تنامي سرقة المحتوى الصحافي يهدد «مهنة البحث عن المتاعب»

تنامي سرقة المحتوى الصحافي يهدد «مهنة البحث عن المتاعب»
TT

تنامي سرقة المحتوى الصحافي يهدد «مهنة البحث عن المتاعب»

تنامي سرقة المحتوى الصحافي يهدد «مهنة البحث عن المتاعب»

تبدو علامات الحسرة والألم على وجوه الكثير من الصحافيين بعد رؤية موضوعاتهم، التي تكبدوا فيها العناء، منشورة في مواقع إلكترونية أخرى من قبل صحافيين اختصروا مهنة «البحث عن المتاعب» في مداومة سرقة مجهود زملائهم بآلية «القص واللصق»، دون بذل أي مجهود يذكر. شكاوى متكررة من صحافيين كثيرين تعرضوا لأشكال متنوعة من سرقة موضوعاتهم الصحافية، لم تسفر عن تحقيق أي نتيجة لوقف تلك الظاهرة المتنامية، خاصة مع زيادة عدد المواقع الإلكترونية المجهولة.
حسب شهادات العديد من الصحافيين، فإنه توجد طرق عديدة لعملية سرقة المحتوى الصحافي من الصحيفة أو الموقع الإلكتروني الذي يعملون فيه، تتمثل في إعادة نشر الموضوع الأصلي مع تغيير العنوان، أو إضافة صور جديدة للموضوع الذي احتال عليه الصحافي، واستحله لنفسه من دون مجهود، أو قيامه بإعادة صياغة الموضوع الصحافي من خلال عمل تعديلات في بداية الفقرات، وتغيير كلمات الربط، وإضافة بصمته الخاصة على الموضوع الذي يقوم بإعادة إنتاجه من جديد مع الحفاظ على الفكرة نفسها، وتتطلب هذه المرحلة مهارة عالية في الصياغة لتعديل النص الذي يحتال عليه الصحافي ويقوم بإعادة تدويره ليلائم طبيعة الموقع الإلكتروني الذي يعمل به.
يشكو الصحافي المصري ياسر خليل، مؤسس موقع «صحافي أونلاين» من أنه تعرض مرات عدة لسرقة أجزاء من المحتوى الصحافي الخاص به، أو سرقة المحتوى كاملاً دون الإشارة لجهة النشر، أو ذكر اسمه.
ويشير إلى أنه كتب تقريراً عن «استغلال القاصرات جنسياً في مصر» في صحيفة «النهار» اللبنانية، الذي أحدث ضجة في مواقع الشبكات الاجتماعية فور نشره، ولكنه فوجئ بسرقة موضوعه حرفياً من قبل مواقع إلكترونية دون الإشارة إلى الصحيفة، كما قامت بعض الصحف بإعادة صياغة المعلومات نفسها الموجودة في التقرير دون أي إضافة.
وقال خليل لـ«الشرق الأوسط»: «تزايدت ظاهرة سرقة المحتوى الصحافي بصورة ملحوظة مع ارتفاع عدد المواقع الإخبارية، ورواج مواقع الشبكات الاجتماعية، وحاجتها لمحتوى صحافي قليل التكلفة أو مجاني»، موضحاً أنه «يوجد نوعان من سرقة المحتوى الصحافي: النوع الأول هو السرقة التي يقوم بها بعض الصحافيين الكسالى، أو أنصاف الموهوبين، والنوع الثاني تقوم به مواقع إخبارية بصورة منظمة لأنها لا تتعرض لأي عقاب، أو مساءلة قانونية من الكيانات النقابية».
ويرى خليل أن «انتشار هذه الظاهرة يعود إلى عدم اتباع الصحافيين العاملين في المواقع الإلكترونية للقواعد المهنية والمواثيق الأخلاقية، فالذي يقوم بسرقة المحتوى الصحافي يستبيح حقوق الملكية الفكرية التي تخص المحتوى الصحافي الذي أنتجه الآخرون، وكذلك يستبيح أموالاً أنفقت على إنتاج هذا المحتوى، كما تؤثر هذه الظاهرة أيضاً على المستثمرين الجادين في مجال الإعلام الذين ينفقون الملايين، ثم يجدون أنفسهم في منافسة مع لصوص المحتوى أي أنها جريمة بكل المقاييس».
ولفت إلى أنه «ينجم عن جريمة سرقة المحتوى الصحافي من المواقع الإلكترونية، انتشار الإشاعات والأخبار المضللة، لأن الصحافي لم يتحقق من صحة المعلومات التي نقلها، لأن هدفه الأساسي هو تحقيق نسبة مرور كبيرة للأخبار، والموضوعات المسروقة من المواقع الأخرى».
وللحد من هذه الظاهرة، يرى خليل، أنه «يجب أن تتدخل الكيانات المنظمة للعمل الصحافي، من خلال سن قوانين لمواجهة ظاهرة سرقة المحتوى الصحافي، كما يجب أن توفر محركات البحث، والشبكات الاجتماعية أدوات جديدة للتقليل من رواج وانتشار المحتوى الصحافي المسروق، وهو ما يحدث على سبيل المثال في موقع (يوتيوب)، حيث يمكن الإبلاغ عن مقطع الفيديو المسروق، فيتم حجبه وحرمان سارقه من جني الأرباح. وعلى المنوال نفسه، يمكن أن يقوم محرك البحث (غوغل) بتخفيض ترتيب الصفحات ذات المحتوى المنسوخ أو المنقول حرفياً، فتظهر في أماكن متأخرة في صفحات البحث، فيما يصنف المواقع الإلكترونية التي انفردت بنشر المحتوى الأصلي في مراتب متقدمة».
إلى ذلك قال طلعت إسماعيل، مدير تحرير صحيفة «الشروق» المصرية، إن «ظاهرة سرقة المحتوى الصحافي من المواقع الإلكترونية تعد مرضاً تسلل إلى الصحافيين، وتقتل روح المنافسة والإبداع، وتضر بحق القارئ في المعرفة، وخصوصاً بعد انتشار التقنيات التكنولوجية الحديثة، ما سهل على السارق ارتكاب جريمته. موضحا أن «هذه الظاهرة تكشف حالة التدهور التي وصلت إليها المهنة، بسبب قيام المسؤولين عن إعداد المواقع الإلكترونية، بغض الطرف عن جريمة سرقة المحتوى الصحافي، يصل أحيانا إلى حد التواطؤ في هذه الجريمة».
ويقترح إسماعيل أهمية توعية القائمين على المواقع الإلكترونية بخطورة السطو على جهد الزملاء الآخرين، وأن يتخذوا كل الوسائل والعقوبات الرادعة لقمع هؤلاء الصحافيين، كما يجب أن تتدخل النقابات المهنية لوقف هذا التدهور، من خلال تخصيص لجان للتحقيق في أي شكاوي من عمليات السطو على المحتوى الصحافي، بالإضافة إلى صدور تشريعات لتقنين أوضاع المواقع الإلكترونية، بحيث يكون القائمون عليها صحافيون نقابيون يمكن محاسبتهم، عند ظهور أي شكاوى عن سرقة محتوى في مواقعهم، نقلاً عن مواقع أو صحف أخرى من دون وجه حق».
كما تعرض الصحافي المصري مصطفى فتحي، مراسل موقع «رصيف 22»، لسرقة إحدى موضوعاته، ما دفعه لمراسلة الموقع الإلكتروني الذي سرق موضوعه، وحاول فضح هذا الأمر الذي يعتبره جريمة، وقام بنشر خبر السرقة عبر موقع «فيسبوك»، معبراً عن امتعاضه الشديد مما تعرض له، وقد تضامن معه العديد من الزملاء.
وينصح فتحي الصحافيين، بعدم الصمت على حقهم، لكي تقل ظاهرة سرقة المحتوى الصحافي، إلى جانب حضور الدورات التدريبية بشكل مستمر لتعلُم أصول مهنة الصحافة، واحترام حقوق الملكية الفكرية.
وعلق الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، على ظاهرة «سرقة المحتوى الصحافي»، قائلاً: «من أهم المشاكل التي تواجه العاملين بالصحافة الإلكترونية هي نسخ ولصق الموضوع الصحافي بأكمله من دون جهد أو عناء يذكر ودون مراعاة لأبسط تقاليد وقواعد المهنة، وبالتالي تتسبب هذه الظاهرة في انتشار الشائعات، والأخبار المغلوطة».
من جهته، قال الدكتور صفوت العالم الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «يجب تطبيق المواثيق الأخلاقية في العمل الصحافي، وعدم النقل من مواقع الشبكات الاجتماعية، قبل التحقق من صدق المعلومات التي يتم تحويلها لأخبار صحافية، كما يجب أن يستثمر الصحافي بدل التدريب والتكنولوجيا في الحصول على دورات تدريبية، تصقل مهاراته في جميع فنون العمل الصحافي».



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.