لقاءات «الوطني الحر» و«القوات» تعيد إحياء «تفاهم معراب»

TT

لقاءات «الوطني الحر» و«القوات» تعيد إحياء «تفاهم معراب»

عادت العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» إلى مسارها، بعد التشنجات التي شابتها على أثر استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، والمواقف التي صدرت عن قيادات قواتية، وفسّرت على أنها انقلاب على التسوية السياسية برمتها، ودعوة إلى تشكيل حكومة جديدة بتوازنات جديدة. وساهمت لقاءات الطرفين في تنقية الأجواء، وإعادة تثبيت بنود «تفاهم معراب»، الذي أسس لمصالحة الطرفين بعد صراع استمر أكثر من 25 عاماً.
كان لقاء مطول قد جمع، أول من أمس، وزير الخارجية جبران باسيل وأمين سرّ «تكتل التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان عن التيار الوطني الحرّ، ووزير الإعلام ملحم رياشي عن «القوات اللبنانية»، استعرض خلاله الطرفان المرحلة الماضية بكل تبايناتها، وجرى التأكيد على إحياء «تفاهم معراب» الذي تمّ توقيعه في مقرّ القوات في معراب (جبل لبنان)، في 18 يناير (كانون الثاني) 2016، بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، والذي أعلن خلاله الأخير دعمه ترشيح عون لرئاسة الجمهورية.
ولم يترك الاجتماع الأخير أي نقطة خلافية إلا وتطرّق لها، وفق تأكيد رئيس وحدة الإعلام والتواصل في «القوات اللبنانية»، شارل جبور، الذي أكد أن اللقاء الذي عقد في مكتب باسيل في وزارة الخارجية «ساهم بشكل فعّال في تنقية العلاقة بين الطرفين، وأسس للوصول إلى تصور مشترك يمهّد لمرحلة جديدة من التعاطي على قواعد وطنية ثابتة»، وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الحديث تناول بالتفصيل كل الملفات التي أدت إلى تردي العلاقة وتراجعها، كما تم البحث في كيفية تجنب الانزلاق إلى المطبات السابقة نفسها، وما حملت من تفسيرات مختلفة».
وخلافاً للأجواء السلبية التي أشيعت عقب بروز خلاف «الوطني الحرّ» و«القوات اللبنانية» إلى العلن في الأسابيع الماضية، شدد قيادي بارز في تيار «الوطني الحرّ» على أن «تفاهم معراب صامد، وسيبقى صامداً، لأن بقاءه فيه مصلحة للبنان وللمسيحيين»، ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «خلال تنفيذ أي اتفاق، تحصل بعض الإشكالات والاختلاف في وجهات النظر، لكن الاجتماعات التي تحصل بين ممثلين عن الطرفين تصوّب الاختلافات، وتعيد الأمور إلى نصابها».
وسبق لقاء وزارة الخارجية زيارة قام بها النائب إبراهيم كنعان إلى معراب، حيث نقل للدكتور سمير جعجع رغبة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في التمسّك باتفاق الطرفين، وعدم تذويبه في خلافات يمكن تجاوزها بسهولة، لكن لقاء الخارجية نجح في التطرّق لكل النقاط الحرفية، وهو ما أشار إليه شارل جبور الذي قال إن اللقاء الأخير «مهّد للوصول إلى تقاطعات مشتركة تعيد تجديد تفاهم معراب»، انطلاقاً من الحرص على هذا التفاهم، والتمسك بالمصالحة التاريخية، مشيراً إلى أن «المحادثات ركّزت على دور التيار الوطني الحرّ الذي يشكل ركيزة أساسية وجسر تواصل بين كلّ القوى السياسية، وساحة تجمع كل الأطراف تحت مظلة الدولة ورعاية رئيس الجمهورية».
ولفت شارل جبور إلى أن الطرفين «ناقشا موضوع الحكومة، ومقاربتهما المختلفة لبعض القضايا داخلها، وقدم شرح مستفيض من (القوات اللبنانية) حول نظرتها إلى الملفات، وأن تكون خاضعة لمبدأ الرقابة واعتماد معايير واضحة»، لافتاً إلى أن «القاسم المشترك بين (التيار) و(القوات) تمثّل بتثبيت الشراكة التي تأسست في التفاهم، والعودة إلى ثوابتها»، كاشفاً «لقاءات أخرى مقبلة تستكمل إقفال كل الثغرات التي طرأت منذ توقيع (تفاهم معراب) حتى الآن».
وعمّا إذا كانت الاجتماعات الجديدة بين الطرفين تحيي الأمل بالذهاب إلى تحالفات انتخابية بينهما، أوضح القيادي في التيار الحرّ أن «الأمور مفتوحة أمام هذه التفاهمات الانتخابية، لكن يجب الأخذ بالاعتبار قانون النسبية، وربما في بعض الدوائر لا مصلحة للطرفين بالتحالف في لائحة واحدة، وهذا كلّه يخضع لحسابات كل طرف وظروفه وحيثيته».
وحول تسمية القوات لمرشحيها في بعض الدوائر، وإمكانية قطع الطريق على مثل هذه التحالفات، لفت القيادي المذكور إلى أن «القوات اللبنانية هي التي تقرر عن نفسها، وتسمي مرشحيها، ولكن عندما تعقد التحالفات وتركّب اللوائح، تختلف الأمور، ولا تبقى الترشيحات نهائية، وقد تخضع للتعديل هنا أو هناك».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم