{داعش} والسعي نحو إرساء «خلافة سيبرانية»

أبواقه تسعى إلى جذب المزيد من المتطرفين

ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
TT

{داعش} والسعي نحو إرساء «خلافة سيبرانية»

ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})
ازدادت محاولات {داعش} لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة بعد القضاء على معاقله («الشرق الأوسط})

في عصر التفجر التقني والهوس بالعالم الإلكتروني حتى الإدمان، تسعى التنظيمات الإرهابية لأن تصدح بأبواقها؛ سعياً لجذب المزيد من المتواطئين معهم في التطرف وإلغاء الآخر. وقد ازدادت محاولات تنظيم داعش لإيجاد بديل عن خلافته المزعومة، بعد أن تم القضاء على معاقله المركزية في كل من العراق وسوريا، وذلك من خلال تكثيف أنشطته الإلكترونية عن بعد والتي يتفاوت قياس مدى خطورتها في الآونة الأخيرة.
هذا التوغل في التواجد على الساحة الإلكترونية والقيام بهجمات إلكترونية يسعى إلى لفت الانتباه للتنظيم وإثبات استمرارية وجوده، بالأخص وأن كبح جماحه في مناطق النزاع لم يمنعه من تنفيذ الكثير من الهجمات التي تم نقلها إلى دول غربية انتقاماً منهم، وفي الآن نفسه نتيجة قدرتهم على التحريض إلكترونياً دون الحاجة إلى التواجد الفعلي في المكان ذاته. مثل هذه العمليات هي أشبه باستنباط مفهوم «المواطنة العالمية» ومن ثمّ تحويلها إلى «المواطنة الداعشية» ليصبح الانضمام إلى التنظيم متاحاً في دول مختلفة، ويلجأ كل من ينتمي إلى التنظيم إلى «القانون الداعشي» لتخريب العالم بدلاً من القانون الدولي لحقوق الإنسان.
بداية الوجود الإلكتروني لـ«داعش»
تجلى مدى تأثير تنظيم داعش إلكترونياً منذ بدء عملياته من خلال استقطابه أعداداً كبيرة من المندرجين تحت ألوية التنظيم وأدلجتهم. وقد برز الدور المهم لاستراتيجية «داعش» الإعلامية، واستخدامه الوسائل الدعائية «البروبغندا» من خلال تبحره في العالم الإلكتروني بأحدث التقنيات في التصوير والمونتاج، وحتى تميزه في أساليب الجذب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي حسب الشريحة المستقطبة. الشبكة العنكبوتية باتت لتنظيم داعش وسطاً يتم عبره التخطيط للعمليات إرهابية والتوجيه عن بُعد. أحد أبرز قياديي التنظيم «المهندس الرئيسي» للعمليات الخارجية للتنظيم والمتحدث باسمه أبو محمد العدناني، الذي قتل في أغسطس (آب) 2016، اشتهر في جمعه ما بين الخبرة العسكرية والقدرة على الإقناع عبر الخطابة، وتمكنه من تجييش واستقطاب المؤيدين والتحريض على الشروع بهجمات تستهدف المدنيين في الغرب. هذا التوجه في استغلال العالم السيبراني استمر على النهج ذاته، بصورة أكثر حذراً نتيجة تشديد الرقابة من قِبل السلطات الدولية، بالأخص مع تضافر الجهود ما بين الجهات الأمنية والشركات الكبرى مثل «غوغل» و«تويتر» من أجل إزالة الحسابات المتطرفة أو كل ما يخص التنظيمات. مسؤولون بالأمن القومي الأميركي حذروا مجلس الشيوخ بأن انحسار تنظيم داعش في العراق وسوريا لن يقلل من قدرة التنظيم على أن يكون مصدر إلهام للقيام بهجمات تستهدف دولاً غربية من خلال الساحة الإلكترونية. وقد ذكرت لورا شياو، المديرة بالإنابة لمعلومات الاستخبارات بالمركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، أن التنظيم قد بنى عملياته الخارجية خلال العامين الماضيين، وأعلن مسؤوليته عن ما لا يقل عن 20 هجوماً على مصالح غربية؛ الأمر الذي يعكس استمرارية توجهات التنظيم، وقدرته على تحريض المتطرفين في أوطانهم على إتيان هجمات إرهابية من خلال العالم الإلكتروني، وذلك على الرغم من التشديد القوي من قِبل السلطات الدولية، على الأنشطة الإلكترونية التي يشتبه في تورطها في أعمال إرهابية. وقد تمكّنت قوات التحالف من استهداف أعضاء التنظيم وشنّ غارات جوية تسببت في مقتل عدد كبير منهم من خلال تتبع أنشطتهم الإلكترونية والتعرف على مواقعهم الجغرافية، وذلك على نسق ما صرح به وزير الدفاع البريطاني غيفن ويليامسون: «إن البريطانيين الذين يقاتلون مع (داعش) يجب أن تحدد مواقعهم ويتم قتلهم». وذلك من أجل عدم السماح لهم بالعودة إلى أوطانهم والعبث فيها وتعليله المختصر لذلك: «ببساطة رأيي هو أن إرهابياً ميتاً لا يمكنه إلحاق الضرر ببريطانيا». بالأخص وأن الخطر الداعشي سيستمر حتى عن بعد أن تمت أدلجة المتطرفين في أوطانهم ممن لم يمرّ بتجربة القتال في مناطق النزاع. استشاري الأمن في مكتب رئيس وزراء بريطانيا، باتريك ماكجينيس، ذكر أن «بريطانيا لن تكون في أمان من الهجمات المنفذة من قبل تنظيم داعش حتى يتم إيقافهم من حملاتهم الدعائية إلكترونياً». ولا يتوقف ذلك بالطبع عند الحملات الدعائية، بل ويصل إلى التواصل مع المتأثرين بالتنظيم والتحريض على القيام بهجمات عبر عدد من التطبيقات مثل برنامج «تلغرام»؛ وهو ما يسهل لهم إرسال موضوعات مشفرة يمكن التواصل بها ما بين أعضاء التنظيم بسهولة.
القرصنة تدخل عالم الإرهاب
يتجلى مؤخراً نمط جديد من الإرهاب يتجاوز الحدود التقليدية ما بين الجرائم والأعمال التخريبية وما بين والإرهاب، وإدخال المسببات والأهداف السياسية لمثل هذه الجرائم، سواء كانت قرصنة إلكترونية مثل سرقة الحسابات البنكية أم قتلاً للمدنيين. وإن كان يصعب نسب هذه الهجمات إلى جماعات إرهابية مثل «داعش» أم من قبل قراصنة متأثرين بالتنظيم، بالأخص في عصر الإغراق في التعتيم على هويات أعضاء التنظيم واتباع نمط السريّة واستعمال الأسماء المستعارة من أجل حمايتهم وإخفاء علامات جرائمهم. إلا أن كل هذه الأعمال تستغل التطور الإلكتروني وتعطيل المواقع الإلكترونية الحيوية من أجل استعراض قوتهم والتأكيد على شيطنة الآخر وتكفيره وإيجاد ضرورة لقتله.
إلا أنه بشكل عام يظهر ثمة ارتباط ما بين القراصنة وتنظيم داعش منذ بداية عهده، حيث سعى إلى استقطاب القدرات الشبابية من الجنسيات المختلفة من أجل أن يساهموا معاً في تحقيق الأهداف «الداعشية» في حملاتها الدعائية. هؤلاء الذين تم استقطابهم توجهوا إلى «الخلافة الداعشية» في كل من العراق وسوريا، من أجل التغلغل في العالم الإلكتروني والتأثير على الآخرين. هذا التوجه السيبراني لا يزال متبعاً من حثّ للشباب من مختلف دول العالم ممن تميزوا بخبرتهم في العالم الإلكتروني والقرصنة، وتحفيزهم على التخريب باسم التنظيم. أحد أشهر القراصنة في تنظيم داعش البريطاني، جنيد حسين، وُصف بـ«العقل الإلكتروني المدبر» للتنظيم ممن كان له دور بارز في تجنيد الأعضاء، وقد لاقى حتفه في سوريا بغارة جوية، عُرف فيما قبل إعلانه الانضمام إلى التنظيم ببراعته في القرصنة، وقد تمت محاكمته إثر تمكنه من اختراق دفتر عناوين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، إضافة إلى اختراقه الأمني عدداً كبيراً من حسابات شركات ومؤسسات دولية تجاوزات 1400 اختراق. وتضمنت محاولات محاميه الدفاع عنه محاولات لإثبات عدم ارتباطه بالعمليات الإرهابية، وإن انضم فيما بعد إلى تنظيم داعش.
في حين تكشف تهديدات تنظيم داعش بجمعها ما بين أنشطة إلكترونية وقرصنة تخريبية وأخرى عسكرية، ببزوغ عهد جديد يخلط ما بين المفاهيم المختلفة للجرائم والعمليات التخريبية والإرهاب؛ فالقراصنة الذين لم تكن لهم توجهات سياسية من قبل أصبحوا جزءاً من المنظومة المتطرفة التي احتضنتهم وشجعتهم على التمادي في هجماتهم. فعلى سبيل المثال، ظهر إلى الملأ جيش الخلافة الإلكتروني مرتبطاً بتنظيم داعش ليقوم بالتهديد من خلال بث مرئي ظهر إلكترونياً باللغة العربية: «نحن قراصنة داعش سنواجهكم عبر حرب إلكترونية هائلة». ووصف المواجهة بـ«الأيام السوداء التي ستتذكرونها» والتي ستفسر عملياً من خلال عمليات تم وصفها: «سنخترق مواقع الحكومات والوزارات العسكرية والشركات والمواقع العالمية الحساسية». وكعادة الوسائل الإعلامية للمتطرفين، هناك استمرار في التهويل وتضخيم الأنشطة الإرهابية بغرض التخويف والإبهار، وإن كانت بنمط عشوائي لا يمت بصلة للهالة الإعلامية الإلكترونية التي لمع من خلالها أعضاء التنظيم في الفترة السابقة من خلال دعوتهم للمتطرفين من كل بقاع الأرض التوجه إلى ملاذهم ومنطقة خلافتهم المزعومة سابقاً في كل من العراق وسوريا».
يذكر أن ما يزيد على 17 مجموعة مختصة في القرصنة واختراق المواقع أعلنت ولاءها لتنظيم داعش، في حين يظهر كذلك توجه نحو استقطاب القراصنة «المنفردين» للهجوم على البنى التحتية الحيوية وشلّ حركتها. وقد وجهت جماعة تنظيم داعش للقرصنة تهديدها الأول والأكبر نحو العدو الأزلي للتنظيمات المتطرفة، أي الولايات المتحدة؛ إذ صرح باستهدافه المواقع الإلكترونية الأميركية، وبالفعل تم نشر معلومات عن الجيش الأميركي شملت أسماءهم وعناوينهم، ومن ثم بدء تحريض «الذئاب المنفردة» باستهدافهم بعد أن تم الكشف عن هوياتهم وأماكن تواجدهم. ويتجلى وجود تفاوت للجهات المستهدفة ما بين حكومات وجيوش والبنى التحتية المهمة، إضافة إلى الشبكات الإخبارية ومواقع إلكترونية مهمة مثل ما حدث مع شبكة القنوات الفرنسية «تي في 5»، التي قام القراصنة بتعطيبها لتستبدل صفحات مواقع قنواتها بشعارات خاصة بالتنظيم، إضافة إلى مهاجمة قراصنة تنظيم داعش وسائل إعلام إماراتية شملت صحيفة «الاتحاد» وقناة «أبوظبي» لتتجاوز بذلك البلدان الغربية.
في حين قام قراصنة مرتبطون بالتنظيم في عام 2016، بنشر قائمة بالآلاف من سكان نيويورك بأسمائهم وعناوينهم الإلكترونية بغرض استهدافهم. إلا أن كل ذلك بمثابة المحاولة المستميتة للاستمرار، بالأخص مع انحسار الوهج والنفوذ الإلكتروني للتنظيم، فمن حيث تعطيل المواقع فإنه بشكل عام مؤقت لا يكسب منه التنظيم سوى الشهرة الإعلامية بما يمثل هدفاً معنوياً أكثر من كونه مادياً ملموساً؛ إذ لا يحقق أهدافاً بعيدة المدى سوى الاحتفاء بمجدهم من قبل المناصرين، والسعي نحو استقطاب المزيد من التخريبيين من خلال نشر شعاراتهم في المواقع المعطلة، إضافة إلى عبارات في بعض الأحيان. في حين لا يتعدى المناصرون في الآونة الأخيرة الذئاب المنفردة، ومن جهة أخرى الكشف عن الأسماء والعناوين من أجل استهدافهم. وقد ظهرت هجمات مضادة لتنظيم داعش، بل تطور ذلك إلى الإعلان عن حركات مضادة لهم مثل شبح واتشولا تسعى إلى تعطيل الوكالات الإعلامية المرتبطة بـ«داعش» بهدف تعميق التشكيك في مصداقية المواقع المرتبطة بالتنظيم ونشر صور إباحية فيها، وقد قام التنظيم فعلاً بالتحذير من الموضوعات التي يتم طرحها عبر وكالة «أعماق» المرتبطة به، وعدم الوثوق بها نظراً لإغراق مواقعها بمثل هذه الهجمات.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.