ميرال أكشنر... «إمرأة حديدية» تهدّد هيمنة إردوغان

ثارت على مسايرة «الحركة القومية»... وأعلنت التحدي في انتخابات الرئاسة

ميرال أكشنر... «إمرأة حديدية» تهدّد هيمنة إردوغان
TT

ميرال أكشنر... «إمرأة حديدية» تهدّد هيمنة إردوغان

ميرال أكشنر... «إمرأة حديدية» تهدّد هيمنة إردوغان

شغلت السياسية التركية المخضرمة ميرال أكشنر، الملقبة في تركيا بـ«المرأة الحديدية» -على غرار الزعيمة البريطانية السابقة الراحلة مارغريت ثاتشر- مساحة كبيرة من الاهتمام على الساحة السياسية وفي الشارع التركي، وذلك بعد خلافها في عام 2016 مع رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي. إذ سعت أكشنر ومعها مجموعة من قيادات الحزب، الذي كان بهشلي في موقع نائب رئيسه في ذلك الوقت، إلى عقد مؤتمر عام للحزب استهدف الإطاحة بالسياسي «العجوز»، الذي بات إلى جانب مرضه يثير التساؤلات بتحوله السياسي المفاجئ من «رجل اللاءات» إلى رجل التوافق والتماهي مع الرئيس رجب طيب إردوغان وحزب العدالة والتنمية في جميع الاستحقاقات المؤثرة. ومعروف أن بهشلي أيّد تأييد التعديلات الدستورية للانتقال إلى النظام الرئاسي التي أُجري عليها استفتاء شعبي في 16 أبريل (نيسان) 2017، ما يفتح الطريق أمام إردوغان للبقاء في مقعد رئيس تركيا حتى عام 2029 بصلاحيات واسعة أو شبه مطلقة.
رمت «المرأة الذئب» ميرال أكشنر، السياسية القومية اليمينية التركية، التي سبق لها تولّي حقيبة وزارة الداخلية ومنصب نائبة رئيس البرلمان، أخيراً «قفاز التحدّي» في وجه رجب طيب إردوغان، رئيس تركيا و«رجلها القوي».
وجاء تحدي أكشنر عبر إعلانها تأسيس حزب جديد باسم «الحزب الجيد» في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، معلنة من البداية أن رفاقها في العمل السياسي وفي حزبها الجديد طالبوها بالترشح في الانتخابات الرئاسية التي من المقرر أن تُجرى يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019.
وبخلاف كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري (حزب المعارضة الرئيسي)، الذي عجز عن الوصول إلى الناخبين من خارج دائرة الفئات النخبوية في المدن، تبدو أكشنر قادرة على اختراق القاعدة الشعبية لإردوغان واحتضان مختلف الأطياف. ثم إن «كيمياء» هذه السياسية «القومية» تجعل منها بديلاً جذاباً لكثير من الناخبين الأتراك لكونها غير محسوبة على تيار الإسلام السياسي، واختلافها عن المعارضة العلمانية اليسارية التقليدية التي نجح إردوغان في تحجيمها، ناهيك بأنها خيار جذاب للنساء التركيات.
- المسيرة السياسية
وُلدت ميرال أكشنر يوم 18 يوليو (تموز) عام 1956، في مدينة إزميت (كوجالي) بشمال غربي تركيا، قرب مدينة إسطنبول، لأبوين مهاجرين من مدينة سالونيك بشمال اليونان.
وفي مطلع شبابها، درست أكشنر في جامعة إسطنبول وتخرّجت فيها مجازةً في التاريخ. ثم حصلت على الدكتوراه في التاريخ من جامعة مرمرة، وهي الجامعة التي تخرج فيها الرئيس إردوغان، وتقع أيضاً في إسطنبول، وامتهنت على الأثر التدريس الجامعي.
ولقد تدرّجت السياسية والأكاديمية الطموحة في عدد من الجامعات، قبل أن تقرّر عام 1994 هجر الحياة الأكاديمية لخوض غمار العمل السياسي. وبالفعل، ترشحت عن حزب في الانتخابات البرلمانية عام 1995، وفازت عن إحدى دوائر إسطنبول ممثلةً حزب «الطريق القويم» المحافظ. ثم اختيرت وزيرة للداخلية من عام 1996 إلى عام 1997 في عهد رئيس الوزراء الإسلامي الراحل الدكتور نجم الدين إربكان، مؤسس «الإسلام السياسي» في تركيا الحديثة، وباتت أول وآخر امرأة تتولى هذه الحقيبة الحساسة التي يتعاقب عليها الرجال.
أظهرت ميرال أكشنر، إبّان توليها هذا المنصب، صلابة لافتة في مواجهة حزب العمال الكردستاني الانفصالي المحظور، وكذلك في مواجهة قادة الجيش الذي كان يتمتع بمهابة كبيرة وثقل سياسي يفوق أي حكومة، وبوضع لا يقارن بما هو عليه الآن، إذ أعلنت رفضها القوي تدخل الجيش في السياسة، ووقفت بعناد خلف رأيها، ما كلّفها منصبها الوزاري في أعقاب تدخل الجيش في تغيير حكومة إربكان يوم 28 فبراير (شباط) عام 1997، فيما عرف آنذاك بـ«الانقلاب الأبيض» أو «الانقلاب ما بعد الحداثي».
- العودة إلى الساحة
وبعد فترة حظر، عادت أكشنر إلى البرلمان، وجرى انتخابها لعضوية البرلمان غير مرة. ومن ثم، صارت وجهاً برلمانياً معروفاً في صفوف تيارات اليمين. وفي وقت ما، انضمت إلى حزب العدالة والتنمية –إسلاميّ التوجهات– الذي أسسه إردوغان مع عبد الله غُل، رئيس الجمهورية السابق، وبولنت أرينتش وعدد آخر من رفاقهم، في بداياته. إلا أنها تركته بعد 4 أشهر فقط، عندما اكتشفت أنه لا يقدم جديداً في طروحاته، ولا يختلف، بالتالي، عن الأحزاب الإسلامية السابقة التي أسسها إربكان.
وفي عام 2007 التحقت أكشنر بصفوف حزب «الحركة القومية» اليميني القومي برئاسة السياسي المخضرم دولت بهشلي، ورأت فيه الحزب السياسي الملائم لآيديولوجيتها القومية. وظلت في صفوف هذا الحزب نائبة بالبرلمان وقيادية في صفوفه التنظيمية إلى أن وقع الخلاف بينها وبين بهشلي، الذي اختار بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا يوم 15 يوليو 2016 السير في ركاب إردوغان، وتأييد خطته لتحويل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
وقتها أعلنت أكشنر تمرّدها وقادت مجموعة من المنشقّين في الحزب. ثم أطلقت حملة جماهيرية للتصويت بـ«لا» في الاستفتاء على تعديل الدستور من أجل الانتقال إلى النظام الرئاسي في أبريل 2017، وذلك بعدما باشرت التحضير لمرحلة سياسية جديدة إثر رفض المحكمة مساعيها لعقد مؤتمر عام للحزب للإطاحة ببهشلي من رئاسة «الحركة القومية» ووصول الشقاق معه إلى نقطة اللاعودة.
- انطلاقة جديدة
عندما حاولت أكشنر وفريقها من المنشقين عقد جمعية عمومية لحزب «الحركة القومية» في أحد فنادق أنقرة يوم 2016، بهدف تغيير القيادة، طوقت الشرطة التركية المكان، ومنعت الاجتماع. وهو ما فُسِّر في حينه بأنه تدخل من إردوغان لحماية «حليفه» الجديد بهشلي. غير أن السياسية المخضرمة استغلت هذه الفرصة لتحوّل الواقعة إلى «مؤتمر شعبي»، باعتلائها إحدى الحافلات المكشوفة التي أعدت لها، وألقت خطاباً على مؤيديها خارج الطوق الأمني المفروض حول القاعة.
جعلت أكشنر من ذلك الخطاب نداءً حماسياً ملتهباً دشن بداية مرحلة نضال سياسي بعد فصلها من «الحركة القومية»، والخطوة الأولى باتجاه تأسيس حزب جديد أبصر النور -كما سبقت الإشارة- في 25 أكتوبر الماضي، تحت اسم «الحزب الجيد»، أرادت منه أن يكون معبّراً عن معارضة يمينية لا ترضى بأن تكون مجرد «ديكور» لتجميل المشهد السياسي من خلال التماهي مع «الرئيس» في كل قراراته وأفعاله. وكان من بين الأعضاء المؤسسين للحزب الجديد 4 من نواب حزب «الحركة القومية»، ونائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض، استقال وانضم إلى الحزب.
واليوم، مع أن معظم الأعضاء المؤسسين للحزب لهم تاريخ طويل في «الحركة القومية» فإن «الحزب الجيد» يطمح إلى أن يمثل خط يمين الوسط القومي، وكسب أصوات الناخبين القوميين والديمقراطيين.
- مؤتمر التأسيس
في الحقيقة، لم يتمكن الحزب الوليد من استئجار صالة أو فندق في العاصمة أنقرة لاستضافة مؤتمره العام الأول، وذلك خشية من مالكي الصالات والفنادق النظر إلى تجاوبهم على أنه يشكّل تأييداً لمواقف الحزب. ولذا، اضطر الأعضاء المؤسسون إلى عقد مؤتمر الإعلان عن تأسيس حزبهم في مركز «ناظم حكمت» الثقافي التابع لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية.
وخلال المؤتمر ردت أكشنر على الهتافات التي تعالت من مناصريها «ميرال.... رئيسة الوزراء»، بقولها إن مؤسسي الحزب وناشطيه وأصدقاءها يلحّون عليها أن تترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة عام 2019. وهكذا، اعتبر مراقبون أن أكشنر أعلنت بذلك تحدياً مفتوحاً مع إردوغان على منصب الرئاسة الذي يعمل على تحويله إلى منصب يحظى صاحبه بأكبر الصلاحيات. ورأوا أنها يمكن أن تشكل تهديداً جدياً للرئيس الحالي، كونها تستمد شعبيتها من القاعدة الشعبية نفسها التي يعتمد عليها، وتحديداً من فئات الناخبين المحافظين والمؤيدين لقطاع الأعمال والمتديّنين والقوميين.
أكثر من هذا، كسبت أكشنر، بسبب معارضتها الشديدة لاعتماد النظام الرئاسي في تركيا، المزيد من الشعبية حتى داخل أوساط حزب العدالة والتنمية الحاكم (حزب إردوغان) ممن يعارضون النظام الرئاسي.
- قاعدة عريضة
وراهناً يرى كثيرون أن أكشنر قادرة على اختراق القاعدة الشعبية لإردوغان، ثم إنها بدأت بالفعل جولات في أنحاء مختلفة من تركيا تعكس نهجها الذي تسعى من خلاله لتأكيد أن حزبها لن يكون حزباً لليمين القومي فقط، بل لمختلف الأطياف.
وفي كلمتها خلال إعلان تأسيس الحزب امتدحت أكشنر قادة أتراكاً من مختلف الأطياف، بدءاً بمؤسس الجمهورية مصطفى كمال «أتاتورك»، مروراً بالعلماني اليساري بولنت أجاويد، والإسلامي نجم الدين إربكان، وهو ما أعطى مؤشراً صريحاً إلى أنها تهدف إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الناخبين من مختلف ألوان الطيف السياسي في تركيا.
ومما قالته أكشنر في كلمتها أن «تركيا ستكون بخير» في ظل حزبها، وإن «تركيا وشعبها تعبا، والدولة تآكلت وانعدم النظام ولا حل سوى تغيير كل المناخ السياسي». كذلك أكدت أهمية سيادة القانون وحماية المؤسسات واتباع الأصول والإجراءات القانونية. وهاجمت إردوغان قائلة إنه «يرى العالم بلونين فقط هما إما أبيض وإما أسود، أما أنا فلا أنظر إلى سيادة القانون بمنظار الخطأ أو الصواب، أنا أؤمن بالقانون وسيادته»، كما انتقدت موقف إردوغان من المرأة، فقالت إنه يريد «أن نبقى داخل المنزل».
- فرص النجاح
تبدو الجذور الآيديولوجية اليمينية المتشددة لأكشنر من السلبيات التي يمكن أن تحد من انتشارها في أوساط الناخبين الأكراد وبعض الأقليات. وكانت قد عبّرت بنفسها عن إدراكها لهذه الحقيقة بالتأكيد أن حزبها لا يعتمد القومية العرقية بل «الهوية الوطنية»، بما فيها من أفراح وذكريات وروابط مشتركة. وللعلم، سبق أن عارضت أكشنر مفاوضات السلام التي أجرتها الحكومة مع حزب العمال الكردستاني خلال السنوات القليلة الماضية، وقالت إن القانون التركي فيه ما يكفي من ضمانات لصيانة حقوق الأقليات في البلاد واحتياجاتها. ولكن، في الوقت ذاته، وقفت أكشنر بقوة ضد اعتقال نواب حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد لحقوق الأكراد، ووصفت ذلك بأنه محاولة من قبل إردوغان لترهيب الأكراد، ولذا «زج بالنواب الأكراد في السجون قبل الاستفتاء على النظام الرئاسي».
أيضاً خاضت هذه السياسية القومية مواقع شرسة بعدما تعرضت لحملة قاسية من قبل الإعلام الموالي للحكومة تناولت حياتها الشخصية منذ أبريل 2016، عندما بدأت تتحرك للإطاحة ببهشلي من رئاسة «الحركة القومية»، كما تلقت تهديدات بالقتل، ووصفت ذلك بأنها محاولة لإرهابها، قائلة: «إن هذه الحملة المنسقة منذ أبريل 2016 تهدف إلى إرغامي على التراجع لكنهم فشلوا في ذلك».
على أي حال، يرى مراقبون أن مزايا أكشنر تجعل منها بديلاً جذاباً لكثير من الناخبين الأتراك، كونها غير محسوبة على تيار الإسلامي السياسي مع أنها تصف نفسها دائماً بأنها «مسلمة تحترم الدين»، وهي بذلك تختلف عن المعارضة العلمانية اليسارية التقليدية التي نجح إردوغان في تحجيمها. ثم إنها قد تكون معارضة مقبولة للمحافظين الذين لا يريدون أن يذهبوا بمعارضتهم إلى حد التصويت لليسار، هذا إضافة إلى العلمانيين الذين قد ينظرون إليها على أنها بديل مقبول وأقل خطراً من إردوغان. وأخيراً، فهي -كما سبق- خيار جذاب للنساء التركيات، وهي التي دأبت على تأكيد انحيازها لفرص المرأة وحقوقها.
في المقابل، مع أن أكشنر، والكثير من أنصارها يرفعون شعار «الذئب»، وهو شعار «الحركة القومية»، في تجمعاتهم، والمتمثل في ضم الإبهام والوسطى والبنصر وإطلاق السبابة والخنصر على شكل رأس ذئب. فإنها في الفترة الأخيرة استعاضت عنه بعلم تركي من الحناء على كف يدها، الأمر الذي انتشر كثيراً على أيدي أنصارها وعلى «تويتر» لما فيه من رمز للثقافة التركية التقليدية وتقرّب من عموم الشعب.
-- أكبر الأحزاب السياسية التركية
> تركيا جمهورية تعتمد النظام الديمقراطي التعددي، وتتنافس على السلطة مجموعة من الأحزاب تتفاوت في آيديولوجيتها وأحجامها تفاوتاً كبيراً. ووفق النظام الانتخابي المتبع حالياً يعد ضمن الأحزاب الكبرى كل حزب ينجح مرشحوه في الحصول على أكثر من 10% من الأصوات في الانتخابات أو تتمثل في البرلمان.
وفيما يلي أكبر الأحزاب السياسية التركية، وحجم تمثيلها في البرلمان:
> حزب العدالة والتنمية (يمين – إسلامي):
الحزب الحاكم في البلاد، وتقوم آيديولوجيته على الإسلام السياسي، و«العثمانية الجديدة». زعيمه الفعلي الرئيس رجب طيب إردوغان، وهو أحد مؤسسيه مع زميلة عبد الله غُل، ورئيسه التنظيمي بن علي يلدريم، رئيس الوزراء الحالي. ورث عملياً عدة أحزاب إسلامية التوجّه أبرزها «حزب الرفاه»، كان وراء جاذبيتها ونفوذها الزعيم السياسي الإسلامي ورئيس الوزراء السابق نجم الدين إربكان.
لدى الحزب حالياً 317 مقعداً من أصل مقاعد البرلمان البالغ عددها 550 مقعداً. أكثر من هذا، يسيطر هذا الحزب اليوم على 800 مجلس بلدي في تركيا (من أصل 1351 مجلساً)، و18 مجلساً من مجالس التجمّعات الحضرية الكبرى الـ30.
> حزب الشعب الجمهوري (يسار الوسط – علماني):
حزب مصطفى كمال «أتاتورك»، وخلفه عصمت إينونو، ثاني رؤساء الجمهورية التركية، الذي قاده بين 1938 و1972. أقدم الأحزاب التركية (أُسس أصلاً عام 1919) وأكبر أحزاب يسار الوسط. برز من قادته رئيس الوزراء الأسبق بولنت (بلند) أجاويد، وإردال إينونو، ودينيز بايكال، أما زعيمه الحالي فهو كمال كليتشدار أوغلو.
لدى الحزب حالياً 133 مقعداً في البرلمان من أصل 550، ويسيطر على 226 مجلساً بلدياً، و6 من المجالس الحضرية الكبرى الـ30.
> حزب الشعوب الديمقراطي (يسار – أقليات عرقية ودينية):
حزب يساري يمثل قوى عدة أبرزها الأقليات العرقية والدينية، على رأسها الأكراد، وكذلك الجماعات النسوية والراديكالية، وهو عضو استشاري في «الدولية الاشتراكية».
جُلّ تأييد هذا الحزب يأتي من المناطق الكردية في جنوب شرقي البلاد، وزعيمه صلاح الدين دميرتاش (الموقوف حالياً).
يحتل نواب الحزب 59 مقعداً في مجلس النواب، ويسيطرون على 97 مجلساً بلدياً، ومجلسين حضريين كبيرين.
> حزب «الحركة القومية» (يمين قومي - متشدد):
حزب قومي تركي – طوراني، يميني متشدد، أسسه الضابط السابق ألب أرسلان توركيش عام 1969. يرأسه حالياً دولت بهشلي الذي خلف توركيش بعد وفاة الأخير عام 1997.
اتُّهمت الميليشيات المرتبطة في أيام مؤسسه باستهداف المثقفين والحركيين اليساريين، وكان من أشهر هذه الميليشيات الموصومة بالفاشية «الذئاب الرمادية». وحالياً يتمثل حزب «الحركة القومية» في البرلمان بـ39 مقعداً، كما أنه يسيطر على 166 مجلساً بلدياً و3 مجالس حضرية كبرى.



شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
TT

شرق السودان... نار تحت الرماد

الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)
الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق السودان هو «الجسر» الذي يمكن أن تعبره قوات أي منهما نحو أرض الجانب الآخر. ومع تأثر الإقليم أيضاً بالصراعات الداخلية الإثيوبية، وبأطماع الدولتين بموارد السودان، يظل الصراع على «مثلث حلايب» هو الآخر لغماً قد ينفجر يوماً ما.

حدود ملتهبة

تحدّ إقليم «شرق السودان» ثلاث دول، هي مصر شمالاً، وإريتريا شرقاً، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، ويفصله البحر الأحمر عن المملكة العربية السعودية. وهو يتمتع بشاطئ طوله أكثر من 700 كيلومتر؛ ما يجعل منه جزءاً مهماً من ممر التجارة الدولية المهم، البحر الأحمر، وساحة تنافس أجندات إقليمية ودولية.

وفئوياً، تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة من نواحي البلاد الأخرى، وبينها تناقضات وصراعات تاريخية، وارتباطات وقبائل مشتركة مع دول الجوار الثلاث. كذلك يتأثر الإقليم بالصراعات المحتدمة في الإقليم، وبخاصة بين إريتريا وإثيوبيا، وهو إلى جانب سكانه يعج باللاجئين من الدولتين المتشاكستين على الدوام؛ ما يجعل منه ساحة خلفية لأي حرب قد تنشأ بينهما.

وحقاً، ظل شرق السودان لفترة طويلة ساحة حروب داخلية وخارجية. وظلت إريتريا وإثيوبيا تستضيفان الحركات المسلحة السودانية، وتنطلق منهما عملياتها الحربية، ومنها حركات مسلحة من الإقليم وحركات مسلحة معارضة منذ أيام الحرب بين جنوب السودان وجنوب السودان، وقوات حزبية التي كانت تقاتل حكومة الخرطوم من شرق السودان.

لكن بعد توقيع السودان و«الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق ما عُرف بـ«اتفاقية نيفاشا»، وقّعت الحركات المسلحة في شرق السودان هي الأخرى ما عُرف بـ«اتفاقية سلام شرق السودان» في أسمرا عاصمة إريتريا، وبرعاية الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، يوم 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2006. ونصّت تلك الاتفاقية على تقاسم السلطة والثروة وإدماج الحركات المسلحة في القوات النظامية وفقاً لترتيبات «أمنية»، لكن الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم لم تف بتعهداتها.

عبدالفتاح البرهان (رويترز)

12 ميليشيا مسلحة

من جهة ثانية، اندلعت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في منتصف أبريل (نيسان) 2023، فانتقلت الحكومة السودانية إلى بورتسودان «حاضرة الشرق» وميناء السودان على البحر الأحمر، واتخذت منها عاصمة مؤقتة، ووظّفت الحركات المسلحة التي أعلنت انحيازها للجيش، في حربها ضد «الدعم السريع».

وإبّان هذه الحرب، على امتداد 18 شهراً، تناسلت الحركات المسلحة في شرق السودان ليصل عددها إلى 8 ميليشيات مسلحة، كلها أعلنت الانحياز إلى الجيش رغم انتماءاتها «الإثنية» المتنافرة. وسعت كل واحدة منها للاستئثار بأكبر «قسمة حربية» والحصول على التمويل والتسليح من الجيش والحركة الإسلامية التي تخوض الحرب بجانب الجيش من أجل العودة للسلطة.

ميليشيات بثياب قبلية

«الحركة الوطنية للعدالة والتنمية» بقيادة محمد سليمان بيتاي، وهو من أعضاء حزب «المؤتمر الوطني» المحلول البارزين - وترأس المجلس التشريعي لولاية كَسَلا إبان حكم الرئيس عمر البشير -، دشّنت عملها المسلح في يونيو (حزيران) 2024، وغالبية قاعدتها تنتمي إلى فرع الجميلاب من قبيلة الهدندوة، وهو مناوئ لفرع الهدندوة الذي يتزعمه الناظر محمد الأمين ترك.

أما قوات «الأورطة الشرقية» التابعة لـ«الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة» بقيادة الأمين داؤود، فتكوّنت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وسمّت «اتفاقية سلام السودان»، في جوبا، داؤود المحسوب على قبيلة البني عامر رئيساً لـ«مسار شرق السودان». لكن بسبب التنافس بين البني عامر والهدندوة على السيادة في شرق السودان، واجه تنصيب داؤود رئيساً لـ«تيار الشرق» رفضاً كبيراً من ناظر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.

بالتوازي، عقدت «حركة تحرير شرق السودان» بقيادة إبراهيم دنيا، أول مؤتمر لها في مايو (أيار) 2024 برعاية إريترية كاملة فوق التراب الإريتري، بعد أيام من اشتعال الحرب في السودان. وتدرّبت عناصرها في معسكر قريب من قرية تمرات الحدودية الإريترية، ويقدّر عدد مقاتليها اليوم بنحو ألفي مقاتل من قبيلتي البني عامر والحباب، تحت ذريعة «حماية» شرق السودان.

كذلك، نشطت قوات «تجمّع أحزاب وقوات شرق السودان» بقيادة شيبة ضرار، وهو محسوب على قبيلة الأمرار (من قبائل البجا) بعد الحرب. وقاد شيبة، الذي نصّب نفسه ضابطاً برتبة «فريق»، ومقرّه مدينة بورتسودان - العاصمة المؤقتة - وهو ويتجوّل بحريّة محاطاً بعدد من المسلحين.

ثم، على الرغم من أن صوت فصيل «الأسود الحرة»، الذي يقوده مبروك مبارك سليم المنتمي إلى قبيلة الرشايدة العربية، قد خفت أثناء الحرب (وهو يصنَّف موالياً لـ«الدعم السريع»)، يظل هذا الفصيل قوة كامنة قد تكون طرفاً في الصراعات المستقبلية داخل الإقليم.

وفي أغسطس (آب) الماضي، أسّست قوات «درع شرق السودان»، ويقودها مبارك حميد بركي، نجل ناظر قبيلة الرشايدة، وهو رجل معروف بعلاقته بالحركة الإسلامية وحزب «المؤتمر الوطني» المحلول، بل كان قيادياً في الحزب قبل سقوط نظام البشير.

أما أقدم أحزاب شرق السودان، «حزب مؤتمر البجا»، بقيادة مساعد الرئيس البشير السابق موسى محمد أحمد، فهو حزب تاريخي أُسّس في خمسينات القرن الماضي. وبعيد انقلاب 30 يونيو 1989 بقيادة عمر البشير، شارك الحزب في تأسيس ما عُرف بـ«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي كان يقود العمل المسلح ضد حكومة البشير من داخل إريتريا، وقاتل إلى جانب قوات «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بقيادة الراحل جون قرنق على طول الحدود بين البلدين، وفي 2006 وقّع مع بقية قوى شرق السودان اتفاقية سلام قضت بتنصيب رئيسه مساعداً للبشير.

ونصل إلى تنظيم «المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة» بقيادة الناظر محمد الأمين ترك. لهذا التنظيم دور رئيس في إسقاط الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، بإغلاقه الميناء وشرق البلاد. ورغم زعمه أنه تنظيم «سياسي»، فإنه موجود في الميليشيات المسلحة بشكل أو بآخر.

وهكذا، باستثناء «مؤتمر البجا» و«المجلس الأعلى للعموديات المستقلة»، فإن تاريخ تأسيس هذه الميليشيات القبلية وجغرافيا تأسيسها في إريتريا، ونشرها في الإقليم تحت راية الجيش وتحت مزاعم إسناده – على رغم «تبعيتها» لدولة أجنبية مرتبطة بالحرب - يعتبر مراقبون أن وجودها يهدّد استقرار الإقليم ويعزّز الدور الإريتري في شرق السودان، وبخاصة أن البناء الاجتماعي للإقليم في «غاية الهشاشة» وتتفشى وسط تباينات المجموعات القبلية والثقافية المكوّنة له.

أسياس أفورقي (رويترز)

مقاتلون من الغرب يحاربون في الشرق

إلى جانب الميليشيات المحلية، تقاتل اليوم أكثر من أربع حركات مسلحة دارفورية بجانب الجيش ضد «الدعم السريع»، ناقلةً عملياتها العسكرية إلى شرق السودان. الأكبر والأبرز هي: «حركة تحرير السودان» بقيادة مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور)، و«حركة العدل والمساواة السودانية» بقيادة (وزير المالية) جبريل إبراهيم، و«حركة تحرير السودان - فصيل مصطفى طمبور»، ومعها حركات أخرى صغيرة كلها وقّعت «اتفاقية سلام السودان» في جوبا، وبعد سبعة أشهر من بدء الحرب انحازت إلى الجيش في قتاله ضد «الدعم السريع».

الحركات المسلحة الدارفورية التي تتخذ من الشرق نقطة انطلاق لها، أسسها بعد اندلاع الحرب مواطنون سودانيون ترجع أصولهم إلى إقليم دارفور، إلا أنهم يقيمون في شرق السودان. أما قادتها فهم قادة الحركات المسلحة الدارفورية التي كانت تقاتل الجيش السوداني في إقليم دارفور منذ عام 2003، وحين اشتعلت حرب 15 أبريل، اختارت الانحياز للجيش ضد «الدعم السريع». ولأن الأخير سيطر على معظم دارفور؛ فإنها نقلت عملياتها الحربية إلى شرق السودان أسوة بالجيش والحكومة، فجندت ذوي الأصول الدارفورية في الإقليم، ودرّبتهم في إريتريا.

استقطاب قبلي

حسام حيدر، الصحافي المتخصّص بشؤون شرق السودان، يرى أن الحركات المسلحة في الإقليم، «نشأت على أسس قبلية متنافرة ومتنافسة على السلطة واقتسام الثروة والموارد، وبرزت أول مرة عقب اتفاق سلام شرق السودان في أسمرا 2006، ثم اتفاق جوبا لسلام السودان».

ويرجع حيدر التنافس بين الميليشيات المسلحة القبلية في الإقليم إلى «غياب المجتمع المدني»، مضيفاً: «زعماء القبائل يتحكّمون في الحياة العامة هناك، وهذا هو تفسير وجود هذه الميليشيات... ثم أن الإقليم تأثر بالنزاعات والحروب بين إريتريا وإثيوبيا؛ ما أثمر حالة استقطاب وتصفية حسابات إقليمية أو ساحة خلفية تنعكس فيها هذه الصراعات».

تتساكن في الإقليم مجموعات ثقافية وإثنية «أصيلة» وأخرى وافدة

من نواحي البلاد الأخرى وبينها تناقضات وصراعات تاريخية

الدكتورعبدالله حمدوك (رويترز)

المسؤولية على «العسكر»

حيدر يحمّل «العسكر» المسؤولية عن نشاط الحركات المسلحة في الشرق، ويتهمهم بخلق حالة استقطاب قبلي واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية، ازدادت حدتها بعد حرب 15 أبريل. ويشرح: «الحركات المسلحة لا تهدد الشرق وحده، بل تهدد السودان كله؛ لأن انخراطها في الحرب خلق انقسامات ونزاعات وصراعات بين مكوّنات الإقليم، تفاقمت مع نزوح ملايين الباحثين عن الأمان من مناطق الحرب».

وفقاً لحيدر، فإن نشاط أربع حركات دارفورية في شرق السودان، وسّع دائرة التنافس على الموارد وعلى السلطة مع أبناء الإقليم؛ ما أنتج المزيد من الحركات القبلية، ويوضح: «شاهدنا في فترات سابقة احتكاكات بين المجموعات المسلحة في شرق السودان مع مجموعات مسلحة في دارفور، وهي مع انتشار المسلحين والسلاح، قضايا تضع الإقليم على حافة الانفجار... وإذا انفجر الشرق ستمتد تأثيراته هذا الانفجار لآجال طويلة».

ويرجع حيدر جذور الحركات التي تدرّبت وتسلحت في إريتريا إلى نظام الرئيس السابق عمر البشير، قائلاً: «معظمها نشأت نتيجة ارتباطها بالنظام السابق، فمحمد سليمان بيتاي، قائد (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)، كان رئيس المجلس التشريعي في زمن الإنقاذ، ومعسكراته داخل إريتريا، وكلها تتلقى التمويل والتسليح من إريتريا».

وهنا يبدي حيدر دهشته لصمت الاستخبارات العسكرية وقيادة الجيش السوداني، على تمويل هذه الحركات وتدريبها وتسليحها من قِبل إريتريا على مرأى ومسمع منها، بل وتحت إشرافها، ويتابع: «الفوضى الشاملة وانهيار الدولة، يجعلان من السودان مطمعاً لأي دولة، وبالتأكيد لإريتريا أهداف ومصالح في السودان». ويعتبر أن تهديد الرئيس (الإريتري) أفورقي بالتدخل في الحرب، نقل الحرب من حرب داخلية إلى صراع إقليمي ودولي، مضيفاً: «هناك دول عينها على موارد السودان، وفي سبيل ذلك تستغل الجماعات والمشتركة للتمدد داخله لتحقق مصالحها الاقتصادية».

الدور الإقليمي

في أي حال، خلال أكتوبر الماضي، نقل صحافيون سودانيون التقوا الرئيس أفورقي بدعوة منه، أنه سيتدخّل إذا دخلت الحرب ولايات الشرق الثلاث، إضافة إلى ولاية النيل الأزرق. وهو تصريح دشّن بزيارة مفاجئة قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لإريتريا 26 نوفمبر الماضي، بحثت بشكل أساسي - وفقاً لتقارير صحافية - قضية الحركات المسلحة التي تستضيفها إريتريا داخل حدودها ومشاركتها في الحرب إلى جانب الجيش، إلى جانب إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية.

للعلم، الحركات الشرقية الثماني تدرّبت داخل إريتريا وتحت إشراف الجيش الإريتري وداخل معسكراته، وبعضها عاد إلى السودان للقتال مع جانب الجيش، وبعضها لا يزال في إريتريا. وعلى الرغم من النفي الإريتري الرسمي المتكرر، فإن كثيرين، وبخاصة من شرق السودان، يرون أن لإريتريا أطماعاً في الإقليم.

أما إثيوبيا، فهي الأخرى تخوض صراعاً حدودياً مع السودان وترفض ترسيم الحدود عند منطقة «الفشقة» السودانية الخصيبة بولاية القضارف. وإلى جانب تأثر الإقليم بالصراعات الداخلية الإثيوبية، فهو يضم الآلاف من مقاتلي «جبهة تحرير التيغراي» لجأوا إلى السودان فراراً من القتال مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي في عام 2020، ولم يعودوا إلى بلادهم رغم نهاية الحرب هناك. ويتردد على نطاق واسع أنهم يقاتلون مع الجيش السوداني، أما «الدعم السريع» فتتبنى التهمة صراحةً.

أخيراً، عند الحدود الشمالية حيث مثلث «حلايب» السوداني، الذي تتنازع عليه مصر مع السودان ويسيطر عليه الجيش المصري، فإن قبائل البشارية والعبابدة القاطنة على جانبي الحدود بين البلدين، تتحرك داخل الإقليم. وهي جزء من التوترات الكامنة التي يمكن أن تتفجر في أي وقت.

وبالتالي، ليس مبالغة القول إن شرق السودان يعيش على شفا حفرة من نار. وتحت الرماد جمرات قد تحرق الإقليم ولا تنطفئ أبداً.