تقف الزوايا والكتاتيب التي تنتشر في القاهرة وغيرها من الأقاليم المصرية، في مرمى الاتهامات، وذلك بعدما تسلل إليها عناصر من جماعة «الإخوان» التي تعدها مصر تنظيماً إرهابياً، وغيرها من تنظيمات العنف، وهو ما يؤثر على أوضاعها الشرعية والقانونية على الساحة.
يقول المراقبون في مصر، إن بعض الزوايا والكتاتيب والتي ترفع شعار تحفيظ القرآن، ومعظمها بلا رخصة قانونية، وتعمل تحت مظلة تكوين اجتماعي يتسم بالميل إلى التدين، أصبح يشكل بؤر خطر، خصوصاً وسط ما تلوّح به التنظيمات الإرهابية من إغراءات مادية وخدمات تقدمها للمترددين عليها.
من جهته، أكد وزير «الأوقاف» المصري الدكتور محمد مختار جمعة، أن «بعض الزوايا استخدمتها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية لنشر الأفكار المتطرفة». فضلاً عن رصد تقارير رقابية رسمية أكدت انطلاق فتاوى التكفير من داخل بعضها.
يأتي هذا، وسط حالة الحرب التي يخوضها الجيش المصري وأجهزة الشرطة على الجماعات المتشددة خصوصاً في سيناء. وعلى الرغم من قرار السلطات المصرية منع الصلاة في الزوايا الصغيرة، التي تقل مساحتها عن 80 متراً؛ فإن هذا القرار تم خرقه، ولا تزال الزوايا المقامة في الحواري والأزقة بالمناطق الشعبية خصوصاً في القاهرة الكبرى والإسكندرية، تقام داخلها الصلاة وتقدِّم دروساً وخطباً.
ونجد في مسافة لا تزيد على 250 متراً مربعاً، من 3 إلى 4 زوايا، مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب، ولا أحد يعرف هل يقتصر دورها على أداء الصلوات، أم يتعداه لبث خطاب الكراهية؟
رسمياً، لا يوجد حصر بهذه الزوايا والمساجد الصغيرة، لأنه كل يوم تتم إقامة مسجد أو زاوية؛ لكن هناك إحصائيات غير رسمية تُقدرها بنحو 120 ألف مسجد صغير وزاوية، لا تتبع وزارة «الأوقاف» (المسؤولة عن المساجد)؛ لكن أغلبها يخضع لإشراف الأهالي أو بعض جماعات الإسلام السياسي.
وفي مارس (آذار) عام 2016، قضت محكمة مصرية بأحقية «الأوقاف» في ضم جميع المساجد الأهلية الصغيرة والإشراف عليها، لإبعادها عن السياسة، وقال مصدر في «الأوقاف»، فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحكم الهدف منه المساعدة على حماية الشباب والأطفال من الجماعات المتطرفة... لكنه لم يتم تطبيقه على أرض الواقع».
ويرى مراقبون أن «بعض الزوايا تتبع جماعة دينية محددة تتولى الإنفاق على كل شيء بداخلها، بدءاً من النظافة، وانتهاءً براتب الخطيب الذي يشبع عقول الشباب والصغار بفكر تلك الجماعة، ليشبوا مؤيدين لها وطيعين للقيام بما يُطلب منهم... وهذه الزوايا تتبع إما الإخوان، وإما الجماعة الإسلامية، وإما جماعات متشددة مثل تنظيم (أنصار بيت المقدس) أو (ولاية سيناء) الذي بايع (داعش) عام 2014 وينشط بقوة في شبة جزيرة سيناء».
وسبق أن وضعت الدولة المصرية، إجراءات مشددة على المساجد منذ سقوط حكم «الإخوان» عام 2013، وقصرت الخطب والدروس على الأزهريين، ووحدت موضوع خطبة الجمعة، ومنعت أي جهة غير «الأوقاف» من جمع أموال التبرعات، وتعاقدت مع شركات حراسة لتأمين وحماية المساجد بهدف التصدي لدعاة التشدد والتطرف؛ لكن المراقبين أكدوا «وجود دعاة متشددين ما زالوا يعتلون بعض منابر الزوايا، ويروجون لخطابات تحرض على الكراهية».
وقال وزير «الأوقاف» في سياق حديثه، إن «مصر لن تسمح ببناء الزوايا مستقبلاً»، مشيراً إلى أن الزوايا الموجودة حالياً سيقتصر دورها على أداء الصلاة فقط، أما الدروس الدينية وتحفيظ القرآن فسيكون مقصوراً على المسجد الجامع».
الوزير المصري طالب المحافظين في أقاليم مصر بعدم إصدار أي ترخيص بناء للزوايا، والتراخيص فقط للمسجد الجامع، لافتاً إلى أن المسجد الجامع سيكون بمثابة مركز ديني تُقدم فيه خدمات التوعية والدروس الدينية وتحفيظ القرآن وصلاة الجمعة.
وسبق أن قرر وزير «الأوقاف» في وقت سابق حظر إقامة صلاة الجمعة في الزوايا وقصرها فقط على المساجد الكبرى؛ بل قرر غلقها نهائياً؛ لكن المصدر في «الأوقاف» قال إن «ذلك لم ينفَّذ على أرض الواقع، لصعوبة حصر هذه الزوايا»، لافتاً إلى أن «كثيراً منها ما زال يقيم صلاة الجمعة ولم يتم غلقه».
ويبرر بعض المراقبين ذلك بقولهم، إن تطبيق قرار غلق الزوايا والمساجد الأهلية بالغ الصعوبة، لسيطرة الجمعيات الشرعية على بعض هذه الزوايا، فضلاً عن أنصار جماعة «الإخوان»، وقرار وزير «الأوقاف» منذ صدوره عام 2014 لم ينفَّذ بشكل كبير، لأن الوزارة لا تمتلك الإمكانيات الكافية لغلق هذه الزوايا.
كان حكم سابق لمحكمة القضاء الإداري في الإسكندرية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، قد أكد في حيثياته أن القانون عهد إلى وزارة «الأوقاف» مهمة إدارة المساجد والزوايا والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها، وذلك ضماناً لقيام هذه المساجد برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية، وأنه على ضوء التجارب المريرة التي عاشتها مصر جراء استغلال التيارات الدينية للزوايا في جذب الشباب والبسطاء، نجم عن ذلك بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، التي أدت إلى التنابز اللفظي والعنف المادي، وأظهر التطرف الديني الذي تسبب في ضياع كثير من أرواح المواطنين نتيجة لتطرف الفكر المتشدد.
وأضاف حكم المحكمة أنه «لا يجوز مطلقاً استخدام منابر الزوايا لتحقيق أهداف سياسية».
ودخل مجلس النواب (البرلمان) على خط أزمة خطاب بعض الزوايا، وقال الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجماعات الإرهابية تركز على الزوايا في القرى والنجوع، التي هي بعيدة عن مراقبة المسؤولين في الحكومة، لتنشر أفكارها».
وأشار النائب أسامة شرشر، عضو مجلس النواب، إلى أن بعض الحضانات والكتاتيب أصبحت متنفساً للجماعات الإرهابية لنشر الأفكار المتطرفة بين الأطفال لاستهداف الشباب في المستقبل.
بينما أكد النائب بكر أبو غريب، عضو مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، أن الزوايا لا تخضع حتى الآن لأي جهة رقابية، وبعضها مفارخ للأفكار المتطرفة فكرياً ودينياً واجتماعياً وثقافياً.
لكن أبو غريب رفض غلق الزوايا والمساجد الصغيرة؛ بل اقترح ترخيصها على وضعها الحالي، وتحسين مستوى المرافق والمباني بها، وتعيين خطباء لها للجمعة وإلقاء الدروس الدينية، واختيار من يقومون على شؤونها ليكونوا مسؤولين أمام الحكومة، وفقاً للضوابط القانونية.
ورغم إعلان وزارة «الأوقاف» اعتمادها رسمياً لـ2215 كُتاباً لتحفيظ القرآن عقب تقنين وضعها القانوني وتعيين محفّظين بها؛ فإن هناك عشرات لم يتم تقنين أوضاعها حتى الآن.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، افتتحت «الأوقاف» 88 مدرسة قرآنية جديدة في المساجد الجامعة، ليصل إجمالي المدارس القرآنية إلى 589 مدرسة، وذلك في إطار اهتمام الوزارة بخدمة القرآن الكريم وتيسير حفظه بالمجان للأطفال والكبار.
في غضون ذلك، قال الخبير الأمني الاستراتيجي، اللواء محمد قدري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهدف من سعي الجماعات الإرهابية للتأثير على الأطفال داخل بعض الزوايا هو إعداد جيل جديد يتم تعليمه ليكون نواة المستقبل، خصوصاً أنه يتم تلقين الأطفال الآيديولوجيات المتطرفة في سن مبكرة جداً».
مضيفاً أن «التنظيمات ترى في الأطفال وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يعد الأطفال صيداً ثميناً بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم؛ لأن عقولهم كلوح أبيض يمكنهم نقش عقيدتهم الدموية عليه كما يشاءون».
تجنيد الأطفال في الزوايا، أثار مخاوف السلطات المصرية، بسبب إحصائيات رصدتها تقارير عالمية، تؤكد أن نسبة العمليات الانتحارية التي شارك بها الأطفال المجندون من قبل تنظيم داعش الإرهابي ارتفعت في يناير عام 2016 إلى 3 أضعاف النسبة التي كانت عليها في نفس الشهر من عام 2015.
وأصدرت الحكومة المصرية في هذا الصدد قراراً وزارياً في أبريل (نيسان) الماضي، بغلق مراكز تحفيظ القرآن، في مسعى لعدم توظيفها للناشئة وتجنيدهم مبكراً لصالح بعض الجماعات أو التيارات المتشددة.
وقال المصدر نفسه في «الأوقاف»، إن «الكتاتيب تعتمد على غير المؤهلين، فكان لا بد من قرار يجفف منابع الإرهاب، سواء في المساجد الرسمية أو المساجد التابعة للجمعيات الأهلية».
وتشرف عشرات الجمعيات الأهلية على مراكز تحفيظ القرآن والكتاتيب في مختلف محافظات مصر، وتنشط بشكل أساسي في الإجازة الصيفية، ويقول أحمد توفيق، أحد المترددين على الزوايا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الزوايا لها أهمية كبرى لجميع الأسر، وإذا كان بعضها له أهداف خاصة باستغلال الأطفال؛ إلا أن البعض الآخر منها يفتح أبوابه للصلاة ولتحفيظ القرآن وتقديم المساعدات والدروس الدينية المفيدة».
زوايا وكتاتيب مصرية في دائرة الاتهام
وزير الأوقاف وصف بعضها بأنها مرتع لنشر الأفكار المتطرفة
زوايا وكتاتيب مصرية في دائرة الاتهام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة