نساء تحولن إلى قاتلات

باحثتان تونسيتان في دراسة مشتركة معززة بحوارات معهن

نساء تحولن إلى قاتلات
TT

نساء تحولن إلى قاتلات

نساء تحولن إلى قاتلات

«النساء والإرهاب»... دراسة مشتركة بين الباحثة في الحضارة العربية والفكر الإسلامي الدكتورة آمال قرامي، والصحافية منية العرفاوي المتخصصة في شؤون الجماعات المتطرفة، صدرت منذ أيام في تونس عن دار مسكلياني.
ويبحث الكتاب، الصادر في 540 صفحة، في ظاهرة التحاق النساء بالجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة مثل «داعش» و«القاعدة» و«أنصار الشريعة»، جامعاً الدراسة النظرية وتفكيك أسباب ودوافع الانتماء إلى الجماعات الإرهابية، وبين التواصل مع مجموعة من النساء من خلال حوار نساء على صلة بالإرهاب مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من خلال الانتماء الأُسَري.
وتفسر الدكتورة آمال قرامي أسباب اهتمامها بهذا المبحث بالقول: «رغم ارتفاع الأصوات في كل من مصر وتونس والمغرب وفلسطين ولبنان وغيرها من البلدان، وتنديد الباحثات بتهميش المؤرخين للأدوار التي اضطلعت بها النساء عبر التاريخ، فإن عدسة البحاثة والمثقفين ظلت في الغالب، مصوبة نحو إنتاج الرجال، ومهتمة بالتاريخ الذكوري، وغير مبالية برصد حضور النساء في مختلف الأنشطة، وكأنها تصر على إسدال الحجاب على أفعال النساء».
وتعتبر الدكتورة قرامي أن التطرف النسائي موضوع لم ينل حظه من الاهتمام كما أن الباحثات العربيات عزفن عن تدوين شهادات الشابات وكتابات النساء المعجبات بالتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى اعتبار عدد من الباحثين أن النساء المورطات في الإرهاب عينة قليلة لا تمثل حقيقة المرأة العربية، والمرأة بشكل عام، باعتبار أن المرأة بطبعها بعيدة عن العنف».
وتصنف قرامي النساء اللاتي اهتم بهن الكتاب إلى أربعة أصناف:
- الزوجة والأم التي التحقت بزوجها، أو الفتاة التي تزوجت من إرهابي، وأيضا البنت والأخت التي التحقت بأحد أفراد الأسرة.
- المقيمات في أحياء تحت سلطة الإرهابيين وأغلبهن أجنبيات تم تجنيدهن لخدمة الإرهابيين.
- الانتحاريات اللاتي يتم انتقاؤهن بشكل دقيق لتنفيذ مهمات محددة.
- اللاتي يروجن الفكر المتطرف عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
أما الباحثة منية العرفاوي، وعلى عكس الفكرة المتداولة، فتنفي أن يكون الفقر هو الدافع لالتحاق المرأة بالتنظيمات الإرهابية، قائلة: «أكدت بعض التحريات الأمنية التي أعلنتها وزارة الداخلية (تونس) أن نساء في مناطق حدودية معزولة قدمن خدمات لعناصر إرهابية متحصنة بالجبال كتوفير المؤونة وتأمين احتياجات معيشية لهذه العناصر مقابل مبالغ مالية، دون أن يكن فعلا من المتبنيات لهذا الفكر المتطرف. إن التحريات الأمنية أثبتت أن هناك نساء قدمن (خدمات جنسية) للإرهابيين المرابطين في الجبال مقابل مبالغ مالية».
ومن الشهادات التي توردها الباحثتان تغريدة البريطانية خديجة داري التي كتبت: «أريد أن أكون أول امرأة بريطانية تقتل إرهابيا أميركيا أو إرهابيا بريطانيا»، وهي فتاة لم تتجاوز 22 عاما من العمر، ولدت لعائلة غير مسلمة في مدينة لويسهام البريطانية جنوب شرقي لندن، وكانت ترتدي الكعب العالي والجينز. اعتنقت الإسلام في عمر 18، ثم انتقلت إلى سوريا لتلتحق بتنظيم داعش. وتشير آمال قرامي إلى أن الدراسات النفسية أثبتت أن هناك علاقة بين الجنس وممارسة الإرهاب، «فالعامل الجنسي يضطلع بدور هام في تشكيل شخصية المتشددين والإرهابيين على وجه الخصوص». وتذكر الباحثة أن أشرطة إباحية تم العثور عليها في مخبأ بن لادن، يضاف إلى ذلك اعترافات الفارين من جحيم الجماعات الإرهابية التي تؤكد وجود مثليين ومزدوجي الجنسي Bisexuel بين المورطين في عمليات إرهابية.
وتخصص منية العرفاوي فصلا لـ«أميرات الإرهاب من أصول مغاربية» تقدم فيه مجموعة من البورتريهات لإرهابيات مثل سناء غريس وحياة بومدين وحسناء آيت بولحسن و«نساء وفتيات من تنظيم أنصار الشريعة في تونس» مثل محرزية بن سعد التي كانت أستاذة إنجليزية ومفتونة بتشارلز ديكنز، وفاطمة الزواغي التي اعترفت بأنها تبنت الفكر الجهادي منذ أن كانت تلميذة قبل أن تصبح المسؤولة الإعلامية لتنظيم أنصار الشريعة التي تدير عشرات الصفحات، كما كانت على علاقة مباشرة بزعيم كتيبة عقبة بن نافع خالد الشايب الجزائري المكنى بلقمان أبو صخر، الرجل الثاني في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي الذي نجح الأمن التونسي في تصفيته في 28 مارس (آذار) 2015، والشقيقتان رحمة وغفران شيخاوي اللتين التحقتا بتنظيم أنصار الشريعة في صبراطة الليبية وأسماء البخاري.
كما اهتمت الباحثة بجهاديات الظل كما سمتهن، اللواتي كن يقمن بدور الإسناد اللوجيستي مثل منيرة السويسي وأماني بن شلبية وناهد العامري.
وكتبت الباحثة أيضا عن معاناة عائلات الإرهابيين نفسيا بسبب جنوح الزوج أو الابن أو الأخ أو الأخت، وهي معاناة تثير الكثير من التعاطف مع هؤلاء الضحايا الذين يحملهم المجتمع مسؤولية تورط آبائهم أو أبنائهم أو أشقائهم في الإرهاب. الكتاب تضمن 7 فصول وهي: «دراسات الإرهاب والجندر، جندرة القتال، الجهاد، الإرهاب، فتنة التنظيم والجماعة أو في دواعي الانتماء، أدوار النساء داخل الجماعات المتطرفة والإرهابية، الإرهابيات المغاربيات دراسة بورتريهات، في علاقة الأسر بالإرهاب آلام ومعاناة ووصم، والإرهاب وتشكل الهويات». يمكن اعتبار هذا الكتاب بحجمه الكبير وثيقة أساسية عن عالم الإرهابيات، وهو موضوع بكر في البحث السوسيولوجي والنفسي، فالباحثتان نجحتا في اقتحام عالم الجهاديات وتفكيك البنية الاجتماعية والنفسية التي يمكن أن تحول أستاذة إنجليزية مثلا إلى إرهابية تحترف القتل أو شابة بريطانية تتحول إلى قاتلة في سوريا.


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية
TT

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

«التسامح في الإمارات»... الأبعاد والجذور التاريخية

فضاءات ومحاور بحث معمق، متخصصة في عوالم التعايش والتناغم المتأصلة والمؤتلِقة ضمن مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، يناقشها ويقاربها كتاب «التسامح في الإمارات... سيرة جديدة وضّاءة للأخوة الإنسانية (شهادات وقصص بطلها الآخر)»، للصحافي والباحث السوري رفعت إسماعيل بوعساف، الصادر، أخيراً، عن دار «ميتافيرس برس» للنشر. ويعرض المؤلِّف أبرز شواهد تآلف وتقارب حضارات وأديان وثقافات، موضحاً أهم المقومات التي امتازت بها وعلى رأسها: تجذّر التواصل والانفتاح في المجتمع، وتمسك قادة الإمارات بالقيم الإنسانية، وسماحة أهلها واتسامهم بالوسطية والاعتدال، والمشروعات والمبادرات النوعية الكفيلة بترسيخ التسامح محلياً وعالمياً (مثل: وثيقة الأخوة الإنسانية، وبيت العائلة الإبراهيمية، ووزارة التسامح، والمعهد الدولي للتسامح، والأعمال والمبادرات الخيرية المتنوعة).

يتضمن الكتاب، الواقع في 411 صفحة، على أربعة أبواب رئيسية، وخاتمة تضم مقترحات وتوصيات. وتناقش فصوله جوانب كثيرة شاملة يُجمل فيها بوعساف، وعبر سير مشاهداته ومعايشاته في الإمارات طوال أكثر من 20 عاماً، وكذا في ضوء خلاصات أبحاثه الخاصة بالدراسة، مصادر وينابيع جدارة وتميز مجتمع الإمارات في مدارات التّسامح، مبيناً في مستهلّ إضاءاته الأبعاد والجذور التاريخية لحكاية التسامح في هذه الأرض، في المحطات والأزمان كافّة، طبقاً لأسانيد وتدوينات تاريخية جليّة، فأهلها لطالما تميزوا بكونهم يحتفون بالآخر المختلف عنهم ويرحبون به ولا يرفضونه أو يعزلون أنفسهم عنه، وهكذا ضمّوا وحضنوا بين ظهرانيهم أفراداً من أعراق ومذاهب شتّى بقوا يبادلونهم الحب ويتأثرون ويؤثّرون بهم، ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً. ويستعرض المؤلف عقبها، حقائق فاعلية وإثمار مساعي وبرامج دولة الإمارات العربية المتحدة، الرامية إلى تعزيز التقارب بين الأديان وأطياف الإنسانية... وكذا إطفاء ألهبة أزمات الهُويات، واستئصال أسباب الصراعات المذهبية وقطع دابر التعصب. ثم يدرس ويحلل ماهيات أعمدة وتجليات التسامح والتعايش في ميادين الحياة بالإمارات: المجتمعية والصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والقانونية والإعلامية. ويقدم، أيضاً، جملة شهادات وإشادات لأبرز السياسيين ورجالات الدين والبحاثة والكتّاب الأجانب حول ثراء الإمارات بقيم الانفتاح والتعايش والتواصل، ومنهم: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومسؤولون أمريكيون، ونجم الكرة الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا، والروائي البرازيلي باولو كويلو، ونجم بوليوود شاروخان، وعالم النفس والباحث الكندي البروفسور إدوارد دينر. كما يُفرد الكتاب محطات موسَّعة لشرح طبيعة وقيمة حصاد جهود الدولة ومبادراتها ورؤى قادتها، الضامنة تمكين وتقوية هياكل ومرتكزات التسامح والتآخي الإنساني في مجتمع الإمارات والعالم أجمع، التي تكللها أعمال ومشروعات عمل خيري وإنساني ترصد لها الإمارات ميزانيات ضخمة، تطول أصقاع الأرض قاطبةً ولا تميز فيها بين دين أو إثنية أو طائفة.

ويحفل الباب الرابع في الكتاب، الموسوم «حوارات وسيمفونية»، بحوارات وأحاديث مع رجال دين ومسؤولين ومثقفين وأطباء وإعلاميين ومهندسين ومبدعين، بعضهم يقيم في الدولة منذ أكثر من 60 عاماً، يروون فيها حقائق ومواقف كثيرة، بشأن التسامح وواقع انفتاح المجتمع وقبوله الآخر المختلف ورسوخ التعايش والمحبة فيه. وتضم قائمة هؤلاء المحاورين: أحمد الحَدَّاد، مفتي دبي وعضو «مجلس الإمارات للإفتاء»، وبول هيندر، أسقف الكنيسة الكاثوليكية في جنوب شبه الجزيرة العربية (2004-2022م)، وراجو شروف، رئيس معبد «سندي غورو دربار» الهندوسي، وحمّود الحناوي، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في سوريا، وسوريندر سينغ كاندهاري، رئيس معبد «غورو ناناك دربار السيخي»، وعشيش بروا، مسؤول «المركز الاجتماعي البوذي» في الشارقة، وإيان فيرسرفيس، الشريك المؤسس ورئيس تحرير «موتيڤيت ميديا غروب»، وزليخة داود، أول طبيبة نسائية في الإمارات (1964م)، وبيتر هارادين، الرئيس السابق لـ«مجلس العمل السويسري»، وراميش شوكلا، أحد أقدم المصورين في الإمارات.