مع حرب غير خفية بين أميركا من جهة، والقوى الاقتصادية الكبرى على الجهة الأخرى، يبدو أن دور الصين يتعاظم سواء من حيث سعي بكين لتولي مرحلة القيادة، أو من حيث محاولات عدد من الدول الكبرى دفعها كمنافس مهم لإنهاء سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.
ومنذ تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فإن منهجه الهجومي على القوى الاقتصادية الكبرى، من الصين إلى اليابان إلى أوروبا، وتبني سياسات الحمائية، والتنصل من الاتفاقيات التجارية التي أبرمها قادة أميركا في عصور سابقة، كلها دفعت كثيراً من الدول إلى البحث عن بدائل تنقذ العولمة والتجارة العالمية الحرة.
ومن المقرر أن يحضر ترمب للمرة الأولى أعمال منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا بعد أيام قليلة، وهو المنتدى الذي شهد العام الماضي صعود نجم الرئيس الصيني شي جينبينغ (الشيوعي) كـ«حامٍ للعولمة»، في مقابل ظهور الولايات المتحدة كأكبر معول لهدمها، ما أثار حفيظة العديد من الدول.
وبصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فإن الصين كانت دائماً الأكثر صلاحية كبديل عالمي مقبول، وهو ما أدى إلى مساعٍ للدفع بعملتها اليوان كبديل تجاري قوي للعملة الأميركية المعتمدة على عرش التجارة العالمية، جنباً إلى جنب مع إصلاحات اقتصادية تتبناها بكين، وتحرص دول كبرى ومؤسسات مالية على دعمها.
وأمس، أثنى ديفيد ليبتون، النائب الأول لرئيسة صندوق النقد الدولي على «تحلي القيادة الصينية بالحكمة وتبنيها صوت العقل، لحفاظها على النظام الحالي للتجارة الدولية القائم على القواعد»... لكنه أشار في الوقت نفسه خلال كلمته أمام المنتدى المالي الآسيوي في هونغ كونغ، إلى أنه يجب على الصين تخفيف القيود التجارية والاستثمارية إذا كانت تسعى إلى لعب دور قيادي في العولمة.
وأوضح ليبتون أن بكين في حاجة إلى القيام بالمزيد من الجهود، وأن «القيادة الفعالة والمصداقية الداعمة للعولمة تتطلب أيضاً الاستعداد للاعتراف ببعض أوجه القصور والعيوب الشخصية ومعالجتها... هذا يعني حماية حقوق الملكية الفكرية، والحد من تشوهات السياسة الصناعية، وخفض الطاقات الإنتاجية المفرطة، وتقويض السياسات المشجعة لشركات الدولة».
ويتابع المسؤول المالي البارز، أنه يتعين على الصين أيضاً تسريع جهودها لجعل قطاعها المالي أكثر استقراراً، وأن «الصين لديها فرصة لتسريع الإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن تؤمِّن نمواً مستداماً وشاملاً... لقد حققت الصين تقدماً كبيراً في هذا المجال، كما يظهر تقييمنا الأخير لقطاعها المالي. بيد أنه من الضروري مواصلة هذا الجهد لضمان عدم تقويض الاستقرار المالي للتقدم الاقتصادي والاجتماعي غير العادي للبلاد».
وقبل نحو عام مضى، كانت المؤسسات الدولية ومن بينها صندوق النقد، تحذر من أن الصين هي الخطر القادم على الاقتصاد العالمي، نظراً إلى تنامي الديون... إلا أن هذه اللهجة تغيرت كثيراً خلال الشهور الماضية، مع تبني الصين مزيداً من الإجراءات الإصلاحية، ومحاولات جادة من الدول الكبرى لمساعدتها.
وأمس، أوضح ليبتون في تصريحات لـ«بلومبيرغ»، أن صناع السياسة في الصين بدؤوا يسيرون في الاتجاه الصحيح فيما يخص الديون، مضيفاً أن «على الصينيين أن يحققوا نمواً في الائتمان ينمو بوتيرة أقل من الاقتصاد، وإلا سيظل الائتمان كبيراً جداً بالنسبة إلى الاقتصاد»، مبدياً تفاؤلاً كبيراً، حيث إن البيانات تشير إلى نمو سريع في جميع المناطق، لكنه شدد قائلاً: «يجب أن ندرك أيضاً أن الاقتصاد العالمي في مرحلة متأخرة من الانتعاش الطويل والمتدرج من الأزمة المالية العالمية. ومع تضاؤل الركود الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة، ليس من الواضح متى ستستمر الأخبار الجيدة».
ولأن صندوق النقد يؤكد أن «الآن هو الوقت المناسب لمعالجة نقاط الضعف والقضايا الهيكلية التي يمكن أن تعرقل النمو المستدام، واتخاذ خطوات لتمكين نمو أكبر بمجرد أن يتعافى الانتعاش الدوري»... فإن دوراً صينياً مرتقباً لحماية العولمة هو الأقرب إلى التحقيق، ما يتطلب إنعاش الاقتصاد الصيني بقدر الإمكان، وتلافي كل ما من شأنه أن يعوق ذلك أو يمثل خطراً عليه، حسب مراقبين.
وفي خطوة موازية، تعمل بكين على رفع مكانة عملتها على مستوى العالم، سواء في التجارة أو كعملة مأمونة كاحتياطي استراتيجي. وفي أحدث خطوة في هذا الاتجاه، قال البنك المركزي الألماني «بوندسبنك» أمس، إنه سيضم اليوان إلى احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، الأمر الذي من شأنه منح العملة الصينية مزيداً من النفوذ الدولي بعدما شهدت تقدماً ملحوظاً في نظام المدفوعات العالمي خلال 2017.
وجاء ذلك الإعلان على لسان أندرياس دومبريت، عضو مجلس إدارة «بوندسبنك» خلال المنتدى المالي الآسيوي. ويحتفظ البنك المركزي الأوروبي بالفعل باليوان ضمن احتياطيه من النقد الأجنبي، وفي يونيو (حزيران) الماضي، حوّل «المركزي الأوروبي» دولارات من احتياطيه بقيمة 500 مليون يورو إلى اليوان، نظراً إلى زيادة استخدام العملة الصينية وأهمية الصين كأحد أكبر الشركاء التجاريين لمنطقة اليورو. بينما وافق صندوق النقد الدولي على إدراج العملة الصينية ضمن سلة السحب الخاصة منذ عام 2016.
وأنهت العملة الصينية شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، في المركز السادس بين أفضل العملات المستخدمة في المعاملات الدولية التي أُجريت عن طريق شبكة المدفوعات العالمية «سويفت»، بحصة نسبتها 1.8% من إجمالي المعاملات.
ويرى كثير من المحللين أن هيمنة الدولار على الاحتياطيات العالمية والتجارة أمر يحمل مخاطر كبرى، خصوصاً مع تزايد الديون والقروض الأميركية الساعية لسداد العجز المالي والتجاري المتواصل.
وخلال الأشهر الماضية، أبرمت بكين العشرات من الاتفاقيات مع دول كثيرة حول العالم لاعتماد اليوان عملةً للمبادلات التجارية الثنائية، كما تتزايد يوماً بعد يوم الدول التي تتجه إلى إدراج اليوان ضمن سلة عملات احتياطياتها المالية.
وفي تصريح، أول من أمس، أشار يين يونغ نائب حاكم بنك الشعب الصيني (المركزي الصيني)، إلى أن «الوضع الدولي لليوان أقل بكثير من نسبة مساهمة الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي، مما يعني مجالاً كبيراً لتحسين الاستخدام العالمي للعملة». قائلاً دون مواربة إن «اليوان الصيني يمتلك مجالاً كبيراً لتحسين استخدامه في الأنظمة العالمية، ويرجع ذلك جزئياً إلى زيادة الطلب على الأصول المقوّمة باليوان».
وأشار يونغ إلى أن اليوان لا يمثل سوى 8% من المقاصة الدولية، و2% من معاملات النقد الأجنبي، وأكثر من 1% من احتياطي النقد الأجنبي... بينما تمثل الصين أكثر من 15% من إجمالي الناتج العالمي، ونحو 11% من التجارة، وهو وضع متناقض.
7:57 دقيقة
الصين ترسِّخ قوة عملتها ودورها في حماية العولمة
https://aawsat.com/home/article/1144546/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D8%B3%D9%91%D9%90%D8%AE-%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%AA%D9%87%D8%A7-%D9%88%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%87%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A9
الصين ترسِّخ قوة عملتها ودورها في حماية العولمة
ألمانيا تعتمد اليوان في الاحتياطي... وصندوق النقد يعوِّل على بكين
الصين ترسِّخ قوة عملتها ودورها في حماية العولمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة