاء، من منزله دون إبداء الأسباب.

وبحسب مصادر محلية في صنعاء؛ فإن عدداً من العربات العسكرية التابعة للجماعة الحوثية، وعليها عشرات المسلحين، حاصرت مقر إقامة رياض السعيدي، الموظف الأمني السابق لدى السفارة الأميركية في صنعاء، واقتحمت مجموعة كبيرة منهم، بينها عناصر من الشرطة النسائية للجماعة، المعروفة بـ«الزينبيات»، منزله واقتادته إلى جهة غير معلومة.

مسلحون حوثيون يحاصرون منزل موظف أمني في السفارة الأميركية في صنعاء قبل اختطافه (إكس)

وعبث المسلحون و«الزينبيات» بمحتويات منزل السعيدي خلال تفتيش دقيق له، وتعمدوا تحطيم أثاثه ومقتنياته، وتسببوا بالهلع لعائلته وجيرانه.

إفراج عن مختطَفين

أفرجت الجماعة الحوثية عن الشيخ القبلي (أمين راجح)، من أبناء محافظة إب، بعد 4 أشهر من اختطافه، كما أفرجت عن عدد آخر من المختطفين الذين لم توجه لهم أي اتهامات خلال فترة احتجازهم.

وراجح هو أحد قياديي حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اختطفتهم الجماعة الحوثية إلى جانب عدد كبير من الناشطين السياسيين وطلاب وشباب وعمال وموظفين عمومين، خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، على خلفية احتفالهم بثورة «26 سبتمبر» 1962.

مخاوف متزايدة لدى اليمنيين من توسيع حملات الترهيب الحوثية بحجة مواجهة إسرائيل (أ.ب)

ومن بين المفرَج عنهم صاحب محل تجاري أكَّد لـ«الشرق الأوسط» أنه لم يعلم التهمة التي اختُطِف بسببها؛ كونه تعرض للاختطاف في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أي بعد شهرين من حملة الاختطافات التي طالت المحتفلين بذكرى الثورة اليمنية.

وذكر أن الوسطاء الذين سعوا لمحاولة الإفراج عنه لم يعرفوا بدورهم سبب اختطافه؛ حيث كان قادة أجهزة أمن الجماعة يخبرونهم في كل مرة بتهمة غير واضحة أو مبرَّرة، حتى جرى الإفراج عنه بعد إلزامه بكتابة تعهُّد بعدم مزاولة أي أنشطة تخدم أجندة خارجية.

خلية تجسس مزعومة

بثَّت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، اعترافات لما زعمت أنها خلية تجسسية جديدة، وربطت تلك الخلية المزعومة بما سمته «معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس»، في مواجهة الغرب وإسرائيل.

وطبقاً لأجهزة أمن الجماعة، فإن الخلية المزعومة كانت تسعى لإنشاء بنك أهداف، ورصد ومراقبة المواقع والمنشآت التابعة للقوة الصاروخية، والطيران المسيَّر، وبعض المواقع العسكرية والأمنية، بالإضافة إلى رصد ومراقبة أماكن ومنازل وتحركات بعض القيادات.

خلال الأشهر الماضية زعمت الجماعة الحوثية ضبط عدد كبير من خلايا التجسس (إعلام حوثي)

ودأبت الجماعة، خلال الفترة الماضية، على الإعلان عن ضبط خلايا تجسسية لصالح الغرب وإسرائيل، كما بثَّت اعترافات لموظفين محليين في المنظمات الأممية والدولية والسفارات بممارسة أنشطة تجسسية، وهي الاعترافات التي أثارت التهكُّم، لكون ما أُجبر المختطفون على الاعتراف به يندرج ضمن مهامهم الوظيفية المتعارف عليها ضمن أنشطة المنظمات والسفارات.

وسبق للجماعة أن أطلقت تحذيرات خلال الأيام الماضية للسكان من الحديث أو نشر معلومات عن مواقعها والمنشآت التي تسيطر عليها، وعن منازل ومقار سكن ووجود قادتها.

تأتي هذه الإجراءات في ظل مخاوف الجماعة من استهداف كبار قياداتها على غرار ما جرى لقادة «حزب الله» اللبناني، في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي إطار المواجهة المستمرة بينها وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، بعد هجماتها على طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل.