زوايا وكتاتيب مصرية في دائرة الاتهام

وزير الأوقاف وصف بعضها بأنها مرتع لنشر الأفكار المتطرفة

بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})
بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})
TT

زوايا وكتاتيب مصرية في دائرة الاتهام

بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})
بعض الزوايا مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب ({الشرق الأوسط})

تقف الزوايا والكتاتيب التي تنتشر في القاهرة وغيرها من الأقاليم المصرية، في مرمى الاتهامات، وذلك بعدما تسلل إليها عناصر من جماعة «الإخوان» التي تعدها مصر تنظيماً إرهابياً، وغيرها من تنظيمات العنف، وهو ما يؤثر على أوضاعها الشرعية والقانونية على الساحة.
يقول المراقبون في مصر، إن بعض الزوايا والكتاتيب والتي ترفع شعار تحفيظ القرآن، ومعظمها بلا رخصة قانونية، وتعمل تحت مظلة تكوين اجتماعي يتسم بالميل إلى التدين، أصبح يشكل بؤر خطر، خصوصاً وسط ما تلوّح به التنظيمات الإرهابية من إغراءات مادية وخدمات تقدمها للمترددين عليها.
من جهته، أكد وزير «الأوقاف» المصري الدكتور محمد مختار جمعة، أن «بعض الزوايا استخدمتها الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية لنشر الأفكار المتطرفة». فضلاً عن رصد تقارير رقابية رسمية أكدت انطلاق فتاوى التكفير من داخل بعضها.
يأتي هذا، وسط حالة الحرب التي يخوضها الجيش المصري وأجهزة الشرطة على الجماعات المتشددة خصوصاً في سيناء. وعلى الرغم من قرار السلطات المصرية منع الصلاة في الزوايا الصغيرة، التي تقل مساحتها عن 80 متراً؛ فإن هذا القرار تم خرقه، ولا تزال الزوايا المقامة في الحواري والأزقة بالمناطق الشعبية خصوصاً في القاهرة الكبرى والإسكندرية، تقام داخلها الصلاة وتقدِّم دروساً وخطباً.
ونجد في مسافة لا تزيد على 250 متراً مربعاً، من 3 إلى 4 زوايا، مقامة أسفل بناياتٍ بعضها مخالف لقوانين البناء، وتُدار بلا رقيب، ولا أحد يعرف هل يقتصر دورها على أداء الصلوات، أم يتعداه لبث خطاب الكراهية؟
رسمياً، لا يوجد حصر بهذه الزوايا والمساجد الصغيرة، لأنه كل يوم تتم إقامة مسجد أو زاوية؛ لكن هناك إحصائيات غير رسمية تُقدرها بنحو 120 ألف مسجد صغير وزاوية، لا تتبع وزارة «الأوقاف» (المسؤولة عن المساجد)؛ لكن أغلبها يخضع لإشراف الأهالي أو بعض جماعات الإسلام السياسي.
وفي مارس (آذار) عام 2016، قضت محكمة مصرية بأحقية «الأوقاف» في ضم جميع المساجد الأهلية الصغيرة والإشراف عليها، لإبعادها عن السياسة، وقال مصدر في «الأوقاف»، فضل عدم ذكر اسمه لحساسية موقعه، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الحكم الهدف منه المساعدة على حماية الشباب والأطفال من الجماعات المتطرفة... لكنه لم يتم تطبيقه على أرض الواقع».
ويرى مراقبون أن «بعض الزوايا تتبع جماعة دينية محددة تتولى الإنفاق على كل شيء بداخلها، بدءاً من النظافة، وانتهاءً براتب الخطيب الذي يشبع عقول الشباب والصغار بفكر تلك الجماعة، ليشبوا مؤيدين لها وطيعين للقيام بما يُطلب منهم... وهذه الزوايا تتبع إما الإخوان، وإما الجماعة الإسلامية، وإما جماعات متشددة مثل تنظيم (أنصار بيت المقدس) أو (ولاية سيناء) الذي بايع (داعش) عام 2014 وينشط بقوة في شبة جزيرة سيناء».
وسبق أن وضعت الدولة المصرية، إجراءات مشددة على المساجد منذ سقوط حكم «الإخوان» عام 2013، وقصرت الخطب والدروس على الأزهريين، ووحدت موضوع خطبة الجمعة، ومنعت أي جهة غير «الأوقاف» من جمع أموال التبرعات، وتعاقدت مع شركات حراسة لتأمين وحماية المساجد بهدف التصدي لدعاة التشدد والتطرف؛ لكن المراقبين أكدوا «وجود دعاة متشددين ما زالوا يعتلون بعض منابر الزوايا، ويروجون لخطابات تحرض على الكراهية».
وقال وزير «الأوقاف» في سياق حديثه، إن «مصر لن تسمح ببناء الزوايا مستقبلاً»، مشيراً إلى أن الزوايا الموجودة حالياً سيقتصر دورها على أداء الصلاة فقط، أما الدروس الدينية وتحفيظ القرآن فسيكون مقصوراً على المسجد الجامع».
الوزير المصري طالب المحافظين في أقاليم مصر بعدم إصدار أي ترخيص بناء للزوايا، والتراخيص فقط للمسجد الجامع، لافتاً إلى أن المسجد الجامع سيكون بمثابة مركز ديني تُقدم فيه خدمات التوعية والدروس الدينية وتحفيظ القرآن وصلاة الجمعة.
وسبق أن قرر وزير «الأوقاف» في وقت سابق حظر إقامة صلاة الجمعة في الزوايا وقصرها فقط على المساجد الكبرى؛ بل قرر غلقها نهائياً؛ لكن المصدر في «الأوقاف» قال إن «ذلك لم ينفَّذ على أرض الواقع، لصعوبة حصر هذه الزوايا»، لافتاً إلى أن «كثيراً منها ما زال يقيم صلاة الجمعة ولم يتم غلقه».
ويبرر بعض المراقبين ذلك بقولهم، إن تطبيق قرار غلق الزوايا والمساجد الأهلية بالغ الصعوبة، لسيطرة الجمعيات الشرعية على بعض هذه الزوايا، فضلاً عن أنصار جماعة «الإخوان»، وقرار وزير «الأوقاف» منذ صدوره عام 2014 لم ينفَّذ بشكل كبير، لأن الوزارة لا تمتلك الإمكانيات الكافية لغلق هذه الزوايا.
كان حكم سابق لمحكمة القضاء الإداري في الإسكندرية، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، قد أكد في حيثياته أن القانون عهد إلى وزارة «الأوقاف» مهمة إدارة المساجد والزوايا والإشراف عليها بعد تسليمها وضمها إليها، وذلك ضماناً لقيام هذه المساجد برسالتها في نشر الدعوة الإسلامية، وأنه على ضوء التجارب المريرة التي عاشتها مصر جراء استغلال التيارات الدينية للزوايا في جذب الشباب والبسطاء، نجم عن ذلك بث روح الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد، التي أدت إلى التنابز اللفظي والعنف المادي، وأظهر التطرف الديني الذي تسبب في ضياع كثير من أرواح المواطنين نتيجة لتطرف الفكر المتشدد.
وأضاف حكم المحكمة أنه «لا يجوز مطلقاً استخدام منابر الزوايا لتحقيق أهداف سياسية».
ودخل مجلس النواب (البرلمان) على خط أزمة خطاب بعض الزوايا، وقال الدكتور عمر حمروش، أمين اللجنة الدينية بمجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، إن «الجماعات الإرهابية تركز على الزوايا في القرى والنجوع، التي هي بعيدة عن مراقبة المسؤولين في الحكومة، لتنشر أفكارها».
وأشار النائب أسامة شرشر، عضو مجلس النواب، إلى أن بعض الحضانات والكتاتيب أصبحت متنفساً للجماعات الإرهابية لنشر الأفكار المتطرفة بين الأطفال لاستهداف الشباب في المستقبل.
بينما أكد النائب بكر أبو غريب، عضو مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، أن الزوايا لا تخضع حتى الآن لأي جهة رقابية، وبعضها مفارخ للأفكار المتطرفة فكرياً ودينياً واجتماعياً وثقافياً.
لكن أبو غريب رفض غلق الزوايا والمساجد الصغيرة؛ بل اقترح ترخيصها على وضعها الحالي، وتحسين مستوى المرافق والمباني بها، وتعيين خطباء لها للجمعة وإلقاء الدروس الدينية، واختيار من يقومون على شؤونها ليكونوا مسؤولين أمام الحكومة، وفقاً للضوابط القانونية.
ورغم إعلان وزارة «الأوقاف» اعتمادها رسمياً لـ2215 كُتاباً لتحفيظ القرآن عقب تقنين وضعها القانوني وتعيين محفّظين بها؛ فإن هناك عشرات لم يتم تقنين أوضاعها حتى الآن.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، افتتحت «الأوقاف» 88 مدرسة قرآنية جديدة في المساجد الجامعة، ليصل إجمالي المدارس القرآنية إلى 589 مدرسة، وذلك في إطار اهتمام الوزارة بخدمة القرآن الكريم وتيسير حفظه بالمجان للأطفال والكبار.
في غضون ذلك، قال الخبير الأمني الاستراتيجي، اللواء محمد قدري لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهدف من سعي الجماعات الإرهابية للتأثير على الأطفال داخل بعض الزوايا هو إعداد جيل جديد يتم تعليمه ليكون نواة المستقبل، خصوصاً أنه يتم تلقين الأطفال الآيديولوجيات المتطرفة في سن مبكرة جداً».
مضيفاً أن «التنظيمات ترى في الأطفال وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد، حيث يعد الأطفال صيداً ثميناً بسبب استغلال حسن نيتهم وضعف مداركهم؛ لأن عقولهم كلوح أبيض يمكنهم نقش عقيدتهم الدموية عليه كما يشاءون».
تجنيد الأطفال في الزوايا، أثار مخاوف السلطات المصرية، بسبب إحصائيات رصدتها تقارير عالمية، تؤكد أن نسبة العمليات الانتحارية التي شارك بها الأطفال المجندون من قبل تنظيم داعش الإرهابي ارتفعت في يناير عام 2016 إلى 3 أضعاف النسبة التي كانت عليها في نفس الشهر من عام 2015.
وأصدرت الحكومة المصرية في هذا الصدد قراراً وزارياً في أبريل (نيسان) الماضي، بغلق مراكز تحفيظ القرآن، في مسعى لعدم توظيفها للناشئة وتجنيدهم مبكراً لصالح بعض الجماعات أو التيارات المتشددة.
وقال المصدر نفسه في «الأوقاف»، إن «الكتاتيب تعتمد على غير المؤهلين، فكان لا بد من قرار يجفف منابع الإرهاب، سواء في المساجد الرسمية أو المساجد التابعة للجمعيات الأهلية».
وتشرف عشرات الجمعيات الأهلية على مراكز تحفيظ القرآن والكتاتيب في مختلف محافظات مصر، وتنشط بشكل أساسي في الإجازة الصيفية، ويقول أحمد توفيق، أحد المترددين على الزوايا لـ«الشرق الأوسط»، إن «الزوايا لها أهمية كبرى لجميع الأسر، وإذا كان بعضها له أهداف خاصة باستغلال الأطفال؛ إلا أن البعض الآخر منها يفتح أبوابه للصلاة ولتحفيظ القرآن وتقديم المساعدات والدروس الدينية المفيدة».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.