لاجئون ينقلون المطبخ السوري إلى موائد الأميركيين

ماجد عبد الرحيم وزوجته في منزلهما بواشنطن
ماجد عبد الرحيم وزوجته في منزلهما بواشنطن
TT

لاجئون ينقلون المطبخ السوري إلى موائد الأميركيين

ماجد عبد الرحيم وزوجته في منزلهما بواشنطن
ماجد عبد الرحيم وزوجته في منزلهما بواشنطن

وصل ماجد عبد الرحيم للعمل في «يونيون كيتشن». وكانت مساحة المطابخ التجارية المضاءة والمشرقة في شمال شرقي واشنطن مليئة بطاولات الطهاة، ورفوف المعجنات، والعديد من الطهاة الذين يحاولون تأسيس الشركات الناشئة. وهي المرة الثانية للشيف ماجد في العمل ذلك اليوم، ولذلك كان داخل المطبخ يجهز الطلبات في وقت متأخر من الليلة الماضية، وحتى الصباح الباكر.
ويعمل ماجد، البالغ من العمر 29 عاماً، في «فودهيني»، وهي خدمة توصيل الوجبات للمنازل، التي توظف الطهاة المهاجرين في واشنطن. وتأسست الشركة الناشئة بواسطة نوبتسا فيليب فانغ، وهو نجل لاجئين من لاوس، الذي اكتشف بعد وصوله من مينيسوتا إلى جورجتاون قبل ثلاثة أعوام للحصول على ماجستير إدارة الأعمال، أنه يفتقد مطبخ هامونغ المحلي الذي تربى عليه في بلاده. ويقول فانغ: «كنت أتوق كثيراً لبعض من وصفات والدتي، وكنت أفكر لو أمكنني العثور على امرأة مسنة أو سيدة من السيدات اللاتي يعشن في أحد الأحياء المجاورة لأشتري بعضاً من طعامهن». وما تمتعت به والدته، الذي كان يسهل تسويقه إن توفرت لديها الموارد الكافية، هو مهارتها الرائعة في فن الطهي. وأضاف فانغ يقول: «لا بد من إيجاد وسيلة لخلق الفرص هنا لأناس مثل والدتي».
يعتبر ماجد من أبرز الطهاة لدى شركة «فودهيني». وعلى موقع الشركة، يعرض ماجد قائمة بالأطعمة الخاصة به: «باميتان»، وهو طبق من البامية الهشة المسلوقة مع الثوم والكزبرة، وطبق «المتبل»، وهو صلصة الباذنجان والطحينة تشبه سلاطة «بابا غنوج» المعروفة، و«الكباب الهندي»، وهو عبارة عن كرات اللحم المطهية في يخني الطماطم المتبلة.وعلى غرار فانغ، لا ينفصم عشق ماجد للطعام ولعائلته عن بعضهما البعض أبداً: والكثير من البنود على قائمة ماجد هي من الأطباق التي اعتادت والدته طهيها لأجله عندما كان صبياً في بلدة صغيرة بجنوب سوريا. وحتى بعد التحاقه بمدرسة تعليم الطهي في سوريا، وبعد سنوات من عمله في المطاعم، لا يزال ماجد يعتبر والدته هي معلمته الأولى، وأفضل طاهية طعام عرفها في حياته.
يقول ماجد لي عن طريق أحد المترجمين: «عليك أن تحب الطهي كي تتفوق فيه». ويوضح وهو يجهز الخضراوات لطبق الفتوش، وهي سلاطة أساسية من الخس والطماطم، ورقائق بيتا المقرمشة: «إنني أجهز الفتوش، وزوجتي تعرف الفتوش، وحتى أنت يمكنك تجهيز الفتوش. ولكن في كل مرة سوف يكون الطبق مختلفاً بسبب أنه انعكاس لشخصيتك».
عندما وصل ماجد إلى واشنطن في عام 2016 صار جزءاً من تاريخ طويل من المهاجرين - وأغلبهم من اللاجئين - الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة، وبدأوا بإعداد الطعام. والطعام السوري ليست له بصمة قوية في المجتمع الأميركي. والشعب الأميركي على دراية بالمطبخ شرق الأوسطي بصفة عامة، ولكن في حين أن هناك تداخلاً بين الطعام السوري والمأكولات الشرقية الأخرى، إلا أنهما أبعد ما يكونان عن التطابق.
تقول أنيسة حلو، وهي مؤلفة من أصول سورية - لبنانية قامت بتأليف العديد من كتب الطهي حول مأكولات المنطقة، بما في ذلك كتاب بعنوان «بلاد الشام: وصفات وذكريات من الشرق الأوسط»: «إنه مطبخ غني للغاية، مع اختلافات إقليمية ملحوظة، إلى جانب مزيج من النكهات الحلوة واللاذعة، مع اللحوم المطهية مع الفواكه أو في عصير الفواكه». وتتابع السيدة أنيسة أن الجمع بين مختلف المأكولات بالمنطقة يمكن أن يلقي الضوء على الأصناف اللذيذة التي يمكن العثور عليها هناك، وتضيف قائلة: «إنه عار حقيقي ألا يتحدث أحد عن المطبخ الأوروبي الغني على سبيل المثال».
وما يجلبه ماجد وغيره من الطهاة اللاجئين إلى البلاد عندما يأتون إلى الولايات المتحدة نجد له آثاره فيما وراء الطهي والمطبخ. وتقول بوبا دويك مؤلفة كتاب بعنوان «روائح حلب: المطبخ الأسطوري لليهود السوريين»: «إن طهي الأطباق وتقاسم الأطعمة من بلدانها الأصلية هي من طرق ضمان أن الهوية والتراث لا يضيعان بضياع الوطن. بل إنها من وسائل توثيق التاريخ، بصورة أو بأخرى، للأجيال القادمة».
وفي ولاية أريزونا، ذهب ماجد للعمل في مطعم «تكس - مكس». وكانت الأطعمة مفعمة بالتوابل بأكثر مما كانت يعتاد. وبمرور الوقت، اعتاد على ذلك وأحب الأطعمة هناك، وارتبط مع زملائه في العمل، الذين علموه كيفية طهي الأطعمة هناك. وبعد مرور ثمانية أشهر، انتقل كل من ماجد، وولاء، ولارا، وراما إلى شقة صغيرة في ضاحية ريفرديل بارك بواشنطن، حتى يكونوا قريبين من العائلة.

* خدمة: {واشنطن بوست}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».