تعد منطقة عفرين، التي بدأ الطيران التركي السبت باستهدافها في شمال سوريا، والتي تُعرف بكروم زيتونها المنتشرة على مد النظر، بمثابة أول منطقة اختبر فيها الأكراد الحكم الذاتي بعد اندلاع النزاع، ثم انسحاب قوات النظام منها في عام 2012، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ثم أكد الجيش التركي، بدء هجوم عسكري تركي على المنطقة يستهدف المقاتلين الأكراد، في خطوة من شأنها أن تهدد مصير أكثر من مليون شخص يتوزعون على عشرات البلدات والقرى فيها.
وتقع منطقة عفرين شمال غربي محافظة حلب، وتحدها تركيا من جهتي الشمال والغرب، وهي على تماس مع منطقة أعزاز الواقعة تحت سيطرة الفصائل المعارضة من جهة الشرق.
وللمنطقة حالياً منفذ وحيد يربطها بمدينة حلب التي تبعد ستين كيلومتراً عنها، يمر عبر بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين الواقعتين تحت سيطرة مسلحين موالين لقوات النظام. ويقول «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن هذا الطريق يشكل «المتنفس الوحيد لمنطقة عفرين شبه المحاصرة»، وهو غالباً ما يكون سالكاً، إلا أنه في بعض الأحيان يعمد مقاتلو البلدتين إلى إغلاقه عند وقوع حوادث معينة.
وتعد مدينة عفرين مركز المنطقة التي يعد الأكراد الغالبية الساحقة من سكانها، وتتبع لها أكثر من 360 قرية وبلدة، يقيم فيها أكثر من مليون شخص، نصفهم نازحون عرب وكرد من مناطق سورية عدة.
ومنذ اندلاع النزاع في سوريا في عام 2011، اتخذ الأكراد في عفرين وبقية المناطق التي يوجدون فيها، في شمال وشمال شرقي سوريا، موقفاً محايداً من النزاع، عرضهم لانتقادات حادة من قبل المعارضة التي تأخذ عليهم عدم تصديهم لقوات النظام. ومنذ عام 2012، باتت عفرين تحت سيطرة المقاتلين الأكراد، الذين يقدر المرصد السوري عددهم حالياً بـ5 آلاف. وعمدوا إثر ذلك إلى تحصين منطقتهم بشكل جيد، ومنعوا أي وجود عسكري لفصائل المعارضة داخلها.
وسمح غياب النظام المبكر عن عفرين للأكراد بتجربة الحكم الذاتي لأول مرة، فسارعوا إلى رفع صور زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي تعتقله تركيا منذ عام 1999، وأنعشوا لغتهم التي كان يمنع عليهم التحدث بها، وأسسوا المراكز التربوية والثقافية الكردية، كما شكلوا مجالس محلية وبلدية خاصة. ومع توسع مناطق سيطرتهم تدريجياً في شمال وشمال شرقي سوريا، شكلت عفرين إحدى مناطق الإدارة الذاتية الثلاث، ثم أحد أقاليم النظام الفيدرالي الذي أعلنوه في مارس (آذار) 2016، ويضم كذلك الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، وتضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة).
وتعتبر منطقة عفرين زراعية بامتياز، إذ تكسوها أشجار الزيتون بشكل رئيسي، وتعرف بزيتها الصافي وصابونها الذي يعد من أجود أنواع الصابون الحلبي الذائع الصيت. ويطلق على عفرين تسمية جبل الأكراد، نظراً لطبيعتها الجبلية التي مكنت المقاتلين الأكراد من تحصينها، وحفر الخنادق لإعاقة الوصول إليها من المناطق القريبة تحت سيطرة الفصائل، لا سيما أعزاز، الواقعة في منطقة سهلية.
ورغم تلك التحصينات، لم تبق عفرين بمنأى عن الاستهداف، سواء من الجيش التركي أو من الفصائل المعارضة المدعومة من أنقرة. وأوقعت المعارك في محيط عفرين خلال السنوات الماضية مئات القتلى من الفصائل والأكراد، كما سقط ضحايا مدنيون جراء القذائف الصاروخية والمدفعية.
وليست التهديدات التركية الأخيرة لعفرين بجديدة، فلطالما أكدت أنقرة منذ سيطرة الأكراد على المنطقة عزمها اتخاذ «كل الإجراءات» لمنع تمركز «خلايا إرهابية» في المناطق الحدودية مع سوريا.
وفي صيف عام 2012، اتهم إردوغان، الذي كان حينها رئيساً للوزراء، النظام السوري بوضع مناطق عدة في شمال سوريا «في عهدة» حزب العمال الكردستاني.
وتخشى أنقرة من إقامة الأكراد حكماً ذاتياً على حدودها، وتعد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وجناحه العسكري (وحدات حماية الشعب) الكردية، «منظمة إرهابية»، وتعتبرهما امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضد القوات التركية على أراضيها منذ عقود.
عفرين... أرض الزيتون والصابون ومختبر الأكراد للحكم الذاتي
عفرين... أرض الزيتون والصابون ومختبر الأكراد للحكم الذاتي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة