لا تزال الآثار التي خلفها حكم حركة طالبان حية وباقية في أذهانهن. ولكن، بعد مرور 20 عاماً، لا يزلن على استعداد لقتالهم. وهن لسن من النساء الأفغانيات العاديات، ولكنهن ضابطات عسكريات مدربات من اللاتي قطعن شوطاً طويلاً وموجعاً منذ أيام حكم طالبان، ووصلن أخيراً إلى الهند لتلقي التدريبات العسكرية الخاصة.
ولقد تم اختيار الضابطات من رتب الملازم، والنقيب، والمقدم، من مختلف الأفرع والفرق بالجيش، بما في ذلك القوات الخاصة ممن لديهن خبرة سابقة في قتال حركة طالبان. وتعتقد الضابطات الأفغانيات أن التدريب في الأكاديمية سوف يُصقل مهاراتهن في استخدام الأسلحة، ويساعدهن في قتال حركة طالبان على نحو أفضل.
ومن المثير للاهتمام، أن الكثير من الضابطات الأفغانيات لديهن رسومٌ بالحناء على أيديهن، وهن يرتدين الأساور والخواتم الذهبية التي تزين أصابعهن النحيلة وطلاء الأظافر الذي يتلألأ على أيديهن، ولكن في الدورات التدريبية تجدهن يرتدين الحجاب والعدة الحربية الكاملة، ويستخدمن الأسلحة والقنابل اليدوية ببراعة كبيرة، كما لو كانت لعباً يحبونها، مع عزم وتصميم وإرادة بالغة تبدو في أعينهن ووجههن.
وفي داخل أفغانستان، هناك محاولات حقيقية من جانب الجيش الأفغاني لزيادة الوجود النسائي في صفوف القوات المسلحة الأفغانية. وتسعى كابل إلى زيادة مشاركة النساء حتى نسبة 10 في المائة من إجمالي القوات العاملة، وهي النسبة التي لا تتجاوز في الوقت الراهن 3 في المائة فقط من مجموع القوات.
وأتمت نحو 20 ضابطة من الجيش الأفغاني التدريب على أساليب الحرب والقتال في الأكاديمية العسكرية الهندية لتدريب الضباط. وهذا ليس من الإنجازات المتواضعة بحال. فلا بد أن نضع في اعتبارنا أن هؤلاء النساء كن متشحات بالبراقع السوداء الداكنة خلال الفترات المبكرة من حياتهن.
وهن يظهرن مثالاً نادراً على زيادة تحرر المرأة الأفغانية، بعكس ما كانت الأحوال عليه تحت حكم «طالبان»، حيث كان التعليم محظوراً على النساء، ولم يكن يُسمح لهن بالخروج من المنازل ما لم يرتدين البراقع، ويخرجن برفقة محرم من الرجال، كما لم يُسمح لهن إلا بدراسة القرآن وعلوم الدين فحسب.
وفي البلاد التي تلقى أشد المعاناة من الفصل بين الجنسين، كيف هو شعور الضابطات الأفغانيات اللاتي دخلن مضماراً كان ولا يزال حكراً على الذكور؟
تقول الضابطة حسينة حكيمي، قائدة الفريق: «يتدرب النساء والرجال بشكل منفصل في القاعدة العسكرية الواقعة على مشارف كابل، ولكن الضباط يقولون إن التدريب متماثل، ويتضمن اللياقة البدنية، واستخدام الأسلحة، والتكتيكات القتالية، والرعاية الطبية»، وأضافت أن قبول النساء في صفوف الجيش كان أمراً عسيراً، وكان لزاماً عليهن الكفاح لإثبات جدارتهن حتى داخل الجيش.
وفي حين أن الهند قد ساعدت في صقل المهارات العسكرية لأكثر من 4 آلاف ضابط أفغاني من الرجال، فإنها تعد المرة الأولى التي تأتي فيها الضابطات الأفغانيات لحضور دورة تدريبية في الهند تستمر لمدة ثلاثة أسابيع في مهام القوات الخاصة.
وتقول الضابطة سانجانا المعلمة في برنامج التدريب العسكري: «إنها دورة تدريبية موجزة تشتمل على السمات الأساسية للدورة التدريبية الكبيرة لمدة عام كامل». وأوضحت أن الضابطات الأفغانيات تلقين التدريب على الأسلحة، وإطلاق النار، والاتصالات، والتكتيكات، والإدارة، والدعم اللوغيستي.
بالإضافة إلى ذلك، تدربت الضابطات الأفغانيات أيضاً على استخدام القنابل اليدوية، والأسلحة الهجومية، بما في ذلك البنادق طراز «إيه - كيه - 47»، والرماية بالذخيرة الحية كانت من بين برنامج التدريب المخصص لهن. كما تدربن على التصدي للأكمنة في الجبال عبر المحاكيات في الفصول الدراسية، وتعرضن كذلك للتدريب على استخدام الحواسيب الآلية.
ويقول المجندون الأفغان إنهم سوف يطلبون قريباً من الجيش الهندي أن يجعل برنامج التدريب للضابطات الأفغانيات يمتد لعام كامل، من أجل زيادة خبراتهن وصقل مهاراتهن في استخدام الأسلحة، ومساعدتهن في قتال حركة طالبان على نحو أفضل.
وقد لا تأتي الضابطات الأفغانيات من مجتمع منفتح مثل المجتمع الهندي، ولكن الضابطات بالجيش الوطني الأفغاني لا يزلن يمثلن مصدر إلهام لدى نظرائهن من الضابطات الهنديات فيما يتعلق بخبرات ميادين القتال، وهو المجال الذي لم يسمح بعد بدخوله للضابطات الهنديات حتى الآن.
وبفضل الماضي المزري لحكم حركة طالبان، لا تزال أفغانستان تحاول لشق طريقها على مسار تحرير المرأة الأفغانية، بيد أن الجيش الوطني الأفغاني يبدو وأنه قد حاز قصب السبق على تلك الجبهة. إذ تلعب النساء في الجيش دوراً مساوياً للدور الذي يلعبه الرجال، سواء بسواء، عندما يتعلق الأمر بالقتال في الخطوط الأمامية.
وحتى مع أن الضابطات الهنديات يتدربن جنباً إلى جنب مع الرجال في الجيش الهندي، وهن على نفس مستوى الجودة في الحرب والقتال، إلا أنهن يفتقدن للقتال الحقيقي في الخطوط الأمامية. وهذا على النقيض من الضابطات الأفغانيات اللاتي سنحت لهن الفرصة للقتال إلى جانب الضباط الرجال، برغم أن أغلب الضابطات الأفغانيات لم يحصلن على التدريب العسكري الراقي الذي حصلت عليه الضابطات الهنديات.
ويعتبر الكثير من الضباط الهنود الدورة التدريبية للضابطات الأفغانيات فرصة سانحة للضغط من أجل إلحاق الضابطات الهنديات بالأدوار القتالية في الجيش الهندي. تقول الضابطة الهندية سانجانا: «ربما نستعين بتجربة الضابطات الأفغانيات للمطالبة بإتاحة الأدوار القتالية للنساء في الجيش الهندي. فإننا نحصل على التدريب نفسه الذي يحصل عليه الرجال. ولكن لم يتم السماح لنا حتى الآن بالانضمام إلى الأدوار القتالية في الخطوط الأمامية بالجيش الهندي. وإذا تمكنت الضابطات الأفغانيات من خدمة بلادهن في القتال، فلماذا لا يُتاح نفس الأمر للضابطات الهنديات في الجيش الذي يعتبر من أكبر الجيوش التقليدية على مستوى العالم».
وأكدت الضابطة الهندية سامريتي، التي تقوم بالترجمة للضابطات الأفغانيات، على الفكرة نفسها حين قالت: «نحن نشارك في الفرق بالخطوط الأمامية، ولكننا غير مسموح لنا بالمشاركة في القتال. غير أننا قادرات على القيام بالأدوار القتالية والتعامل مع فعاليات القتال لأننا مدربات مثل الضباط الرجال سواء بسواء. وهذه الدورة التدريبية تعد من تجارب التعلم، التي نأمل أن تشجع الجيش الهندي على نشر الضابطات الهنديات في الأدوار القتالية».
ومن بين الضباط الأفغان الذين تلقوا التدريب في الأكاديمية العسكرية الهندية لتدريب الضباط، كان مشاركاً في فريق للدوريات وقاتل ضد «طالبان» في قندوز، في حين أن الآخر حارب الإرهابيين على الحدود الأفغانية الباكستانية.
وتعتبر الضابطة حسينة حكيمي هي نجمة فريق الضابطات الأفغانيات، التي حصلت على فرصة نادرة للقتال ضد «طالبان» بالقرب من الحدود الأفغانية الباكستانية.
وتقول الضابطة حسينة حكيمي: «أعمل في الجيش منذ عام واحد فقط، لكنني رأيت كيف يهاجموننا، وتعاونت أنا وضباط ذكور من زملائي في القضاء على أربعة منهم. وقد وقفت وجهاً لوجه أمام الموت، لكن لم أشعر بالخوف. كل ما يمكنني قوله إن الكثير من النساء داخل هذا البلد يشعرن بالخوف حتى اليوم تجاه الخروج من منازلهن بسبب (طالبان). وينبغي أن توفر الهند من جانبها مزيداً من الدعم، وتمد فترة البرنامج التدريبي لعام».
داخل جلسات التدريب، جرت حالة من تبادل المهارات بين الضابطات من كلا الجيشين. وفي الوقت الذي لقنت الضابطات الهنود مهارات عسكرية محترفة لنظرائهن الأفغانيات، فإنهن تعلمن أيضاً بعض أساليب القتال داخل ميدان القتال الفعلي.
من ناحيتها، استعرضت النقيب أنوشا نزاري بفخر إصابة في يدها تعرضت لها بسبب لغم أرضي، أثناء مطاردتها عناصر خارجة عن القانون في أفغانستان.
العمل العسكري
والمخاوف الاجتماعية
تأتي هذه المجموعة من السيدات من بلاد يعيش فيها من يرتدي الزي العسكري في خوف دائم من التعرض للقتل. من جانبها، كشفت أزيري أن: «النساء المشاركات في الجيش أو الشرطة لا يحظين بتقدير في مجتمعنا». وأضافت: «في الحقيقة أسرتي وأسرة زوجي الوحيدون الذين يعرفون بأمر مشاركتي في الجيش. أما الآخرون، فيعلمون أنني مدرسة فحسب. وإذا ما حصلت أي من الجماعات المتمردة على أي إشارة لأنني أعمل بالجيش، سنصبح جميعاً مستهدفين. ومع هذا، لا أشعر بالقلق حيال ذلك الأمر، ولا تزال لدي رغبة في أن أكون جزءاً من هذه القوة في خضم تطلعنا نحو مستقبل أفضل لبلادنا».
وتشبه قصة أزيري قصة الكثير من السيدات داخل الجيش الأفغاني. على سبيل المثال، قالت النقيب ساهكينا زاهيدي التي عملت كفنية في القوات الجوية الأفغانية على مدار الأعوام الثماني الماضية: «كان والدي طبيباً ووالدتي مدرسة، لكنني في ظل حكم (طالبان) حرمت من التعليم، وأجبرت على العيش في ظل البرقع. ومع ذلك فقد تمكنا من الانتقال إلى كابل عندما سيطرت (طالبان) على المنطقة التي نقيم بها». وفي إشارة إلى التهديد الذي تمثله «طالبان» على البلاد، قالت لفتنانت كولونيل د. ربيعة غارشن، طبيبة في الفيالق الطبية الأفغانية: «تشكل (طالبان) و(داعش) مشكلتين داخل أفغانستان، في الوقت الذي لا يروق للكثير من الأفغان فكرة وجود نساء داخل الجيش».
وأضافت أنه بعيداً عن العلن، تعرب الكثير من النساء عن رغبتهن في الانضمام إلى الجيش، لكن لا تزال الكثيرات منهن يخشين الخروج من المنزل في بعض أجزاء أفغانستان بسبب الإرهاب.
التجربة الهندية
قالت إحدى المتدربات: «في البداية كان التدريب صعباً، لكن بدأنا نعتاد عليه اليوم. وقد اكتسبنا الكثير من المهارات هنا. وأود من جانبي التدريب على العمل كضابطة لأننا بحاجة لمزيد من الضابطات في الجيش لتوفير الأمن للنساء».
اللافت أن ركوب الدراجة بالنسبة لهؤلاء السيدات الأفغانيات شكل حرية كبيرة، نظراً لأنه غير مسموح للنساء في أفغانستان بركوب الدراجة. في المقابل، كانت الدراجة وسيلة التنقل الوحيدة داخل أكاديمية التدريب في الهند. ومع ذلك، تؤكد المتدربات الأفغانيات أنهن يعشقن «بوليوود» وكن يحرصن على محاولة تعلم اللغة الهندية من خلال أفلامها حتى في وقت حكم «طالبان».